محتويات
التكنولوجيا سلاح ذو حدين
لكلِّ شيءٍ في الحياة وجهان؛ وجهٌ حسنٌ جميلٌ ووجهٌ سيءٌ قبيحٌ، وما يراه واحدنا في أمرٍ يختلف عمَّا يراه الآخر، فإنَّ الأشياء تقلِّب وجوهها بين ناظرٍ وناظر، وهذا يعتمد في كثيرٍ من الأحيان على طريقتنا في فهم الأشياء والتَّعامل معها وعلى الأهداف التي نرمي إليها في الحياة، والتكنولوجيا بوصفها أداة مُساعدة للفرد ووسيلة تسرِّع سير عجلة الحياة الدَّوّارة تحوَّلت من أداةٍ طوع الاستخدام إلى قوَّةٍ موجِّهةٍ للأفراد حتَّى أصبحوا هم في إمرتها، واتَّخذت بذلك وجهتين مختلفتين بين كونها أداة نافعة ومساعدة، وبين كونها قوَّة موجّهة ومسيطرة على إرادة المرء وأفكاره ونظرته إلى الحياة.
فقد بدأت المساعي الحثيثة لصناعة التكنولوجيا وتطويرها بهدف تسهيل الحياة، وزيادة الرَّفاه فيها بما تحمله من مجهودٍ جسديٍّ ووقتٍ قد أخذ من أعمار الأوَّلين الكثير، وبما تتيحه للإنسان من إمكانيَّة السَّيطرة على العالم من حوله وتطويع كلِّ ما هو على سطح الأرض ليصبح له فائدة، حتَّى استطاع الإنسان الطَّيران في الجو وعبور البحر في السُّفن وقصَّر المسافات بالسَّيارة، حتَّى أنَّه طوى الحدود والسُّدود والبحار والجو ليُصبح العالم قريةً صغيرةً يجمعها الهاتف المحمول في شاشةٍ لا تتجاوز مساحتها كفَّ اليد، ليصبح العالم بأكمله أمام أنظار الإنسان.
من جهةٍ أخرى، فكما سهَّلت التكنولوجيا على الإنسان حياته بما فيها من منافع له وللآخرين، فقد يسَّرت عليه سبل الأذى والشّر، فمكَّنته من شنِّ الحروب وتدمير المدن بإرسال أوامر بسيطة على أجهزة الحواسيب، فلم يعد مضطرًّا لتكليف نفسه عناء المعارك وتنظيم الجيوش وشنِّ الهجمات، ليستغني عن كلِّ ذلك بالتكنولوجيا الَّتي مكَّنت القاتل من أسلحة القتل كما مكَّنت غيره من إقامة الأبراج وتشييد الأبنية بأفضل صورةٍ وأقلِّ وقت، ليكون أثر التكنولوجيا في حياتنا اليومية ذا وجهين، فهو وسيلةٌ لعيشٍ كريمٍ وموتٍ سريعٍ في آنٍ معًا، والأمر والنَّهي في ذلك لمن كان بها أعرف وعلى استخدامها أقدر.
بالنَّظر إلى الطَّفرة التكنولوجية وتأثيرها في الشَّباب فإنَّنا نجد اختلافًا كبيرًا في أنماط الحياة بين الماضي والحاضر سبَّبته تلك الطَّفرة، فقد ولَّد الإنترنت أنماطًا جديدةً للحياة لا وجود فيها للعلاقات الأسريَّة بشكلها السَّليم، ولا مكان فيها لدفء العائلة القديم، كما أنَّها أوجدت عوالم افتراضيَّةً اغتنى فيها الشَّباب عن الواقع، فحلَّت الشَّاشة الصَّغيرة محلَّ العالم الكبير بأسره، ليغدو المفتاح الَّذي فتح أبواب العالم على بعضه بعضًا هو القفل الَّذي أغلق أبواب الدُّنيا أمام الإنسان دون شاشةٍ صغيرةٍ أصبحت في نظره وبشكلٍ غير مقصود العالم بأسره.
أهمية التكنولوجيا في حياتنا
لقد فتحت التَّطورات التكنولوجية أبوابًا كثيرةً أمام الإنسان، في العمل والتَّعليم والعلاقات الاجتماعيَّة وفي كافَّة مجالات الحياة، فمن فوائد التكنولوجيا في التعليم أنَّها مكَّنت الإنسان من التَّعلُّم بأقلِّ مجهودٍ، فصار بإمكانه أن يُتابع تحصيله العلمي من بيته واستغنى عن حمل الكتب بالأجهزة الذكيَّة وأتيح له الانتساب إلى مؤسَّساتٍ تعليميَّةٍ في بلدانٍ مختلفةٍ وبعيدةٍٍ عنه، الأمر الذي يقودنا أيضًا للحديث عن سلبيَّات التكنولوجيا في التَّعليم، بما تسبِّبه من تباعد يحرم الطُّلاب من فرص التَّفاعل على أرض الواقع وتكوين علاقاتٍ اجتماعيَّةٍ لطيفةٍ في جوِّ المدرسة أو الجامعة وما يخلقه ذلك من حسٍّ تنافسيٍّ يولِّد المزيدَ من الإبداع.
