موضوع تعبير عن الأمانة في الإسلام

كتابة:
موضوع تعبير عن الأمانة في الإسلام

صور الأمانة في الإسلام

إنَّ الأمانة من منظور الإسلام واسعةٌ تشمل العديد من التشعّبات، بل إنها تدخل كعنصرٍ هامٍّ في المنظومة الأخلاقية التي يجب على المسلم الإحاطة بأطرافها والتحلي بسِماتها، كي يكون لبنة أساسيّة في تكوين المجتمع المسلم السويّ، والذي ينهضُ بالأمة إلى الرقيّ الأخلاقيّ ويحصّل ما ينطوي عليه ذلك النهوض من ازدهارٍ على كافة الأصعدة،

وللأمانة صورٌ شتّى تتجلى من خلالها، ولا بد هنا من التفصيل بعض الشيء في الصور التي تظهرُ الأمانةُ من خلالها، فالأمانة خلق المسلم الذي يسعى إلى الارتقاء بنفسه وغيره، وينبغي عليه أن يكون حريصًا على الانتباه إلى تفاصيلها.


مُجمَلُ تلك الصور هي الأمانة في حقوق الله تعالى، وهي تنقسم إلى قسمين، فمنها أمانة المسلم في عبادته لله عز وجل، ومنها أمانة المسلم في حقوق غيره من المسلمين، ففي الأولى ينبغي عليه أن يؤدّي العباداتِ كما فرضها الله تعالى من غير نقص ولا إهمال، لأن الله عز وجل أراد من العبد أن يلتزم بها وجعلها أمانة في عنقهِ ليُسألَ عنها في الآخرة، ويُحاسَبَ وفقَها يوم الحساب، أما الثانية فهي تشملُ العديد من المجالات التي ينبغي أن يحرص المسلم فيها على رعاية أخيه المسلم من زاوية حفظِ أموالِه وأسرارِهِ وعِرضِهِ، وجسمه وروحه ومعارفه وعلومه.


الأمانة في الأموال هي أن يستعفِفَ المسلم عمّا ليس له من مالِ غيره مما ليس له فيه حقّ، وأن يؤدّي ما عليه من حقوق ماليّة لأصحابها من دينٍ أو غيره، وأن يحتفظَ بالودائعِ التي يؤتمنُ عليها فلا يضيّع منها شيئًا ولا يتحايل على صاحبها لينالَ شيئًا منها، والأمانة العِرضِ أن يحفظَ المسلمُ أخاهُ في حضورهِ أو غيابهِ، حيثُ يكفُّ عنه أذى اللسانِ من قذفٍ أو غيبةٍ أو تكلُّمٍ في عِرضِه حتى لا ينالَ شيئًا من ذلك بسوء، وفي ذلك أهميّة عظيمة لحفظ المجتمعات من هتك الستر والتفكُّك والضياع.


أما الأمانة في الأجسادِ والأرواح فهي أن يحافظ المسلم على الآخرين بألا يتعرّض لهم بأذى جسديّ يؤثّر على صحّتهم، وأن يحذر كل الحذر من التسبب بشيءٍ قد يودي بحياةِ أحدٍ منهم، والأمانة في العلوم والمعارفِ تعني أن يحتفظ الإنسان بجهد غيرهِ من علم وفكرٍ، وذلك بأن ينسِبهُ إليه كلما استفاد منه أو نقَلَه للآخرين، وألا يحرّفهُ على لسانِ المؤلّف ولا يبدّل منهُ ما يغيّر المقصدَ ويعكّر صفو الفهم بالنسبة إلى المتلقّي، فضلًا عن انتحالِ شخصيّةٍ من الشخصيّاتِ، والتكلّم عوضًا عنها والتصرُّف بما هي مخوّلةٌ به.

 

من صور الأمانة أيضًا الأمانة في الولاية أو الرئاسة، وتلك التي تعدُّ من أعظم المسؤوليات التي تقعُ على عاتق الوالي أو السلطان، لأنها تشمل المعرفة الدقيقة بكل التفاصيل التي تجري تحت جناح تلك السلطة، فينبغي أن يُحسنَ المسؤول عنها التصرّف في الأموال التي يصرِفها على الناس ويتصرّف بها لنفسه، وأن يحسن التصرّف أيضًا بالأحكام التي يُصدرها في ميدان محاسبة الناس على أفعالهم، ومن هاتين تتفرّع الكثير من الأمور التي تجب مراعاتها، لحفظ الأمانة التي سلَّمه الله إياها في ذلك الجَمعِ من الناس ومعاشهم ومصيرهم.


