هل هناك فرق بين القيم والأخلاق؟
إنّ أجمل ما يميز الإنسان هو تمسكه بالقيم وتحليه بالأخلاق الحسنة، وممّا هو أكثر نقاء أن تكون أخلاق المجتمع كلها حسنة، وإنّ كلمتي القيم والأخلاق كثيرًا ما تِردان متلازمَتَين مع بعضهما، حتى صار من الشائع أنهما مترادفتان ومتلازمتان مع بعضهما في أي نقاش أو حوار تروبي اجتماعي.
ببعض التمعن وإمعان النظر في الكلمتين، والبحث في المصادر والمراجع المختلفة سيُعثر أنّه ثمة فرق بين كلمتي القيم والأخلاق، فمن الناحية اللغوية: القيم جمع مفرده القيمة، وهي بمعنى الأهمية والمكانة والقدر، أو هي المبدأ والأصل، أمّا الأخلاق فهي الصفات التي يتّصف بها سلوك الإنسان أو سلوك المجتمع، ومنها ما هو حسن مقبول، ومنها ما هو سيئ مرفوض، فالأخلاق منها ما هو ذو قيمة ومكانة، ومنها ما هو خلاف ذلك.
أما من الناحية التربويّة فإن القيم ترتبط بالفرد، فلكل فرد قيمه التي يتمسك بها ويُحافظ عليها، واجتماع قيم الأفراد في كل مجتمع هي التي تكون أساسًا لأخلاق هذا المجتمع، وتميزه عن غيره من المجتمعات، مثل اشتراك مجموعة من الأفراد في إحدى المجتمعات بامتلاكهم لقيمة احترام قانون السير، سيكون هذا سبب لاتصاف المجتمع بأخلاق تتعلق باحترام قانون السير، والالتزام بها.
استنادًا إلى هذا الفرق بين القيم والأخلاق، يُمكن القول إنّ تغيير أخلاق المجتمع يمكن أن يحصل من خلال محاولة تغيير قيم أفراد المجتمع أو أغلبية أفراد المجتمع، وتعديل هذه القيم لما فيه خير للمجتمع وأخلاقه، فأخلاق المجتمع كالشجرة التي أصابت بعض أوراقها حشرة ضارة، فلا بد من تهذيب هذه الأوراق ورقة ورقة، وتقويم أوراق الشجرة بصبرٍ وتأنٍ، لتصير شجرة سليمة يانعة مشرقة.
من خلال ما سبق يمكن استنتاج فرق آخر بين القيم والأخلاق، ألا وهو أن القيم تكون بالدرجة الأولى ذاتية؛ أي ترتبط بكل فرد على حدة، ومن ثم تتعدى لتؤثر في بقية الأفراد من حوله، وبعدها تنتقل ليكون لها الأثر الأكبر في تغيير أخلاق المجتمع، أما الأخلاق فهي متعدية وليست ذاتية، أي أنها ترتبط بالآخرين، فأخلاق المجتمعات ترتبط بالأفراد وقيمهم التي يتمسكون بها ويحافظون عليها.
القيم هي تلك الجذور الطيبة، والأرض الخصبة التي تُبنى عليها أخلاق المجتمعات وتثمر، فكلما كانت الجذور طيبة والأرض صالحة، كلما كانت الشجرة أكثر ثباتًا وأعظم إنتاجًا، ولا بد من أخذ الحيطة من أن القيم يجب أن تُرعى بهدوء وحذر وفي كل خطوة ومنذ الصغر، فكلما كبر الإنسان صعبت مهمة تعديل قيمه ومبادئه، وبالتالي صارت قضية تعديل أخلاق المجتمعات أكثر صعوبة.
