مفهوم الصداقة
الصداقة علاقة اجتماعية مبنية على المحبة والاحترام والتقدير، وهي من أرقى العلاقات الإنسانية التي تتقارب فيها القلوب والأرواح، ويتبادل فيها الأصدقاء العهود على الوفاء والإخلاص، يجب أن تكون مغلفة بالمحبة والإخلاص والإيثار، حتى أنّ العلاقة بينهم تكون شبيهة بعلاقة الأخوة التي يتمنى فيها كل صديق الخير لصديقه، ولعلّ أكثر الصداقات التي تُعدّ قدوة بالنسبة للمسلمين هي صداقة الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، حيث كان أبو بكر الصديق وفيًا للنبي -عليه السلام- ويصدقه في كلّ ما يقول، وهو أوّل من صدّقه وآمن به عندما بُعث نبيًا.
مفهوم الصداقة مفهوم واسع يشتمل الكثير من الكلمات التي تُعبّر عن هذه العلاقة المتميزة، فالصداقة عالمٌ من الأخوّة التي لا تربطها علاقة الدم وإنما علاقة الأرواح التي تآلفت مع بعضها البعض وقرّب بينها الحب الإنساني الصافي، ويبدأ الإنسان بتكوين الصداقات منذ طفولته، ويكبر وتكبر معه هذه الصداقة، حتى أن بعض الصداقات تستمر منذ الطفولة وحتى الشيخوخة، ولا تتغير فيها القلوب ولا تتبدل الانتماءات، فالصديق يحفظ غيبة صديقه ويُدافع عنه في وجوده وفي غيابه، ويُعينه على فعل الخير والصلاح ويرشده إلى الطريق الصحيح، ويُمسك بيده عندما يفلتها العالم، لهذا فإنّ علاقة الصداقة فيها الكثير من الحب والإجلال الذي لا يمكن حصره.
الصداقة لا تُوصف بالكلمات ولا تحتويها العبارات، فمن كان يملك صديقًا وفيًا يشعر وكأنه ملك الدنيا وأصبحت بين يديه، فالأصدقاء هم القناديل المضيئة في الليالي المعتمة، وهم الأقمار التي تُزيّن سماء القلب في عزّ انطفائه، وهم البلسم الشافي الذي يُداوي الجروح ويعين على شدّة الحياة، فالصديق يفرح مع صديقه كما يفرح لنفسه، ويحزن على حزنه كما لو أنّ الحزن حزنه هو، وهذا كلّه يعود إلى شدّة الوفاء والولاء التي يُكنّها الأصدقاء لبعضهم البعض، لهذا فإنّ علاقة الصداقة نعمة من الله تعالى، يجب أن يصونها ويحفظها الجميع، وألّا يسمح لأيّ شيءٍ بتعكيرها مهما كان.
الحياة دون وجود الأصداق تبدو أكثر صعوبة، فالأصدقاء هم سرّ البهجة، وهم الأساس في الضحكات والمشاوير الجميلة، ودون وجودهم تبدو الحياة كئيبة ليس فيها ما يُحرّك مشاعر القلب، كما أنّ الصديق هو مخزن الأسرار الذي لا يستطيع الإنسان أن يبوح بشيء إلّا لصديقه المقرّب الذي يفهمه من مجرّد النظر في عينيه، ولهذا ليس غريبًا أن تكون علاقة الصداقة هي العلاقة البشرية الأكثر ديمومة، ويكفي أن تكون صداقة حقيقة ليس فيها أي مصلحة، ولا يرجى من خلالها تحقيق أي أهداف، لأن الصداقة التي تُبنى على المصلحة والمنفعة هي صداقة زائلة ليس لها استمرارية.
