موضوع تعبير عن المال

كتابة:
موضوع تعبير عن المال

تاريخ استخدام المال

المال هو اللسان الأقوى الذي عندما يتحدّث يلتزم الجميع الصمت ولا يستطيع أيًّا كان أن ينبس ببنت شفة، المال هو القوة الأولى على هذه الأرض والتي غالبًا ما يستطيع البشري أن يُغيّر فيه حتى مجرى قدره بعد إذن الله، ويعود استخدام المال إلى حوالي الثلاثة آلاف سنة مضت بعد أن لم يستطع النَّاس المواصلة في تبادل السّلع فيما بينهم، والمال هو أي شيء يُحدّده العرف ويكون ذا قيمة، فمثلًا الدولار هو في النهاية قطعة من الورق الأخضر، لكنَّه اكتسب قيمته من القوة التي أكسبته إياها الدول التي تعاملت فيه، وبالتَّالي أصبحت الآن القوى الاقتصاديَّة قائمة على الدولار ومن ثم غيره من العملات.


بداية كان التّعامل المادي بين أصحاب المصالح عن طريق مُبادلة السلع فيما بينهم أو حتى مبادلة المصالح، كأن يقول رجل لآخر إذا ساعدتني على اصطياد غزال سأعطيك فأسًا، وبهذه الطريقة يتم الأمر، لكن تنشأ هناك العديد من الصعوبات الأخرى مثل الانتظار الطويل حتى يجد الرجل شخصًا آخر يرغب في فأس مُقابل صيد، ثم هل يحتاج الفأس هو أم أنَّ حاجته شيء آخر، فكانت الحياة قبل صك العملة متعبة وبطيئة جدًّا ولا تتوفر فيها سُبُل الراحة.


قبل 600 عام للميلاد كانت الخطوة الأولى من ملك ليديا الياتس في عزمه على صك عملة نقدية يتم التعامل فيها بدلًا من المقايضة، وقد كان ذلك عندما صكَّ أول عملة رسمية في بلاده وقد كانت مصنوعة من الإلكتروم، والإلكتروم هو خليط من الذهب والفضة ونقش عليه بعض الصور التي تُشير إلى اختلاف القيمة التي تحملها تلك النقود، وسهّلت هذه الفكرة بشكل كبير من التعاملات التجارية، ثم أخذت الصين بعد ذلك في عام 1200 للميلاد زمام المبادرة وصكت الكثير من العملات والنقود، وقد كتبوا على نقودهم "كل مزور للعملة سيُقطع رأسه".


بدأت فكرة النقود الورقية تظهر بدلًا عن النقديّة عندما كان التجار يودعون أموالهم في البنوك فكانوا يعطونهم أوراقًا بدلًا عن النقود الذهبية والفضية؛ لأنَّ الورقية أسهل في الحمل وأخف في الوزن، وكان النّاس يستعملون تلك الأوراق في المبادلات التجارية، وبذلك حُطَّت رحال أول العملات الورقية التي بدؤوا في تطويرها شيئًا فشيئًا تلبية لتطور الحياة، ومن ثم صارت الأمر إلى ما هي عليه الآن فتُعبر العملة عن قوة الدّولة التي تمتلكها والاحتياطي الذي تحوذه من الذهب وغيره من الأشياء ذات القيمة.

أهمية المال في الحياة

قد يخرج بعض المنظرين في الحياة ليتبجحوا بأنّ المال ليس له أي قيمة وهو ليس بهامٍّ في الحياة، إذ يُمكن للإنسان أن يعيش على الكفاف وكلنا زائلون، ومع صحة الشطر الثاني من هذه النظرية "كلنا زائلون" لكن للمال أهمية بالغة في تسيير شؤون الحياة وكذلك حماية لكرامة الإنسان من أن تراق وتنتهك في سبيل الحصول على أسباب الحياة، فلو لم يملك الإنسان المال لما استطاع تلبية حاجاته اليومية والضرورية من المأكل والملبس والمشرب والتدفئة وغيرها من الأمور التي تُعد متطلبات للإنسان لا يحيا بدونها.


كما يعد المال وسيلة لتأمين الراحة النّفسية للفرد فيشعر هو بطمأنينية عندما يملك مبلغًا من المال يُمكنه من تطوير ذاته ونفسه، فلو لم يملك الإنسان مالًا لسُمّي "عالة" ولنفر النّاس منه مهما كان يحوذ على مراتب اجتماعية رفيعة، كذلك ففي قديم الزمان كان تعليم الأطفال يقتصر على إرسالهم إلى مدرسة القرية المجانية فلا يعدو عدد الطلاب أكثر من خمسة عشر طالبًا تبعًا للعدد السكانيّ القليل، وبالتَّالي كانوا لا يحتاجون لأكثر من معلم واحد وغرفة صفيّة مجهزة ببعض الأمور البسيطة.


أمّا الآن فقد اختلفت تلك الأمور على وجه الكٌليَّة، فأصبحت العديد من الدول لا تُوفّر التعليم المجانيّ لأبنائها، بل لا بدّ من دفع أقساط للمدرسة وثمن الكتب والدفاتر والزي المدرسي والحافلة التي توصل للمدرسة وغيرها من احتياجات التعليم التي لا تتم إلا بالمال، وكثيرة هي الجامعات المرموقة التي تحتاج إلى رسوم باهظة الثمن حتى يتمكّن الطالب من الالتحاق فيها، فالعصر الآنيُّ مختلفٌ كثيرًا عما مضى، إذ في قديم الزمان كان لا يحتاج العلم إلا بضع كتبٍ يدرسها المرء عند شيخه في المسجد، وبعضًا من الزيت الذي يُعينه على إشعال فتيلة تُنير له ظلمة الغرفة التي يعكف فيها على حفظ المتون العلمية.


