محتويات
المقدمة: الوفاءُ سمة الأنقياء
الوفاء سمة محمودة لها آثار إيجابية كبيرة على حياة الفرد والمجتمع، فعند معاملة الناس بخلق حسن يكسب الإنسان ودّهم ويأمن شرّهم، فتزيد المحبّة في قلوب المحبّين، ويُنزَع الغلّ من قلوب المبغضين، الأمر الذي يجعل العلاقات بين الناس متزنة، كما أن الشخص الذي يتصف بالوفاء يكون قدوة لغيره.
إذ يتعلّم الطلاب من معلّميهم، والأبناء من والديهم، كما يتعلّم صغار الموظفين من كبار الموظفين أو المدراء فيكونوا بمثابة ملهمين للآخرين بحسن خلقهم.
العرض: الوفاء قلبٌ واحد ومجالات متعدّدة
تتنوع صور الوفاء وتتعدد، فالإنسان الذي يمتلك هذه الصفة تراها تظهر وتتبدى في كل سلوكاته وعلاقاته مع محيطه، فالإنسان الوفي البار بوالديه لأنه يعرف حقّ المعرفة مدى الجهد الذي بذله كل من الوالدين في تربيته، فالأب يعمل ويكدّ ليؤمن لأطفاله لقمة العيش وما يغنيهم به عن الآخرين، والأمّ تتحمّل آلام الحمل والولادة والإرضاع، وتسهر على راحة أبنائها.
وتتعب في تربيتهم وتنشئتهم وتعليمهم إذ يستشعر الإنسان الوفي جهود الآخرين ويقدّرها فيكن للآخرين المودّة والوفاء، فتراه دومًا مستعدّ للعطاء كما أن الشخص الوفي يحبّ إخوته ويساندهم في جميع الأوقات لأنّهم أهله فمعهم نشأ وكبر وتعلّم، ومنهم تلقّى الدّعم والمساندة.
كما أن الشخص الوفي أيضًا مخلص في علاقته الزوجية يحترم شريك حياته ويقدّره ويكنّ له المحبّة الصّادقة، وهو وفي للأشخاص الذين ساعدوه في حياته العلميّة والعمليّة، فتراه دائم الشكر والاحترام والتقدير لهم، فتراه ينتهز الفرص جميعها لمساعدتهم كما ساعدوه ولكي يردّ لهم الجميل.
حث الإسلام على الوفاء من خلال الوفاء بالعهود والمواثيق، فقد قال الله تعالى في كتابه: {وَأَوفوا بِالعَهدِ إِنَّ العَهدَ كانَ مسؤولًا} [١]، وعدّ الإسلام ذلك من أخلاق الفرد المسلم.
وقد شجّع على الاتصاف بهذا الخلق مع جميع الناس، حتى إن الدولة الإسلامية قامت على الوفاء بالعهود والمواثيق فكان ذلك الوفاء خلقًا على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدولة.
إنّ الوفاء شكل من أشكال الالتزام الأخلاقي تجاه الأشخاص والعلاقات معهم، الأمر الذي يكون له تأثير إيجابي على طبيعة العلاقات في المجتمع، فتكون العلاقات قويّة صحيّة ترتكز على الثقة، وبالتالي تدوم لوقت طويل، فتنتشر المودّة بين الناس ويعمّ التكافل.
فمثلا الوفاء في العلاقات الزوجية يعزّز تماسك الأسرة ويحميها من التفكّك، والوفاء بالعهود والمواثيق بين الدول يحميها من النزاعات والحروب، لاسيما أن شيوع الخيانة وانعدام الوفاء من المجتمع علامة خطرة تدلّ على تراجع الأخلاق، وتناقص الإنسانيّة بين بني البشر، وطغيان القسوة على التعامل بينهم.