المحافظة على الصداقة
المحافظة على الصداقة من الأمور الواجبة، ومن حق الصديق على صديقه أن يحفظ صداقته ويصونها، وألّا يسمح لأي شخصٍ غريب أن يُفسد علاقة الصداقة الراقية، خاصة أنّ الصداقات الجميلة والمستقرة يُقابلها الحسد من أشخاص كثيرين، لهذا لا بدّ من أن يكون الأصدقاء على قلبٍ واحد، ويُحافظون على صداقتهم طوال العمر، ولا يفتحون مجالًا لأيّ أمر يُمكن أن يُعكّر صفو هذه الصداقة، ويكون الحفاظ عليها بحفظ أسرار الصديق وعدم البوح بها لأي شخص، وعدم خيانته أبدًا، والتغاضي عن أخطائه، فالشخص الذي لا يتغاضى عن أخطاء صديقه ولا يُسامحه عليها سيجد نفسه دون أصدقاء.
يمكن للإنسان أن يُحافظ على صداقته مع الآخرين بأن تكون نيته صافية نقية تجاه أصدقائه، وأن يحاول قدر الإمكان ردّ الأذى عنهم وعدم تركهم للضياع، وأن يتمنى لهم الخير في كلّ وقت، كما يجب أن يحرص الصديق على أن يكون تواصله مع أصدقائه فعالًا ومتاحًا في كلّ وقت وبحسب القدرة، وألّا تحصل قطيعة طويلة بينهم، وحتى لو حصلت قطيعة أو حصل خلاف، فيجب المبادرة بالاعتذار وألّا تنتهي لأيّ سببٍ كان، فالصداقة ليست بالأقوال وإنما بالأفعال، وأفضل الأصدقاء من اتّصف باللين واللطف والتسامح، ولم يجعل في قلبه حقدًا أبدًا.
الكثير من الصداقات تبدأ بين شخصين ثم تمتد إلى أسرة هذين الشخصين، فيصبح الصديق وكأنه جزء من العائلة وفردًا من أفرادها، وهذا يدلّ على عمقها والمعاني العظيمة التي تحملها، وحتى تدوم يجب على كلّ شخص أن يُحسن اختيار أصدقائه، وأن يختار من هم على شاكلته، ويختار الصديق الذي يقربه من الله تعالى ويُعينه على الاستقامة، ويتجنب الأشخاص الذين لا يصونون الصداقة ولا يحترمونها، وفي الوقت نفسه يجب على الصديق أن يحترم ضوابط وحدود الصداقة، وألّا يتدخل في خصوصيات صديقه حتى لا يُسبب له الإزعاج، وألّا يكون عبئًا عليه أبدًا، وأن لا يعين غيره عليه وأن ينصره ظالمًا أو مظلومًا وذلك من خلال نصحه وهدايته.
أهمية الصداقة
أهمية الصداقة تبرز لكونها تُشعر الإنسان بالسعادة والتكامل، فالأصدقاء يكملون بعضهم بعضًا، ويكونون العون والسند في كلّ شدّة، لهذا يجب أن يسعى الإنسان إلى الصداقة المثالية التي لا تكون مبنية على أسسٍ خاطئة، بل أسس قوية فيها كل معاني الصداقة الحقيقية، فالصديق يجب أن يكون الضلع الثابت الذي يحمي القلب من أيّ حزن، وهو يحمل عن صديقه ثقل الأيام ويهوّن المصائب في عينه، وهو عينه التي يُبصر بها، وبصيرته التي تُرشده إلى الصواب إذا تاهت به السبل وانحرفت بوصلته ولم يعد يرى الطريق بوضوح.
الصديق يُمكن أن يكون السبب في هداية صديقه ووصوله إلى أعلى المراتب، كما يمكن أن يكون سببًا في دخول صديقه إلى الجنة، فالصداقة المثالية لا تنتهي بموت أحد الأصدقاء، بل يبقى الصديق يدعو لصديقه ويتصدق عنه ويصل رحمه ويُدافع عنه ويطلب من الله تعالى أن يغفر له، ومن الأهمية الكبرى للصداقة أنها تحمي الإنسان من الشعور بالفراغ والوحدة، وتجعل له الأنس والقرب الذي يُدخل السعادة والسرور إلى قلبه، وتمنع الإنسان من الشعور بالملل، وتمنحه عقلًا إضافيًا يفكر معه، ويدًا حنونة تمسك بيده، وروحًا تساند روحه.
