موضوع تعبير عن القمر

كتابة:
موضوع تعبير عن القمر

ما هو القمر؟

قرصٌ منيرٌ في السَّماء هو، في حلكة اللَّيل يكسر رهبة الظُّلمات ويؤنس السَّاهرين في مداره، فيه تغنَّى العاشقون وأجاد الشُّعراء أبيات كثيرة، فصار رمزًا للجمال، وبه تُكنَّى المرأة الحسناء، وبه تُصوَّر كلُّ بنتٍ وجهها وضَّاء، وقد ورد وصف القمر في القرآن الكريم في مواضع عديدةٍ من آيات الذِّكر الحكيم، كما أنَّ السُّورة الرَّابعة والخمسين من القرآن تحمل اسم القمر، كما ورد ذكرالقمر في آياتٍ أخرى كقوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُوْنِ الْقَدِيْمِ}[١]، وآيات غيرها لا مجال لذكرها جميعًا.


يشكِّل القمر في الشِّعر العربيِّ موضوعًا أثيرًا، فقد تفنَّن الشُّعراء في استعماله صفةً وموصوفًا، واستعملوه في تصوير محاسن محبوباتهم، والتغنِّي بلياليهم المقمرة، وقد اشتهرت أبيات كثيرة من أجمل ما قيل في الشِّعر العربي قديمه وحديثه، فقد ألهم هذا الرَّمز الجماليّ النَّاس منذ القدم إلى معانٍ وصورٍ غزيرةٍ من الجمال، ومن أشهر ما قيل في وصف المحبوبة وتشبيهها بالقمر من الشِّعر الحديث قول الشَّاعر الدِّمشقيّ نزار قبَّاني:

يا قمرًا يطلعُ كلَّ مساءٍ مِن نافذةِ الكلماتِ
يا أعظمَ فتحٍ بينَ جميعِ فتوحاتي
يا آخرَ وطنٍ أولدُ فيهِ
وأُدفنُ فيهِ
وأنشرُ فيهِ كتاباتي


هذا الشَّكل الذي أبدع الله في تصويره، وزيَّن السَّماء بنوره سَحرَ النَّاظرين بصورته المعلَّقة في الفضاء، وألهم المبدعين من شعراء وأدباء ورسَّامين وموسيقيين ليبتكروا صيغًا جديدةً من الجمال، ويحاكوا هذا الجمال فيما حباهم الله من هباتٍ ومقدراتٍ فنيَّة، فنرى الموسيقي الشَّهير بيتهوفن قد ألَّف مقطوعةً من أجمل موسيقاه وأكثرها اشتهارًا حتَّى اليوم، وتحمل هذه المقطوعة اسم "ضوء القمر"، كما أبدع الفنَّان الفيكتوري جون غريماشو لوحته الشَّهيرة التي أسماها "تحت ضوء القمر في ليلة ممطرة"، ويظهر القمر عنصرًا جماليًّا أساسيًّا في شتَّى الفنون، لا غنية للنَّفس المرهفة عنه في توليد صور الجمال ومعانيه في الماضي والحاضر والمستقبل.


مم يتكون سطح القمر؟

بذل العلماء جهودًا حثيثةً، وبحثوا كثيرًا لمعرفة ماذا يوجد على سطح القمر، وتمكَّنوا من الصُّعود إلى سطحه واستكشاف مكوِّناته، حيث يغطيه الفحم الرَّماديُّ والغبار النَّاعم والحطام الصَّخري، وفيه منطقتان الأولى مظلمةٌ وهي ممتلئةٌ بالحُمم البركانيَّة المنخفضة، والثانية منطقةٌ مرتفعةٌ تتكوَّن من القشرة الأساسيَّة للقمر، وأكثر الصُّخور الموجودة على سطح القمر تختلف عن تلك الَّتي على الأرض، حيث تكثر الصُّخور الرُّسوبيَّة على الأرض أكثر من سواها، بينما تنتشر الصُّخور البركانيَّة على سطح القمر وذلك لنقص المياه فيه، بالإضافة إلى أنواعٍ أخرى كصخور البازلت وصخور"Bricceas" الَّتي تتألف من صخورٍ مختلفةٍ انصهرت بتأثير النَّيازك، كما يوجد في تربة القمر كريَّاتٌ زجاجيَّةٌ لا توجد على الأرض.[٢]


تحتوي قشرة القمر الخارجيَّة على 43% من الأوكسجين، وعلى 20% سيليكون، و19% مغنيسيوم، و10% حديد، و3% كالسيوم، و3% ألمنيوم، و0.18% تيتانيوم، و0.12% منغنيز، و0.42% كروم، كما تحتوي على القليل جدًّا من اليورانيوم والبوتاسيوم والهيدروجين والثوريوم، وعناصر أخرى. وتبلغ سماكة هذه قشرة القمر 70 كيلومترًا في الجهة المقابلة لسطح الأرض، فيما تبلغ سماكة الوجه الآخر له ضعف ذلك.[٢]