كما توفِّر التكنولوجيا تسهيلات كثيرة في أوساط العمل، حيث صار الإنسان اليوم قادرًا على مُزاولة أعماله وتحصيل الأرباح الماديَّة بأقلّ مجهودٍ، سواء كان في بيته أم مكتبه أم شركته أم مؤسَّسته الَّتي بها يعمل، فأصبح الحاسب هو أداة العمل الرَّئيسة حتّى في المجالات الَّتي تعنى بالجانب الإبداعيّ، بالإضافة إلى توفُّر الكثير من فرص العمل الَّتي تسمح للنَّاس بمزاولتها عن بعدٍ ودون أن يغادروا بيوتهم، ممّا يعني توفير أجور النقل والوقت اللازم له والمجهود الحركي المبذول في الأعمال الخارجيَّة.
قد طالت التكنولوجيا بتسهيلاتها مجالات الحياة كافَّة، فساهمت في زيادة الإنتاج، فبين عامي 1750 و1900 أسهمت الثَّورة الصناعيَّة في تحويل المجتمعات الزراعيَّة إلى صناعيَّة، كما زادت الطَّاقة الكهربائيَّة من معدَّلات الإنتاج بين عامي 1900 و 1950، ومع حدوث الطَّفرات التكنولوجية في منتصف القرن العشرين وصل الإنسان إلى القمر وحقَّق طفراتٍ إنتاجيةً هائلةً، وقد انخفضت نسبة العمالة في كافّة القطَّاعات، كما ساهم تطوُّر الآلات وأجهزة الروبوت في زيادة الكفاءة، ونتيجة لذلك فقد أشارت إحدى التَّوقُّعات إلى أنَّ الإنسان الذي سيُولد عام 2020 لن يجد وظيفةً مناسبةً مستقبلًا.
تُشير التَّوقعات إلى أنَّ الجهود المبذولة في تطوير المركبات ذاتيَّة القيادة ستسهم في تخفيض معدَّلات الحوادث في العالم، وستسهّل نقل كبار السِّن وذوي العجز، لتنقذ نحو 1.2 مليون إنسان ممَّن يموتون سنويًّا بسبب حوادث السَّير، بالإضافة إلى تأثير التكنولوجيا في طرائق الإنتاج والبيع التي يختصرها اليوم عالم الانترنت ليطلب الزبون بضاعته من بيته ويحصل عليها بأقلِّ وقتٍ وجهدٍ ممكنين، وهو ما يؤثِّر أيضًا في العمالة اللَّازمة لإجراء ذلك، فهناك وظائف ستختفي بشكلها التَّقليدي لتظهر وظائف أخرى تناسب متطلَّبات العصر الحديث وطرائق الإنتاج والبيع الحديثة.
قد أسهم الإنترنت في فرنسا في إلغاء ما يُقارب 500 ألف وظيفة خلال 15 عامًا، لكنَّه أوْجَد في المُقابل ما يقارب 1.2 مليون وظيفةٍ أخرى لم تكن موجودةً سابقًا، وقد اتَّجه المحلِّلون إلى اتِّجاهين في ذلك، رأى أصحاب الاتِّجاه الأَّول أنَّ البشر سيفقدون وظائفهم مستقبلًا ليحلَّ الذَّكاء الصِّناعيّ مكان الذَّكاء البشريّ، ورأى الاتِّجاه الثَّاني أنَّ ذلك سيأخذ زمنًا وسيحدث تدريجيًّا مما سيعطي المجتمعات فرصةً للتَّعايش مع المتغيِّرات الحديثة وهو ما يستلزم تزويد البشر بمهاراتٍ جديدةٍ تلائم المتغيِّرات التكنولوجية وتؤهِّلهم للالتحاق بسوق العمل.[١]
أثر التكنولوجيا في صحة الإنسان
طال التطوُّر التكنولوجيُّ مجالات الحياة كافَّةً بما فيها القطَّاع الطِّبيّ؛ فأسهم في جمع المعلومات وفي تطبيق التَّجارب وطرائق العلاج، حيث ساهمت في تقديم أفضل العلاجات والتَّخفيف من المعاناة بما تُوفِّره من آلاتٍ وأدويةٍ جديدةٍ حسَّنت فرص العلاج، وأسهمت في تطوير الأبحاث العلميَّة للوصول إلى رعايةٍ صحيَّةٍ أكثر كفاءة، ولم يتوقَّف الأمر عند ذلك بل إنَّ التكنولوجيا أسهمت في حلِّ مشكلاتٍ صحيَّةٍ جسيمةٍ عن طريق زراعة الأطراف الصِّناعيَّة للمرضى، بالإضافة إلى البحث في إمكانيَّة استخدام التكنولوجيا كحلٍّ بديلٍ للتبرُّع بالأعضاء.