الأصدقاء يُساعدون بعضهم في التخلص من الأفكار السلبية التي تُشغل بالهم وتمدّهم بالطاقة الإيجابية، فيصبح الوقت معهم أكثر جمالًا ليس فيه أي ملل، وليس أجمل من اكتشاف الأماكن الجديدة معهم أو اللقاء بهم في المدرسة أو الجامعة أو في أيّ مكان، فالصديق يشعر بالأمان والاطمئنان بمجرّد أن يرى صديقه في المكان، خاصة أن الأصدقاء يعاملون بعضهم البعض بالرحمة والوفاء، ويخففون الألم والجراح، وتهون المصاعب كلّها بمجرّد وجودهم، فهم أهمّ من أي شيء، ولا معنى للحياة دون أن يكون فيها الأصدقاء الأوفياء.
وجود الصداقة في حياة الإنسان تجعله يشعر بالثقة بالنفس، حيث يستمدّ ثقته هذه من وجود أصدقائه إلى جانبه، كما يتعلّم منهم فنون الحياة ويتعرّف من خلالهم على العديد من الثقافات والعادات، كما أنّ الإنسان الذي يُصادق أشخاصًا من أماكن مختلفة يكون كما لو أنه بنى في كلّ مكانٍ من هذه الأماكن بيتًا له يلجأ إليه متى شاء، والأصدقاء أيضًا يوسعون دائرة المعارف، فيصبح الشخص اجتماعيًا أكثر ويكتسب مهارات عديدة من أصدقائه مثل طريقة الكلام الصحيحة ويتعلّم منهم فن الإصغاء وإدارة الحوار، كما يتعلّم منه طريقتهم في الحياة ومهاراتهم التي يملكونها، ويتسع أفقه معهم وتتسع مداركه.
أهمية الصداقة تنبع من وجودها بالأساس، فالشخص الذي يملك أصدقاء هو شخص محظوظ، فالأصدقاء رزقٌ ثمين لا يُقدر بالأموال، كما أنّ الأصدقاء لا يكونون بكثرتهم أو عددهم وإنما بنوعيتهم، فصديق واحد أو اثنين يكفي حتى يكون الإنسان سعيدًا، وليس شرطًا أن يكون لديه الكثير منهم، لهذا على الإنسان أن يعرف أنّ الصديق وقت الضيق، وأنّ وجوده في الحياة مهم جدًا حتى يشعر الإنسان أنّه يملك علاقات صحية تخفف عنه وطأة الحياة والأيام، وإذا أراد الإنسان أن يكون لديهم أصدقاء أوفياء فعليه أن يُبادلهم الوفاء والإخلاص، وأن يذكرهم بالخير دائمًا، فالأصدقاء يجعلون للحياة نكهة جميلة، خاصة إذا كانت صداقة حقيقة وطويلة.
الأصدقاء أثمن ما يمكن أن يمتلكه الإنسان، لهذا ليس غريبًا أن يقول الشعراء والأدباء الكثير من القصائد والحكايات عن الصداقة ويصفون أهميتها البالغة، ولا يعرف قيمتهم فعلًا إلّا من يفقدهم، فيشعر وقتها أنّه غريب وسط أناسٍ غرباء، وأنّ حياته ناقصة دون وجود أصدقائه، فالإنسان بحاجة لصديق يمسح عن قلبه التعب ويُشاركه هواياته واهتماماته وأسراره، لهذا فالقلوب النقية التي يملكها الأصدقاء لا تشتريها النقود، بل هي هبة من الله تعالى، وعلى كلّ شخص أن يدعو الله أن يُكرمه بأصدقائه، والأمثلة على الأصدقاء الأوفياء كثيرة، خلّدتها الحكايات والقصص التي مرّت في التاريخ.
لقراءة المزيد من الموضوعات، اخترنا لك هذا المقال: عبارات عن الأصدقاء.