موضوع تعبير عن المبادرة

كتابة:
موضوع تعبير عن المبادرة

مفهوم المبادرة وأنواعها

إرادةُ الخير وإيصاله إلى الآخر هو سمةٌ أصيلةٌ في النفوس العظيمة، فكيف إذا اقترنَ فعل الخير بروح المبادرة التي تجعلُ الإنسانَ يسعى إلى الإقبالِ، ويبدأ بالعملِ الإيجابي ويعرضُ فرصَ الاستفادةِ على كل من يجدُ فيهم الجاهزية للعمل؟ إنّ المبادرةَ في معناها الاجتماعي تعكسُ إقدامَ الإنسانِ على الإفادةِ، والجرأة في تقديم المساعدةِ والمرونة في اتّخاذ قرار البدء بتقديم الخير للآخرين.


قد تتعدّد أنواع المبادرة فتكونُ مبادرةً في العمل المتميّز، أو مبادرةً بالكلمة الطيبة، أو مبادرةً بجبر قلوبِ مَن دمّرتْ قلوبهم المصائب، أو مبادرةً في تخليص الآخرين من شرٍّ قد يصيبهم أو مصيبةٍ قد تقعُ بينهم، وتتجلّى قيمة المبادرة في هذه الأمور وغيرها في كونها عنصرًا أساسيًّا من تقديم الخير للآخر، وتكونُ بذلك لبنةً من لبناتِ التكافل الاجتماعي والترابط الذي يجمعُ الأفراد ضمن مضمار التقدم والتطور، ويبني التعاون ما يهدمه ضعف بعض الأفراد وارتباكهم وتشتتهم ونقص في خبراتهم، فيقوّم الخلل ويسد الثغرات التي من شأنها أن تزعزع المضيّ في الطريق الصحيح للمجتمع بأسرهِ.


تعدّ المبادرة في العمل من أهم أنواع المبادرات التي يمكن للإنسان أن يُفيد منها الآخرين، لأنّ الإنسان في بداية مجال العمل قد تنقصه الجرأة على الإقدام، أو على حل المشكلات، أو على طرق التدرّب والاستفادة من معلوماته، لا سيما إن كان في أولى محاولات انضمامه إلى مجال العمل الذي هو بصددهِ، وهنا تكونُ قيمةُ المبادرة للمساعدة من قبل أصدقائه عاليةً جدًا في تقديرهِ لأنها تعينه على إكمال سيرورة الحياة بالشكل الذي يطمح إليه.


كما أن المبادرة بالكلام الطيب لذوي القلوب الكسيرة تعدُّ أيضًا من الأهميّة بمكان، لأن الإنسان في حياته الاجتماعية والعاطفية يحتاج إلى الدعم والمساعدة في كثير من الأحيان، وقد يكون ضمن تكوين اجتماعي لا يسمح له بطلب الدعم من الآخرين، فتكون المبادرة بالنسبة له بمثابة الإنقاذ من حالة بائسة تعتريه، أو تكون حلًّا بسيطًا لبعض مشكلاتِه.

كيف تكون مبادرًا؟ 

لا بدَّ أن يتّصف الإنسان بالكثير من الصفات التي تؤهّله ليكون شخصًا مبادرًا، فمن سمات الشخصية المبادرة أنها تحب الخير للآخرين، وهي أول مزيّة يمكن أن تتمتع بها هذه الشخصية، لأن محبّة الخير للآخرين هي التي تجعل الإنسان يُقدِمُ على تقديم العون والإفادة، كما أنّ الحرص على مصلحة الآخر جزء لا يتجزأ من صفة المبادرة، فهو الدافع الأول الذي يجعل الإنسان يرغب في تقديم النصح والمشاركة في الخير، وهو الذي يجسد الفاعلية والمرونة في طريق الإنجاز والنجاح.


