ما هي المهن المفيدة للفرد والمجتمع؟
خلق الله تعالى الناس بمواهب وقدرات مختلفة، وما يستطيع شخص ما القيام به وإتقانه قد لا يستطيع غيره القيام به بنفس الطريقة، ولهذا كان لا بدّ من تعاون الناس معًا لإنجاز المهمات المتعلقة بهم، فالإنسان يُولد جاهلًا ويبدأبالتعلّم، ومن ثمّ يتطوّر ويتدرج في إتقان مهنة ما حتى يُؤديها ويُفيد نفسه والآخرين، ويكسب رزقه ورزق أبنائه منها، وفي الوقت الحاضر أصبح أداء المهن يحدث على مستويات عالية واحترافية، وذلك بسبب التطوّر العلمي والتكنولوجي الهائل، كما أصبحتالمرأة تُمارس معظم المهن مثلها مثلالرجل، بعد أن كانت أغلب المهن حكرًا على الرجال.
في جميع المجتمعات لا بدّ من وجود أشخاص يُمارسون مختلف أنواع المهن لتلبية احتياجات الناس والقيام بخدمتهم في مختلف المجالات، لهذا فإنّ المجتمع بحاجة لجميع أنواع المهن؛ فالمجتمع بحاجة للطبيب والمهندس والصيدلاني والمعلم والنجار والحداد وغيرهم بنفس حاجته إلى عامل النظافة وسائق التكسي والمحامي والوزير.
لا يُمكن لأي صاحب مهنة أن يحلّ محلّ الآخر ويقوم بواجباته بنفس الطريقة، فالطبيب لا يُتقن مهنة المهندس، والمهندس لا يُمكن أن يكون محاميًا، ولهذا فلا يُمكن الاستغناء عن أي مهنة مهما كانت صغيرة أو غير مهمة في نظر البعض، وإذا أراد شخصٌ أن يُحدّد المهن المفيدة في المجتمع فإنّه لن يستطيع أن يستغني عن أي مهنة، لأنّ كلّ المهن مفيدة، ومن هنا تبرز الأهمية القصوى لجميع المهن على اختلافها.
في بعض الأحيان يُحدّد الناس المهن المفيدة للمجتمع، ويختصرونها في بعض المهن المعروفة لديهم بناءً على حاجتهم لهذه المهنة، وعلى الرغم من اعتبار البعض أنّ مهنًا معينة لا تليق بهم أو لا يُفضّلون الانخراط بها، إلا أن الاستغناء عن أي مهنة منها يكون صعبًا، فالمريض مثلًا يقول إنّ مهنة الطبيب هي أهم المهن وأكثرها فائدة، والطالب يقول إنّ مهنة المعلم هي أكثر المهن فائدة للمجتمع.
لكلّ مهنة من المهن خصوصية تتمتع بها تجعلها مفيدة في مجالٍ معين، وعلى أبناء المجتمع أن يتوزعوا بين جميع المهن لسدّ النقص في أيّ مهنة كانت، فلو احتاج صاحب مركبة إلى إصلاح مركبته ولم يجد من يُصلحها فلن يستطيع الذهاب إلى عمله لقضاء حوائجه أو ليُمارس مهنته لينفع بها الآخرين.
كيف يستعد الفرد للمهنة المقبل عليها؟
ممارسة المهنة هي في الأساس شيء ابتكاري، يجب أن يكون نابعًا عن رغبة حقيقة، ولهذا فإنّ الاستعداد لإتقان أي مهنة يجب أن يكون مبنيًا على منهجية واضحة في طريقة حلّ المشكلات المتعلقة بهذه المهنة، واتخاذ القرارات الصحيحة فيها، فالمحترف في مهنته لا يعتمد أبدًا على العشوائية، لأنها تكون عائقًا في طريق تطوّرها، لهذا يجب أن يتضمن الاستعداد للمهنة الإحاطة بمجموعة من المعارفوالمعلومات، وهذه المعلومات تأتي بالتحصيل الدراسي، بالإضافة إلى مواصلة التعلّم المستمر بعد التخرّج كونه جزءًا أساسيًّا من أي نشاط مهني، كما أنّ أداء المهنة يتعلق بالأساس في تحقيق أهداف هذه المهنة، وليس مجرّد أداء مهمة.
