كيف تكون الأسرة السعيدة؟
الأسرة هي الكيان الذي يرتكز عليه المجتمع، ولهذا إذا كانت سعيدة ومستقرة فلا بدّ وأن تنتشر هذه السعادة إلى خارجها، أما الأسرة غير السعيدة فأبناؤها لا يعرفون معنى الاستقرار الأسري، وتكون الأسرة السعيدة عندما يسود فيها الانسجام والتفاهم، وخاصة بين الأم والأب، وعندما ينعم الأبناء بجو عائلي تسودة المحبة ويسوده الاحترام المتبادل بين جميع أفراد الأسرة، وعلى الرغم من حدوث المشكلات في جميع الأسر بشكلٍ طبيعي، إلّا أنّ الأسرة السعيدة تكون قادرة على حل المشكلات وتجاوزها بطريقة عادية ولا تتوقف عند هذا كثيرًا أو تُسبب التعاسة داخل الأسرة.
الأسرة السعيدة يكون أبناؤها ناجحين في حياتهم، يعرفون ماذا يريدون من الحياة ولديهم أهداف يعملون لأجل تحقيقها ويسعون لأجلها، لأنّ الأسرة جعلت الوعي فيها منهجًا لا يمكن تركه، وتكون العلاقة بين الأهل والأبناء فيها مبنية على الثقة والحب الكبير، ويتصف أبناؤها بأنهم أصحاب أخلاق كريمة لا يتصرفون إلّا في إطار الوعي حتى لا يجلبوا المشكلات أو المصائب لأهلهم، ومن أراد أن يُسعد أسرته فعليه أيضًا أن يكون مجتهدًا في دراسته سواء كان في المدرسة أم الجامعة، فالتفوّق مفتاح السعادة الذي لا يأتي إلّا بالعمل والاجتهاد الكبيرين، كما أنّ نجاح أبناء الأسرة يجعلهم يفتخرون بأنفسهم ويكون لهم مكانة بين الناس.
الأسرة السعيدة تقوم على أساس صحيح ومقوّمات لا يُمكن تجاوزها، وأوّل هذه الأسُس أن يكون اختيار كل من الأم والأب لبعضهما البعض قائمًا على التوافق الاجتماعي والثقافي والتوافق الفكري حتى يكون التفاهم بينهما موجودًا، وألّا يكون مبنيًا على المصالح الزائلة، كما يجب أن تكون تربية الأبناء صحيحة قائمة على مكارم الأخلاق والدين والعدل بحيث ينشأ أفراد الأسرة في جو يسوده النظام والاحترام والانضباط المعتدل الذي يجعلهم يصلون إلى النجاح بشكلٍ سلس.
تكون الأسرة سعيدة إذا كان فيها حوار دائم بين الآباء والأبناء بحيث يبوح الأبناء لآبائهم بكلّ ما يُشغلهم دون خوف أو توتر، وبهذه الطريقة تسود الثقة بين أفراد الأسرة جميعًا، ولا يحتاج الأبناء إلى المراقبة الحثيثة أو الخوف لأنّهم تربوا بطريقة سويّة وعلى الأخلاق السليمة السائدة في جو أسري سعيد ومطمئن، كما أنّ الأب والأم يجب أن يُعاملوا أفراد الأسرة باللّين وليس بالشدة والصراخ، وألّا يسمح لأي فرد في الأسرة أن يتعدّى على غيره أو يسلبه حقه أو أن يظلمه أو يشتمه، لأنّ تحقيق السعادة داخل الأسرة يأتي من قرار أفرادها بأن يكونوا كذلك، وقلوبهم على بعضهم البعض ولا يوجد بينهم إلًا الحب والاحترام.