تعكسُ المبادرة الطرف الآخر للأنانية، فلا يُمكن لهذه الصفة أن تتسلّل إلى الشخصية المبادرة لأنّ الأنانية صفة مغرقة في حب الذات والسعي إلى مصلحتها دون أي اعتبار لمصلحة الآخرين، أمّا المبادرة تسحبُ الآخر إلى دائرة مصلحته ليتشارك بها مع مصالح غيره فيعُمّ النفع.


تعدّ الجرأة أيضًا من الصفات البارزة التي تمكّن الشخصية من أن تكون مُبادِرة، فكثير من الأمور تحتاج إلى الإمساك بزمام البدء حتى تسير على ما يرام، كما تحتاج إلى التفكير السليم في تنظيم الأمور وتسييرها بالشكل الصحيح، وكثيرًا ما يتّصف الشخص المبادر بالحكمة والحيوية في التفكير والمرونة في الوصول إلى نقاط الإبداع الأساسية وإلى طرقه المتعددة، كما أنّ المبادرة قد تكون بالاعتراف بأمور تحتاج إلى صبر في تلقّي ردة الفعل ونتائجها ممّا يجعل الجرأة صفة أساسيّة في هذا المضمار، إذ لا يُمكن الاستغناء عنها.

ما معوقات المبادرة؟

قد تكون الظروف هي العائق الأول الذي يقف في وجه الشخصيات المبادرة فتمنعهم عن إتمام إيصال فكرتهم إلى الآخرين، وقد يكون سوء الفهم في بعض الأحيان سبيلًا إلى أن تأخذ المبادرة شكلًا آخر من أشكال صنع المشكلات والخِلاف، ومن معوقات المبادرة الأساسية نقص الخبرة في المجال الذي يمكن للإنسان أن يقدم على المبادرة فيه، مما يقلل ثقته بنفسه ويبعده عن فكرة تقديم العون والمساعدة، كما أن الخوف من الفشل يصنع هاجسًا للكثيرين الذين لا يتوقعون الأفضل دائمًا، ممّا يجعلهم في شكٍّ تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين، ويقلل فرصهم بالنجاح في المجتمع بشكل عام.


من الأسباب الدّاعمة لانعدام المُبادرة هي عدم وجود هدف يمكن أن يدفع الإنسان إلى تقديم أفضل ما لديه لتحقيقه، وإن ضمور رؤية الهدف تؤدي إلى الالتفات عن الرغبة وعدم الوصول إليها، كما أن تشتُّت الأهداف تضيّع فرص الفرد في نيل أي نجاح يمكن أن يمضي به إلى الأمام في مجالات الحياة المختلفة، وتتعدّد أيضًا المعوقات التي قد تعيق المبادرات من أسباب عائلية أو اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية حسب البيئة التي يحيا في وسطها كل فرد من الأفراد.

أهمية المبادرة

لقد تجلّى في الدين الإسلامي الكثير من المبادرات التي اتّخذت في طابعها الديني أهميّة قصوى عمّت البشرية جمعاء، فالمبادرة في الإسلام كانت في نطاقها الواسع والدعوي من أهمّ الأمور التي نشرت الدين وحفظتْ حقوق الآخرين، ومن الأمثلة على ذلك أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يدع قومًا يعرفهم إلّا بادر بإرسال مَن يدعوهم إلى الدين الجديد الذي نزل بتوحيد الله عز وجل وترك ما دونه من الأصنام والأوثان، ولم يخشَ في هذا الأمر ملكًا ولا سلطانًا، فأرسل الرسائل إلى قيصر وكِسرى وغيرهم من الملوك الذين اشتُهروا ببطشهم وجبروتهم واستكبارهم.


لم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- هدفٌ من ذلك إلا مصلحتهم التي تقتضي انضمامهم إلى التوحيد، فلم يكن الإسلام يجسد المبادرة إلا بمعنى الإسهام في مجالات الخير كلها،

ومن الأمثلة على ذلك ومن الأمثلة على ذلك عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ[١]، وفي هذا نموذجٌ من مبادرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحَلق ليُشير إلى أنها سنّةٌ يجب اتباعها في هذا الموضع.


