تعريف الأمية
الأميّة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تتمثل بالعجز عن القراءة والكتابة بأي لغة من اللغات، وهي منتشرة في العديد من المجتمعات الإنسانية خاصة المجتمعات البدائية والدول النامية التي تعاني من النقص في التعليم والإمكانات التعليمية بصفة عامة، والأمية تجعل الإنسان غير قادر على أن يقرأ الكلمات أو أن يكتبها، فيصبح عاجزًا عن ممارسة العديد من مجالات حياته، خاصة أنّ الوقت الحالي يشهد تطورًا سريعًا في جميع المجالات التي تحتاج إلى مهارة الإنسان في القراءة والكتابة، والقدرة على فهم التعليمات التي تكون مكتوبة عادةً، لهذا فإنّ الأمية من الأشياء التي تقف عائقًا في وجه التطوّر.
في الكثير من دول العالم تشهد الأمية حربًا عليها، لأنّ تطور المجتمع مرهونٌ بتخلصه من هذه الظاهرة التي تقف عائقًا في وجه التحصيل العلمي والثقافي، كما أنها تمنع من اطّلاع الشخص الأمي على المعارف الموجودة فيالكتب لأنه لا يستطيع قراءتها، وتمنعه من تدوين الكلام الذي يرغب بقوله أو كتابته لأنه لا يعرف الكتابة، وفي الوقت ذاته تمنع الأمية من الاستيعاب بالشكل الصحيح لأنها تمنع صاحبها من تفسير العديد من الأشياء التي تحتاج إلى قراءة مكثفة في الكتب والبحث في شبكة الإنترنت، كما أنّ الشخص الأمّي يعجز عن التمييز بين الحروف الهجائية وتمنعه من تحصيل الشهادات العلمية أو الوصول إلى المراتب العليا.
يوجد العديد من أنواع الأمّية، وهي لا تقتصر على نوعٍ واحد فقط، وأبرز أنواع الأمية وأكثرها انتشارًا الأمية الهجائية التي يكون الشخص فيها عاجزًا عن معرفة الحروف الهجائية في لغته وفي أيّ لغة، خاصة أنّ هذه المعرفة أساسية جدًا في تعلم الكتابة والقراءة بالنسبة للشخص، كما يوجد الأميّة الوظيفية التي يكون فيها الشخص عاجزًا عن فهم الأساسيات الخاصة بوظيفته ولا يعرف المبادئ العامة فيها، مما يجعله عاجزًا عن القيام بها على أكمل وجه، كما يوجد الأميّة المعلوماتية التي تعيق الشخص عن الاطلاع على المعلومات المتنوعة التي يحتاجها في حياته اليومية، كما يوجد الأمية الثقافية التي تعني عدم توفر مخزون ثقافي واسع في ذهن الشخص، فلا يستطيع أن يكون واعيًا أو مثقفًا.
يعرف الكثير من الناس القراءة والكتابة، لكنهم يعانون من الأمية العلمية التي تمنعهم من الحصول على المستوى العلمي الذي يطمحون له، ويمنعهم من الحصول على الشهادة التي يحتاجون إليها لممارسة حياتهم، كما يوجد الأمية البيئية التي تعني جهل الإنسان بعناصر البيئة وكيفية المحافظة عليها والاستفادة منها واستغلالها على أكمل وجه، وهذا يعني أنّ تعريف الأمية يحتاج إلى تعريفٍ شامل وكامل ولا يقتصر على حصره بعدم القدرة على القراءة والكتابة، لهذا يجب أن يكون الشخص ملمًا بالعديد من مجالات الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية كي لا يحسب أميّا.
المشكلات المترتبة على الأمية
تترتب على الأمية الكثير من المشكلات الشخصية والاجتماعية والنفسية، كما يمكن أن يكون تأثير الأمية عالميًا بسبب انتشار الجهل والتخلف الناتج عن وجود فئة لا تُجيد القراءة والكتابة، وأهم المشكلات المترتبة على الأمية هي ما يخص الفرد الأمّي نفسه مثل: شعوره بالعجز عن مجاراة الحياة في مختلف أشكالها، كما يشعر الأمّي بانعدام الثقة بالنفس وقد يُصاب بالضياع ماديًا ومعنويًا لأنه يجهل كيف يتعامل مع الكلمات والمعلومات وحتى الحسابات، وهذا يؤثر على سير أعماله المختلفة ويُجبره على الاستعانة بغيره كي يقرأ ويكتب له، وهذا بحدّ ذاته مشكلة كبيرة.
تُسبب الأميّة جهل الأجيال وعدم القدرة على النمو والتطوّر، لأنّ وجود فئة لا تستطيع القراءة والكتابة يعني العجز عن تدريبهم وإعطائهم الخبرات الضرورية في الحياة، فالأمّي قد يعجز في كثيرٍ من الأحيان عن التنقُّل باستخدام وسائط النقل دون الاستعانة بشخصٍ آخر، لأنّه لا يُميز بين ما يُكتب على وسائط النقل، كما يمكن أن تسبب الأميّة تراجعًا في مختلف القطاعات التنموية، ممّا ينعكس أثره السلبي على الفرد والمجتمع والدولة التي تقف عاجزة أمام الطريقة الصحيحة في إيصال المعلومات للأفراد، لأنهم عاجزون عن قراءتها والتفاعل معها، كما أنّ الأمي لا يستطيع قراءة التعليمات الخاصة بالأدوية التي يتناولها، ويجب أن يأخذ التعليمات من شخصٍ آخر.