من أنواع الأمانة أيضًا الأمانة في النصح والمشورة، والأمانة في الشهادة، حيث لا ينبغي أن يزوّر مسلمٌ ما رآهُ ابتغاءَ شيءٍ من عَرَضِ الدنيا، ولك ما يسمى بشهادة الزور، والأمانة في القضاء، وهي التي تقتضي أن يحكم بالحقّ فلا يتحيّزُ لفئةٍ من المتخاصمَين لسبب من الأسباب، والأمانة في الكتابة التي تقتضي أن يكتب الكاتبُ ما يُملي عليه الآخر دونَ تحريفٍ أو تحويرٍ، أو وفق الأصل الذي تُنسَخ عنه، أو طبقَ المعنى الذي تُتَرجَمُ منه، ويعدُّ حفظ السرّ من أهمّ الأمانات التي توكَلُ إلى الآخرين، فلا ينبغي إفشاؤهُ من قبل المؤتَمَن، لما في ذلك من إفسادٍ.

أما أقدسُ أشكالِ الأمانة فهي الأمانة في الرسالات السماوية، وهي حفظُ الرُّسُلِ لما يوحيهِ الله تعالى إليهم من التوحيد والتشريع، وتبليغهِ للناس كما أنزل دون زيادةٍ أو نقصان، ومنه ينهلُ الناسُ فيض الأنوار الإلهية، ويدركون أبعادَ وجودهم في هذه الحياة الدنيا فيعملون وفقها، وهي أهم مظاهر الأمانة على الإطلاق، لأنها تشريع لأمّة كاملة، وفيها من الأحكام ما يهدي أعدادًا هائلةً من البشرية إلى الطريق القويم، وهو توحيد الله تعالى.

الأمانة في سيرة الرسول

لقد حثَّت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواضع كثيرة على تأدية الأمانة وحفظها، فأبرزها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سرَّه أن يُحبَّ اللهَ ورسولَه أو يُحبَّه اللهُ ورسولُه فليصدُقْ حديثُه إذا حدَّث، وليُؤدِّ أمانتَه إذا اؤتُمِن، وليُحسِنْ جِوارَ من جاوره"[١]، كما كان يحذّر من الإفطارِ خِلسةً للصائمِ فيقولُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصومَ أمانةٌ فليحفظ أحدُكم أمانتَه".[٢]


أما أفعالُه -صلى الله عليه وسلم- فلم تخرج عن كونِها رمزًا للأمانةِ بين قومهِ من قبلِ أن يُنزل عليه الوحي، فقد كان يُلقَّبُ بالصادقِ الأمين، وخير مثالٍ على ذلك هو الموقفُ الذي حدث عند بناءِ الكعبة وسَقفِها، وقد اختلفوا في القبيلة التي يمكن أن تنالَ شرَف وضع أوّل حجرٍ في مكانِه، فكثُر الجدالُ وبدأ الخِلاف، ولم يجدوا طريقًا للوصولِ إلى قبيلةٍ يمكنُ أن تتفرّدَ بهذه المنزلةِ الكريمة، إذ إنّ كل قبيلةٍ تزعمُ أن لها الحق في ذلك.


كان أوَّلُ داخِلٍ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فلمَّا رأَوْه قالوا: هذا الأمينُ رَضِينا، هذا محمَّدٌ، فلمَّا انتَهى إليهم وأخبَرُوه، قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: هَلُمَّ إليَّ ثَوًّبا، فأُتِيَ به، فأخَذَ الرُّكنَ -يعني الحَجَرَ الأسودَ- فوضَعَه فيه بيدِه، ثمَّ قال: لِتَأخُذْ كلُّ قَبيلةٍ بناحِيةٍ مِنَ الثَّوبِ ثمَّ: ارفَعُوه جميعًا، ففَعَلوا، حتَّى إذا بَلَغُوا به موضِعَه وضَعَه هو بيدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ بَنى عليه، وكانت قُرَيشٌ تُسمِّي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبلَ أنْ ينزِلَ عليه الوَحيُ: الأمينَ.[٣]

خيانة الأمانة في الإسلام

مما لا شكّ فيه أن خيانة الأمانة هي خيانةٌ لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا ينبغي للإنسان مهما حاصرَهُ الضعفُ أن يركَنَ إلى نوعٍ من أنواع الاستهتارِ بما يؤتمَنُ عليه، وإن فرَّط بشيءٍ من ذلك فما عليه إلا الرجوع إلى الله تعالى بطلب المغفرةِ والعفو، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن الخيانةَ من كبائر الذنوب، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[٤]، وفي العطف على النهي بقول الله تعالى "تخونوا أماناتكم" معنىً يؤدّي إلى "لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم"، ويقول ابن عباس تعقيبًا على شرحِ الآية أنّ الأماناتِ هي الأعمال التي ائتَمَن الله عليها العباد، أي الفرائض، فلا تنقضوها.