ما هي مصادر القيم والأخلاق؟
إن القيم التي يتحلى بها كل فرد والأخلاق التي يتصف بها كل مجتمع، لها ما لا يعد ولا يحصى من المصادر، فهي كالماء الذي تتعد مصادره، وحسب مصدر هذا الماء يُحكم على الماء وعذوبته، فقد يكون ماءً عذبًَا سلسبيلًا، وقد يكون ما عكرًا تشوبه بعض الملوثات، وقد يكون ماءً آسنًا لا يصلح للشرب ولا لأي استعمال، بل إنه يسبب الضرر والأذى وكذلك القيم والأخلاق.
إن جودة المصدر الذي يستقي منه البشر قيمهم وأخلاقهم هو الذي يحكم على شخصية كل فرد ويحدد مسار المجتمع في المستقبل، والمصدر الأول والأهم والذي لا خلاف فيه للحصول على القيم والأخلاق هو الدين الإسلامي والمتمثل بكتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فهي تشتمل على كل القيم والأخلاق التي تتوافق مع الفطرة الإنسانية التي يُولد كل إنسان عليها.
المصدر الثاني بعد الكتاب والسنة هو الأهل، فهم الذين يمثلون القدوة الأولى للإنسان وبأخلاقهم يقتدي، وبقيمهم يتمسك وينشأ ويكبر، ولهذا من المهم أن يكون الأهل قادرين على زرع القيم النبيلة في حديقة قلب هذا الطفل لتزداد مع نموه وتقدمه في العمر إشراقًا ونضارةً وبهاءً يخلب الألباب، وبعد الأهل يأتي المجتمع والذي سيتعامل معه كل إنسان شاء أم أبى.
مهما كان الإنسان رافضًا للمجتمع الذي يعيش فيه، ورافضًا لأخلاق هذا المجتمع لأنها لا توافق فطرته ومصادر القيم والأخلاق، فهو مضطر أن يتعامل مع المجتمع، وهنا يأتي دور الكتاب والسنة وتربية الأهل في قدرة الإنسان على التمسك بقيمه ومحاولة إقناع الآخرين في المجتمع بها، لا بالشجار والفرض والسيطرة، بل بالقدوة الحسنة والخلق الفاضل.
إنّ ما يزيد من ثبات هذه القيم في قلب الفرد بعد أن يتعرف إلى القيم والأخلاق في الكتاب والسنة، هو أن يبحث عن شخصية أو شخصيات مهمة في التاريخ كانت تتحلى بالأخلاق الحسنة والصفات الفاضلة، وأن يقرأ سيرتها ويتخذها قدوة في حياته، وكلما حلت به نازلة أو وقع في مأزق، أو شعر أنه سيفقد السيطرة على شخصيته، وقد يضطر أن يتخلى عن أحد مبادئه يتذكر هذه الشخصية ويستمد منها القوة والثبات.
لما كانت الأخلاق مرتبطة بقيم الأفراد فيُمكن القول إنّ مصادر الأخلاق أيضًا هي مرتبطة بالدرجة الأولى بمدى تمسك المجتمعات بالكتاب والسنة النبوية، والحفاظ عليها واتخاذها منهجًا وشرعة في كل خطوة من خطوات هذا المجتمع، ومن ثم يأتي دور الدعاة والعلماء في القدرة على التأثير والتوجيه وتعديل سلوك الأفراد للحفاظ على أخلاق المجتمعات وتعديل اعوجاج بعضها.
عندما تكون هذه المصادر للقيم والأخلاق ثابتة ومعتمدة في كل مكان ينشأ ما يُسمّى بالقيم الأخلاقية، وهي التي يٌُقصد بها الأخلاق القويمة المعتدلة التي تراعي مصالح الفرد والمجتمع، وتتوافق مع أوامر الدين الإسلامي، وتعود بالخير على البشرية جمعاء، وهذا يحتاج إلى التكاتف والتعاون من أصغر فرد في المجتمع إلى أكبر فرد فيه، فيُقوَّم كل اعوجاج ويُنبَذ كل خطأ، ولا يبقى إلا الحق والصواب.