الاستعداد للعمل في أي مهنة يحتاج إلى استعدادٍ كبير، وهذا الاستعداد يتطلّب أن يكون لدى الشخص الرغبة الحقيقية في احتراف هذه المهنة، وحبّه لممارستها دون غيرها حتى يُبدع بها، ويكون متميزًا على مستوى جميع من يعملون بها، لهذا يجب على كل شخص أن يُحدد رغباته وميوله في أي مهنة يُريدها وأن يسعى إليها، ومعظم المهن اليوم تحتاج إلى دراستها نظريًا في الجامعة أولًا، والدراسة النظرية للمهنة مهم جدًا لأنه يمنح الشخص جميع المعارف اللازمة لممارسة مهنته، فالطبيب والمهندس والمحامي والصيدلاني والمعلم وغيرهم، لا يمكنهم أن يكونوا مهنيين محترفين إلّا إذا فهموا جميع الجوانب النظرية لمهنتهم، وعرفوا خباياها وكل ما توصّل العلم بشأنها.
بعد أن يكون الشخص ملمًّا بجيمع المعلومات التي تخصّ مهنته المستقبلية، يبدأ التدريب العملي عليها، فالنزول إلى ميدان العمل والتدرّب على يد أصحاب الخبرات والكفاءات هو أهم خطوة لاحتراف المهنة والإبداع فيها، وكلما كان الشخص حريصًا أكثر على إتقان مهنته كلما أبدع فيها وأصبحت له مكانة مهمة بين محترفي هذه المهنة مهما اختلفت، كما أنّ الجمع بين الخبرة العلمية والعملية يجعل الشخص على دراية أكبر بخبايا مهنته، ومن الضروري أن يخضع صاحب المهنة لتدريب احترافي على يد خبراء.
من جهةٍ ثانية فإنّ بعض المهن لا تستلزم الدراسة النظرية، لأنّ أصحابها مُتقنون لها بالموهبة التي خلقها الله تعالى فيهم، وعلى الرغم من تلقّيهم التدريب فيها إلّا أنّ صاحب الموهبة في هذه المهنة يكون أكثر إبداعًا من مجرّد شخص تدرّب عليها عمليًا دون أن يكون لديه مهارات خاصة فيه، ومن بين هذه المهن مهنة الكاتب والصحفي والخطاط والمصمم والطاهي ومصفف الشعر، وغيرها من المهن التي برز فيها الفرق بين صاحب الموهبة وبين مَن تلقّى تدريبًا مكثفًا فيها.
حتى تكون المهن متقنة وذات مصداقية عالية هي وأصحابها، لا بدّ من وجود القواعد السلوكية والأخلاقية والعلمية الصحيحة لممارسة أي مهنة، بحيث تكون كل مهنة ذات معالم واضحة ومميزة، ولها مبادئ معروفة، ويعود هذا إلىأخلاق كل شخص يُمارس مهنته، ويشعر بمراقبة الضمير الذي يُجبره على أن يؤديها بكامل ما يملك من خبرة وإبداع، كما تُحتّم المسؤولية المهنيّة على صاحبها أن يُطوّر من نفسه، وأن يسعى ليكون أكثر ابتكارًا وإبداعًا، وهنا يكمن الفرق بين من يُتقن مهنة وبين من يؤدي عملًا روتينيًا كوظيفة، دون أن يكون في الحقيقة متقنًا لهذا العمل.
