آداب استقبال الضيف
استقبال الضيف من الأِمور الهامة التي يجب مراعاتها وإتمامها بالشكل الصحيح، فالضيف الذي ينزل بالبيت تنزل معه البركة، لهذا وضع الإسلام عددًا من الآداب التي يجب مُراعاتها عند استقبال الضيف، وأهم هذه الآداب هو إكرام الضيف بحسب ما أمر به الرسول -عليه الصلاة والسلام- في السنة النبوية الشريفة، وكما أمر الله تعالى في القرآن الكريم، لهذا فإنّ إكرام الضيف واجب على أهل البيت، وهو من أفضل الأخلاق في الإسلام، وفي العادة تكون مدّة الضيافة ثلاثة أيام، ومن آداب استقبال الضيف أيضًا الترحيب به بحفاوة كبيرة، وإشعاره بأنه في بيته والتبسُّم في وجهه، وعدم سؤاله عن أي شيء قد يسبب له الإزعاج.
من أهم آداب استقبال الضيف الاستئذان من استقبال ضيف آخر تتم دعوته في حضوره، وذلك لعدم التسبب له بأي إزعاج، كما يجب تقديم الطعام والشراب له، وألّا يجلس صاحب البيت إلّا بعد جلوس الضيف، واستقباله بأجمل الثياب وأفضلها تكريمًا له، وبالمقابل على الضيف أن يحترم آداب الزيارة فلا يأتي دون موعد، ولا يُثقل على أهل البيت، وألّا يُثقل عليهم بطلباته، وأن يأكل من الطعام الذي يقدموه إليه، وأن يحترم البيت الذي يحلّ ضيفًا عليه، وألّا يثقل على أهل البيت بالطلبات أبدًا، وأن يدعو لصاحب البيت بالخير والبركة بعد أن يفرغ من طعامه وشرابه.
على صاحب البيت أن يفضل الضيف على نفسه وأهل بيته، وأن يقدّم له الأفضل من كلّ شيء، وألّا يهل عليه بالكلام والأسئلة الكثيرة أو يُسبب له أي نوعٍ من الأذى، كما يجب توفير جميع سبل الراحة له حتى لا يشعر بأي نقص، وعدم الغضب أمامه من الأبناء أو أيّ أحد، وعدم سرد القصص الحزينة أمامه حتى لا يشعر بالضيق والحزن، وإدخال السرور إلى قلبه، كما يجب على صاحب البيت أن يخدم ضيفه بنفسه كما كان يفعل الصحابة -رضوان الله عليهم-، وأن يكون الحديث معه بما تميل إليه نفس الضيف، وأن يقرب إليه الطعام الذي يُحبه، وعدم فراغ صاحب البيت من الطعام إلا بعد انتهاء الضيف منه.
عند تقديم الضيافة للضيوف، يجب البدء بتقديمها للضيف الأكبر سنًا ومن ثم للأصغر، والسمر والجلوس مع الضيف ومن معه، وذلك تقديرًا واحترامًا لمكانة الضيف، وبمجرّد أن يرغب الضيف بالمغادرة فيجب المشي معه وإيصاله إلى باب البيت، وهي من الأعمال المستحبة التي يُؤجر عليها أهل البيت كثيرًا، لأنّ إكرام الضيف من الأخلاق العربية الإسلامية الرفيعة التي يجب الالتزام بها، أمّا الذين لا يُكرمون الضيف فقد كان العرب يهجونهم بالشعر، ويعدّونهم بخلاء وليسوا أهلًا لاستقبال الضيف وإكرامه، وفي هذا قال الشاعر العربي في هجاء بني نجيح لعدم إكرامهم لضيوفهم وتركهم يبيتون وهو جوعى:[١]
يبيت الضيفُ عند بني نُجيح
- خميص البطن ليس له طعام
يَهونُ عليهم أن يحرموهُ
- إذا حَلَبوا لقاحهم وناموا
مظاهر إكرام الضيف
إكرام الضيف له مظاهر كثيرة، وهي مظاهر مرسخة منذ القدم وتدلّ على صفة الكرم التي يفتخر فيها الناس، وأهم مظاهر هذا الإكرام تتمثل في الأمور المتعارفة وأهمها تقديم أطيب الطعام والشراب إليه، وبحسب ما يُحب، وإبعاد الطعام الذي يكرهه عنه، ويجب الأكل مع الضيف ووضع الطعام أمامه والطلب منه بالاستزادة من مختلف أصناف الطعام، ومن كرم الضيافة استقبال الضيف بحماس كبير لأنّ الضيف ضيف الرحمن.
من أهم مظاهر الإكرام للضيف أن يتم خصّه بالأفضل من الضيافة، وأن تكون الضيافة مصحوبة بوجهٍ بشوش يُعبر عن البهجة لقدوم الضيف، وإذا كان الضيف يرغب بالنوم في بيت مضيفه فيجب توفير مكان نظيف ومرتب لينام فيه، وتوفير جميع سبل الراحة له بحيث يكون هذا المكان أفضل مكان في البيت، وتقديم الطعام والشراب له بأفضل أدوات البيت بحيث يشعر وكأنه ملك في حضرة أهل البيت.