يقولُ الكلبيّ أيضًا في شرح هذا المعنى أن خيانة الله ورسوله هي معصيتهما، أما خيانة الأماناتِ فهي أنَّ كل إنسانٍ مؤتمنٌ على ما افترضه الله عليه، ولن يطّلع عليه أحدٌ إلا الله تعالى. وفي قوله تعالى: {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[٥] دليلٌ واضحٌ على أنّ الله تعالى لا يُكرمُ الخائن بالهداية، ولا يوفقه إلى الرشادِ في عاقبة أمره، وتلك إشارةٌ إلى مقدار أهمية الأمانة في القرآن الكريم ومكانتها في خلق المسلم، أما رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فقد بيّن الخيانة وخطورتها في قوله: "آيةُ المنافقِ ثلاث: إذا حدّثَ كذبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا ائتُمِنَ خان".[٦]

ما هي ثمرات الأمانة؟

يمكنُ للإنسانَ ـ بعد أن يعرف ما سبق ـ أن يتساءلَ عن ذلك الخلق العظيم، وأن يقولَ بينه وبين نفسه: ماذا لو سادت الأمانة، بل كيف نحقق الأمانة؟ وما هو أثر الأمانة على الفرد والمجتمع؟ وهي أسئلة لا بد منها للمسلم الذي يريد أن يواجه الفساد المنتشر في شتى بقاع الأرض بحرصهِ على أمانته، فالانتهاكات الشخصية والعامة والسريّة والعلنية تجعل المجتمع يعجُّ بالأخطاء التي يقودُها عدم الحفاظِ على الأمانة التي توكل إلى صاحبها.


إذا قيل بأن هذا الخلق يبدأ من الفرد فما أثر التزام أفراد المجتمع بالأمانة؟ قد لا ينبغي على الإنسان أن يسعى إلى إصلاحِ مجتمعٍ كاملٍ قبل أن يسعى إلى إصلاح نفسه، فحين يبني كل فردٍ من الأفرادِ مبدأ لا يشوبُه شائبة ولا تؤثّر عليه المصاعب فإنّ المجتمع يستمرُّ في الحفاظِ على صورته المشرقةِ بين المجتمعات الأخرى، بدءًا من الفردِ وانتهاءً بأكبرِ وحدةٍ مجتمعيّة يمكنُ أن تحتوي على الأفراد، وبلا شكّ فإنّ ذلك المجتمع سيكون قادرًا على الانضباط والإنجازِ والتطوّر والتعلم من أخطائه بسرعةٍ تفوق أيّ مجتمعٍ آخر.


يمكنُ القول إنّ أصعب أنواع الأمانة هي الأمانة مع النفس، فالإنسانُ هو الرقيبُ على أفعالِه وأقوالهِ وتصرّفاته، وهو الذي يستطيع التحكم بها وفق ما يُمليه عليه العقل من صائبٍ أو خاطئ، وإذا تساءَلَ كيف تكون الأمانة مع النفس؟ ستجيبُهُ جوارِحُه التي تطلبُ منه ألا يعملَ بها إلا ما يرضي الله تعالى، فلا يمشي ولا ينظر إلى محرّم، ولا يمسُّ ولا يأكل محرمًا، وينظرُ إلى حالِ قلبِه الذي هو أهم ما يملك، فيحفظُ أمانةَ اللهِ ويجعله عامرًا بحبّ الله تعالى والسعي إلى مرضاته.

المراجع

  1. رواه الألباني ، في التوسل، عن عبد الرحمن بن أبي قراد، الصفحة أو الرقم: 145.
  2. رواه العراقي، في تخريج الإحياء، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1/317.
  3. رواه قبائل العرب ، في تاريخ الطبري ، عن الطبري ، الصفحة أو الرقم: 2/372.
  4. سورة الأنفال، آية: 27
  5. سورة يوسف ، آية: 52
  6. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 6095 .
3320 مشاهدة
للأعلى للسفل
×