الأمر الذي يكون له نتائج كبيرة على منظومة الأخلاق وطبيعة العلاقات بين الناس، فتتعرض الأسر للتفكك إذ ترى زوجين منفصلين وأطفال مشتتين وأبناء غير بارين، ويتسع لذك لينسحب إلى صور مختلفة من العلاقات، فينعدم الاحترام بين الطالب ومعلمه، وتشيع العداوة بين الموظفين فتصبح بيئات العمل عبارة عن مجال كبير للتناحر والتزاحم من أجل المادّة.
وقد صدق البحتري حين قال:[٢]
قَد فَقَدنا الوَفاءَ فَقدَ الحَميمِ
وَبَكَينا العُلا بُكاءَ الرُسومِ
ويعني الشاعر بهذا البيت أن المجتمع إذا فقد فيه الوفاء صار العلا كالرّسم أي كالظلل والمكان المهجور الذي نبكي على رحيلنا عنه، فالعلو والازدهار في أمة مرتبط بالأخلاق الحميدة، فلا تعلو أمة إلا بأخلاقها، لذلك فإن فقد الوفاء يشبه فقد ما هو حميم يكون دومًا صعبًا. فالوفاء تعبير الإنسان عن مودته وحبه لشخص معين، والعكس صحيح، ويقول الشاعر بهذا الصّدد: [٣]
عَزمي الوَفاءُ لِمَن وَفى
وَالغَدرُ لَيسَ بِهِ خَفا
صِلني أَصِلكَ فَإِن تَخُن
فَعَلى مَوَدَّتِكَ العَفا
وبالفعل أصبحنا نستشعر في وقتنا الحالي قلة الناس الأوفياء، فقد أصبحوا كالعملة النادرة، وقد يكون سبب ذلك شيوع المادية والأنانية بين الناس، فأصبح الشخص يقدّم مصالحه الشخصية على أي شيء آخر، فتراه يضعها فوق أي اعتبار ولو كان اعتبارًا أخلاقيًّا، فصارت المصالح تقود العلاقات بين الناس، ويقول المازني هذه الأبيات للتعبير عن ذلك:[٤]
ذهب الوفاء فما أحس وفاء
وأرى الحفاظ تكلفًا ورياء
الذئب لي أني وثقت وأنني
أصفى الوداد وأتب ع الفلواء
أحبابي الأدنين مهلاً واعلموا
أن الوشاة تفرق القرباء
إلّا يكن عطفٌ فردوا ودنا
ردّاً يكون على المصاب عزاء
وبهذا يريد الشاعر أن يعبر عما انتشر بين الناس في العصر الحالي من تصنع لمشاعر الحب والوفاء والعطف، فهو يرفض ما هو مصطنع لأنه يكون من باب الرياء والكذب والادّعاء، فهو يفضّل دومًا ا هو صادق. وبالتالي فإن على الإنسان أن يجعل الأخلاق الحسنة النقية تشكل نفسه وتوجه سلوك وتبني مشاعره.
فيكون بذلك إنسانًا نقيّ السريرة، فتنعكس أخلاقه على المحيطين به من الناس وعلى كل من يتعامل معه، فيستشعرون نقاءه ويعرفون مدى أهمية التحلي بمكارم الأخلاق وأهمية ذلك في تقوية الصلات بين الناس.
الخاتمة: وفاء المواطن وقودُ صلاح الوطن
وختامَا إن الوفاء للوطن هو أحد صور الوفاء وهو ليس مجرد كلمات تقال فهو يعني أن يمتلك الإنسان الإحساس بالمسؤولية تجاه وطنه، فيأخذ على عاتقه دور تطويره ويسعى إلى ازدهاره وتحقيق الرفعة من أجله، فهو يفخر بوطنه ويعتز به، ويعي ثقافته جيّدا ويدرك كلّ ما يمتّ لهذا الوطن بصلة من تواريخ وعادات وتقاليد وحضارات وثقافات وأديان احتضنتها هذه الأرض.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية:34
- ↑ "قد فقدنا الوفاء فقد الحميم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/9/2021. بتصرّف.
- ↑ "عزمي الوفاء لمن وفى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 18/9/2021. بتصرّف.
- ↑ "ذهب الوفاء فما أحس وفاء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 18/9/2021. بتصرّف.