يجب أن يكون التعامل مع الضيف تعاملًا فيه الكثير من الحب والتقدير والاحترام مهما كان قدر الضيف في مجتمعه، ولا يجوز بأي حالة من الأحوال التمييز بين الضيوف سواء كان الضيف غنيًا أم فقيرًا أم عاملًا بسيطًا أم وزيرًا، لأنّ الواجب يحتّم احترام الضيف مهما كانت ظروفه وإكرامه بكافة الطرق، خاصة أنّ الكرم حق للضيف على المضيف، وعليه أن يؤدي هذا الحق، وألّا يتعذر بالظروف أو الفقر أو الحاجة، لأنّ من يطعم الطعام يجعل الله له بركة وزيادة في الرزق والعمر.
إكرام الضيف لا يكون بما يُقدم له فقط، بل بالطريقة التي يُقدم بها، فإن كان أهل البيت فقراء وقدموا الشيء البسيط لضيفهم، ولكن إن قدموه برحابة صدر واعتذار عن التقصير سيكون لهذا وقع كبير في قلب الضيف، ويشعر بأنه نزل عند أناس يجلّونه ويحترمونه ويعتبرون زيارته لهم مكسبًا.
إكرام الضيف عند العرب
إكرام الضيف عند العرب عادة متأصلة فيهم، ويُضرب المثل بالعرب لشدّة كرمهم مع الضيف، وعند ذكر صفة إكرام الضيف والجود معه لا بدّ من استذكار طريقة العرب في معاملته وتقديم أفضل ما لدى المضيف له، ولعلّ من بين أشهر كرماء العرب في إكرام الضيف حاتم الطائي الذي كان يقدّم للضيف كلّ شيء يملكه، حتى أنّه مرة اضطر لذبح حصانه حتى يطعمه لضيفه ويُكرمه فأصبح مضرب مثل في الكرم والجود، وعادات العرب في هذا الشأن معروفة، حتى أنّ الضيف الذي يأتي لأي بيتٍ عربي يُغادره وهو مسرور ويشعر بجبران الخاطر، فعند العرب بمجرد أنّ الضيف نزل عندهم أصبح واجبه على أهل البيت جميعًا الذين يسعون لإرضائه.
عادة إكرام الضيف بالنسبة للعرب عادة منتشرة جدًا منذ أيام الجاهلية حتى، وكان يتباهون بقدوم الضيف إليهم، لهذا كانوا يستقبلون الضيوف في بيوت شيوخهم ورؤساء قبائلهم إكرامًا للضيف، كما كانوا يُشعلون النيران في الليل وسط الصحراء حتى يستدلّ الضيف على بيوتهم ويأتي إليهم ويُكرمونه بما يُريد، خاصة إذا كان قد أضاع طريقه في الصحراء، كما كانوا يُحسنون للضيف إحسانًا كبيرًا، ويحتقرون من لا يكرم ضيفه ويعتبرونه مثيرًا للشفقة لأنه فاقد للمروءة والأخلاق، حيث قال الشاعر في بذل النفس للضيف وإكرامه وتقديم أفضل الأشياء له:[٢]
لِحافي لِحافُ الضَيفِ وَالبَيتُ بَيتُهُ
- وَلَم يُلهِني عَنهُ غَزالٌ مُقَنَّعُ
أُحَدِّثُهُ إِنَّ الحَديثَ مِن القِرى
- وَتَكلَأُ عَيني عَينَهُ حينَ يَهجَعُ
كان العرب منذ القدم ينظرون إلى أنّ قرى الضيف دائمًا ميسور ولا مشقة في تأمينه لأنّ الله تعالى ييسر للضيف رزقه، حتى لو كان صاحب البيت فقيرًا، فالضيف لا يمكن أن يكون ثقيلًا على أهل البيت حتى وإن كانوا فقراء، كما أنّ العرب تعدّ الضيف هبة من الله لأهل البيت، لأن مجيئه مقرون بقدوم الخير لأهل البيت، ولهذا يذبحون الذبائح إكرامًا للضيف وابتهاجًا بقدومه.
إذا قدم الضيف إلى بيت من بيوت العرب وامتنع عن تناول الطعام أو الشراب فإنّ أهل البيت يشعرون بالضيق بالضيق والانزعاج، حتى أنّ العرب قديمًا كانوا يعتبرون امتناع الضيف عن تناول الطعام والشراب في بيته مضيفة نقصًا فيهم وإهانة كبرى، لهذا من واجب الضيف ألّا يردّ الطعام والشراب الذي يقدم له، كما كان العرب ولا يزالوا يعزمون كبار القوم بمجرد أن يحلّ بهم ضيف، وذلك تشريفًا وتعظيمًا لضيفهم وإعلاءً لمكانته، وحتى يشعر بأنه بين أهله وأحبته.
