موضوع تعبير عن التعايش بين الأديان

كتابة:
موضوع تعبير عن التعايش بين الأديان

ماذا يعني التعايش بين الأديان؟

إذا ما أردنا أن ننظر إلى المعنى اللغويّ لكلمة التعايش نجد أنّ تعريف التعايش هو أن يحيا الناس في ألفة ومودّة، أو هو الجو الذي يسود حياة الناس مع التّفاهم بعيدًا عن معاني الحروب والعنف، والعيش هو الحياة، وعلى ذلك فبذلك نجد أنّ الفرق بين العيش والتعايش هو أنّ العيش هو ممارسة الإنسان لأمور حياته بمختلف مجالاتها من طعامٍ وشرابٍ وعملٍ وغير ذلك وفقًا للمعتقدات والأفكار التي يؤمن بها وينتمي إليها.


بينما يكون التعايش بين الأديان من خلال احترام الأديان والعيش بحب ووئام ووفاق بين جميع أفراد المجتمع، على الرغم من اختلافاتهم الدّينية والمذهبيّة والعقائدية، والتّعامل مع الآخر كونه إنسانًا فقط دون النّظر إلى مكوّنات شخصيته، وهو أيضًا التعامل الفطري القائم على المحبة والتّسامح مع الجميع، فعندما يتقبّل الإنسان الآخرين بالرّغم من اختلافاتهم العقائديّة فإنّه يصل إلى مرحلة التآخي والتّسامح، وعندها يسمو المجتمع بأسره إلى مجتمعٍ حضاريٍّ قويٍّ متماسكٍ لا يهزمه أيّ شيء.


في هذه الحياة اختلافاتٌ عديدةٌ بين الأمم والمجتمعات والأفراد، كاللغة والقوميّة والدّين وغير ذلك، ولعلّ أكثر تلك الاختلافات تأثيرًا على الشّعوب هي اختلاف الأديان والمُعتقدات الدّينيّة، فهنالك الكثير من الأديان في هذا العالم غير الديانات السماويّة الثلاث، فبالإضافة للأديان السّماويّة، وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، هنالك أديانٌ أخرى أيضًا؛ كالبوذية والمجوسيّة والهندوسيّة والسّيخيّة وغيرها من الديانات التي يعتنقها كثير من الناس حول العالم.


هذا التّنوع الدّيني بما تحمله كلُّ عقيدة من أحكامٍ وأعمالٍ وطقوسٍ وأفكارٍ خاصّة بها، قد تجعل المجتمع عرضةً للانقسام إذا لم يتقبّل كلّ فردٍ من أفراده الاختلاف عن الآخر، ولكن سرعان ما يضمحلّ ويختفي هذا الانقسام عند الاعتراف بالآخر وبخصوصيّته، وعدم التّعرّض لأيّ أمرٍ يتعلّق بمعتقداته، فلذلك يُعدّ التّعايش بين الأديان من أهمّ الأمور الّتي يجب أن يقوم عليها المجتمع ويسعى لتحقيقها، فيُمكننا أن نتعايش مع الأديان الأخرى من خلال إيجاد النقاط السّامية المشتركة بين جميع الأديان، كالحق والحب والتسامح والسّلام.


لو أنعمنا النّظر في مبادئ الدّيانات السّماوية لوجدنا أنّ جميع الدّيانات قد دعت إلى هذه المبادئ، وإذا نظرنا إلى الإنسان ذاته لوجدنا أنه قد خُلق وفُطر قلبه على الحبّ والسّلام، فإذا ما نظرتَ إلى المُحيط الذي يحيا فيه تجده إمّا ينمّي فيه ذلك الحبّ والسّلام ليصل به إلى أعلى درجاته، فتراه رحيمًا رؤومًا عطوفًا يحبّ جميع مَن حوله ويُحسن إليهم، وإمّا أن يشوّه فيه تلك الفطرة السّليمة الكريمة، وينحدر بها إلى ظلمات الكره والحقد والأنانية وتمنّي الشر للآخرين وإلحاق الأذى بهم.

