محتويات
ماذا يعني مصطلح وسائل الاتصال الحديثة؟
لو قال قائل ما هي التقنيات الحديثة، أو ماذا يعني مُصطلح وسائل الاتّصال الحديثة؟، فالجواب هو أنّ مُصطلح وسائل الاتّصال الحديثة يعني ما توصّلتْ إليه التكنولوجيا الحديثة من وسائل تُساعد الناس على التّواصل مع بعضهم بعضًا بأيسر الطُّرق المُمكنة، وتشمل الاتّصالات المكتوبة والمسموعة والمرئيّة، فمنها البريد الإلكتروني الذي ظلّ مُتربّعًا على عرش صدارة أنواع وسائل الاتّصال الحديثة زمنًا طويلًا قبل أن يتوصّل المُخترعون إلى مزيّة الاتصال المرئي "الفيديو"، من خلال إضافة خاصيّة مُعيّنة لمُحادثة البريد الإلكترونيّ، ومن ثمّ صارت تلك المزيّة مُتاحة من خلال بعض برامج الاتصالات الحديثة.
قد يجد المرء أنّ بعض الوسائل الحديثة تتخصّص في نوع واحد من أنواع التّواصل، وهذه غالبًا لا يُكتب لها النجاح؛ إذ قد كان هناك بعض البرامج التي تختصّ فقط بالاتّصالات الصوتيّة، ومنها ما يختصّ بالاتّصالات الكتابيّة، ولكنّ البرامج الناجحة للاتّصالات الحديثة هي التي تكون شاملة لكلّ أنواع الاتّصالات السائدة في ذلك العصر، وهناك اليوم الكثير من هذه البرامج التي تتنافس فيما بينها من خلال إضافة مزايا فريدة غير موجودة إلّا في ذلك البرنامج دون غيره، وكذلك يكون التّنافُس فيما بينها من خلال سهولة الوصول إليها وتوفّرها بأيدي الناس بأيسر الطرق.
كيف تطورت وسائل الاتصال بين الماضي والحاضر؟
لو عَقدنا مُقارنة بين وسائل الاتّصال الحديثة والقديمة لرأينا فرقًا شاسعًا بينها، فقد كان التواصُل قديمًا يتمّ عبر كتابة الرسالة وإرسالها عن طريق رسول أو عن طريق إرسالها بوساطة الحمام الزاجل المدرّب حتّى يؤُدّي هذه المهمّة من دون أيّ أخطاء؛ كأن يأخذ الرسالة إلى مكان آخر غير المقصود، وكانت الرسالة تحمل أشواق المُرسل وشيئًا من عطره ومحبّته وودّه، بل قد ترسل الحبيبة شيئًا من شَعرِها في الرسالة إلى حبيبها وتُضمّنها شيئًا من أشعار الحبّ والغرام والهيام لتزيد من نار الشوق عند حبيبها.
استمرّ الأمر حتّى ظهور ساعي البريد الذي نعرفه الذي يحمل حقيبته الجلديّة ويدور على صناديق البريد التي أمام البيوت والمُؤسسات يضع فيها الرسالة التي قد أرسلها الأهل والأحباب قبل مدّة ربّما تصل إلى الأشهر أحيانًا، والحقيقة أنّ ساعي -كما يُقال- قديم جدًّا؛ فقد كان لملوك الحضارات القديمة وكهَنَتها أشخاص يُوصلون الرسائل ويسمّونهم "العدّائين"، فكان هذا "العدّاء" يوصل الرسالة جريًا حتى يستقبله عدّاء آخر يكون ينتظره في نقطة معيّنة، والعدّاء يوصلها إلى عدّاء آخر، وهكذا إلى أن تصِلَ الرسالة إلى المكان المطلوب.
