أهمية العمل في تلبية احتياجات الإنسان
مفهوم العمل من المفاهيم المنتشرة في كلّ المجتمعات، وفي كل أصقاع الأرض من أقصاها إلى أدناها، فالعمل هو جوهر الإنسان، وهو روح الحياة النابضة، وهو دليل الرقي والتقدم أو دليل الانحدار والتقهقر في كل مجتمع، ولا بُدّ لكلّ إنسان من عمل في الحياة حتى يتمكن من تلبية احتياجات الحياة، وكلما تقدمت الحياة وتطورت وسائلها كلما صار الإنسان أكثر حاجة للعمل الذي يسد به ثغرات الحياة ومطالبها التي تكاد لا تنتهي، بل هي في تزايد.
للعمل أهمية بالغة الأثر في تلبية احتياجات الإنسان، وحصوله على حقه في العيش عيشًا كريمًا مثله مثل الآخرين، إذ إن الإنسان عندما يعمل لا بد أن يكون له شخصية مستقلة وقرار يتمكن من اتخاذه دون تبعية للآخرين، لا سيما إذا كان هو المؤسس للعمل وليس موظفًا في مكان ما، وهذه حاجة مهمة من حاجات النفس البشرية، الشعور بالاستقلال والحرية والشخصية القادرة على اتخاذ القرارات، وهذا لا يعني الفوقية أو التسلط في القرارت، بل يعني القرارات الصائبة التي تصب في مصلحة العمل والإنسان نفسه.
يلبي العمل أيضًا حاجة مهمة للإنسان وهي الحفاظ على كرامته وحماية نفسه من ذل السؤال وطلب المال من الآخرين، وهذا أمر لا بد من معرفة قيمته، فمن الصعب بمكان أن يكون الإنسان محتاجًا ويقف مكتوف الأيدي ينتظر أن يمنّ عليه الناس ببعض ما تبقى من فتات طعامهم، أو ملابسهم المهترئة، فإنه لشعور تُقسم له فقار الظهر، ولذلك الأفضل أن يكون للإنسان عمل ولو كان بسيطًا إلا أنه يحفظ له كرامته، ويحفظ لأولاده عزة نفسهم وقوة شخصيتهم بين أصدقائهم.
الحاجة إلى الطعام والشراب واللباس حاجات بشرية لجميع البشر من أغنى إنسان فيهم إلى أشدهمفقرًا، ولا يمكن إلا للعمل أن يلبيها ويشبعها، وإن كانت هذه التلبية متفاوتة حسب طبقات المجتمع، وحسب طبيعة العمل الذي يقوم به كل إنسان، ولكن المهم في الأمر أن العمل يستطيع تلبية هذه الحاجة لدى الجميع وبطرق مختلفة ومتعددة، وهذا يُعطي العمل قيمة مُضافة وأهمية إضافية أيضًا تجعل الإنسان يحرص عليه ويسعى إلى تطويره وتحسينه باستمرار.
من الأمور المهمة في حياة الإنسان أن يكون لديه أموال، قد يصرفها ليعيش حياة أفضل، أو ليذهب إلى بعض الأماكن التي لا يعرفها أو يحتفظ بها للمستقبل، أو لأي سبب آخر، المهم أنه يحتاج للمال، ويشعر بقوة عند وجوده معه، والعمل هو الذي يُساعد الإنسان في إشباع هذه الرغبة، وهنا لا بد من الانتباه إلى طرق الحصول على هذا المال، وطرق إنفاق هذا المال أيضًا، كي يتمكن الإنسان من اختيار العمل المناسب والصحيح والمتوافق مع الأخلاق والقيم التي تربى عليها وعاش بها.
أهمية العمل في تعزيز التواصل الاجتماعي
كما يعود العمل بالخير والنتائج الإيجابية على الإنسان الذي يعمل فإنه يعود بالخير والنتائج الجيدة على المجتمع كله، فكل إنسان في العمل لا بد أنه محاط بجو اجتماعي واسع وضخم، وقليلة هي تلك الأعمال التي يمكن للإنسان أن يعمل بها منعزلًا عن المجتمع والعالم الخارجي، وهذا العمل الذي يعج بالناس من كل الثقافات ومن مختلف المعتقدات والمذاهب لا بد أن يكون له أهمية بالغة في تعزيز التواصل الاجتماعي.
فهذا العمل من شأنه أن يوسّع دائرة المعارف الشخصية لكل إنسان، وأن يزيد اطلاعه على الشخصيات وعلى تعدد مشاربها، واختلاف مواقفها ومبادئها، وكلما كان الإنسان ذكيًا كلما استطاع أن يستفيد من هذا التنوع المحيط به، ويجعله يصب في مصلحته بدلًا من النظر إلى كل من يختلف عنه أنه على خطأ وأنه لا يعرف كيف يعمل، فبكل تأكيد مَن وصل إلى مكان العمل الذي أنت فيه لا بد أنه يمتلك خبرة توازي خبرتك أو حتى أكثر، فالصحيح هو الاستفادة من هذه الخبرة وتوظيفها بدلًا من رفضها.
إضافة إلى أن العمل ضمن مجموعة من البشر يجعل الإنسان أكثر حماسًا ويسعى دائمًا لتقديم الأفضل، لأنه سيشعر بالخجل من أدنى تقصير أمام زملائه، وفي الوقت نفسه سيشعر بالسعادة عندما ينظر إليه الآخرون بعين الاحترام والتقدير على عمله المتقن الذي يقدمه، وهذا يسهم بشكل أو بآخر في تعزيز التواصل الاجتماعي بين البشر، وقد يؤدي أيضًا إلى خلق علاقات شخصية خارج إطار العمل بين الزملاء، وعندها تقوى الأواصر بين أفراد المجتمع.
