واجبنا نحو الوالدين
إنّ الأم والأب هما أعظم البشر وأروعهم، وطاعتهما واجبة ومفروضة من رب العباد، فرضى الله تعالى مقرون برضى الوالدين، ولا توفيق في الحياة دون هذا الرضى، فيقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) [الإسراء: 23]، فلا يمكن أن يكتمل إيمان العبد عندما يكون عاقاً لوالديه، ولا يحترمهما ولا يوقرهما، ولا يقدم لهما الرعاية والعناية، وقد أكدت هذا العديد من النصوص القرآنيّة الكريمة، والأحاديث النبويّة الشريفة.
إنّ واجبنا تجاه والدَينا لا يقف عند حد، ولا يمكن حصره في أشياء معينة، ومن أهم هذه الواجبات تقديم الطاعة، وعدم التذمر في حضرتهما أو تجاوز مشورتهما، أو نهرهما، كما ينبغي التأدب في الحديث والكلام معهما، وتجنب مقاطعة أياً منهما أثناء حديثه، فشعور الأب أو الأم عندما يرى أحد أبنائه وقد تجاوز مشورته ورأيه، يعتبر شعوراً كاسراً للنفس والخاطر، ومثيراً للحزن وخيبة الأمل.
يجب علينا أن نُقبّل أيدي الوالدين، وأن ندخل الفرح والسرور إلى قلبيهما، وأن نعينهما على الدنيا ونهتمّ بهما، ولا نضع أحداً في مكانتهما مهما كان، فلا يوجد شخص في العالم يتعب لأجل الأبناء أكثر من الأب والأم، فالأم تعبت وتحملت الكثير من المشاق، والأب يتعب ويعمل لأجل تلبية حاجات أبنائه، فهم يقدمون كلّ هذه الأشياء دون انتظار أي مقابل، كما لا يريدون من أبنائهم إلا أن يروهم فرحين وفي أفضل حال.
لا يقتصر الواجب تجاه الوالدين في حياتهما فقط، بل يمتد إلى بعد وفاتهما، وذلك بالدعاء لهما دائماً بغفران الذنوب، وتقديم الصدقات عنهما، وإيفاء عهودهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، بالإضافة إلى الحفاظ على طيب ذكرهما وسمعتهما، وتجنب جلب الإساءة أو الشتيمة لهما، فصيانة حقوق الوالدين واجب مفروض من الله تعالى على كلّ ابن وابنة.
يمتد واجب الأبناء على الوالدين إلى الحاجات الماديّة بالإضافة إلى المعنويّة، فلا يجوز أن ينقص عليهما أي شيء ما دام الأبناء قادرين على تقديمه لهما، فالإنفاق عليهما من الحقوق الواجبة على الأبناء، ومن يقصر في هذا الحق يعتبر عاقاً لوالديه، كما يجب إدخال الفرح والبهجة إلى قلبيهما قدر المستطاع، وإبعادهما عن أسباب الحزن، والقلق، والتوتر، ومراعاة ظروفهما النفسيّة، والعاطفيّة، والصحيّة التي تبدلت وتغيرت بحكم تقدمهم في السن، فالأم والأب جنة الله على الأرض، ولا يعرف عظمة نعمة وجودهما إلا من فقدهما.