محتويات
المقدمة: هنا كبرت ونشأت
لا أنسى ذلك الحي الذي عشت فيه أجمل أيام حياتي وقضيت فيه أجمل ساعات عمري، إذ الأحباب والأصحاب وكل ما هو جميل، كان الحي الذي نشأت فيه من أجمل الأماكن وأكثرها نظافةً وصفاءً وتعاضدًا وتكاتُفًا فيما بيني و صويحباتي ونساء الحي ورجالها، كان الحي آمنًا لدرجة أننا كنا نسهر فيه لساعات متأخرة من الليل، فلا غريب يدخله ولا معتدٍ يقض مضجعنا، وكان يمر في حيّنا بعض الباعة المتجولين الذين نعرفهم منذ نعومة أظفارنا، يبيعون الحلويات وغزل البنات وكل ما هو جميل من ألعاب وهدايا.
العرض: سأبقي حيي جميلًا نظيفًا
بعد أن انتقلنا للعيش في حيٍ جديد راعني ما شاهدته من إهمالٍ من قبل سكان ذلك الحي وأبنائه وبناته، فقد لا تسير مسافة قصيرة حتى تجد الكثير من القاذورات والأوساخ ملقاة في الشارع هنا وهناك، وتصادف أنني كنت أنزل إلى الشارع مرتين في اليوم: مرة أثناء ذهابي للمدرسة ومرة في أثناء العودة منها، لم يكن يعجبني الأمر. كثيرًا ما كان يتبادر إلى ذهني أن أقوم بتنظيفه لكن كيف لطفل صغير أن يقوم بهذا العمل وحده، قد يخال المرء أنه لا يوجد عامل نظافة ولكنني أقول إن عامل النظافة في حينا رجل مسكين اسمه "العم طارق" يبدو لي أنه مريض ولا يكاد يعمل قليلًا حتى يقتله التعب.
أضف إلى ذلك أنه كلما نظف زاوية في الحي وذهب إلى سواها يأتي بعض الأشقياء ويلعبون هناك ومن ثَم يذهبون مخلفين وراءهم الكثير من الأوساخ، يا لذاك الأسى كم يعذب قلب العامل المسكين، فكثيرا ما كنت أراه يجلس في ظل إحدى أسوار الحي مطأطئ رأسه حزينًا آسفًا على جهوده الضائعة هباءً منثورا، فيعاود المسكين الكرة ويبدأ بجمع الأوساخ مجددا حتى يجن الليل ويجيء موعد العودة للمنزل فيحمل ذاته المحطمة ويجر أذيال خيبته ويطرق عائدًا للمنزل ليرتاح بين عائلته ليعاود العمل كرة أخرى تؤرقه النتائج نفسها فلا نظافة تدوم ولا راحةً يهنأ بها.
في أحد الأيام كنت جالسا في شرفة منزلي الذي يقع تحديدًا في الطابق الثاني، أرقب عودة أبي من العمل وأراقب المارة، أتأمل حركاتهم وأتصفح وجوههم، وعلى حين غرة سمعت أصواتًا تتعالى وبعض الهتافات، نظرت صوب الصوت فإذا بحشد كبير من الرجال والصبيان والفتيات يتوافدون نحو ما أخاله رجلًا ممددًا على الأرض، أصابني الذعر وصلت أمي ونزلنا معًا لننظر ما الأمر، كان قلبي يخفق بين أضلعي، لأن في قلبي شعور أنه "العم طارق" عامل النظافة المسكين، فأنا لا أتوقف عن التفكير به وما يمكنني تقديمه له في ظل ظروفه الراهنة.
وصلنا سريعًا واخترقنا الحشود، آه كلا! إنه هو يا أمي يا لحسرة قلبي، أمرتني أمي بإحضار الماء والعصير وذهب آخر لشراء بعض الطعام، وقام بعض الرجال برفعه إلى ناصية الطريق، وما إن أفاق من سكرة التعب حتى سأله أحد الواقفين بكل سذاجة الأرض: ما الذي يدعوك للعمل وأنت في هذا السن ويبدو لي أيضًا أنك مريض؟ أجهش "العم طارق" بالبكاء وأنا اشتاط غضبًا، وأجهش بالبكاء، قلت للرجل المعاتب يا عم ماذا تقول؟! ألا ترى أن ضنك العيش ما دفعه للعمل، ومواجهة الناس والحياة وكل ما هو سيء في هذا الحي، إنني لأرقبه في جميع الأيام كيف ينظف بإعياء شديد ويأتي أولاد الحي وراءه و العرق يتصبب من جبينه يعيثون الأرض فسادًا.
