نعمة الماء
الماء هو المكون الأساسي للحياة على وجه الأرض، فمنها يعيش الإنسان والحيوان والنبات، فقد جعل الله سبحانه وتعالى من الماء كل شيءٍ حيًّا، فلولا عظمة الماء موجودة لانقرضت جميع أشكال الكائنات الحية عن الأرض من إنسان و نبات و حيوان، ولا زانت الطبيعة بالألوان الزاهية والخضرة الكاسية، فبالماء الواحد تخرج الثمرات المتنوِّعة المتكاثرة وهذا كله من فضل الله تعالى علينا.
قد كانت هذه النعمة العظيمة هي سبب مهم من أسباب ارتحال العرب قديمًا، فمن العروف أنهم كانوا يقصدون أماكن الكلأ والماء ليستقروا بها، ولهذا وصف العرب قديمًا انقطاع الماء بقولهم أن الماء هو أهم موجود وأعزّ مفقود، فلو انقطعت عنا هذه النعمة لجبنا الأرض بحثًا عنها، فهو الذي يجعل الحياة تدبُ في الأرض ومن عليها، هذه النعمة نراها موجودة بأكثر من شكل، فهي إمّا أن تكون نبعًا صافيًا ينبع من باطن الأرض، أو أن تكون أمطارًا نقيةً تنزل من السماء، أو أن تكون معالجةً للمياة المالحة في البحار لتصبح نقيةً صالحةً للشرب والرَّي كما الاستحمام والطهارة قال سبحانه وتعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[١][٢]
أهمية الماء في مجالات الحياة
كما أنّ هناك أهمية عظيمة للماء فهي المكوّن الأساسي لأجسامنا، فهو يشكل حوالي 60% من وزن الجسم، فهي ضرورية جدًا لجسم الإنسان لتساعده على التخلص من فضلاته وحمايته من أمراضٍ شتى، فينعم بذلك بجسم صحي، كما أنّه مصدر للغذاء للكائنات البحرية في البحار والمحيطات والأنهار، فالأسماك والكائنات البحرية تعد مصدرًا من مصادر الثروة الاقتصادية والغذائية التي يعدُّ الماء أساسًا لها.
ولا ننسى هذه الأهمية العظيمة للماء فهو يعدّ طريقة من الطرق الرئيسة للتنقل بين البلدان، وكذلك الحصول على المتعة والترفيه وأيضًا المناظر الجميلة كالنوافير، لا ننسى أن هذه البحار والمحيطات هي من أهم الأماكن التي يمكننا أن نستخرج منها الأملاح والمعادن الثمينة.
نؤكد على أهمية الماء في مجال الزراعة، فلولا وفرة الماء لما وجدت الأشجار وثمارها المختلفة وكذلك زراعة الورود ونباتات الزينة لننعم بها وبجمال منظرها وألوانها، فهي عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه ليس في مجال الزراعة فحسب وإنما في أغلب مجالات الحياة، مثل توليد الطاقة الكهربائية، فهي في هذا العصر لا يمكن لأحدٍ الاستغناء عنها، ويدخل الماء أيضًا في مجال الصناعة فهو أساسيّ لبعض الصناعات، مثل صناعة الإسمنت والجبص، وإذابة بعض المواد، وصناعة البطاريات.
يُمكن الاستفادة من الماء في تلبية الاحتياجات الشخصيّة كالاستحمام وغيره، لذا فهي من أعظم نعم الله التي وهبنا إياها والتي يجب الحفاظ عليها، فمبجرد أن تهطل حباته الزكية من السماء، حتى تفرح الأرض القاطبة بقدومه، وتبتهج الطبيعة تهليلًا بهذا القادم نعمةً من الله تعالى، فبه وحده يصفو الجو ويُصبح مشرقًا صحوًا وجميلًا وواضحًا، وبه أيضًا تنتعش مظاهر الحياة، ويُصبح كل شيءٍ يشع ابتهاجًا ونظافةً، حتى الجمادات تُشرق أكثر وتصبح أكثر جمالًا عندما ينزل الماء عليها، والشمس تُصبح أكثر بهجةً وإشراقًا، فيا لها من نعمٍ عظيمةٍ حباها الله تعالى للماء وخصّه بها وحده.
أسرار الماء في القرآن الكريم
لأنّ للماء دورًا مهمًّا عظيمًا ولا يمكن تجاوزه في مظاهر الحياة على الأرض، فقد ذكره القرآن الكريم في العديد من الآيات والسور الكريمة، فتحدث عن أهميته وطرق تكونه وتوزيعه على مناطق الأرض، ووسائل تخزينه في الأرض في بحيرات على سطحها وأحواض في باطنها، ومن ثمّ إخراجه على شكل أنهار وينابيع، ودوره في خلق الحياة في الأرض، ودوره في حياة الكائنات الحية.
فقد أكد القرآن الكريم أنّه لا يمكن للحياة أن تظهر وتنمو دون الماء فقال تعالى: {أَوَلَم يَرَ الَّذينَ كَفَروا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنونَ}[٣]، وأكّد على أنّ جميع الكائنات الحية قد خُلقت من هذا الماء، يقول سبحانه وتعالى: {وَاللَّـهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[٤].
