محتويات
حافلة المدرسة طريقي إلى النور
إن المدرسة مكان فيه الكثير من الذكريات التي عاشها كل إنسان وعلى مدار سنوات عدة، فلا يمكن لهذه الذكريات أن تُمحى من الذاكرة بسهولة، إذ كانت المدرسة بكل تفاصيلها لها أثر كبير على الإنسان، من صفوفها ومقاعدها وباحتها، إضافة إلى الأصدقاء والمعلمين والنّظّار، ومن الأمور المرتبطة بالمدرسة وذكرياتها هي حافلة المدرسة، تلك التي كانت تُقضى فيها أوقات معينة يتبادل فيها الأصدقاء الكثير من الأحاديث والمخططات.
قد تكون حافلة المدرسة من وجهة نظر الكثيرين وسيلة نقل لا أكثر، أما بنظر الطلاب فهي أمر مختلف تمامًا، هي شمس تسطع عليهم كل يوم صباحًا ينتظرونها بلهفة لتقلّهم إلى مدرستهم، وليروا أصدقاءهم فيها، ويبدؤون يومًا جديدًا مملوءًا بالنشاط والهمة، وينتظرونها في نهاية الدوام بفارغ الصبر وهي المنقذ المخلّص لهم من إنهاك آخر الدوام وتعب الدوام المدرسي، فما إن يسمعون زغردة عجلاتها حتى ترتسم ملامح السعادة على ثغورهم، وكأنها طوق النجاة.
حافلة المدرسة طريقي إلى النور، هكذا يرى الطلاب تلك الحافلة، يرونها وسيلة تنقلهم من ظلمات الجهل إلى أنوار المعرفة والعلم، تساعدهم في الوصول إلى معقل المعرفة ومنجم العلم والمعلومات العلمية والأدبية المهمة لهم في حياتهم، على مقاعدها يتدارسون تارة ويلعبون تارة، وينامون تارة، وينظرون من النوافذ وهي تجوب بهم الطرقات لتوصلهم إلى مدرستهم، ويحاولون استغلال كل دقيقة فيها كي تعمر عقولهم بذكرياتها النقية العذبة.
يا حافلة المدرسة البهية، كم لك فضل كبير علي وعلى أصدقائي، فلولا صبرك وتحملك لما نجحنا ولما تفوقنا، كم حملْتِنا على مقاعدك وأنت في قمة السعادة كي توصلينا إلى المدرسة، كم تحملت تأخيرنا وشغبنا وأصواتنا المتعالية فرحًا ولم تتأففي أو تضجري أو تعتذري أن تأخذي استراحة أو إجازة، وكل ذلك كي توصيلنا إلى مكان نحقق فيه أحلامنا وغايتنا، نصل إلى مدرستنا ونتركك وراء ظهورنا، لا نلتفت ولا نتشكر ولا نتذكر حتى إنه لولا عجلاتك لما وصلنا ولبقينا على قارعة الطريق، نعم إنها حافلة المدرسة طريقنا إلى العلم والنور.
حافلة المدرسة بداية يوم مدرسي جديد
يقترب العام الدراسي وتهل بشائر اليوم الأول منه، فنجهز ملابسنا ودفاترنا وأقلامنا، ولا نستطيع النوم في أول ليلة شوقًا لليوم المنتظر، يوم العودة إلى المدرسة ورؤية الأصدقاء والمعلمين بعد عطلة صيفية طويلة، إلا أنه يغيب عن بالنا أن أول من سنراه في هذا اليوم هو حافلة المدرسة التي تأتي من بعيد تلوح لنا بأضوائها وكأنها ترحب بنا وتقول: اشتقت لوقع أقدامكم، ولبسمة ثغركم كل صباح.