من عادات إكرام الضيف عند العرب قديمًا وحديثًا تقديم القهوة العربية السادة إليه بمجرّد أن ياتي إليهم الضيف، وبمجرّد أن يغادرهم أيضًا، ولهذا ارتبطت القهوة العربية الممزوجة بالهيل بالجود والكرم، ويعدّ البعض من الناس بأنّ رائحتها التي تفوح في البيوت دليل على شدّة الترحيب بالضيف وإكرامه والعمل على راحته، وكان العربي يعدّ نفسه خادمًا لضيفه ويفتخر بهذا، وقد ورد في الشعر العربي العديد من القصائد التي أشادت بمن يُكرم ضيفه، وفي الوقت نفسه وردت قصائد كثيرة تهجو من يتنصل من إكرام الضيف ولا يقدم له واجب الضيافة، وقد قال أحد الشعراء واصفًا إكرامه وخدمته لضيفه على الرغم من أنّه كبير قوم:[٣]
وَإِنّي لَعبدُ الضَيفِ مِن غَيرِ ذِلَّةٍ
- وَما فِيَّ إِلّا تِلكَ مِن شيمَةِ العَبد
وصف الشعراء لخدمة الضيف وإكرامه بهذه الكلمات الدميلة وغيرها يدلّ على أنّ هذه العادة فطرة لدى العرب، وعادة متجذرة عندهم تناقلها الأبناء عن الأجداد وحافظوا عليها إلى اليوم، ولهذا ليس من الغريب أن يكون مدح الآخرين مبنيًا على طريقة إكرامهم لضيوفهم وتعاملهم معهم.
إكرام الضيف في الإسلام
أمر الإسلام يإكرام الضيف وتقديم أفضل ما يمكن أن يكون في سبيل رضاه وسعادته، وجعل إكرام الضيف من الأخلاق الحميدة التي تستوجب الحصول على الأجر والثواب الكبيرين، خاصة أنّ الضيف الذي يحضر تحضر معه البركة وعندما يغادر فإنّما يغادر بذنوب أهل البيت إذا أكرموه وأدوا له حسن الضيافة، ومن الأدلة على وجوب إكرام الضيف في الإسلام أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكرم ضيفه إكرامًا كبيرًا، وكذلك كان يفعل الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن بعدهم التابعين، ولهذا فإنّ إكرام الضيف واجب على المرأة والرجل في الوقت نفسه.
من أشهر الأمثلة على إكرام الضيف ما فعله النبي إبراهيم -عليه السلام- الذي قدّم عجلًا مشويًا لضيوفه، وهذا يدلّ على أنّ كرم الضيافة من أخلاق الأنبياء -عليهم السلام-، وذكر الله تعالى قصة إكرام نبيه الخليل لضيوفه في القرآن الكريم بقوله: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}[٤]، وذُكرت هذه الحادثة أيضًا بقوله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ}.[٥]
جعل الإسلام إكرام الضيف مقرونًا برضى الله تعالى ورضى رسوله، لهذا من أراد أن يدخل الجنة ويحظى بشفاعة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فعليه أن يُكرم ضيفه، كما أنّ الطعام والشراب الذي يقدمه صاحب البيت للضيف يعدّ صدقة وله أجرٌ كبير، فإكرام الضيف يُبعد البلاء عن البيت وأهله، ويجعل لهم صيتًا حسنًا بين الناس، كما أنّ لهذا الخلق الحميد أثرًا طيّبًا في المجتمع، إذ يُصبح المجتمع أكثر ترابطًا وحبًا ورقيًا، وتنتشر فيه الأخلاق الحميدة.
جعل الله تعالى للمؤمنين الذين يُكرمون ضيوفهم مكانة عالية في الجنة، ولهذا أكّدت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة على حسن الضيافة، لأنّ حسن الضيافة من الأعمال المحببة إلى الله تعالى، ومن يفعلها خالصة لوجه الله الكريم فقد نال رضاه، ولهذا ليس من الغريب أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقوم بالضيافة بنفسه، وخدمة ضيفه على أحسن وجه، ولم يكن يُكلف خادمًا لذلك، وفي هذا تعظيم لهذا الخلق الكريم الذي يعني أن يؤدي المؤمن حقوق ضيفه بصدرٍ رحب.
من صور حسن الضيافة في الإسلام ما فعله الأنصار في المدينة المنورة مع المسلمين المهاجرين الذين قدموا من مكة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث فتحوا بيوتهم لجميع المهاجرين، وأحسنوا ضيافتهم وأكرموهم وقدموا لهم ما يحتاجون إليه من طعام وأدوات وملابس، وبهذا يكون الانصار قدوة في إكرام الضيف، ولهذا يجب على جميع المسلمين أن يُخافظوا على هذه العادة القيّمة، وأن يستمروا بإكرام ضيوفهم وتقديم أفضل الأشياء لهم حتى تظلّ راسخة في المجتمع مثل الأشجار القوية التي تحافظ على جذورها مهما طال الزمان.
المراجع
- ↑ "الأسود النهشلي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 18/01/2021م. بتصرّف.
- ↑ "الطفيل الغنوي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 18/01/2021م. بتصرّف.
- ↑ "دعبل الخزاعي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 18/01/2021م. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية:69
- ↑ سورة الذاريات، آية:24 -27