كيف يكون التعايش بين الأديان؟

للتعايش بين الأديان مظاهر وأشكال عديدة ومتنوّعة، فلو صنفناها لوجدنا أنَّ كلًّا منها يندرج تحت نوعٍ من أنواع التعايش، فنرى في هذه الحياة التعايش الديني عندما يتقبّل الأفراد ديانات الآخرين ويحترمون شعائرهم الدّينيّة ولا يستخفّون بها، ويحترمون الحكماء والقدّيسين لجميع الأديان، ولا ينبذون اختلاف الآخرين، ويعترفون بوجودهم وبما يؤمنون به اعتراف وجودٍ وليس اعتراف صحّة، ويبتعدون عن إكراه الآخرين وإجبارهم على اعتناق معتقداتهم، كما أنّهم لا يقومون بالإساءة لما يعظّمه الأفراد الذين ينتمون لمعتقداتٍ مختلفة.


من أنواع التعايش أيضًا التّعايش الاقتصادي مع أهل الديانات الأخرى، بمعنى إقامة علاقات اقتصاديّة تجاريّة مع أبناء الملل والأديان الأخرى، فلو فتّشنا حولنا في هذا العالم فإنّنا سنجد الكثير من العلاقات الاقتصادية القائمة بين أمّتين تنتميان لدينَين مختلفَين، فمن شأن تلك العلاقة أن ترقى بالأمّتين للأفضل، وتوطّد المحبة والوئام بينهما بالاعتماد على العمل وتطويره دون النّظر إلى الانتماء الدّيني أو العقائديّ، وقد يكون هذا التّعاون أيضًا من خلال العمل على رفع مستوى الفقراء والارتقاء بالأمة نحو الأفضل، فلا شكّ أنّ الاستقرار الاقتصادي يؤدّي حتمًا إلى استقرار التّعايش بين الشّعوب.


من مظاهر هذا التعايش أيضًا التعايش الاجتماعي، الذي يتجسّد في المجتمع من خلال العلاقات الأسريّة كالصداقة مع الأنقياء من أهل الديانات الأخرى، فمن شأن تلك الصداقة أن تُقوّي العلاقات والروابط داخل المجتمع، وتقف سدًّا منيعًا بوجه دعاة الفتنة والخراب، وكذلك تُبيّن الصداقة ملامح النّقاء لدى الطّرف الآخر، وتُساهم في تبادل الخبرات بين أفراد المجتمع دون النظر لذلك الاختلاف، من خلال توحيد الحقوق والواجبات لجميع أفراد المجتمع بشكلٍ متساوٍ دون النظر إلى انتماءاتهم الدّينية فتكون الفرص متاحةً للجميع ويشعر الفرد بالمساواة ولا تتسلّل مشاعر الكراهية أو الحقد إلى قلبه.


من المؤكّد أن يكون ذلك التّعامل مع أصحاب الدّيانات المختلفة بخلقٍ حسنٍ ولطفٍ ولينٍ ومحبّة؛ فالاختلاف معهم في الدين لا يعني معاملتهم بصورة سيِّئة، ولكن أن نُحسِنَ إلى مُحسِنِهم ونترفّع عن مسيئهم، ثمّ تكون الخطوة الأخرى من خلال إيجاد أهداف التعايش المشتركة بين الدّيانات المختلفة التي تخدم الإنسانية وتحقّق مصالحها الأساسية بالاعتماد على الحوار بين أفراد هذه الأديان، بالإضافة إلى مد يد العون إليهم عند الحاجة لذلك، وعند حصول أيّ خلافٍ بين أفراد المجتمع المتنوّع فإنّ الحلّ يكمُن في العودة إلى تلك المبادئ العُليا المشتركة بينهم لإيجاد الحل المناسب الذي يتماشى مع الجّميع ويناسبهم.


من مظاهر التعايش بين الأديان هنالك التعايش الثقافي، فالثّقافة لها دورٌ مهمٌّ في ترسيخ التعايش بين النّاس، فهي الوسيلة التي تظهر من خلالها إنسانيّة الأفراد وتعبّر عن شخصياتهم وتُسهم في الالتقاء مع الآخرين، فكلُّ ثقافةٍ لها مجموعة من المحاسن التي تُميّزها عن غيرها من الثقافات بما تحمله في طيّاتها من خصائص الشّخصيّات التي نُقلتْ عنهم، وبما تتمتّع به هذه الشّخصيّات من خصوصيّة دينيّة وشخصيّة.