نعم إن حافلة المدرسة تعني لنا أنها بداية يوم مدرسي جديد، في كل يوم يبتدئ النهار المدرسي بها ويختتم بها، فما أجملها من بداية وما أحلاها من نهاية، نجلس فيها مرتاحين مطمئنين، لا يكدر صفونا أحد، ولا يعكر ضحكاتنا شيء، نستمتع بصوت عجلاتها وهي تدور قاطعة الطرقات لنصل إلى مدرستنا صباحًا، وإلى منازلنا مساءً، نغني فيها أعذب الألحان، ونبث فيها بأسرارنا لأصدقائنا، ونشكو همومنا، ونضع رأسنا على طرف كرسيها لنأخذ غفوة تجلو تعب الدوام المدرسي عن أجسادنا، تكون غفوة عميقة مطمئنة في أحضان حافلة المدرسة وكأنها حضن الأم الحنون.
نفرح عندما نركب حافلة المدرسة أكثر من أي وسيلة نقل أخرى، وذلك لما فيها من روح الحب والصداقة، وما فيها من عبق الذكريات، نتسابق لنجلس على الكرسي الملاصق النافذة كي نرى العالم، هي نافذتنا لنرى العالم الأرحب، ونسمع أصداء المحيط الخارجي، ونتعرف إلى تفاصيل كثيرة تحيط بنا، فيها نتعلم الكثير، ومنها نأخذ عبرًا ودروسًا، هي التي تأتينا كل صباح مبتسمة مسرورة بلقائنا، وتعيدنا كل مساء حانية علينا ومشفقة على تعبنا وإرهاقنا، نشعر بدفئها وحنو مقاعدها، وما ذلك إلا لعلاقة متينة تربطنا بها، وهي أنها تأخذنا إلى المكان الآمن والصحيح.
نعم نثق بحافلة المدرسة كثيرًا فهي التي لا يمكن أن تخذلنا أو أن تضل الطريق بنا، تعرف أين هو المكان المنساب للطلاب وتأخذهم إليه صباحًا، تنتظرهم بفارغ الصبر كانتظار الأم أن تحضن ابنها، ولتعود بنا مساء إلى منازلنا، فلا تتأفف ولا تضجر من الانتظار، بل نراها فرحة مسرورة بلقائنا عند نهاية الدوام فرحة لا تقل شأنًا عن فرحتها بلقائنا صباحًا.
حافلة المدرسة أصدقاء على الطريق
عذبة تلك الأوقات التي يقضيها الطلاب في حافلة المدرسة، لا سيما الأصدقاء منهم، فتجد كل صديقين يجلسان بالقرب من بعضهما البعض ويتبادلون الأحاديث ويستعرضون الذكريات أحيانًا، يخططون لقضاء يوم العطلة تارة ويتدارسون قليلًا، ودائمًا في جعبتهم ما لا ينفد من الأحاديث والأمور التي يجب أن يخبروا بها بعضهم البعض، وهذا يجعل صداقتهم تقوى، ومحبتهم تزداد، وحبهم لحافلة المدرسة ولطريق المدرسة يكبر ويشتد أكثر، فصارت حافلة المدرسة تعني لهم أنهم أصدقاء على الطريق، وطوال الطريق.
لا تخلو أي صداقة من شجار وخصام وقطيعة قد تستمر طوال الدوام المدرسي، لكن ما إن يصعد الأصدقاء حافلة المدرسة، ويجلسون في مقاعدهم حتى يستشعرون بحنين للصديق الذي يقضون معه أعذب الأوقات في الحافلة، ويتذكرون ذكريات كثيرة تجمعه عل مقاعد الحافلة، فيبادر أحدهما الآخر بحديث يمحو كل خصام وينهي كل شجار، فتعود الصداقة وتقوى أواصرها بالحب والود، وبفضل الحافلة المدرسية والذكريات المغروسة فيها ومع كل دورة عجلة من عجلاتها، وكأن هذه الحافلة هي التي تهدي إلى الطريق الصحيح ليس فقط بالعلم والمعرفة بل بالتسامح والعفو والحفاظ على الصديق الوفي المخلص وترك مساحة للاعتذار وتجنب الأحقاد والأضغان والكراهية، كل ذلك وهي صامتة لا تتكلم.