عندما نقارن حال الأرض قبل وبعد نزول الماء عليها، فهي جرداء قاحلة في غياب الماء، وخضراء زاهية بالألوان بعد نزوله عليها، وصدق الله العظيم الذي يقول في محكم كتابه: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}.[٥]
كلّ ذلك يندرج تحت الإعجاز العلمي للماء الذي خلقه الله عز وجل ليكون جزءًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه للعيش سواء للإنسان أم النبات أم الحيوان. فالحياة منذ نشأتها الأولى احتاجت إلى الماء كعامل أساسي مهم لظهورها، حيث ذُكر أنّ الطين كان أول مراحل خلق الكائنات الحية، والطين هو التراب المعجون بالماء.
قد ذكر الله تبارك وتعالى الماء البارد في القران الكريم بشكل واضح في هذه الآية الكريمة، فيقول الله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[٦]، فهذه الآية الكريمة تُوضّح لنا أن الماء -وبالأخصّ الماء البارد- يكون فيه شفاء للناس من كل داء بإذن الله تبارك وتعالى.
قد ذُكر الماء في السنة النبوية، ومن اهتمام السنة النبوية في هذا العنصر الحيوي المهم أنه جعله حقًا شائعًا بين الناس، فأكّدت أنه ليس لشخص حق الانتفاع به دون غيره، ففي حديث نبوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلَّم- قال: "ثلاثٌ لا يُمنَعْنَ، الكلأ والماء والنار"[٧]
ذكر الله عزَّ وجل الماء في القرآن الكريم مرات عديدة وفي مواضع مختلفة وبأسماء مختلفة أيضًا، منها؛ الماء المعين وهو الذي يفيض ويسهل الحصول عليه والانتفاع به، كما ذكر الماء الغدق وهو الذي فيه وفرة وكثرة، أيضًا هناك الماء الفرات وهو الماء شديد العذوبة، لا يخفى عنا ذكر الماء الثجاج وهو السيل، ولا ننسى أن نذكر الماء الدّافق، وهو منى الرجل يخرج في دفقات، أيضًا ماء مدين والأنهار والينابيع، الذي يسقط من السحاب فيجرى في مسالك معروفة، فيقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ}[٨]
كما ذكر القرآن الكريم ماء سلسبيل وهو ماء في غاية من السلاسة وسهولة المرور في الحلق من شدة العذوبة وينبع في الجنة من عين تسمى سلسبيل، وذكر أيضًا الماء الحميم، وهو شديد السخونة والغليان، وذُكر الماء غير الآسن وهو الماء الجاري المُتجدّد الخالي من الملوثات، وأخيرًا نذكر لكم الماء المهين، وهو الضعيف والحقير ويقصد به منى الرجل لضعف تحمّل مكوناته للعوامل الخارجية، وهذه بعض أسماء الماء التي قد ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل، تأكيدًا على الأهمية العظيمة للماء.
من قصص الماء في القران الكريم ما نراه في قصة سيدنا نوح عليه السلام، الذي مضى يدعو قومه لعبادة الله وحده لا شريك له وما كان منهم إلا الرفض والعناد، حتى جاء أمر الله تعالى، فأمر نوح عليه السلام ببناء سفينة لينجو بها هو والذين آمنوا معه من الطوفان الذي سيحيط بالكافرين من كل حدبٍ، فبعد إتمام بنائها أمر الله السماء بأن تمطر حتى تغطي الماء قمم الجبال التي أوى إليها الكافرون ظنًا منهم أنها آمنه من هذا الطوفان.
لكن هذا المطر وهذا الماء الذي نزل من السماء وخرج من الأرض لم يكن رحمة بل كان عذابًا لكل من تكبَّر ولم يؤمن بالله الواحد القهار، إلى أن جاء أمر الله بأن تبلع الأرض الماء وأن تتوقف السماء عن إنزال الماء يقول تعالى: {وَقيلَ يا أَرضُ ابلَعي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقلِعي وَغيضَ الماءُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَاستَوَت عَلَى الجودِيِّ}[٩].[١٠]
من قصص الماء في القران الكريم أيضًا، نذكر قصة هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام الثانية وابنها اسماعيل، فقد خرجوا معًا من ديارهم إلى أن وصلوا أرض الحجاز وكانت أرضًا صحراء قاحلة لا عشب فيها ولا قطرة ماء، عند وصولهم لهذه الأرض جاء أمر الله عز وجل لعبده إبراهيم بأن يذهب للدعوة لعبادة الله تعالى، فخاف إبراهيم من ترك زوجته وابنه في هذه الأرض الجرداء، فدعى الله عز وجل أن يتلطَّف بهما وذهب للدعوة.
ما كان من هاجر إلا الاعتناء بطفلها حتى نفد الطعام والشراب لديها، فقامت تسعى بين الجبلين الذين كانت عندهما وهما الصفا والمروة ظنًا منها بوجود الماء في أحدهما، حتى أمر الله بعين ماءٍ شربت منها هي وطفلها رحمة ولُطفًا من الله، وصارت الأرض بعدها خضراء خصبة.
لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن أهمية الماء.
المراجع
- ↑ سورة الفرقان، آية:48
- ↑ "تنبيه ذوي الأبصار بأحكام نزول الأمطار"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:30
- ↑ سورة النور، آية:45
- ↑ سورة الحج، آية:5
- ↑ سورة ص، آية:42
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2021.
- ↑ سورة الزمر، آية:21
- ↑ سورة هود، آية:44
- ↑ "قصة نوح عليه السلام وما فيها من المواعظ والعبر (4) "، الألوكة، 16/12/2020. بتصرّف.