محتويات
المقدمة: السفرُ صفحةٌ ملوّنةٌ في الحياة
يحتاج الإنسان إلى تغيير نمط حياته من فترة لأخرى، ويعد السفر إحدى الوسائل التي نلجأ لها لذلك، فقد يقرر الإنسان الارتحال عن أهله ووطنه اضطرارًا بسبب حصوله على عمل مناسب لتحسين مستوى معيشته ودخله، أو ليحصل على فرصة لدراسة تخصص معين في جامعة يريد أن يدرس فيها، أو لعلاج أو لظروف أخرى.
وقد يختار الإنسان السفر للترفيه والسياحة، كما إن السفر قد يقصر أو يطول حسب الغاية منه، وقد ينتهي الأمر ببعض الأشخاص إلى اختيار الإقامة الدائمة في المكان الذي سافروا إليه.
العرض: للسفر وسائله وفوائده
لطالما كان السفر قديًما أصعب بكثير من السفر في الوقت الحالي لتطور وسائل النقل وتطور التكنولوجيا، فكان الإنسان يسافر سيرًا على الأقدام أو باستخدام الدّواب من خيول وجمال وحمير وبغال، فيقطع القفار والبحار مواجهة شتى أنواع المخاطر، فكان ينفد منه الزاد أي الطعام والشراب، وقد تنفق دابته أو تمرض.
وقد يواجه الإنسان خلال سفره ظروفًا طبيعية صعبة مثل العواصف الرملية في الصحراء أو ارتفاع الموج وسرعة الرياح التي قد تقلب سفينته، إضافة إلى العرض لمخاطر الحيوانات المفترسة كالأفاعي والعقارب.
وبالتالي فإن الإنسان قديمًا كان يستغرق وقتًا طويلا للسفر، وكان سفره غالبًا بداعي البحث عن الزاد أو الماء أو الحرب أي للضرورة، وقليلًا ما كان يرتحل بداعي المتعة أو الاكتشاف، إلا أن هناك الكثير من الرحالة الذين ذكرهم لنا التاريخ، ومنهم ابن بطوطة ولشدة مشقة السفر فقد أوجد الدين أحكاما ورخصًا خاصة بالسفر مثل الجمع والقصر في الصلاة أو إفطار الصائم المسافر.
وفي الوقت الحالي أصبح السفر أسهل فيمكن للمسافر اختيار وسيلة انتقاله التي تناسبه، فالمسافر برًّا قد يختار السفر بالسيارة أو الحافلات أو القطارات، وقد يختار السفر جوًّا بالطائرة أو بحرًا بالسفن المتطورة، وتختلف تكاليف السفر ومقدار رفاهية الرحلة وأمانها وفقًا للوسيلة المختارة، إلا أن الوسائل المميزة للسفر بالطبع تكلف أموالًا أكثر.
ففي الطائرات مثلا عدة درجات منها الثالثة والثانية والأولى والخاصة والسياحية ودرجة رجال الأعمال وفئ الشخصيات الهامّة، ولكل درجة تكلف معينة وامتيازات خاصة وقد يختار الشخص الوسيلة حسب المسافة المقطوعة، وبالطبع يحتاج السفر إلى أماكن بعيدة استخدام الطائرة، أما السفر داخليًا بين المدن والمناطق فيمكن استخدام وسائل النقل العام.
مما لا شكّ فيه أن للسفر فوائد كبيرة جدًّا على الرغم من مصاعبه ومشاقه، فهو يتيح للإنسان فرصة تغيير روتين حياته وتجديد طاقته وتحسين الصحة النفسية، إذ يستطيع زيارة أماكن جديدة من العالم والتعرف على الثقافات والحضارات المختلفة، ويتعلم تقبل الآخر والتعامل مع مختلف الشخصيات والخلفيات الدينية والعرقية والثقافية.
