محتويات
نبذ العنف وسيلة لرقي المجتمعات
كرّم الله تعالى الإنسان، وفضله على جميع مخلوقاته، ونهاه عن تعريض نفسه أو غيره للأذى، فالعنف من أشد أنواع الأذى التي يُمكن للإنسان ممارسته على نفسه أو غيره من المخلوقات، والعنف وحش مجنون إذا ما أُطلق يُدمر ولا يُمكن السيطرة عليه، فالرفق يفعل أكثر بكثير مما يفعله العنف.
المجتمع التي تسود الرحمة والرفق واللطف، ينبذ العنف ويتعامل أفراده فيما بينهم بالحسنى، فالمُحسن يأخذ بيد المسيء حتى يبتعد عن العنف والإساءة، ويرتقي بأخلاقه حتى يسود الفضل والخير في المجتمع، فالعنف ما دخل بشيء إلا شانه، وما دخل الرفق بشيء إلا زانه، فقوة الإنسان تظهر من خلال أخلاقه وتعامله مع من حوله، ولا يتقدم مجتمع أفراده يُمارسون العنف فيما بينهم ومع من حولهم.
العنف منبوذ بأشكاله في جميع الديانات السماوية
حرّم الله تعالى إلحاق الأذى بالغير في جميع الديانات السماوية، وعليه فإنّ العنف منبوذ بجميع أشكاله، وهذا يتضح في تعامل سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد تجلت فيه كل معاني الرحمة، إذ تقول أُم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: [ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ].[١]
رسولنا الكريم خير معلم لنا، والاقتداء بهديه وأفعاله من شيم الإيمان، وقد كرّم الله بني آدم بالعقل وجعله يعقل بالكلام، والعنف مع عقلاء يفهمون بالكلام ما هو إلا تفريغ غضب لا ينتج عنه سوى الإيذاء والندم، والعنف على من لم يعقل بعد كالطفل الصغير يُعاكس الرحمة ويُنافيها.
لا يقتصر العنف على الإيذاء الجسدي والمادي فقط، بل أيضًا على المعنوي، فقد نهى الله -عز وجل- عن السخرية لما لها من أثر عظيم في النفوس، وهي من أشكال العنف النفسي، فمهما علا قدر الشخص فليس من حقه أن يسخر من غيره مهما كان، بل بيّن الله -عز وجل- أنّ الشخص الذي سخر الناس منه قد يكون خيرًا عند الله ممّن سخر منه.
نبذ العنف بجميع صوره واجب
العنف سلاح الضعفاء، ومحاربته واجب على الجميع، فهو يُولد الدمار ويُدمر أممًا بأكملها، فالانتصار الذي يتحقق به ما هو إلا هزيمة كبرى، والعنف بجميع أشكاله ما هو إلا فشل والملاذ الأخير للعاجز الضعيف، ومن هُنا تظهر أهمية نبذه والتخلص من آثاره المدمرة.
نرى العنف في مجتمعاتنا متجلية بصور عديدة، ومن أشدها العنف مع الوالدين وعقوقهما، وهو من الكبائر العظيمة، والعنف بين الزوجين؛ سواء المادي أو المعنوي وهو منافٍ للحكمة من الزواج المتعلقة بالسكن والمودة والرحمة، والعنف مع الأبناء، فالطفل مثل النبتة ينشأ على ما تربى عليه ويُثمر ما سُقي به، فيجب أن ينشأ برفق ومحبة وحزم وانضباط دون إفراط ولا تفريط، دون عنف بل بالرفق مع الحزم.
لنُفكر قليلًا ونطرح سؤالًا متعلقًا بقضايا العنف المرفوعة في المحاكم، فماذا لو فكر الجاني فيما ستحول إليه تصرفاته؟ وماذا لو وفّر الآباء لأبنائهم بيئةً صحيةً تربوا فيها بعيدًا عن العنف بأشكاله؟ هل ستكون هذه النسب المرتفعة للعنف في المجتمع؟ أسئلة تحتاج منا التفكير.
العنف لا يُحقق غاية عادلة مرجوة
في الختام، لا بُد أن نعلم بأنّ العنف ما هو إلا أداة ضعف ووهن، لا يتحقق منها سوى الدمار والأذى، فهو يهزم صاحبه قبل أن يهزم غيره، وهو يُحول الشخص الصالح إلى آخر قاسٍ وبارد تخلى عن جميع قيمه ومبادئه في سبيل تحقيق غايته بأبشع الطرق.
كما أنّ العنف ليس من طبيعة النفس البشرية، وإنّما هي صفة دخيلة يكتسبها الإنسان من بيئته وظروفه، وعليه أن يُناضل لكي يُحاربها حتى لا تستقر في نفسه، ونبذه من الأهداف السامية التي يجب أن تكون إحدى أهم أولوياتنا لنهضة الأمم والرقي بالمجتمعات.
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2328، صحيح.