مع كلِّ تلك المنافع الَّتي تحقِّقها التكنولوجيا إلَّا أنَّ سلبيَّات التكنولوجيا على الصِّحة تُشكِّل خطرًا كبيرًا إذا ما أساء الإنسان التَّعامل معها، فإنَّ الإفراط في استخدام الأجهزة الذكيَّة وإدمان وسائل التَّواصل يؤثِّر سلبًا في الإنسان، ويظهر هذا التَّأثير في زيادة الوزن وضعف النَّظر وأوجاع العنق والظَّهر والأرق ومشاكل السَّمع وضعف التَّركيز، بالإضافة إلى المشكلات النَّفسيَّة المتمثِّلة في الاكتئاب وانفصام الشَّخصيَّة والقلق المزمن، ممّا يعني ضرورة الاعتدال في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة لتحقِّق غرضها النَّفعيَّ دون أيِّ ضرر.[٢]
إنَّ أضرار التكنولوجيا على الأطفال تكون أكثر خطورةً منها على سواهم، فهم أكثر عرضةً للإصابة بإدمان استخدام الأجهزة الذكيَّة، الأمر الَّذي قد يحدُّ من قدراتهم العقليَّة ويثبِّط نشاطهم الدِّماغيّ وقدراتهم على الإبداع، كما يؤثِّر أيضًا في علاقاتهم الاجتماعيَّة وقدراتهم على التَّواصل مع الآخرين، ممّا يعني ضرورة وعي الأهل بمخاطر التكنولوجيا الحديثة وتوجيه أطفالهم إلى الاستخدام المُعتدل لهذه التكنولوجيا، حتى يتمكَّنوا من الاستفادة منها في المناحي العلميَّة والتَّرفيهيَّة دون مبالغةٍ وباعتدال.
واجبنا نحو التكنولوجيا
إنَّ سلبيَّات التكنولوجيا على البيئة وإيجابياتها تعتمد على طريقتنا في استخدام هذا التَّطور وتوجيهه التَّوجيه السَّليم، فهو مسؤوليَّة جماعيَّة لا تقع على عاتق فردٍ دون آخر ولا يختصُّ بها صنَّاعها وحدهم، فمن الضَّروريّ قبل أن نحتفي بأيِّ اختراعٍ جديدٍ أن ندرك منافعه ومضارَّه وأن نكوِّن نظرةً مستقبليَّةً لشكل الحياة الجديد، وهو ما يحتِّم أن نكون جزءًا من هذا التَّطوُّر ونشترك في صناعته، لا أن نبقى مجرَّد مُستهلكين للحضارة نذوب في غمارها، فإنَّنا اليوم نُعاني هذا الذَّوبان بحضارتنا وقيمنا ولغتنا العربية الَّتي تندثر في ظلِّ هذا التَّطوُّر الَّذي يحمل توقيع الغرب ولغته وأفكاره.
لو نظرنا في تأثير التكنولوجيا في اللُّغة العربيَّة سنجد الكثير من المصطلحات الجديدة الَّتي ولَّدها الغرب وأقحمت في لغتنا لافتقاد البدائل، ذلك أنَّ من يصنع التَّطوُّر يفرض لغته وثقافته بشكلٍ أو بآخر، فنرى المصطلحات الطِّبيَّة الجديدة، والمصطلحات الصِّناعيَّة والمصطلحات العلميَّة بكليَّتها تزداد بشكلٍ كبيرٍ وتدخل في قواميس اللُّغات من باب الضَّرورة الملحَّة إلى اعتماد مسمَّياتٍ للأشياء الجديدة الَّتي لا حدَّ لازديادها، ومن هنا نلتمس ضرورة الوعي للتكنولوجيا بوصفها صناعة وثقافة ولغة وفكرًا لا بوصفها مجرَّد تسهيلات للحياة، فإنَّ الوعي والنَّظرة العميقة للتَّطوُّر تعني القدرة على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بالشَّكل السَّليم.
لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن وسائل الاتصال الحديثة.
المراجع
- ↑ دانيال م.جارشتيان (2018-06-30)، "حدود تأثير التطور التكنولوجي في هيكلة الاقتصاد العالمي"، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-02T22:00:00.000Z. بتصرّف.
- ↑ هيئة التحرير (2019-09-14)، "9 أضرار تلحقها التكنولوجيا بصحة الإنسان"، النجاح، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-02T22:00:00.000Z. بتصرّف.