وصف العامل
العامل هو ذلك المنسي من قائمة المجتمع وحقوقه والبعيد كل البعد عن أسباب الراحة والرفاهية، نعم كثيرًا ما يكون قضاء الدنيا قاسيًا على الإنسان، ولو قدرت الحياة على أحدهم أن يسير في يومٍ من الأيَّام في الطريق ويشاهد ذلك العامل المسكين الذي يلهث طيلة النهار وراء عمله حتى يؤمن لقمة الطعام لصغاره، وهو يقف تحت أشعة الشمس في منتصف النهار، والرياح تلفح الرمال فتأتي بها على وجهه وهو يحاول أن ينقل الرمال من مكانٍ إلى آخر دون تأفف من تلك المشاق التي يتحملها.
وعادة ما تكون ثيابه رثة وهو يلبس قميصًا من القماش ذا لونٍ أزرق مخطط بخطوط حمراء قد اغبرَّ لونها حتى تغيرت إلى ما يشبه اللون الوردي، وقد يحاول ذلك المسكين أن يخفف من وطأة الشمس عليه فيرفع أكمامه عن ساعديه، ولكن ما تزال حرارة الشمس تلمع على شعيرات يديه التي تتصبب عرقًا.
أمَّا رأسه فقد يربط عليه في أكثر الأحوال شماغًا ذا لون أبيض مقطع بخطوط خمرية أشبه ما تكون بتقطيع ورقة الشطرنج، وتكون ذروة عمل العامل المسكين قرابة الثانية ظهرًا، وقد يستطيع أيّ مارٍّ أن يميّز قطرات العرق التي تتناثر على جبينه وقد أكسبت جبينه ووجنتيه لمعانًا غريبًا، ومع أنَّ لونه الأصلي قد يكون أبيض ولكن تأثير الشمس على جسده بالغ جدًّا، فقد تغيّر لونه إلى الأسمر المحروق، ولا يكتسب المرء ذلك اللون من أشعة الشمس إلّا بعد أن يتعرّض لها لأكثر من ثلاث ساعات بشكل شبه يومي.
ومن ثم يكمل لباسه الرث بذلك البنطال المصنوع من الجينز المائل إلى البياض وربما لم يختر ذلك اللون بشكل عشوائي، بل يفيد ذلك اللون في إخفاء آثار الرمل التي ستضع توقيعها كل يوم على ملابسه، وقد يطلب العامل من زميله جرعة من الماء حتى يكوي عطشه ويبلل العروق التي جفت في جسده ويحاول أن يستعيد نشاطه فهو ما زال في منتصف اليوم، ولكن هل جرعة الماء ستكسبه من النشاط ما يعينه على ذلك أم أنّ لها رأيًا آخر.
الحياة لم تبتسم في وجه العامل كما ابتسمت في وجه المهندس والطبيب والمعلم وغيرهم ممن يكتسبون قوت يومهم وهم تحت سقف يقيهم حرارة الشمس وصقيعالشتاء، ومع أنَّ العامل الذي يجاهد في الحياة طلبًا لعيشها ليس أقل منهم على الإطلاق، بل قد يفوقهم في كثر من الأحيان صبرًا وجلادة فهو الذي اعتاد أن يلين الصخر بين يديه، ويشكل الحديد كما يتطلبه أي بناء لا بدَّ له أن يقف شامخًا في نهاية المطاف.
دور العامل في المجتمع
قد يظن بعض الجهال من الأقوام أنَّه ما هو إلا آلة يسخرها الأغنياء لإتمام المشاريع التي اختطوها بأقلامهم على ذلك الورق الأبيض البهيم، ولكن لولا تلك الأيدي التي جبلت الرمل حتى صار صخرًا كيف لذلك البناء أن يقوم؟ تراهم هل رأوه وهو يرفع كيسًا كاملًا من الرمل على كتفه ويخرج الرمال منه، ومن ثم يضيف المياه إلى تلك الرمال ويحاول أن يصنع منها ما يحتاجه البناء لتثبيته ودعمه؟
أم أنهم اكتفوا بإلقاء أوامرهم من سيارتهم فاحشة الثراء فارهة المنظر، وقد لا يقوى أحدهم على أن يخلع نظارته الشمسية؛ لأنَ عيناه تعاني من حساسية تجاه الشمس في هذا الفصل، تراه ألا يفطن إلى ذلك العامل المسكين الذي أنهك جسده بين الرمال، وقد لا يجد كلمة شكر في آخر اليوم!
ولو حدَّثت أحد العاملين عن سبب اختياره لتلك المهنة التي تطلب جهدًا عاليًا لما قال لك إلا أنَّه لكلّ منَّا عمله، وكلّ واحد منَّا يُساعد في بناء المجتمع على طريقته، فأنا أعمل هنا وأساعد في بناء المجتمع على طريقتي، فأنا أبني هذه البيوت بعرق جبيني وعرق ساعدي وأقف تحت هذه الشمس في مختلف الفصول حتى أبني للعالم مسكنها، وربما لو لم يوجد العامل فإنَّه لن تعمر هه الأرض.