لكن مع مَجيء الدولة الأمويّة فإنّ هذا الأمر قد تطوّر، وقد صار البريد قريبًا من الشّكل الذي نعرفه اليوم، وصار ساعي البريد يُوصل الرسائل على الخيل العربيّة الأصيلة، فصارت المسافات الطويلة تُطوى طيًّا، وصار البعيدُ قريبًا، وصار للدولة رسائل تتبادلها مع الدّول الأخرى، وصار أهل هذه الدولة يتبادلون الرسائل فيما بينهم، وقد بدأ هذا التطوير للبريد في عهد معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، ومن ثمّ أكملَ عبد الملك بن مروان هذه المسيرة فكلَّلَها بأن سنّ القوانين التي تُنظّم عمل البريد، ثُمّ أكملَ الذين جاؤوا بعده ما بدأ به، وأدخلوا تطويرات وتحسينات على هذا النظام، وما زال يتطوّر حتّى وصلَ إلى ما نعرفه اليوم.
لكن فيما بعد صارَت الرسالة المُرسلة من خلال البريد تتأخّر لمدّة تصل إلى شهر أو عدّة أشهر لتصل إلى المُرسَلِ إليه، فدار ببال أحد المخترعين الأوروبيّين أن ينقلَ الكلام مستفيدًا من الكهرباء إلى الأماكن البعيدة التي يستغرق الساعي وقتًا طويلًا حتى يصل إليها، فاخترع التلجراف، وهو جهار يُحوّل الرموز إلى حروف يرسلها من خلال الأسلاك الكهربائيّة إلى جهاز تلجراف آخر في المكان المطلوب أن تصل إليه الرسالة، ثمّ فيما بعد توصّل أحد العلماء إلى اختراع آليّة لنقل الصوت بمبدأ قريب إلى المبدأ الذي يعمل به التلجراف، فتوصّل العالِم أنطونيو ميوتشي إلى اختراع الهاتف الذي نُسِبَ فيما بعد لجراهام بيل.
بعد اختراع الهاتف صار التّواصل مع المعارف والأهل والأحباب البعيدين أمرًا يسيرًا، وصار سماعُ صوت الأحباب لا يُكلّف الإنسان سوى أن يضغط على بعض الأزرار في جهاز الهاتف لينقله عبر الأثير إلى بلاد الحبيب أو القريب أو الصديق، فيتحدّث معه بالسّاعات الطويلة من دون كلل أو ملل، فكان الهاتف في بدايته جهازًا كبيرًا يُوضع في محطّات خاصّة به في المدن والقرى، ثمّ صار جهازًا في البيوت له سلك يتّصل به، وبعدها صار هناك الهاتف النقّال غير السّلكيّ الذي كان علامة فارقة في بيوت الأغنياء، ومن هنا جاءت فكرة الهاتف الخلويّ الذي أحدثَ ثورة في عالم الاتصالات.
بين الهاتف الثابت في المنازل والهاتف الخلويّ كان هناك البريد الإلكترونيّ الذي ظهر في الرُّبع الأخير من القرن العشرين، فصارت الرسائل المكتوبة والصور والمقاطع المرئيّة "الفيديو" تصل خلال عدّة ثوانٍ من أقصى بلاد الأرض إلى أقصاها، وبعدها جاء الهاتف الخلويّ الذي قد أدخلَ عليه العلماء والمبرمجون مزايا جعلَت منه عالمًا صغيرًا يحمله الإنسان في جيبه، فصار يصله بمن يسكن القطب الشمالي ولو كان في أستراليا.
ثمّ فيما بعد جاءت وسائل التواصل الحديثة، ويُقصد بها عادة مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب إضافة لبعض برامج الاتّصالات كبرنامج الواتساب، وهذه البرامج تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الهاتف المحمول الذي صار يضمّها كلّها في مساحة لا تتجاوز حجم الكف، فصار الإنسان يتواصل مع الآخرين من خلال الصوت والصورة في جهاز صغير، وحديثًا تعمد بعض الشركات إلى التوصّل إلى التواصل الثلاثي الأبعاد؛ يعني أن يُصبح الإنسان يرى أمامه الشخص الذي يودّ الاتّصال به من خلال مجسّم ضوئيّ يظهره أمامه بكلّ تفاصيله، فصدق من قال إنّ العالَم صار قرية صغيرة بفضل وسائل التواصل الحديثة.