كذلك فإنَّ أبسط وسائل الترفيه باتت تحتاج إلى المال، فلو أراد الإنسان أن ينتقل من ريفه إلى مدينته فإنّه سيحتاج إلى ثمن تذكرة للباص الذي يريد أن يقلّه، أما قديمًا فلم يكن يحتاج إلى ذلك، إذ إنَّ حماره دائمًا تحت الطلب يستقله متى شاء، كذلك فإنَّ الدولة إن لم تمتلك المال فمن أين لها أن تدفع رواتب الموظفين والعمال وتجهيز الجيش وتصنيع الطائرت والسيارات أو شرائها، فلو لم تمتلك ذك لأصبحت لقمة سائغة أمام العدو ينقض عليها متى شاء وكيفما شاء.


كذلك فإنَّ المال والعمل هما شقّّان متلازمان فلا يأتي المال دون عمل، واليد العاملة هي يد مباركة يرزقها الله من الرزق الحلال الطيّب، فلا يأخذ المرء مال غيره بحجة احتياجه إذ ذلك يكون من السرقة واللصوصية التي نهت عنها الشرائع السماويّة والوضعيّة كذلك، ولا بدَّ من وجود المال للمحافظة على الحياة العاطفية للأسرة، فإن لم يوجد المال سيضطر الأولاد أن يذهبوا من حول آبائهم محلقين كالعصافير يسعون إلى التقاط أرزاقهم التي قسمها الله لهم من فوق سبع سماوات.


المال ليس فكرة ترفيهية يترفع الإنسان عنها حال اختار لنفسه الزهد والتقشف، بل هو يحتاج المال حتى يكون عزيزًا فيه، ويستطيع نشر أفكاره ويتقبلها المجتمع لأنّه يملك السلطة الأولى، فلو نادى بالزهد وهو فاقد للمال لاتّهمه النَّاس بالجنون إذ كيف يزهد بما لا يملك، لكنّ فكرة الزهد تتحقق عندما يملك المال ولا يُغالي في حبه فيكون في يده لا في قلبه وعقله.

هل المال مفتاح السعادة؟

قد يتبادر إلى بعض الأذهان سؤال عويص شغل بال الكثيرين فكان جوابه فيه، وهو هل المال يحقق السعادة؟ وللنظر في تلك الإجابة لا بدَّ من تناول الموضوع من عدة جوانب مختلفة، ما معنى أنَّ المال يجلب السعادة؟ وهل يُمكن لشيء واحد وهو المال أن يأتي بكل شيء؟ بالطبع لا، ولكن يُمكن أن يكون وسيلة لتحقيق السعادة على بعض الأصعدة، مثلًا المال يكون وسيلة هامة عندما يطمح الإنسان للذهاب في رحلات استجمام إلى دول مختلفة والتأمل في المناظر الطبيعية والمشاهد الإبداعية التي صورها الله على هذه الأرض.


كذلك فهو وسيلة هامة عند العزم على الدراسة في الجامعات العالمية وتحقيق منصب رفيع المستوى، وقد يكون المال وسلة هامة أيضًا عند العزم على الزواج، إذ ليس مُحبّب أن يذهب الرجل خاوي الوفاض إلى زوجته المستقبلية، فالوردة الحمراء لن تُطعم كثيرًا ولا بدَّ في نهاية المطاف من طلب حبّ القمح الذي يتطلبه الجسد، ولكن بالنَّظر إلى الأمر من وجهة أخرى فكثرٌ هم الأشخاص الذين لا يملكون قوت يومهم لكنّهم يشعرون بالرضا الدّاخلي والسلام النّفسي الذي يُمكنهم من متابعة يومهم بفرح وسعادة.


كذلك فإنَّ المريض الذي يقبع على سريره الأبيض وهو ممتلئ بملايين الجنيهات يتمنى لو كان لا يملك سوى قطعة من الخبز وبعض حبات من الزيتون ويكون سليمًا معافى، والحياة لا تسير بهذه الطريق بأن يكون جمع الواحد مع الواحد هو اثنان، بل الحياة تخضع لقوانين وظروف تختلف، ولكنَّ النقصان هو النتيجة الوحيدة التي يشعر بها الإنسان مهما كان وضعه.


الكل يتمنى ما عند غيره وهذه طبيعة الإنسان التي جُبل عليها، والمال والإسلام لا يتعارضان كما قد يُصوّر بعض الدعاة ويُحببون النّاس بالفقر والتقشف والعزوف عن أسباب الحياة، فقال تعالى في كتابه العظيم: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[١]، وذلك عثمان بن عفان الذي كان ينعم بالمال الوفير ويُسخره في خدمة الدين وإعلاء كلمه الله، وذاك الصحابي الذي يدعوا ربه أن يرزقه الرزق الحلال الطيب ويقول يا ربي أنا لا أصلح للفقر ولا يصلح لي، وهذا إن دلّ فإنَّه يدل على عظمة الدين الذي لا يُعارض أسباب الحياة.


لكنّ الأهم من ذلك كله هو أن يجعل الإنسان المال وسيلة لسعادته وليس وسيلة لتعاسته، ولا تكون غايته جمع الأموال فقط لرصدها وكثرتها، بل يكون ذلك لأجل تذليل الحياة ومصاعبها له، فيعيش إنسانًا صاحب كرامة لا يسال أحدًا ماله ولا يريق ماء وجهه، فدائمًا اليد العليا خير من اليد السفلى.

المراجع

  1. سورة الكهف، آية:46
4853 مشاهدة
للأعلى للسفل
×