وقد يظن ظانٌّ أنَّه فقط المهندس والطبيب والمعلم هم الذين نحتاجهم في حياتنا، ولكن سيعود في آخر ساعة من الليل قبل أن يضع رأسه على وسادته ليفطن أنَّه لكل منَّا عمله في بناء هذه الحياة، فالفلاح له دوره، والعامل له دوره، وكل إنسان له دوره في خدمة هذا المجتمع، نعم سيكون في لحظة ما قادرًا على الاعتراف بجميل كل أولئك النَّاس، ولكنَّه في الصباح قد يعود لجحوده الأول الذي أكسبته إياه الحياة من تسلطه بأمواله على الآخرين.
حقوق العامل
ولو سألت أحد العاملين ما هي حقوقك؟ لما فهم ما المقصود بكلمة الحقوق، إذ لا يعرف من الحقوق إلا أن يعود في آخر النهار وهو يحمل إلى أطفاله خبزًا أبيضًا عجن بدمه طيلة اليوم، مع بضع قطع من الجبن الأبيض الذي اكتسب ملوحته من عرقه ذلك النهار، ولربَّما ظنَّ أن من حقوقه أن يعود إلى المنزل بعد عمل يقارب الاثنا عشر ساعة وهنا يكون قد تفضل عليه صاحب العمل بأن صرفه في السابعة مساءً بعد أن اعتاد جميع العاملين أن يعودوا إلى بيوتهم في الساعة العاشرة.
ولكن يجب هنا يأتي دور أصحاب منظمات حقوق الإنسان والعمال على أن يوقفوا تلك المهزلة ويحاولوا بشتى القوى التي يملكونها والسلطات التي قدرها القضاء لهم أن يعطوا ذلك المسكين حقوقه التي يجهلها، من رفاهية وراحة وعيش سعيد، وتأمين للسكن والمأوى والتدفئة وما يحتاجه المرء في مثل هذه الأيَّام.
نعم إنَّ دور العامل في المجتمع مهم جدًا ويجب أن يُحافظ على حقوقه وألَّا تُنتهك أبدًا فلكل عمل حقوق يجب ألاّ تُنتهك ومن حقوق العامل أيضًا ألّا يُحمَّل من الأعمال ما يفوق طاقته، كأن يحمل شيئًا ما ثقيلًا فوق استطاعته، أو أن يُجبر على العمل لوقت طويل يفوق الثّماني ساعات، ويجب يا بُنيّ أن يتم إعطاء العامل ساعة يستريح بها من ضمن الثماني ساعات التي يعمل بها.
كذلك فإنَّه لا بدَّ من مراعاة سلامته وأن تُتخذ التدابير للحفاظ على سلامته، كأن يُعطى كلّ عامل بناء خوذة يرتديها في أثناء عمله حتى لا يتأذّى في حال وقوع شيء من البناء على رأسه، وكذلك لا بدَّ من صاحب العمل أن يعطي العامل أجره كاملًا كما اتُّفق عليه سابقًا، وألا يُماطله صاحب العمل بأيّ حجّة.
لو تمّت إصابة العامل في أثناء العمل فيجب على صاحب العمل أن يدفع جميع التكاليف والأضرار التي تضرّرها العامل من تلك المهنة، فالعامل هو الإنسان الذي يفوق الآخرين شجاعة فليس أيّ شخص يقبل أن يعمل في جميع الظروف الجوية والعرض إلى ذلك العمل القاسي، خاصة أنَّه في كثيرٍ من الأحيان قد لا يُعطى الأجر الذي يستحق.
كذلك فمن حقوق العامل أن يأخذ في كل أسبوع يوم راحة يتفرغ به للنزهة مع أولاده، ومطالعة مناظر الطبيعة التي يسهم في بقائها، ولكن كما لكل إنسان حقوق فعليه واجبات، وقد يتساءل سائل ترى ما هي واجبات العامل
واجبنا اتجاه العامل
إنَّ الحديث عن حقوق أي إنسان لا يلغي الواجبات التي يجب عليه القيام بها، ومن واجبات العامل هو إتقنانه لعمله فلا يعمل دون إتقان أو إخلاص بل يجب أن يخرج العمل من يديه بأبهى حلة، ولو كان غير راضٍ عن رب العمل فيجب عليه ألا يخلط الأمور، كذلك يجب على العامل ألَّا يتأخر عن عمله، فلا يبدأ عمله في الساعة الثامنة صباحًا ويحضر هو في التاسعة.
كذلك لا بدَّ أن يعمل في ساعات عمله بشكلٍ جديّ فلا يتسلّى في أثناء العمل ويذهب الوقت ضياعًا، ومن واجبنا تجاه العامل أن نؤحترمه ونقدّر له أعماله وخدماته ونُحافظ على راحته، فلا نرهقه ونحمله من الأمور ما لا يطيق، وكذلك لا بدَّ لرب العمل من تأمين جميع المعدات الحديثة التي تهوِّن من عمله؛ حتى لا يبذل جهدًا مضاعفًا.
من واجب رب العمل تجاه عامله أن يوفّر له سُبُل الراحة النفسية والجسدية فلا ينهره ولا يسمعه من الكلام ما لا يطيق، ولا يحمله أعباءً نفسية فوق الأعباء الجسدية التي يشعر بها، نعم إن العمال في البلاد العربية يعانون من اضطهاد كبير سواء كان في المرتب الذي لا يوازي الجهد لذي يبذلونه أو في غيرها من الأمور، ولكن لا بدَّ في يوم من الأيام من أن يعود ميزان الحق إلى نصابه، وتنتصب كفتا ميزان العدل على هذه الأرض، ليأخذ كل إنسان حقوقه ويقوم بواجباته على أكمل وجه.