ما هي آداب الحديث؟
الحديث وسيلة التواصل بين الناس، وهي الوسيلة الأساسية للتعبير عن مكنونات النفس وما يفكر به الشخص تجاه الآخرين والمواقف والأحداث المختلفة، ويكون الحديث للتعبير عما يُريد الإنسان قوله، ممّا يعني أنّ الحديث له قواعد وأصول يجب الالتزام بها حتى يُحسن الناس تواصلهم مع بعضهم بعضًا بواسطة الحوار البنّاء الذي يأتي بنتيجة إيجابية، لهذا فإنّ الحديث يكون بين أطراف متعددة تتبادل الكلام المثمر الذي له فائدة، وبسبب ذلك جاءت آداب الحديث التي حثّ عليها الإسلام وجعلها قاعدة ثابتة عند البدء بالكلام مع أي شخص للحفاظ على طبيعة الكلام المتبادل بين الأشخاص.
طبيعة الإنسان الاجتماعية تُحتّم عليه أن يتفاعل مع الأشخاص بشكلٍ يومي للتعبير عن نفسه وعمّا يُريد، لهذا فإنّ من الضروري جدًا أن يعرف كل شخص كيف يُوصل المعلومة للآخرين بواسطة الكلام، وأن يحترم طريقتهم في الاستماع حتى يتقبلوا ما يُريد قوله لهم، لهذا فإنّ معرفة الشخص المتكلم آداب الحديث يُحتم عليه أن يحترم رغبة الآخرين في الاستماع له من عدمه، وأن يقول ما يجب قوله فقط وألّا يخوض في حديثٍ ليس منه أي فائدة، خاصة أنّ الكثير من الأشخاص ليس لديهم الوقت للاستماع لأحاديث الآخرين في أي لحظة يريدونها، لهذا من البدهيّ أن يستأذن الشخص المتحدث من الآخرين قبل أن يبدأ معهم أحاديث مطوّلة.
ينظر الناس إلى الشخص الملتزم بآداب الحديث نظرة احترامٍ وتقدير وإجلال، ويعدّونه مثلًا أعلى لهم، لأنه يعرف ما يقول ويعرف تمامًا متى يتكلم ومتى يصمت، ولا يسمح لأي شخص بأن يتعدّى في حديثه على الآخرين، لهذا فإنّ الناس يقيمون شخصية من يتحدث معهم من طريقة حديثه وأسلوبه في مخاطبة الناس ولغته أثناء حواره معهم، ولا يُمكن أن يحترموا شخصًا يتحدث على نحو عشوائي ولا يعرف ماذا يقول ولا يُحاسب نفسه على ما يتفوّه به لسانه، لهذا فإنّ معرفة معنى آداب الحديث ومفهمها يُساعد الناس على أن يكونوا أكثر إدراكًا لما يقولون ويمنعهم من الوقوع في الخطأ، كما يجب أن يُدرك الناس حقيقة ثابتة وهي أنّ لقلة الكلام فضلًا أكبر من كثرته، لهذا يجب أن يلتزم الناس بالحديث القليل الصحيح الملتزم بالآداب العامة، وأن يمتنعوا عن كثرته.
معرفة معنى آداب الحوار والاستماع يدخل في مفهومه معرفة متى يجب أن يصمت الشخص، لأنّ الصمت يتخلل الأحاديث بشكلٍ طبيعي، لهذا من الخطأ أن يصمت الإنسان عندما يوجه الآخرون له حديثًا ويلبون منه الإجابة أو التفاعل معهم، لأنّ في هذا التصرف إساءة لمن يتحدث معهم الشخص، لهذا من واجب الآباء أن يعلموا أبناءهم مفهوم آداب الحديث حتى يتقنوه منذ الصغر.
آداب الحديث في الإسلام
نظم الإسلام حياة الناس من جميع جوانبها، ومن ضمن هذه الجوانب طريقة تبادل الأحاديث بينهم، حيث وضع الإسلام قواعد أساسية يجب على المسلمين أن يلتزموا بها مع بعضهم البعض، وأن يُحاولوا قدر الإمكان ألّا يخرجوا عن آداب الحديث، وأهمّ هذه الآداب ألّا يتحدث الشخص بالسوء أو الغيبة أو النميمة عن الآخرين، وأن يكون حديثه كلّه صادقًا وألّا يقول الكذب أبدًا مهما كانت الظروف، لأنّ الحديث الذي يبدأبالكذب وقول الزور هو حديث ليس منه أي فائدة.
يجب أن يخلو الحديث من الاستهزاء بالناس أو التجنّي عليهم أو الخوض في أعراضهم، كما يجب أن يمتنع الشخص بالخوض في أحاديث غير مناسبة للمجلس الذي يكون فيه، فليست كلّ المواضيع مناسبة للحديث أمام الناس أو معهم، فالبعض يعد الكثير من الأمور خصوصيات لا يجب الحديث فيها أبدًا، ولهذا يجب احترام هذه النقطة أثناء طرح الأحاديث بين الناس، ويجب أن يكون الحديث مناسبًا لفهم السامعين وبمستوى ثقافتهم وقدراتهم على الاستيعاب، وعدم تعمّد فتح مواضيع لا يفهمها الآخرون ولا يُدركون ما هي، مثل فتح مواضيع علمية معقدة مع أشخاص غير متعلمين، أو الحديث في الديانات السماوية مع أشخاص ليس لديهم ثقافة دينية حتى لا تحدث أي إساءة للدين أو فتوى من دون فهمٍ صحيح.
