محتويات
هل الإرهاب والتطرف وجهان لعملة واحدة؟
الإرهاب والتطرف هما إنكار حقوق الإنسان وفعل غير شرعي تقوم به مجموعات تجردت من أخلاقها ومن إنسانيتها وخرجت عن المألوف بغية أهداف سياسية أو دينية متطرفة لا تستند في أصلها على كلام وسط ولا آراء علماء ثقة، الإرهاب يكون مع التطرف وجهان لعملة واحدة حينما يُنظر إليهما من باب تحليل نفسية المجموعات التي قامت بالفعل غير الشرعي وتأثير ذلك الفعل على الأشخاص المدنيين، لكن يختلف الإرهاب عن التطرف في مسألة الفئة المستهدفة، إذ التطرف يُفرق ما بين الفئات المستهدفة، أمّا الإرهاب فيكون جماعيًا.
إن جذور التطرف والإرهاب واحدة، وكلها تصب في البوتقة نفسها التي ينتمي إليها الإرهاب، فالعدائية هي إرهاب في الحقيقة، وكذلك التطرف هو إرهاب في الحقيقة، والنتيجة الحتمية التي سيتمخض عنها هذا وذاك هي الإرهاب حتمًا، والخروج عن المألوف إنسانيًا ونبذ الأخلاق الحميدة والتجرد من البشرية والانتماء للوحشية، إنّ الأسباب لا تبرر الفعل، فلو تمّ القتل وانتهى الأمر فلا فرق بين أن يكون الرجل قتل بسبب تطرف القاتل دينيًا أو سياسيًا، وقد يحاول الإرهابي أو المتطرف إيجاد التبريرات لنفسه والخروج من دائرة القتل إلى دوائر أخرى رسمها في خياله مثل تطهير المجتمع من آفاته ولكن مهما أطلق من تسميات فإنّ فعله لا يكون إلا تدميرًا للمجتمع وانتهاكًا لحقوق الإنسان والخروج من صفة الإنسان إلى صفات أخرى.
ختامًا يمكن القول إن الإرهاب والتطرف في الحقيقة وجهان لعملة واحدة، ليسا وجهين متطابقين، وإنما هما وجهان لكلّ منهما ملامحه وتفصيلاته المختلفة عن الآخر، ولكنهما يختلفان في طريقة التنفيذ هذا الإرهاب، وإلى أيّ حدّ يمكن أن يؤثّر فعلهما الإرهابي المُخرّب في عقول الناس أو أجسادهم أو ممتلكاتهم أو أوطانهم بصورة أعم، فالذي يهدم الجيل هو كمن يهدم البيوت، والذي يزرع الخراب والسواد والدخان والنار كمن يزرع التلوث والصَّدَأ في عقول الناي ليقنعهم أنّ الحقّ باطل وأنّ الباطل حق.
برأيك، ما هي أنواع الإرهاب؟
إنّ للإرهاب أنواع كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن يمكن تمييز بعض أنواع الإرهاب الأكثر شهرة وامتدادًا على طول رقعة الخريطة الإنسانية، فمنها الإرهاب الفكري، وهو الذي يلوّث أفكار مجتمع كامل من خلال نشر الفِكر المريض الهدّام في المجتمع بين المواطنين، فيكون أيّ مواطن من أولئك المواطنين عُرضة ليصبح إرهابيًّا من أولئك الذين نراهم في الأخبار يحملون السلاح ويقتلون الأبرياء، فهذا الإرهاب خطر كبير يمكن أن يؤثّر على أجيال متعاقبة ما دامت تلك الأفكار لم تُحارب، ولم يُنشر بين أبناء المجتمع تصحيح لمفاهيم الإرهابيين وأفكارهم التي يحاولون ترويجها بشدة.