فقد روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لما رَمَى جمرةَ العقبةِ في حجة الوداع، ونحَرَ هديَهُ دعا الحلاق، فبدأ بشِقِّ رأسِه الأيمن، فأمر -صلى الله عليه وسلم- بقسمته بين الناس، وكان معه الآلاف من أصحابه، فتفرَّقَ بينهم شعرُ أكرم الخلق، منهم من كان نصيبُه شعرةً واحدة، ومنهم من ظَفِرَ بشعرتَيْنِ، وكُلٌّ فَرِحٌ بما نال.

ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: احْلِقِ الشِّقَّ الآخرَ. فحلَقَهُ، واجتمع الشعرُ بين يديه، وتعلَّقَتْ به العيونُ، وإذا برسول الله يسأل: ههنا أبو طلحة؟ أين أبو طلحة؟ فتقدم أبو طلحة، زيدُ بن سهلٍ الأنصاري، من بين جموع الناس، فأعطاه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الشعرَ كُلَّهُ، وفي ذلك مبادرةٌ أيضًا في محبّة هذا الصحابيّ الجليل.[٢]


تكثر في السيرة النبوية قصص صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أذى زعماء قريش والكفار والمنافقين في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، إذ لم يقلّل هذا العذاب من إسهامه ومبادرته في هِدايتهم وخوفهِ عليهم من عذاب الآخرة، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يسيرون على الطريق ذاته في ذلك المنهج المحمّدي، فكان من المبادرات العلمية والدعوية في عهد الصحابي عمر بن الخطاب حضُّ عمر على تعلم الكتابة والقراءة، وصلاة التراويح وفرض رزقٍ للأئمة والقضاة، ودعوته للاتباع ونهيه عن الابتداع، ومن مبادراته أيضًا كتابة القرآن في مصحف واحد، والأذان الثاني يوم الجمعة، والإنفاق على المؤذنين من بيت المال، وتدريس أبي الدرداء للقرآن في الشام.[٣]


قد حثَّ القرآن الكريم على المبادرة في وجوه الخير بين المسلمين، إذ يقول الله تعالى في كتابة العزيز: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}[٤]، وهي دعوة للمسارعة والتسابق بين الناس في تقديم الخير والمعونة لبعضهم البعض، فهي صفة عظيمة تُعطي العزيمة وتُعلي الهمة، وتجعل الإنسان أكثر جدية في التعامل مع فكرة التعاون والإقدام في وجوه الخير والمنفعة، فهي خُلُق رفيع اعتنى به هذا الدين لأنه من دعائم إقامة الأمة الإسلامية وتربيتها.


إذا ما أتى المتأمل إلى فوائد المبادرة وجدها كثيرة النفع عميمةَ الفائدة، فهي تُعلي من شأن صاحبها بين أقرانه فتزيدُ مكانته في القلوب لما يقدمه من خير ومساعدة، وتزيد من خبراته في الحياة لما يقوم به من تفعيل لمعلوماته وآرائه في دوائر تفاعلية وتشاركية، كما أنّ المبادرة تعزّز روح التعاون في أي فريق يسعى إلى إنتاج عمل مثمر، وفي أي أسرة تسعى إلى الحياة المثالية، وفي أي صداقة تريد أن تستمرّ وتتنامى لتكون ذات نفع في المستقبل. [٥]



لقراءة المزيد من الموضوعات، ننصحك بقراءة هذا المقال: موضوع تعبير عن التعاون قصير.

المراجع

  1. رواه محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف/النووي، في صحيح مسلم بشرح النووي ج5، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم:45.
  2. خطأ استشهاد: وسم غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة d58dacc2_4620_4f21_bae6_600ba7cc134c
  3. "مبادرات الصحابة وأثرها في عصر الخلفاء الراشدين"، مركز سلف ، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2021. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:148
  5. "عن المبادرة "، موهبة ، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2021. بتصرّف.
5597 مشاهدة
للأعلى للسفل
×