من آداب الكلام الأساسية أن يتوجه الشخص بالحديث لجميع الموجودين وألّا يوجه الكلام لشخص دون غيره لأنّ في هذا إساءة للباقين، كما يُمنع الاستفراد بالجلسة كلّها والكلام طوال الوقت وعدم السماح للآخرين بقول ما يُريدون، ويجب أن يلتزم الشخص بقاعدة: "قل خيرًا أو لتصمت" فإن لم يجد خيرًا يقوله فعليه ألّا يبادر بطرح رأيه، وألّا يكون حديثه مبنيًا على شماتة أو إساءة لأي شخص أو اعتقاد أو دين، لأنّ في هذا إساءة للشخص نفسه، ويجب أن يعرف الشخص الوقت المناسب تمامًا للكلام والوقت المناسب للصمت، فمن كثر حديثه كثرت سقطاته.
وصف الرسول -عليه الصلاة والسلام- الكلام الطيب بأنه صدقة، وفيما يأتي حديث شريف عن آداب الحديث: "ما منكم من أحدٍ إلا سيكلِّمُه اللهُ يومَ القيامة، ليس بينه وبينه تَرجمانُ، فينظرُ أيْمنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم وينظرُ أشأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم وينظرُ بين يدَيه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النَّار ولو بشقّ تمرة ولو بكلمةٍ طيّبة"[١]، لهذا فإنّ الحديث عندما يكون طيبًا ليس فيه أي لغط أو قول زور أو إثم فإنّه سببٌ في دخول الجنة وكسب الحسنات من الله تعالى، ويجب ألّا يستهين الإنسان بما يقوله من كلام لأنّ حديثه يترك أثره في نفس غيره وقد يمنحه طاقة إيجابية أو العكس.
من أدب الحديث والكلام ألّا يتكلم الناس بين بعضهم بالقصص المثيرة للرعب والتشاؤم والحزن، وأن يكون الحديث مبنيًا علىالتفاؤل وبث السعادة والسرور، وعدم السماح بالكلام الفارغ الذي ليس منه أي فائدة، كما يجب البدء بالسلام قبل الكلام، وألّا يبدأ الشخص حديثه على نحو مباشر، مع تجنب مقاطعة حديث الآخرين أو أخذ دورهم في الكلام، ومن الضروري ترك الجدال أثناء الحديث حتى لو كان الشخص على خطأ لأنّ الجدال يجلب الخلافات والمشاكل، ويمنع من الخروج بنتيجة من الحديث، ويجب أن يكون الصوت خفيضًا ومناسبًا للجلسة وألّا يعلو على الآخرين، وأن يكون الكلام متأنيًا وغير سريع حتى يتمكن الآخرون من فهمه جيدًا، وأن تكون الكلمات ذات معنى واضح يخلو من التمويه.
أهمية التزام آداب الحديث
أهمية التزام آداب الحديث تكمن في أنّها تقرب وجهات النظر بين الناس وتمنع سوء الفهم الذي من الممكن أن يحصل لو تحدث الناس مع بعضهم دون التزام القواعد الأخلاقية التي نصّت عليها آداب الحديث، كما أنّها تُحافظ على احترام الكبير ومكانته وتمنحه التقدير اللازم عند احترام كلامه والاستماع له بكل إنصات واستيعاب، ويمنع انتشار الكلمات البذيئة في المجتمع لأنّ الحديث التي يلتزم بالآداب اللازمة يخلو من الكلمات البذيئة والكلام المسيء للآخرين، كما تُساعد الكلمات الراقية على زيادة ترابط المجتمع وتكافله وتثبيت الحب في قلوب الناس، ويمنع حدوث النزاعات بينهم.
يُسهم الحديث المثمر في الوصول إلى نتائج إيجابية للحوار، كما يُسهم في إيجاد حلول للمشكلات، لأنّ الحوار يكون منظمًا يخلو من أي تبعات أو حديث مبطن أو كلام لا فائدة منه، ويمنح الأولوية بالحديث لمن هم أكبر سنًا وأكثر معرفة وثقافة، كما أنّ الالتزام بآداب الحديث الأساسية يمنع من انتشار الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور، ويُسهم في تسوية الأخلاق في المجتمع فيصبح أفراده ملتزمين بالحوار البناء الذي يمنحهم الفائدة بعيدًا عن الكلام الممل الفج الذي يجعل الناس يشعرون بالطاقة السلبية.
عندما يلتزم الناس بآداب الكلام ويتحاورون بإيجابية لا يحدث أي تجريح للآخرين ولا يتم التعدّي على خصوصياتهم أو محاولة معرفة أسرارهم، خاصة عندما يلتزم الجميع القواعد المتفق عليها أثناء الكلام، كما يُتيح هذا كشف الحقائق وعدم انتشار الشائعات التي تدمر المجتمع، ويجعل أفراده ينجرفون نحو أشياء لا فائدة، وتجنب التزمت بالرأي وفرض الحديث على الآخرين إن كانوا لا يرغبون به، كما أنّ هذا الالتزام يُساعد الناس في التعبير عن أنفسهم بشكلٍ أفضل والدفاع عن المظلوم ونصرة الحق وانتشار الخير، فأعظم الأشياء يمكن أن تحدث عندما يكون الحديث إيجابيًا ومثمرًا.
من خلال الحديث الإيجابي الملتزم بالقواعد الصحيحة يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يكون إحقاق الحق والبعد عن كلّ ما يؤثر على رغبات الإنسان ومكنونات نفسه، وليس غريبًا أنّ الكلمة الطيبة صدقة لأنها تحمل تأثيرًا كبيرًا جدًا في النفوس، وقد تؤثر في مصيرهم وتمنحهم أفقًا واسعًا، ويدخل في هذا أيضًا النصيحة الحقيقية التي تخرج من قلبٍ يرجو الخير للآخرين.
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عدي بن حاتم الطائي، الصفحة أو الرقم:5798، صحيح.