مقومات الأسرة السعيدة
مقوّمات الأسرة السعيدة كثيرة، وأوّلها أن يؤدي كل فرد فيها حق الآخر بكلّ عدل، سواء الزوج والزوجة أم الأبناء، وأن يتعلّم فيها الجميع احترام بعضهم البعض والتعامل بالحب والصدق والعدل والإيثار، وأن يكونوا يدًا واحدة في مواجهة ظروف الحياة ومشاكلها وتقلباتها ويخافون على بعضهم البعض ويرشدون بعضهم في طريق الخير، وأن يقدموا لبعضهم النصيحة التي تمنعهم من ارتكاب أيّ أخطاء، وألّا يسمحوا لأي شخصٍ مهما كان أن يُسبب الفتنة داخل جو الأسرة، سواء كان هذا الشخص قريبًا أم غريبًا، كما أنّ الأسرة السعيدة تحافظ على أسرارها وتحلّ مشاكلها بنفسها، ولا تسمح لها بأن تظهر للعلن حتى لا يتكلّم عنهم أحد بالسوء.
من أهم مقوّمات الأسرة السيعدة أن يكون الدين أساسيًا، وألّا يسودها الانفلات الذي يُسبب انهيار الأخلاق والاحترام في داخل الأسرة، فالأسرة التي يلتزم أبناؤها بالصلاة والعبادة هي أسرة مثالية نموذجية متسلّحة بكل ما هو جميل لأنّ فيها مخافة الله وحده، كما أنّ من مكارم الأخلاق أن يؤدي أبناء الأسرة حقّ ربهم عليهم من صلاة وصيام، وهذا يجعلهم أصحاب قلوب رقيقة محبة لعمل الخير في كلّ وقت، كما يجب أن يكون في الأسرة احترام وعطف بحيث يحترم الكبير الصغير ويعطف الكبير على الصغير، وألّا يتمادى أحدٌ على الآخر أو يسلب حقه.
من المقومات التي تجعل أي أسرة سعيدة هو أن يتعب الآباء والأمهات في التوجيه والإرشاد لأبنائهم، بحيث لا يتركونهم في مهب الريح وينشغلون بأمور أخرى عنهم، بل يجب أن يشرف الأهل على أبنائهم ويراقبونهم بشكلٍ يومي، لأنّ من أبرز مقومات الأسرة السعيدة وصول الأبناء إلى النجاح والتفوق الذي يمنحهم الرضا الداخلي عن أنفسهم ليكونوا أشخاصًا فاعلين في مجتمعاتهم بعيدين كل البعد عن الانحراف، وهذا يتطلّب حرصًا كبيرًا وتربية صحيحة قائمة على أساس صحيح ومرن في الوقت نفسه، وبعيدًا عن الإهمال والتقاعس، كما يجب أن يتعلّم الأبناء حب الأعمام والعمات والأخوال والخالات، وعدم تربيتهم على الحقد والغل الذي يجعل الأسرة تعيسة ومفككة.
قد يظن البعض أن قيام الأسرة السعيدة قائمٌ على مقوّمات معينة مثل وجود المال الكثير، وعلى الرغم من أهميةالمال إلّا أنه ليس سرّ السعادة داخل الأسرة، بل يجب أن يكون لدى أبناء الأسرة القناعة والرضى الكامل بكلّ ما هو موود لديهم، وأن يعرفوا أن ما قسمه الله تعالى لهم من رزق إنما هو خير لهم، وأنّهم بالعمل والاجتهاد والإصرار يستطيعون تحقيق ما يريدون وليس بالمال وحده، لهذا فالسعادة داخل الأسرة أمرٌ نسبي، فالبعض يحصر نفسه في دائرة ضيقة من أسباب السعادة، دون أن يعي أنّ السعادة تأتي من الداخل وليس من الخارج، ويجب أن يكون مصدرها الإنسان نفسه الذي يصنع سعادته.
أهمية الأسرة السعيدة في بناء المجتمع
الأسرة هي أساس قيام المجتمعات، لهذا فإنّ أهمية وجود أسرة سعيدة في المجتمع ينعكس أثره على الفرد أولًا وعلى بناء المجتمع ثانيًا، فوجود الفرد وتربيته ونشأته في أسرة سعيدة تجعل منه إنسانًا إيجابيًا مقبلًا على الحياة ويحبها ولديه الشغف الكبير ليصل إلى النجاح والتميّز، كما أنّ الأسرة السعيدة تُسهم في استقرار المجتمع وزيادة حجم التكافل والترابط فيه، بحيث يحب أبناؤه بعضهم بعضًا، ولا تسوده المشكلات والجرائم، لأنّ الأسرة السعيدة تُعلّم أبناءها على الاكتفاء والصراحة، فلا يكونون مضطرين للسرقة أو فعل الجرائم ما داموا يعيشون وسط جو أسري سعيد.