فالسفر هو تجديد للفكر والطاقة وإنعاش للنفس والهمّة، ويقول الشاعر أبو تمام في هذا السياق:
وَطولُ مُقامِ المَرءِ في الحَيِّ مُخلِقٌ
لِديباجَتَيهِ فَاِغتَرِب تَتَجَدَّدِ
فَإِنّي رَأَيتُ الشَمسَ زيدَت مَحَبَّةً
إِلى الناسِ أَن لَيسَت عَلَيهِم بِسَرمَدِ [١]
والجدير بالذكر أن بالعشر سنوات الأخيرة ازداد عدد الشباب الراغبين في السفر في العصر الحالي، فمع وجود الإنترنت تكون لديهم وعي بوجود فرص تناسبهم في أماكن أخرى من العالم خارج حدود مناطقهم الجغرافية المحدودة أو بلادهم، فيمكن للطالب مثلًا أن يختار دراسة التخصص الذي يرغب به في الجامعة التي يريد بعد أن يبحث على الإنترنت.
ويدرس تكاليف دراسته وسفره، ويفكر في الفرصة من نواحي عدة قبل اتخاذ القرار، ويستطيع تقدم الطلب وحجز الفندق واستئجار مكان للسكن قريب من الجامعة وحجز تذكرة للسفر وهو جاس في بيته كذلك الأمر بالنسبة لإيجاد فرص عمل، فمع ازدياد نسبة المتعلمين من فئة الشباب وقلة فرص العمل في بلدانهم، صار بالإمكان البحث عن عمل خارج حدود البلاد.
بالإضافة إلى حاجة دول أخرى إلى استقدام القوى البشرية العاملة لتغطية النقص في بعض التخصصات وملء الشواغر وتشغيل المشاريع، وعليه يستطيع الأفراد السفر لإيجاد العمل المناسب، ويمكن أن يتخذ بعض الأشخاص قرارًا بالاستقرار بعد أن كان السفر مؤقتًا.
يلجأ أشخاص كثر إلى السفر بداعي السياحة والترويح عن النفس، ولهذا أهمية كبيرة وفائدة عظيمة على الجانب النفسي الخاص بشخصيتهم، إذ يستطيعون التعرف إلى أماكن جديدة وشخصيات وثقافات جديدة، بالإضافة لتمتع فرصة الاستماع إلى لغات جديدة.
فمن الناس من يفضل زيارة الأماكن الطبيعية الخلابة، ويتأملون الطبيعة وتنسجم أنفسهم معها، ويحصلون على الراحة والهدوء، فتراهم يفضلون القرى على المدن ويحب بعض الأشخاص زيارة الآثار أو المتاحف الفنية، ويعود هذا إلى تفضيلات شخصية.
فيتأمل المسافر اللوحات الفنية من إنتاج ثقافات جديدة ويشاهد الآثار للحضارات المختلفة وكأنه مسافر عبر الزمن لا عبر الجغرافيا فقط، فيشعر برحلة الإنسان نحو الحضارة والمدنية، ومدى تطوره، ويصير أكثر إحساسًا بالجمال والفن، الأمر الذي ينمي ذائقته الفنية وتغير طريقة تفكير المجتمع وتطويره.
كما تتضح أهمية السفر وفوائده بقدرته على تطوير الوعي بالذات والآخر، والوعي بوجود إيجابيات وسلبيات لكل مجتمع بعيدًا عن الأفكار الخيالية.يمكن أيضًا نقل ثقافة البلاد إلى بلدان أخرى، وبالعكس، إذ يمكن للشخص الذي رأى عوالم مختلفة أن يساهم في نقل الصورة التي شاهدها إلى بلاده، والاستفادة من تجارب الآخرين في مختلف المجالات.
الخاتمة: السفرُ المتكرر إفسادٌ للمتعة
على الرغم من فوائد السفر الكثيرة إلا أن له بعض السلبيات، فكثرة السفر تفقد السفر قيمته ومتعته، لأن الأصل في الإنسان الإقامة ويكون السفر وضعًا مؤقتا وتغييرًا في روتين الإنسان الحياتي.
أمّا إن حصل العكس فإن السفر يفقد قيمته ويصبح له أثر سلبي على شخصية الفرد، فيكون أقلّ ارتباطًا بالأشخاص والأماكن وأقلّ إحساسًا بقيمتها فيكون الفرد غير قادر على الانتماء، لأنّ الانتماء يأتي من قضاء فترة في مكان معين كافية لتكوين علاقات إنسانية وصداقات طويلة الأمد.
المراجع
- ↑ "سرت تستجير الدمع خوف نوى غد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 12/9/2021.