قد احتوى سطح القمر على عددٍ من البراكين في الماضي، وأصبح أكثرها خاملاً الآن ولم يسجَّل أيُّ نشاطٍ بركانيٍّ منذ ملايين السِّنين، أمَّا الحفر الَّتي توجد على سطح القمر، فسببها تصادم العديد من الأبراج والمذنَّبات والنَّيازك. وتبلغ درجة حرارة القمر 127 درجةً مئويَّةً في النَّهار المشمس تمامًا، فيما تنخفض إلى -173 درجةً في الظَّلام. وتبلغ جاذبيَّة القمر حوالي سدس جاذبيَّة الكرة الأرضيَّة.[٢]


كثيرون هم من يتساءلون هل القمر كوكبٌ أم نجمٌ؟ والهياكل الفلكيَّة تدرج حسب مميِّزاتها الماديَّة كالكتلة والحجم والموقع والحركة والبنية وغير ذلك، وميِّزات القمر لا تتشابه كفايةً مع ميِّزات الأرض مما يمنع تصنيفه ضمن الكواكب، وإنَّما يمتلك ميِّزات النَّجم.[٣]


خلال دوران القمر يمرُّ بمراحلَ عدَّة تسمَّى أطوار القمر وتستغرق كلُّ دورةٍ حوالي تسعةٍ وعشرين يومًا، وهذه الأطوار أوَّلها المُحَاقُ (القمرُ الجديد)، حيث يكون القمر واقعًا بين الشَّمس والأرض، ويكون وجهه المظلم مقابلاً للأرض ممّا يمنع النَّاس من رؤيته، وقد يحدث الكسوف في هذا الطَّور. وثانيها الهِلَالُ المُتَزايد، حيث يتَّجه القمر نحو الشَّرق، وفيه يمكن رؤية جزءٍ صغيرٍ مضيئًا من القمر، كما يمكن رؤية بقيَّة القمر بإضاءةٍ خافتةٍ نتيجة انعكاس الضَّوء من على سطح الأرض. وثالث هذه الأطوار هو التَّربيعُ الأوَّل، وفيه يكمل القمر رُبعَ دورته، حيث يكون نصفُ القمر مضيئًا، ويختلف الجزءُ المضيءُ منه حسب موقع النَّاظرين.[٤]


ثم يليه الطور الرابع وهو الأَحدبُ المُتَزَايدُ، ويسمَّى كذلك تناسبًا مع شكلِ القمر، حيث يزداد الجُزءُ المضيء تدريجيًّا مع بقاء جزءٍ معتمًا. أمَّا الطور الخامس فهو البدرُ أو (القمرُ الكامل)، وفيه تضيء الشَّمس وجه القمر المواجه للأرض بالكامل، وفي هذا الطَّور قد تحدث ظاهرة القمر العملاق أو القمر الصَّغير، وقد يحدث الخسوف أيضًا. ويليه الطور السَّادس وهوالأحدب المتناقص، حيث يبدأ الضَّوء بالانحسار والتَّضاؤل إلى أن يصير نصف القمر معتمًا في نهاية الطَّور. أمَّا التَّربيعُ الثَّالث فهو الطَّور السَّابع، وفيه تكتمل ثلاثة أرباع الدَّورة القمريَّة، حيث يُضيءُ نصف القمر فقط.[٤]


تنتهي هذه الأطوار بالطَّور الأخير ويسمَّى الهلالُ المُتناقضُ، وهو آخر أطوار القمر، وفيه يتقلَّص الجزء المضيء ليشكِّل أقلَّ من نصف مساحة القمر، وينتهي هذا الطَّور بظهور مُحاقٍ أو قمرٍ جديدٍ تبدأ به الدَّورة القمريَّة التَّالية.[٤]


وصف جمال القمر

ربَّما لم يكن القمر جميلًا عن قرب، وربما سرقت حقيقته دهشة النَّاظر إليه، لكنَّه يبقى مؤنسًا لنا في اللَّيالي المعتمة، ويبقى رمزًا للضَّوء والأمل وسط الظَّلام، ويظل مستقرًّا للمحبِّين يضربون به المواعيد ويلتقون على ميقاته، ومن تفرِّقهم مساحات الأرض تجمعهم نظرة إلى القمر تطوي معها المسافات والحدود والسُّدود، ومن افتقد الصَّديق أنسَ بالقمر وبثَّه شكواه، ومن أعياه ابتكارُ الجمال في الأرض أدركه فيه.