من شأن العمل أيضًا أنه يساعد في توسيع دائرة الإنتاج في المجتمعات، فكثيرًا ما يُسمع عن بعض الزملاء في إحدى الشركات أنهم خرجوا وأسّسوا عملًا خاصًا بهم، وهذا لا يحصل إلا بعد تواصل اجتماعي وتعرّف إلى الخبرات المشتركة والطموحات المستقبلية، وبعدها تبدأ الأفكار بالنضج، ويبدأ التخطيط لبدء مشروع مستقل، وهذا كله يُعزى إلى دور العمل الأول في تعزيز التواصل والصلات بين الزملاء في مكان العمل، ولذلك لا يمكن الاستهانة بهذا التواصل الاجتماعي الذي يخلقه العمل في المجتمعات.
أحيانًا يكون العمل مع فريق عبر الشابكة، فقد تكون الشركة قد أُسست وكل موظف من موظفيها في بلد، وهذا سيجعل التواصل الاجتماعي بين الموظفين أكثر فائدة ونفعًا للجميع، فكل موظف سيتعرف إلى الآخرين، ويعرف ثقافاتهم وخبراتهم والعادات السائدة في مجتمعهم، وينقل منها إلى مجتمعه ما يتوافق مع النظم الاجتماعية السائدة، وهذا بكل تأكيد له دور كبير في التنوع الثقافي للمجتمعات.
فبكل تأكيد إن العمل يعزز التواصل الاجتماعي بطريقة هائلة، ويجعل للمجتمع صبغة مختلفة ومميزة، إضافة إلى أنه يجعله في تجدد وتطور مستمر، يواكب كل تطورات العصر ومستجدات الحياة.
أهمية العمل في استثمار وقت الفراغ
الالتزام بعمل ما يساعد كل إنسان في رسم نظام كامل لحياته، من لحظة الاستيقاظ حتى لحظة وضع رأسه على الوسادة، فتنظيم الوقت أمر سهل جدًا مع العمل، وهذا بعكس ما يعتقده الكثيرون من أن العمل يشتت الأفكار ويبعد الإنسان عن التنظيم المنهجي والتخطيط الدقيق ليومه، لا سيما إذا كان العمل محددًا بأوقات دوام ثابتة وأيام عطل ثابتة، عندها يمكن أن تكون إدارة الوقت في غاية السهولة، وسيتمكّن الإنسان من استثمار وقت الفراغ بطرق متعددة ومختلفة ومريحة.
إنّ أهمية العمل في استثمار وقت الفراغ تتجلى في نواحٍ عدة ومختلفة، أولها أنّ الإنسان صار قادرًا على تحديد ساعات العمل التي لا يمكن إضافة أي مهام لها، وتحديد ساعات الفراغ التي يمكن أن يستغلّها ببعض المهام التي تقاعس عن إنجازها، أو أخرّها بسبب ظرف طارئ مثل وعكة صحية أو أي عذر آخر، وعندها يستثمر وقت فراغه في إنجاز مهام مؤجلة للعمل نفسه أو لعمل آخر.
قد يكون استثمار وقت الفراغ من خلال تحديد الأولويات في العمل، والتخطيط لتحسين الأداء في العمل، أو إجراء اجتماع بسيط مع الزملاء الذين يساعدون في تقديم اقتراحات تخص العمل وتطويره، وهذا كله يدل على أهمية العمل في استثمار وقت الفراغ وتنظيمه، ومما يجدر ذكره أن وقت الفراغ يعني بعض الدقائق المقتطعة من نهار العمل، والتي يحار الإنسان كيف يقضيها، وإن كان البعض يميلون فيها إلى الراحة وتناول كوب من القهوة يساعدهم في إتمام ما تبقى من يوم العمل، وهذا أمر ممكن.
المهم في الأمر هو حسن استثمار وقت الفراغ، وتحديد موعد دقيق له، بدلًا من التشتت وعدم التنظيم، كما أن العمل يساعد في استثمار وقت الفراغ، فإن إدارة الوقت وتنظيمه واستغلال وقت الفراغ يساعد في تطور العمل وتقدمه والمحافظة على ديمومته واستمراريته، وكأن كل واحد منها في خدمة الآخر، العمل يخدم الوقت، والوقت المنظم يخدم العمل، وكلاهما يعودان بالنفع على الفرد والمجتمع إذا ما استُغلّا استغلالًا جيدًا وصحيحًا.
أما عن أيام العطل، فهذا أمر لا يمكن إغفال أهمية العمل في تنظيم أيام العطل، فالإنسان عندما يعرف يوم العطلة المخصص له، يمكنه أن يستثمر هذا اليوم بما يتناسب مع أهوائه وحياته الاجتماعية التي يعيشها فيخصصها للعائلة أو الأصدقاء أو لنفسه، وهذا أمر يختلف من شخص لآخر، ومما يجدر ذكره أن الإنسان وإن كان عمله في المنزل وعبر الشابكة، وهو عمل حر لا قيود في أوقات دوامه أو عطلته، فإن الإنسان هو حكيم نفسه، ويمكنه هو أن يحدد لنفسه ساعات الدوام وأيام العمل ويلتزم بها.
فهذا التنظيم الذاتي النابع من الداخل يساعد في إنجاز العمل على أتم وجه، ويسهم في تخصيص أوقات استراحة يستعيد بها الإنسان نشاطه وحيويته ليتابع عمله بالطاقة نفسها والحماس نفسه، فلا يقصّر ولا يتخاذل.