صور عمل الخير
كثيرة هي الأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته، وكثيرة المشاغل التي تحيط بالبشر من كل حدب وصوب، حتى إن الإنسان يصل إلى مرحلة لا يجد فيها وقتًا لنفسه، أو لحياته الشخصية، وهذه الأعمال التي تشغل البشر لا يمكن عدها ولا إحصاؤها، وكلها مرتبطة بالماديات، إلا أن العمل المهم الذي ينبغي أن يكون له حيزٌّ مهم في حياة كل إنسان هو عمل الخير، فبهذا العمل يرقى الإنسان بقلبه وعقله وروحه وفكره وحياته كلها.
هو عمل معنوي بعيد عن ماديات الحياة ومصالحها ومشاكلها، هو عمل يغذي الروح، ينمي الود والحب، يعلِّم من دون كلام، ينشر السعادة والسلام دون خطابات وتنظير لا طائل منه إلا الملل والسأم، وأحلى ما في عمل الخير أنّه بحر واسع، بل هو محيط ضخم -إن صح التعبير- ويمكن لكل إنسان أن يغرِف غيضًا من فيض هذا المحيط، ولعل الجميل أن الإنسان كلما غرف منه كلما اشرأبت روحه ولسان حالها يقول: هل من مزيد؟
إنّ أبسط صورة لعمل الخير والتي يستطيعها الجميع دون استثناء هي الابتسامة، فرُبَّ ابتسامة أزاحت غمامة كالحة من الهم والتعب والكدر عن قلب إنسان أو صديق أو حتى غريب، فالابتسامة هي عمل خير صامت، عمل خير بريء وصادق، وإن الابتسامة -على قصر مدتها وعدم حاجتها لجهد أو مال أو حتى كلام- تفعل بالقلب ما يعجز عنه كبار المختصين بعلم النفس وأعظم المحللين والأطباء، فما أجمله من عمل.
كما يمكن أن يكون السؤال والاطمئنان عمّن يحيطون بنا عمل خير يتّسم باللطف والود والصدق، فكم من مغترب يشعر بكآبة ملء الكون في قلبه، وتُمحى كلها كأنها لم تكن فقط برسالة اطمئنان من جار، أو قَرْعِ جرس بيته والسؤال عن حاله، وإذا كان بحاجة لمساعدة في أيّ أمر كان، وهو عمل لا يتطلب وقتًا، ولا يُخسر الإنسان مالًا، بل على العكس الرابح الحقيقي فيه هو من يبادر إليه، لأنه يربح محبة الآخرين، يربح رضا الله، ويربح السعادة الداخلية والرضا عن ذاته.
صورة أخرى من صور عمل الخير تتجلى في الصدقات، فالصدقة التي أمرنا بها الله تعالى، وجعل لها أجرًا عظيمًا، فيها خير كبير عميم، والصدقة هي عمل خير مثمر ومُستدام، هي كالشجرة التي تغرس جذورها ثابتة ضاربة في أعماق الأرض، وتتطاول بفروعها وثمارها مطاولة عنان السماء، وخيرها يعم على صاحبها وعلى المستفيد منها، ففي الصدقة فرح وسعادة، وفيها راحة واطمئنان، وفيها تقارب وتكافل مع المحيطين.
لا يُمكن أن يُذكر عمل الخير دون أن تُذكر معه كفالة اليتيم، ولا يمكن أن يخفى على أحد ما مدى صعوبة إحساس اليتيم الذي فقد والد أو والدته أو كليهما، فاليتيم يحتاج للسند والدعم والإحساس أنّ في الحياة مَن يحميه ويساعده، عندها يشعر بالقوة ويتجاوز كل الصعوبات، إضافة إلى أنّ كفالة اليتيم ومساعدته والاهتمام به ترسم صورة مبهجة للحياة في نظر من يقوم بهذا العمل وفي عين اليتيم نفسه، تبث السعادة في أعماق قلبه، وتريح فكره وعقله، وينام قرير العين.
ثمرات عمل الخير
من المهم بعد أن اتضح ما هو عمل الخير، وكيف يمكن القيام به أن تُعرف الثمار اليانعة التي يقطفها الإنسان من عمل الخير، فلا يوجد في الحياة سبب من دون نتيجة، ولا عمل من دون جزاء، وكما يُقال: الجزاء من جنس العمل، وبناء على هذه المقولة لا بد أن تكون ثمار عمل الخير من جنس العمل نفسه، ومن فضل الله وكرمه على عباده تكون الثمار أضعافًا مضاعفةً عن عمل الخير.
أوّل ثمرة يقطفها فاعل الخير هي أن يُرضي ربه ورسوله الكريم، وأنه يشعر الرضا عن ذاته وأفعاله، وعندها ستكون السعادة في قلبه وعقله وتفكيره لا تُفارقه البتة، إضافة إلى أن هذه السعادة التي تقطن قلبه ستنعكس لا شعوريًا على كل من يحيط به، وذلك لأنه سيتعامل مع الآخرين بناء على أحاسيسه الداخلية وأفكاره التي تدور في عقله، وكل ذلك بسبب عمل الخير الذي قد يكون صغيرًا بنظر صاحبه، لكنّه عظيم عند الله.
من الثمار المهمة للعمل الصالح أن الإنسان يُدرَأ عنه الكثير من المخاطر والأهوال التي كانت توشك أن تقع به أو بأحد من أفراد أسرته دون أن يعلم، ولكن بفضل عمل خير قد فعله هو أو حتى والده، أو أحيانًا جده يكون سببًا في دفع بلاء عنه وعن أولاده وحتى عن أحفاده، وهذا عمل خير صغير، فكيف إذا كان الإنسان سبّاقًا وباستمرار إلى الأعمال الصالحة والأفعال التي تخدم الناس وتُرضي الله.