وسائل الاتصال الحديثة بين السلبيات والإيجابيات
لو أردنا أن ننظر إلى وسائل الاتصال الحديثة ومخاطرها، أو لنقل أن ننظر إلى فوائد وسائل الاتصال الحديثة فإنّنا يجب أن ننظرَ إلى الأمر من جهتين: فننظر إلى الفوائد والإيجابيّات التي قد جاءت بها وسائل الاتصال الحديثة، فمن باب ذكر الإيجابيّات أوّلًا نقول إنّ وسائل الاتصال الحديثة قد قرّبت البعيد؛ فصارت المسافات تُطوى ولم يعُد هناك بعيد، فصارت الأمّهات ترينَ أولادهنّ البعيدين عنها، ويرى الأبناء أهلهم مهما كانت المسافات بين بينهم بعيدة، فصار الإنسان بمجرّد استعماله هذه الوسائل لا يشعر بغربة أينما كان.
لكن لو نظرنا إليها من جهة السلبيّات، فإنّ وسائل الاتّصال الحديثة كان لها دورٌ كبيرٌ في تشتيت العلاقات الأُسريّة وتقطيع كثير من العلاقات، فكما أنّ وسائل الاتّصال الحديثة قد قرّبت البعيد فإنّها كذلك قد بعّدَت القريب، فتجد الناس في المنزل الواحد يمسك كلّ منهم بهاتفه المحمول ولا يتواصلون معًا ضمن البيت الواحد، فإنّ أثر التكنولوجيا على العلاقات الأسرية سيفٌ ذو حدّين، فهو يؤثّر على العلاقات القريبة ولكنّه جيّد للعلاقات البعيدة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لمخاطر هذه الوسائل.
نقطة أخيرة ينبغي التنبّه لها وهي إيجابيات وسلبيات الاتّصال اللّفظي، فالاتصال اللفظي يكون سلاحًا ذا حدّين أيضًا إن لم يُحسن الإنسان استغلاله كما يجب، ونعني بالاتّصال اللفظي هو إرسال الرسائل شفهيًّا من خلال بعض التقنيّات الحديثة، فاليوم العالم يمرّ بعصر السرعة كما يقولون، فعليه يكون إرسال الرسائل الطويلة غير مُجدٍ أحيانًا لمن لا يحبّ سماع الرسائل الطويلة، أو الذي لا يمتلك الوقت لسماع ذلك، ولكن يكون مُجديًا إذا استثمر الإنسان مزيّة الاختزال والاختصار في الكلام، فيُعطي المضمون بأقصر عبارة ممكنة، وكما قيل: البلاغة في الإيجاز.
أهمية الاتصالات في حياتنا
إنّ أهميّة التكنولوجيا في التّواصل اليوم بين الناس كبيرة لا يُمكن إغفالها، فقد صارت وسائل الاتصال جزءًا لا ينفصل عن واقع الحياة اليوميّة للنّاس، ومهما كان البلد أو القطر يُعاني من التخلُّف في مناحي الحياة المختلفة فإنّه لا يُمكن له أن يغفل جانب التكنولوجيا الحديثة في الحياة العمليّة؛ فمثلًا أصبح البريد الإلكترونيّ يُعتمد عليه من قِبل المُؤسّسات بُمختلف أنواعها، وفي بعض الدول صارت المُحاكمات والمُرافعات القضائيّة تتمّ عبر وسائل التواصل المرئيّة.
كذلك ينبغي ألّا يُغفل دور وسائل الاتصال في التربية والتعليم؛ إذ صارت معظم الجامعات تُتيح لطلّابها الدراسة عن بُعد، وتقديم الامتحانات عن بُعد كذلك، واليوم في هذه الجائحة التي تعصفُ بالنّاس صارت حتى المدارس الابتدائيّة تُتيح لتلاميذها التواصل عن بُعد بسبب إجراءات السلامة والحماية العامّة، فوسائل الاتصال الحديثة هي نِعمة لِمَن أحسن استعمالها، وأعطاها حقّها الذي ينبغي لها ولا يَزيد، وهي في الوقت نفسه نقمة لمن أغرَقَ نفسَهُ فيها، واسترسل معها في متطلّباتها واعطاها أكثر ممّا يجب.