لا تقتصر الصداقة التي يبنيها الطلاب في حافلة المدرسة على البشر، بل منهم من يعقد صداقة مع مكان طبيعي جميل تمر منه الحافلة كل يوم، فيصير متلهفًا كل يوم منتظرًا بشوق وصبر أن يرى ذلك البستان أو تلك الحديقة أو حتى الشجرة التي ارتبط قلبه بها، ويحيّيها كل يوم ويطمئن أنها بخير ولم يصبها أذى، وتنشأ بينه وبين تلك الشجر أو الحديقة صداقة نقية صادقة لا كذب فيها ولا مصلحة ولا غاية إلا أن يراها بخير، حتى ليخيل له في بعض الأحيان أن تلك الصديقة تنتظره ويتعلق بها ويشتاق لها كثيرًا.
ما أعظمها تلك الصداقات التي تبينها حافلة المدرسة، وما أنقاها من علاقات تعمر في قلوب أصحابها بنقاء وصدق وحب واحترام، تلك الحافلة تقوم بدور كبير في حياة الطلاب وهم لا يشعرون أنها هي السبب.
حافلة المدرسة طريق العودة الآمن
ما إن يشارف دوام اليوم المدرسي أن ينتهي حتى يبدأ التعب والكلل والملل يصيب الطلاب واحدًا تلو الآخر، ويشعرون أن الوقت يمر بطيئًا بطء السلحفاة، وينتظرون بفارغ الصبر سماع صوت الحافلة وهي تناديهم: هلمّوا يا أحبابي أنقلكم بأمن وسعادة إلى منازلكم، هلمّوا إلى الراحة والطمأنينة، وعندها تثب أجسادهم فرحًا، ويركضون كالسيل مسرعين إلى حافلتهم الحنون، منقذتهم من تعب الدوام والحصص الدراسية.
بعد نهار طويل من الدراسة والتعب والامتحانات واللعب تُنهك قوى الطلاب وتخور، فما إن يصلوا إلى مقاعد حافلتهم حتى يتنفسوا الصعداء، ولسان حالهم يقول: وأخيرًا مضى هذا اليوم، وهم في الوقت نفسه فرحون مطمئنون بجلوسهم في حافلة المدرسة، منهم من يضع رأسه على طرف المقعد ويغط في نوم عميق دون أن يشعر بخوف أو ارتباك أو قلق، بل ينام نومًا عميقًا آمنًا وكأنه في غرفته وعلى سريره، فما أحلى هذا الشعور بالأمان.
منهم من ينظر إلى الأصدقاء ويكلمهم بتباطؤ يدل على تعبه وإنهاكه، ولا يراقب الطريق حتى ليعرف أنه سيصل، وذلك لأنه واثق أنّ الحافلة تعرف مكان بيته وعنوانه، فهو مطمئن البال أنه لن يضل الطريق ولن يبتعد عن عنوانه، فما أعظمه ذلك الشعور الذي تمنحه حافلة المدرسة للطلاب حتى يكونوا في قمة الاستقرار والراحة وهي على مقاعدها.
ومن الطلاب من يلعب ويستعيد كل نشاطه وقوته مع أنه كان أكثرهم إنهاكًا في نهاية الدوام، وكأن هذه الحافلة قد أعادت له الطاقة والحيوية ليبدأ من جديد باللعب والشغب.
حالات متعددة وصور متفرقة للطلاب في طريق عودتهم من المدرسة إلى المنزل بحافلة المدرسة، ويبقى الرابط المشترك بين كل هذه الحالات أنهم يرون في الحافلة طريق العودة الآمن، يشعرون بالارتياح والاستقرار والأمان والنشاط والسعادة، يودعونها وهم على أمل اللقاء قريبًا في صباح اليوم التالي، مع أن الروتين نفسه يكررونه كل يوم لكن ذلك لا يشعرهم بالملل بل يزيد من أملهم وحيويتهم ونشاطهم، فما أعظمها من حافلة تعج بالذكريات الجميلة وتقدم الخدمات الجليلة والعظيمة!