ما أهمية العمل المهني للفرد والمجتمع؟
أهمية العمل المهني بالنسبة للفرد والمجتمع أهمية عظيمة لا يُمكن إغفالها أو التغاضي عنها، فالعمل المهني بالنسبة للفرد أمان لمستقبله وطريقة لكسب عيشه، كما أنّ العمل المهني يصنع للفرد كيانًا واحترامًا في مجتمعه، فيُنظر إليه بأنّه شخص مفيد يُقدم خدمه لنفسه وعائلته ومجتمعه، ويُصبح له اسمٌ معروف بين أصحاب المهن، فالناس يحترمون كل صاحب مهنة متقن لعمله، لأنه يؤدي خدمة كبيرة للناس، لهذا فإتقان المهنة واجب أمر الله تعالى به، لأنّ الله يُحب العبد المتقن لعمله الذي يُؤديه بإخلاص وكفاءة عالية.
أهمية المهنة للمجتمع كبيرة، فالمجتمع مبنيٌ في الأساس على أصحاب المهن الذين يُعلّمون الأبناء الدروس، ويبنون البيوت ويُشيودون العمران ويعالجون المرضى، فأهمية العمل المهني للمجتمع هي استمرارية لوجوده، وسبب في تطوّره ونموّه وتقدم أبنائه، فلا يُمكن أن يكون المجتمع له قيمة إن كان جميع أفراده اتّكاليين ليس بينهم مَن يُتقن العمل المهني، فالعمل المهني بالنسبة للمجتمع دليل على أنّه مجتمع منفتح متعلّم وغير جاهل، كما يدلّ على أنّ أبناء المجتمع حريصون على التطوّر والتقدم، فالعمل المهني يرفع الاقتصاد ويجعل الخدمات المفيدة والأنشطة الخاصة بها متوفرة في كلّ وقت، كما يُوفر المهارات والخبرات الفنية التي يتطلّب المجتمع وجودها، ويدعم الإنتاج الفكري المتخصص.
لكل مهنة أخلاقيات معروفة وأسس يجب على كل ممارس لمهنته أن يعرفها جيدًا ويلتزم بها، لأنّ الالتزام بأخلاقيات المهنة يُؤدّي إلى أدائها بالشكل الأمثل، وتقديم الفائدة المرجوة منها، أما بعض التجاوزات التي تكون في العمل المهني فهي معضلة أساسية في طريق تطوّر الفرد والمجتمع، وتُسبب تراجع ثقة الآخرين بصاحب المهنة، ممّا يُوقف تطوّره، لهذا يجب أن ينظر صاحب كل مهنة إلى مهنته بأنها نعمة من الله عليه، وأمانة يجب أن يُعطيها حقها وألّا يُفرّط في أي جانبٍ فيها، فالتفريط هنا هو غش وانتقاص من مصالح الآخرين، أما إتقان المهنة سبب في استمرارها وتطوّرها، وسبب في بركة رزق صاحب المهنة.
أن تكون صاحب مهنة يعني أن تؤدي رسالة فيها الكثير من الخير لنفسك وأسرتك ومجتمعك، وأن تكون عنصرًا فاعلًا يعتمد الآخرون عليه، وأن تكون مصدر ثقة للجميع، لهذا فإنّ كل شخص يسعى للتميّز عليه أن يكون متقنًا لمهنته التي يختارها، وأن يؤديها بكلّ ما يملك من قدرات وأمانة، كما يجب على المجتمع ألّا ينتقص من أيّ مهنة مهما كانت، لأنّ المهن جميعها ترتبط معًا بعلاقة تكاملية، وغياب أي واحدة منها يعني غياب الخدمة التي يُريدها صاحب هذه المهنة، مما يُسبّب نقصًا في الخدمات، وتراجُعًا في تطوّر المجتمع وتقدمه.
من واجب الدولة تجاه أبنائها أن تُوفّر لهم جميع الفرص المُتاحة لدراسة المهن باحترافية عالية من الناحية النظرية والعملية، حتى يُمارسوا مهنهم بقدرة وإتقان وراحة، وأن تكون المنافسة بين أصحاب المهنة الواحدة منافسة حرّة شريفة ليس فيها أيّ غشّ على الآخر، ومن واجب أصحاب المهن أن يسعوا إلى تطوير أنفسهم وأن يكونوا متميزين وموهوبين، وأن ينقلوا خبراتهم للآخرين بكلّ أمانة وكفاءة.
لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: تعبير عن مهنة المستقبل.