تحدث "العم طارق" وقال: نعم عندي أبناء لم يشتد عودهم بعد وأنا رجل مريض لا أقوى على المسير إلا بصعوبة بالغة، زوجتي أُقعدت بسبب حادث سير مرير ولا تقوى على الحركة الآن إلا قليلًا، فأضطر إلى النهوض باكرًا وتنظيف المنزل بما أستطيع وأطعم أبنائي وزوجتي ومن ثم أحضر إلى هذا الحي الذي استهلك عمري وجميع أيامي ولم ارَ لتعبي أثرًا فيه، أيعقل أن أنظف الحي مرتين وثلاثة في اليوم وبلا فائدة؟! أوّاه من ذلك فقد انحنى ظهري، وقطعت مفاصلي ولم أعد أقوى على فعل شيء ولولا شدة خوفي على أولادي لدعوت الله كل يوم أن يلطف بي ويأخذني لجواره.
كلامه أبكى بعض رجال الحي وما تبقى منهم أمسك دمعته عنوة، أما الأولاد والبنات فقد أطرقوا خجلًا من أنفسهم وتمنوا لو أنهم لم يلقوا ولو قشة على الأرض فذاك العم المسكين لا يستحق منا ذلك، وبعد صمتٍ طويل صرختُ قائلًا: عندي الحل! وهو حلٌ يرضيكم جميعًا ويُبقي الحي نظيفًا ويعطي المجال للعم أن يرتاح يومًا ويعمل يومًا آخر، حتى في أيام العمل لن يكون هناك الكثير ليقوم به، دهش الجميع وسألوني أن أتابع اقتراحي، فأخبرتهم أنه يتوجب علينا كلّنا تنظيف الحي، ومن ثم نلتقي لنتابع الحديث.
انطلق الجميع وبدأنا نعمل بسرعة خاطفة حتى الرجال بدأوا يلتقطون الأوراق وينظفون معنا، وبعد نصف ساعة التقينا عند النقطة نفسها وكنا قد انتهينا، فقلت للعم ما رأيك أن تأتي للعمل يومًا بعد يوم، ونعدك في اليوم الذي ستأتي فيه أن نمد لك يد العون ونكون لك داعمين، وأما الكبار فكل سيضع أمام باب بيته سلة كبيرة لجمع القمامة، وباقي الأولاد والبنات سيعاهدونني الآن على عدم رمي أي شيء على الأرض وإزالة كل ما يعترض طريقهم في غدواتهم وروحاتهم، أليس إماطة الأذى عن الطريق صدقة؟ كما علمنا خير البرية سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم! دُهش الجميع وصفقوا تصفيقًا حارًا، أما العم طارق فكاد يطير فرحًا وارتسمت البسمة على شفتيه للمرّة لأولى منذ سكنا هذا الحي فحمدًا لله.
الخاتمة: بيئة نظيفة تعني حياة صحية
إن العيش ضمن حياةٍ صحية خالية من الأوبئة والأمراض سببه توافر بيئة نظيفة، و لكل امرئ في هذا الكون دورٌ كبير سواءٌ أكانوا صغارًا أم كبارًا، فلا يضير لو أن كل إنسان نظف محيط بيته وأماط أشكال الأذى كافّة لأصبحت البيئة التي نعيش فيها نظيفة بأقل مجهود، إن الصحة الجيدة والحياة الخالية من الأمراض شرطٌ من شروط البقاء على هذه البسيطة، فلا يمكن أن تستقيم الحياة بدون بيئة صحية متوازنة خالية من كل ما يسبب الأذى للإنسان والنبات والحيوان فسبحان الله الذي خلق لنا عقولًا نفكر بها.
قد تلهمك بعض الأفكار الواردة في هذا المقال لكتابة تعبير عن نظافة الحي: عبارات عن نظافة البيئة.