إن المبادرة في الأفعال الخيّرة تبني بيوتًا من الحب والتكافل، وقصورًا من الود والاحترام بين الناس، ويصير الإنسان يُشار إليه بالبنان ويُحترم من قبل الجميع، صغارًا وكبارًا، وذلك لا لمنصب ولا لمال ولا لسلطة ولا لجاهٍ، وإنما لخلقٍ كريم نبيل عظيم قام به والتزم به، فآتى أُكُلَهُ أضعافًا مضاعفةً، وإنّ من يذوق حلاوة هذه الثمرة لا يمكن أن يتخلى عنها بعد ذلك أبدًا، ومهما كانت الظروف والأحوال.
أجمل ما في ثمار الفعل الصالح أنها تجعل صاحبها قدوة ومثالًأ يُحتذى به دون أن يتكلم، فهو بعمله الصحيح والذي يُرضي الله ينشر الفضيلة والأخلاق الإسلامية السامية والنبيلة دون أن يتكلم، وهذا هو التعليم الصحيح، فالقدوة تكون بالفعل لا بالقول، فكم هم كُثُر المنظرون الذين لا تُطابق أقوالهم أفعالهم، ولذلك فاعل الخير يكون قدوة صامتة تفعل ولا تتكلم، تقصد نشر السعادة والراحة والرضا بهدوء ونية خالصة لله تعالى.
ثمار الدنيا التي يحوزها فاعل الخير لا تساوي مثقال ذرة أمام ثمار الآخرة، فجزاء فاعل الخير عند الله تعالى الفوز بالجنة والنجاة من النار، ولكن ذلك يقترن بأنه فَعَلَ الخير للخير نفسه ولوجه الله تعالى، لا لكي يُقال عنه إتّه فعل كذا وكذا، ولذلك من المهم أن يكون الأمر لإرضاء الله لا للشهرة والتباهي أمام الناس، وليتذكر الإنسان دائمًا أن النية لا يعلمها إلا الله، فليُخلِص في نيته حتى يفوز برضا الله والجنة.
عمل الخير في الإسلام
ثمة ترابط وثيق ومتين بين عمل الخير والإسلام، فالدين الإسلامي دين الأخلاق، دين المعاملة، دين التسامح، دين الخير والحياة المتوازنة المتكاملة، وذلك كله يحتاج لفعل خير متبادل بين الجميع ومن الجميع لكي تعم السعادة، وتسمو الأخلاق وتُلغى الرذائل والإساءات والأخلاق الدنيئة المنافية لتعاليم الدين الإسلامي، وكثيرة هي أعمال الخير التي دعا إليها الدين الإسلامي، وحث عليها الرسول الكريم في أفعاله وفي الأحاديث النبوية.
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعد عمل خيرٍ، وذلك لأن الإنسان عندما يحث الآخرين على القيام بالعمل الجيد والابتعاد عن العمل السيئ يعني أنه يدلهم على الدين الإسلامي وقيمه، ويرشدهم إلى التصرفات التي تُكسبهم رضا الله والفوز بالجنة، ولذلك حث الدين الإسلامي على هذا الفعل كثيرًا، ودعا المسلمين إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إضافة إلى أن حسن التعامل مع الزوجة والأولاد صورة من صور العمل الصالح الذي يُثاب عليه الإنسان إذا قام به، ويُعاقب عليه إذا فعل عكسه، فالدين الإسلامي هو دين المعاملة، والإنسان المسلم عندما يريد أن يقوم بعمل خير لا بد أن يبدأ من الدائرة الصغيرة التي تحيط به، وهي الزوجة والأولاد والعائلة، وبهذا ينال الثواب من الله تعالى، ويكون قدوة لأولاده في المستقبل.
من أنواع عمل الخير في الإسلام أيضًا أن يكون الإنسان ممن يسترون العورات، فإذا رأى عملًا صالحًا نشره، وإذا رأى فعلًا منكرًا ستره ونصح صاحبه سرًا، وهذا عمل يُثاب عليه المسلم كثيرًا، فهو عمل لا يطلب من الإنسان جهدًا أو مالًأ أو وقتًا، بل يطلب أن يستر ويتجاوز عن الأفعال الخاطئة، وإن استطاع أن يغيرها فليغيرها بالنصح والإرشاد والتوجيه، أو حتى بالقدوة الحسنة في الفعل والقول.
نشر الصلح والود بين الناس أمر مهم يدل على فعل الخير، فإنّ ابتعاد الإنسان عن الغيبة والنميمة، والاستعاضة عن ذلك بنشر الكلام الطيب بين الناس عن بعضهم البعض سيجعل الود والحب والاحترام والتسامح هو السائد والمنتشر بين الناس، وبذلك تُلغى الخصومات وتُنسى الأحقاد، وينال الإنسان الثواب على هذا الفعل العظيم الذي قام به وفعله.
إن أعمال الخير كثيرة وثوابها عظيم، فليُسارع كل إنسان إلى ما يرضي الله ويُكسبه الجنة ويبعده عن النار، وكلما كان الإنسان على يقين بزوال الدنيا ودوام الآخرة كلما كان مهرولًأ مسارعًا إلى الخير والقيام به وكسب أجره وثوابه.
لقراءة المزيد من الموضوعات، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن العمل التطوعي.