أمّا النوع الثاني من الإرهاب فهو الإرهاب النفسي، كأن تُهدّد دولة ما من الدول العُظمى بأنّها ستغزو إحدى الدول الضعيفة، فهنا يعيش السكان في حالة هلع ورعب شديدين ممّا قد تجرّه عليهم الحرب، ومن وجوهه أيضًا ما يحدث عند تهديد شخصٍ ما لشخص آخر بالأذى أو الضرب أو ما هو أكبر من ذلك، وهنا قد يعاني الشخص الذي هُدّد ويخاف وقد تتأزّم حالته النفسية، فهذا كله إرهاب نفسي يكون الغرض منه إخضاع الطرف الآخر عن طريق الخوف والتهديد بأمور مجهولة، وكلّ ما يكون بالإجبار والإكراه هو فعلٌ إرهابيٌّ في الحقيقة ولا توصيف آخر له.
أمّا النوع الأكبر والأعمّ فهو الإرهاب الأكبر الذي تندرج تحته كل الأنواع السابقة، فيكون فيه إرهاب نفسي وإرهاب عقلي، وفرضٌ لمعتقدات وأفكار يأتي بها الإرهابيون الأقوياء وغايتهم هي تسييس المجتمع الذي يسيطرون عليه بالحديد والنار وتسييره كما يريدون، فيجعلونه مملكتهم التي يحلمون بها، التي تجري فيها أنهار الدماء من الأبرياء الذين يرفضون الإرهاب ويرفضون أفعال الإرهابيين التي لا تستند إلى منطق سوى منطق الإرهاب والإكراه والإجبار.
يعتقد الإرهابي أنّ الحقيقة تطلّ من فوهة بندقيّته وعلى الناس سماعها، فإذا تعطلت تلك البندقية ولم تعد ذات نفع، ورأى الإرهابي بعينه كيف أنّ الحقيقة لا تأتي بالإكراه، حينها فقط تتجلّى أمام ناظريه العدالة الإلهية التي تقضي أن ينال كلّ ذي حقّ حقّه، وأن يُكافأ المُحسن والمسيء بما ينبغي له، فتكون هنالك حقيقة واحدة مطلقة وهي أنّ العدل هو أساس الأرض ولا بدّ لكل إنسان من أن يلقى جزاء عمله في هذه الدنيا، وأن يشرب من الكأس التي سقى الناس منها.
كيف ينشأ الإرهاب في المجتمعات؟
ينشأ الإرهاب في المجتمعات من خلال الأفكار الخاطئة التي تنتشر بين أفراد لا همّ لهم سوى تدمير الأوطان ونشر ثقافة الموت والكراهية والرعب بين أفراد المجتمع الواحد أو المجتمعات كافّة، ينشأ الإرهاب من الذين يدعون إلى النار ويعجبهم منظر الناس وهم يسيرون نحو الاحتراق، وهم ينظرون للمجتمع بأكمله وهو يمضي نحو الخراب بخطى واثقة، ينشأ من الأفكار الهدّامة التي تسعى إلى تفريق شمل الأسرة الواحدة والمدينة الواحدة والوطن الواحد، وأقرب طريقة لذلك هي أن يرتدي أعداء الوطن لباس أبنائه، ثمّ يوهمون الناس أنّهم يحبونهم ويخشون عليهم من الأخطار القادمة، فيسلّحونهم بالجهل ويدفعونهم ليقتلوا أهلهم بأيديهم.
يبدأ الإرهاب بفكرة يؤمن بها شخصٌ ما ويسعى إلى تحقيقها، فإذا عجز عن ذلك استعان بأناس يغسل أدمغتهم بأفكاره المسمومة، حتى إذا اقتنعوا بها جعلَ نفسه وليّهم وكلمته يجب أن تكون النافذة فيهم، فيجعلهم بيده كدُمى مسرح العرائس يحركهم من خلال الخيوط الخفية، ثُمّ إذا كُشفَ أمرهم كان أوّل من يتبرّأ منهم، وكلّما انتهى عدد من الإرهابيين جاء بآخرين جُدد يبدأ معهم مسرحيته الجديدة، وغير هذا الخبيث وأشباهه هنالك الدول العدوّة التي تريد للبلدان الأخرى أن يسودها الدمار، فتبثّ أفكارها المسمومة من خلال الإعلام ومن خلال أبواب أخرى.