يُعاني الأمّي من عدم القدرة على التثقف في دينه إلا إذا استعان بشخصٍ غيره، فهو عاجز عن قراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ولا يستطيع أن يقرأ التفاسير المختلفة للآيات ويكتفي بالاستماع لها، وهذا يُشكّل غصة كبيرة بالنسبة له، لأنه يحرم من أجر عظيم أعدّه الله تعالى لمن يقرأ القرآن الكريم، وقد يُواجه الأمّي مشكلة في متابعة برامج التلفاز التي تتطلب قراءة ما هو مكتوب في الترجمة، ويبدو في هذا الموقف عاجزًا عن فهم ما يُقال، لأنّ المتحدثين لا يتكلمون بلغته، ولأن الترجمة بالنسبة له شيئ غامض لا يستطيع فكّ رموزه بسبب عجزه عن القراءة.
حل مشكلة الأمية
لإيجاد الحلول المناسبة للتخلص من مشكلة الأميّة لا بدّ أولًا من معرفة الأسباب والعوامل التي تُسهم في انتشارها للتخلّص من هذه الأسباب، وبناء على ذلك التفكير في الحلول المناسبة، خاصة أن تجارب العديد من الدول أثبتت نجاحها في التخلّص من الأميّة والجهل وزيادة نسبة التعليم، حتى أصبحت نسبة المتعلمين في العديد من الدول مئة بالمئة، لكن في الوقت نفسه زادت نسبة الأميّة في بعض الدول نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردّية، وبسبب الحروب والكوارث الطبيعية والسياسية وانتشار الأمراض، وهذا يُسبب انشغال الناس بأشياء أخرى غير التعليم، وانتشار الأمية وظهور أجيال كاملة غير متعلمة.
من أسباب انتشار الأميّة هو عدم كفاءة المدرسين الذين يعلمون الأطفال الصغار القراءة والكتابة، مما يُسبب نفورهم من التعليم بأكمله وعدم رغبتهم في إتمامه وهروبهم من المدرسة، وفي ذات الوقت يمكن أن يكون السبب في طبيعةالمدرسة وعدم وجود مناهج قوية أو عدم انتظام الطلبة في التعليم لأسباب مختلفة مثل: انعدام الأمن والأمان أو السكن في مناطق نائية وبعيدة تمنع الطلبة من الذهاب للدراسة، أو يمكن أن يكون بسبب معاناة بعض الأمراض جسدية أو نفسية تقلل قدرتهم على الاستيعاب، وبناء على ذلك عجزهم عن التعليم، كما يؤثر تعليم الأم والأب على الأبناء، إذا كان الآباء والأمهات غير متعلمين من الممكن أن يعجزوا عن تدريس أبنائهم، وهذا يمنعهم من فهم القراءة والكتابة بالشكل الصحيح.
يمكن حل مشكلة الأمية بجعل التعليم إلزاميًّا وخاصة للمرحلة الأساسية، ومنع أي طالب من التخلّف عن الدراسة مهما كانت الأسباب، وفعلًا قد تمّ تطبيق هذا القرار في العديد من الدول التي نجحت في تخطّي الأمية ومحوها من سجلاتها، وهذا أسهم في نشوء جيل متعلم وواع ومقبل على العلم، كما يمكن تحفيز الناس على التعلّم وجعل التعليم في المدارس مجانيًا حتى لا يتذرع أيّ أحد بالصعوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى فتح مدارس في المناطق النائية لالتحاق أكبر عدد ممكن من الأطفال بالمدارس، ومكافحة عمالة الأطفال التي تمنعهم من الالتحاق بالتعليم ونشر الوعي بأهمية محاربة الأمية والجهل والتعريف بأهمية العلم وأنه أصبح ضرورة لا مفرّ منها.
يساعد تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية في الحث على التعليم وإنشاء مدارس متخصصة لمحو الأمية، وتشجيع الالتحاق بالدراسة حتى بالنسبة للأشخاص الذين أصبحوا في عمرٍ كبير دون أن يتعلموا، وإبراز أهمية معرفتهم للقراءة والكتابة حتى يقبلوا عليها بقناعة تامة، ومن الضروري أيضًا إنشاء مدارس في مناطق الحروب والمناطق التي يوجد فيها اللاجئون لضمان التحاقهم بالمدارس ودعمهم في إكمال مسيرتهم التعليمية، والمساهمة في خلق فرص إضافية للأشخاص حتى يعلموا غيرهم، ويمكن الاستعانة بتجارب العديد من الدول التي قضت على الأمية تمامًا وأصبح لديها شعب متعلّم يذهب لطلب العلم مهما كانت الظروف والأحوال، خاصة في الدول النامية التي يُعاني بعض مجتمعاتها من الجهل الكبير وإهمال عملية التعلّم.
أهم ما يُحفز على التخلص من الجهل والأمية هو أن طالب العلم ينال فضلًا كبيرًا في الدنيا والآخرة، ويحظى بمنزلة عالية واحترام وتقدير بين الناس، أما الأمّي فمهما كان لديه من مال وقوة شخصية سيظلّ يشعر في أعماقه بالنقص الكبير لأنه لا يعرف كيف يقرأ أو يكتب، ولن تتطور مهاراته ومواهبه وخبراته، كما أنّ الأمّية تضيع العقول والذكاء وتجعل الشخص محتاجًا للآخرين في كلّ خطوة يخطوها، لهذا فهو يظلم نفسه بامتناعه عن التعلّم، ومن واجب الدول والحكومات أن تجعل الأمية تختفي تمامًا من قاموسها فلا يعود لها أي وجود، خاصة أنّ نشر وسائل التعليم أصبح اليوم أكثر سهولة من ذي قبل، وبإمكان أي شخص أن يتعلم إذا أراد.
لقراءة المزيد من الموضوعات ذات الصّلة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع عن محو الأمية.