هذا التّعايش والقَبول للآخر لا يعني أن ننسف مُعتقداتنا أو نغيّر فيها، ولا يعني عدم الاعتراف بمعتقداتنا الدّينيّة، بل يعني الاعتزاز بالمعتقد والانتماء له، والتّمسّك بمكوّنات الشّخصيّة الرئيسة، مع الاعتراف بوجود المعتقد الآخر والاعتراف والإقرار بالأديان السّماويّة الأخرى، والبعد عن الإرهاب والتّطرّف الدّينيّ، ومنع أي اعتداء على الآخر، والاعتراف بحقّ الآخرين في اختيار ميولهم واتّجاهاتهم دون إكراهٍ ودون أي ضغطٍ خارجيّ، فتنتهي حرّيتي عندما تبدأ حريّة الآخرين، فلكلٍّ رأيه ولكلٍّ توجهه ولكلٍّ قراره.

لماذا علينا التعايش مع الأديان؟

إنّ اختلاف الأديان بين الأمم يعدّ أحد الأسباب الرئيسة للخلافات والنزاعات وانتشار الفساد، فنجد بعض الأشخاص لا يحترمون ديانة من يختلف عنهم، ويتوجّهون بالسّخرية والاستهزاء إليه وإلى معتقداته، ممّا يؤدّي إلى حصول الخلافات والنزاعات، بينما نجد أنّ التعايش بين الأديان يؤدّي إلى اتّحاد جميع الآراء وجميع الأفكار والارتقاء بها للوصول إلى المراد بعيدًا عن أيّ قيد، فبذلكَ يُسهِمُ التّعايش بين الأديان في رفعة المجتمع وارتقائه، فبناء الوطن يقوم على ثلاثة أسس، هي الحب والإيثار واحترام الآخر مهما كان مختلفًا، فإذا زال هذا الاحترام بين الناس سيزول معه الأمان الذي يُسهم في بناء المجتمع والارتقاء به دائمًا نحو الأفضل.


هذا الهاجس قد عانتْ منه البشريّة طويلًا وأوْدى بحياة الكثيرين من الأبرياء، فالخطيئة والآثام والفهم الخاطئ للدّين وأوامره كلّها أمور قد حالت دون تحقّق التعايش الدّينيّ في المجتمعات، ودفعَت الناس إلى خوض الحروب والنّزاعات ونشوب الخلافات التي استمرّت طويلًا لإثبات أولوية وصواب المعتقد الدّينيّ الذي يؤمنون به، ولإثبات بطلان المعتقد الآخر الّذي يؤمن به الطّرف الآخر، فأصبحت الحاجة إلى تكريس مبدأ التّعايش الدّيني ضرورةً ملحّة وأمرًا مهمًّا؛ للتّخلّص من كل هذه الجرائم والاعتداءات التي ارتُكِبَت بحقّ أناسٍ أبرياء لم يكن ذنبهم سوى اختلافهم الدّينيّ عمّن هم حولهم.


إذا أردنا الوصول إلى مجتمعٍ حضاريٍّ تملؤه السّعادة والرّاحة والهناء، فإنّه يجب علينا التسامح والتعايش السلميّ مع جميع الأديان الأخرى بعيدًا عن أيّ خلافات دينيّة ومذهبيّة وعقائدية؛ لأنّ النظر والتّدقيق في هذه الاختلافات الدّينيّة والتّعصّب للنفس ورفض الآخر قد يُؤدي هذا كلّه إلى وقوع الخلافات بين أفراد المجتمع، وتلك الخلافات سرعان ما تتفاقم وتتحوّل إلى كرهٍ وحقدٍ يصل بالإنسان إلى فعل أمور غير مُحبّبة مثل: خوض الحروب وارتكاب الجرائم والأخطاء لأجل التعصّب الأعمى وقلّة الوعي والتخلّي عن مظاهر الإنسانية، وغالبًا ما تكون عاقبة هذا الأمر هلاك شعوبٍ بأكملها.


أخيرًا يجدر بنا التذكير بأنّ التسامح في الأديان السماوية كان سمةً عامّةً؛ فجميع الأديان السماويّة جاءت بتشريعات إلهيّة تنصّ على السّلام والحبّ والتّسامح والإحسان إلى الآخرين، وعدم التّعرّض بالأذى لأي شخصٍ من دون سببٍ أو على سبيل اللهو والظلم، وتلك الشرائع أيضًا نبذتْ العنف والكراهية وسلب الحقوق، لذلك لا بُدّ من التعامُل مع جميع النّاس بحُبّ وسلام دون النظر إلى شخصياتهم ومعتقداتهم الشّخصيّة.

2560 مشاهدة
للأعلى للسفل
×