ثمّ إنّ تلك الدول ليس عندها طريق واحد لتسلكه لدعم الإرهاب، ولكنّها تفتح أبوابًا كثيرة كي تسهّل على نفسها الولوج إلى أعماق المجتمع وضربه في الصميم، فلا يلبث المجتمع أن يغلق بابًا إلّا وتُفتح عليه أبواب كثيرة، والهدف من ذلك هو أن تبقى دولة أو عدة دول تسيطر على العالم بينما يغرق باقي العالم في الخراب والدمار، إنّ الإرهاب هو أسرع وسيلة للخراب، وهو أسرع الأدوات التي يمكنها تحطيم مُجتمع قد بني منذ آلاف السنين، يقولون إنّ ما تصنعه في عام يمكنك تدميره في دقيقة، وكذلك الإرهاب يمكنه قتل الفرح الذي عمّ في البيوت والحدائق والشوارع الطويلة لسنوات، الإرهاب عدوّ ماكر نائم يجب أن نكون متيقّظين ونحرص ألّا نوقظه.
ما هو دوري في مكافحة الإرهاب؟
إنّ الإرهاب عدوّ خطير ماكر، موجود في كلّ المجتمعات، ولكنّه نائم لا يستيقظ، ودأب الأعداء منذ القديم أن يحاولوا إيقاظه ليدمّر البلاد والمجتمعات، يحاولون إيقاظه كي يحقق مآربهم ويجعلون عالي الأرض سافلها، أولئك يحبون أن يروا الدماء وجثث القتلى تملأ الشوارع، يحبون أن يروا الموت يُحلّق مثل الصقر فوق رؤوس المساكين والبسطاء، إنّهم يخافون من الشعوب الحرّة التي تريد أن ترسم لنفسها مستقبلًا مشرقًا، مستقبلًا ليس فيه سوى الشمس مشرقة ساطعة، تعلو فيه راية العلم والأخلاق، تحافظ فيه الورود على لونها، والحدائق على خُضرتها، إنّه المستقبل المنشود الذي تطمح إليه كل الشعوب.
هنا يأتي دوري ودوركَ يا أخي في الوطن، دورنا هو أن يبقى الإرهاب نائمًا في بلادنا، بل علينا أن نجرّه وهو نائم ونرمي به إلى النار كي تحرقه ويختفي كالرماد بعد أن يطير في العاصفة، علينا أن نُحبط مخططات الأعداء، إنّهم يراهنون على تماسكنا وعلى وعينا، يريدون أن ينشروا الجهل كي ينتشر الإرهاب بسرعة، مهمتنا أن ننشر العلم والوعي والمعرفة بين إخواننا في الوطن، علينا أن نبيّن لهم خطر الإرهاب ومخططات الأعداء وماذا يريدون من مجتمعنا، علينا أن نكون متيقظين مثل الأُسود التي تحوم حول حماها تحميه وتدفع عنه المعتدين، نحن الأسود الضارية التي تدافع عن عرينها، وإنّ عريننا هو الوطن ونحن حماته.
يكمن دورنا أوّلًا في ألّا ننجر وراء أطماع المعتدين الذين ينشرون الإرهاب من خلال تعلّمنا نحن وتمسكنا بالمعرفة والبحث عن مصادر العلم والنّهل منها ما استطعنا، وبعد ذلك علينا أن ندلّ الأصدقاء والإخوة في الوطن على هذه المصادر النقيّة التي قد تعلمنا منها وشربنا من ينابيعها، وبعد أن ننشر العلم والمعرفة بين الناس فإنّ الإرهاب سيكون سلاحًا لا نفع له، سلاحًا يرتدّ على الأعداء فيقتلهم، فيكونون عندها كالذي قد صنع سيفًا ليقتل به نفسه، الإرهاب هو سلاح الجبناء الذين لا يستطيعون مواجهة خصمهم فيلجؤون إلى المكر والمراوغة حتى ينفذوا مخططاتهم الخبيثة، ولكنهم قد نسوا أنّ المكر السيّئ لا يحيق إلّا بأهله.