ما أهمية التحلي بالقيم والأخلاق؟
سؤال يشغل بال الكثيرين ولا سيما الشباب الصغار، وقد يجدون أنّ الالتزام بقيم وأخلاق معينة فيه قيود وحدّ من الحريات وتقليل من الاستمتاع بملذات الحياة، وهذا السؤال هو: ما الذي يفيد أن أتحلى بقيم نبيلة وأن أكون ذا خلق حسن، وغيري يتصرف بعبثية وأنانية ولا يهمه إلا نفسه؟ وهنا يكون الجواب بأن القوانين لم تُوضع ولم تُسنّ إلا لتحقيق السلامة والأمان للجميع.
عندما يمشي أحدهم في الطريق ويكون قد كُتب عند أحد المنعطفات (حقل ألغام) لن يجرؤ أحدهم على الاقتراب أو تجريب هذا المكان، ولن يظن أن هذه الكتابة وُضعت للحد من حريته مع أنها قانون، وكذلك هي القيم والأخلاق، هي التي تحمي النفس البشرية من منزلقات الحياة ومخاطرها ومضارها، هي القيم التي تبني شخصية قويمة مستقيمة صارمة شجاعة.
لولا الأخلاق لما بقيت أمة من الأمم مستمرة على وجه الأرض، فالأخلاق هي عماد الحياة السليمة، ولولاها لصارت حياة البشر كالغابة، القوي يفترس الضعيف والكبير يأكل حق الصغير، وذو السلطة يعلو على المستضعف المسكين، إلا أن القيم والأخلاق التي تُزرع في قلب كل إنسان، ومنهج الدين الإسلامي الموجود بالفطرة في داخل كل فرد، يردعه من التعدي على حقوق الآخرين، ويجعله يشعر أنه خرج عن طبيعته وفطرته الأصلية.
لا يمكن إنكار بعض التجاوزات في كثير من المجتمعات، وما فيها من انحلال للقيم وضياع لأخلاق المجتمع، إلا أن قلة قليلة تحمل قيمًا ثابتة راسخة قادرة على إعادة هذه المجتمعات إلى طريق الصواب، وقادرة على تقويم اعوجاج كل من حاد عن جادة الصواب وطريق الحق، وعندها تزهر هذه المجتمعات بشباب يتّصفون قيم أخلاقية سامية ويسود العدل والسلام بينهم.
الأهمية الحقيقية للقيم والأخلاق تظهر عندما يلتزم كل فرد وفي كل مجتمع بالقيم الصحيحة والأخلاق القويمة، عندها سيُلغى كل ما هو خاطئ، فلا وجود للسرقة ولا للقتل ولا للأذى ولا للسخرية ولا لأكل الحقوق، سيكون كل فرد هو المحاسِب لنفسه، وهو القادر على تمييز الخطأ من الصواب، وبذلك تكون أخلاق المجتمعات في مسارها الصحيح.
عندما تكون الغالبية العظمى في كل مجمتع متمسكة بقيمها وأخلاقها ستضطر الأقلية أن تتبع هذه المنظومة الاجتماعية، وإن كانت هذه التبعية في البداية فقط لأنهم أقلية، لكن بعد أن يعيشوا حلاوة الاتصاف بالأخلاق الحسنة سيُدركون أهمية هذه القيم والأخلاق، والأثر النفسي الذي ستتركه في قلب كل فرد وعقله عندما يتصرف بما يتوافق مع قيم المجتمع وأخلاقه الحسنة.
إضافة إلى كل ما سبق، إنّ القيم والأخلاق تكمن أهيتها في زرع الثقة المتبادلة بين الناس، وبث روح الطمأنية والسلام، والابتعاد عن إساءة الظن بالآخرين، وهذا سيؤدي إلى تغييرات جذرية في المجتمعات التي يتحلى أفرادها بقيم أخلاقية نبيلة منبعها الأساسي هو القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف.
لقراءة المزيد عن موضوع التلوث، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن الأخلاق الحميدة.