ربَّما كان هذا العتم الَّذي يحيط هالة القمر هو سرُّ السِّحر فيه، وهذه المسافة الَّتي تفصلنا عنه وتجعله مستحيلاً هي ما يشدُّنا إليه وكأنَّنا ننظر إلى أحلامنا البعيدة وأمنياتنا الَّتي لا نعرف شكلها إلَّا من بعيد.


هذا السِّحر الغامض الذي يلفُّ القمر، وهذه العلاقة الاستثنائيَّة به جعلت الأدباء يبدعون في وصفه وفي إسقاطه على كلِّ جميلٍ، ومن ذلك ما قاله الكاتب الرُّوسي أنطون تشيخوف يصف المرأة التي يتمنَّاها، والزَّوجة المثاليَّة، حيث كتب في مذكراته: "أعدُكم أن أكونَ زوجًا مثاليًّا، ولكنْ أعطوني زوجةً مثلَ القمرِ، لا تظهرُ في مسائي كلَّ يوم"[٥]. فإنَّ من خصائص القمر تقطُّع الظُّهور والتَّخفي، وتحوُّله من شكلٍ إلى شكلٍ ومن مكانٍ إلى مكانٍ، مما يدفع السَّأم ويثبتُّ الدَّهشة الأولى به لتغدو كلُّ نظرةٍ إليه كأنَّها النَّظرة الأولى.


لو لم يكن قرص القمر يزيِّن مساحة السَّماء، فهل كانت لتغدو جميلة؟ وهل كانت المساءات تُغري الشُّعراء لكلِّ ما قالوه في صفحة السَّماء ووجه القمر؟ فإنَّ السَّماء لم يكن ليمتاز بلا قمرٍ كما لم يكن ليمتاز هذا الآخر بلا ليلٍ حالك، فإنَّ الأشياء تتميَّز بضدِّها، وكما قالت العرب: "الضِّدُّ يظهر حسنَه الضِّد"، ولولا انجلاء اللَّيل وطلوع النَّهار لما شغف الإنسان بعتمٍ ولا نورٍ، ولا تغنَّى بمطلع فجرٍ ولا مغرب شمس، والقمر مصباح السَّماء ومقصد النَّاس حين يفتحون نوافذهم إلى اللَّيالي، ولا أحلى من ليلةٍ صيفيَّةٍ تزدان بضوئه ولا أجمل من شتاءٍ غائمٍ تزاحم غيومه ضوء القمر.


لجمال القمر وانبهار النَّاظرين فيه، صار رمزًا للغاية المرجوَّة والهدف المنشود، تُسقَط عليه الأحلام والأماني، فإنَّ من طال أمانيه كأنَّما طال القمر وزاحم النُّجوم في جوِّ السَّماء، وقد قيل في ذلك الكثير، ومنه قولهم: "اِتَّجِهْ نحوَ القمرِ، حتَّى وإنْ فشلتَ، فإنَّك ستجد نفسكَ نجمةً بين النُّجوم"، وفي سياقٍ مشابهٍ يقال: "صَوِّبْ سهمَكَ نحوَ القمرِ، وحتَّى إن لم تصبْه فإنَّك تصيبُ إحدى النُّجوم"، ومنهم من تمثَّل نفسه بالقمر لما فيه من تحوُّلاتٍ بين ظلمةٍ وضوءٍ وبين سطوعٍ وغياب، ومن ذلك قول أحدهم: "أنا مثل الجميع، أمتلك في حياتي جانبًا مظلمًا كالقمر، ربَّما لا يلتفت إليَّ الكثير من النَّاس الَّذين يوجدون على كوكب الأرض".[٦]


يبقى هذا الجسم المدوَّر وسط السَّماء موضوعًا موحيًا للنَّاس، وعالمًا خاصًّا يأخذهم من عوالمهم أحيانًا ويتداخل معها أحيانًا أخرى، حتَّى ليبدو أثره فيهم وكأنَّ به قلبًا ينبض وفي جوفه شعور، فيترفَّع عن كونه نجمًا في جوِّ السَّماء ليُصبح رمزًا وجدانيًّا ضاربًا في العمق لما يوحي به من معانٍ وخيالاتٍ لم تكن لتكون دونه، فإنَّه نعمةٌ من الله وآيةٌ من آيات إبداعه في خلقه.



لقراءة المزيد من الموضوعات المشابهة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: حقيقة صعود الإنسان إلى القمر.

المراجع

  1. سورة يس، آية:39
  2. ^ أ ب ت "مم يتكون سطح القمر"، مقالة، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
  3. "لماذا لا يعد القمر كوكبا"، المرام للعلوم، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "أطوار القمر بالترتيب"، أراجيك مجتمع، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
  5. "نظرة في يوميات تشيخوف"، مون ليبان، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
  6. "أبيات شعر عن القمر"، المحيط، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
3577 مشاهدة
للأعلى للسفل
×