بناء المجتمع يرتكز بشكلٍ أساسي على أبنائه الذين بالطبع يعيشون وسط أجواء أسرهم، فإذا كانت هذه الأسرة سعيدة لا بدّ سينعكس هذا على التطوّر والتقدّم ورقي المجتمع، وكلما كانت الأسرة داخل المجتمعات سعيدة ومستقرة كلما كانت أكثر رقيًا، وكلما تمتع أفرادها بالأمان الداخلي والسكينة التي تجعلهم أشخاصًا منتجين في مجتمعاتهم وينشغلون بتطوير أنفسهم وبلدانهم بدلًا من أن يكونوا أشخاصًا معقدين نفسيًا ليس لديهم ما يفعلونه إلا حل المشاكلات العالقة داخل أسرهم، إذ إنّ بناء المجتمع السوي السليم الذي يخلو من العقد النفسية والترسبات التي تسبب الحقد بحتاج إلى وجود أسرة سعيدة مستقرة يسودها الحب.
بالطبع لا بدّ من وجود بعض المشكلات الصغيرة في داخل كل أسرة، ووجود هذه المشكلات لا يعني الحكم على الأسرة بالتعاسة، بل يظهر مدى حرص الأب والأم على استقرار الأسرة وسعادتها من طريقة حلهم لهذه المشكلات وعدم السماح لها بأن تكبر حتى تسير الأسرة بأكملها بالاتجاه الصحيح بعيدًا عن أي طاقة سلبية يحملونها في قلوبهم أو أي تفكير غير سوي يجعلهم يشعرون بالتعاسة، لأنّ التعاسة سبب في التفكك والحزن وتكاثر الهموم في قلوب أبناء الأسرة، لهذا فإنّ إنشاء أسرة سعيدة يتطلب أن تكون الأسرة متماسكة والأم والأب والأبناء يعيشون معًا دون وجود انفصال بالطلاق أو الهجر.
المجتمع الذي يعيش أبناؤه ضمن أسر مستقرة نفسيًا واجتماعيًا هي مجتمعات مشغولة بتنمية نفسها، ولا يوجد لديها ما يمنعها من التقدم والتطوّر في كافة المجالات، بل إنّ مثل هذه المجتمعات تغري الآخرين للعيش فيها والاستقرار فيها بكل حب، وتكون مثالًا يحتذى بين جميع المجتمعات، ولتحقيق هذه السعادة وهذا الاستقرار لا بدّ من وجود توعية حقيقة قبل الزواج وبعده لمساعدة الأزواج والزوجات على إنشاء أسرة سعيدة ليس فيها ما يُعكّر صفوها، ويمكن أن يكون هذا بإلزام المتزوجين بحضور ندوات يتم تقديم النصائح فيها وطرق عديدة لحلّ المشكلات.
الأسرة السعيدة قادرة على أن تقف في وجه جميع الظروف، وأبناؤها قادرون على تخطي العقبات والصعاب مهما كانت شديدة لأنهم يأخذون القوّة من بعضهم البعض، ويستمدّون العزيمة من وجودهم إلى جانب بعضهم البعض، ويأخذون من الأم والأب نموذجًا ناجحًا في الحياة، فتنشأ لديهم الرغبة الحقيقية في أن يكونوا سعداء وناجحين حتى بعد أن يتزوج كل فرد من أفراد الأسرة ويستقرّ في بيته الخاص، سينقل تجربته في السعادة إلى بيته ويطبقها داخل أسرته لأنه نشأ عليها.
لقراءة المزيد من الموضوعات، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن الأسرة.