من هم الفقراء والمساكين؟
إنَّ الفقراء والمساكين هم الطَّبقة التي تشكِّل سواد الشُّعوب، والتي لا تجد ما تسدُّ به رمق جوعها وحاجتها إلَّا الفتات الذي يرميه لهم الأغنياء، فهم لا يستطيعون الادِّخار من عملهم ولا القلَّة القليلة، لتفاوت ما يكسبونه مع حاجاتهم ومتطلبات عائلاتهم، فيُرى الفقير أو المسكين هنا وهناك يبحث عن عمل إضافي يرهق به ظهره الذي بات محنيًّا من قسوة الحياة، علَّه يؤمِّن من هذا العمل بعضًا من متطلَّبات كانت قد طُلبت من أولاده من قبل مدرسيِّه في المدرسة، وتلك الطَّبقة الاجتماعيَّة هي من أكثر الطَّبقات المسحوقة في المجتمع، والتي يؤثر عليها ضرر ذاك الوحش الذي يُسمى بالاقتصاد.
فما إن ينهار الاقتصاد في بلدٍ مَّا حتَّى يُرى تلك الأجساد الفقيرة قد انهارت معه، فقد أصبحت غير قادرة حتَّى على الأحلام بما تتمنَّاه، وذلك لأنّها أصبحت غير قادرة على النَّوم أو الحلم، وأكبر دليلٍ على هذا عندما تُرى هذه الطَّبقة المظلومة اقتصاديًا واجتماعيًا تتهاوى في حفر الموت في الدول النَّامية أو دول العالم الثَّالث كما يُطلق عليها.
وكل هذا نتيجةً لارتفاع ثمن المواد الغذائيَّة والأوليَّة والتي لم يعد بوسعهم شراؤها أو اقتناؤها، فأصبحت تلك الحاجيَّات الأساسيَّة مجرد كماليَّاتٍ يمكنهم الاستغناء عنها، أو هكذا يُقنِعون أنفسهم حتى يحافظوا على تلك الأنفاس التي تبقيهم على قيد الحياة، فهم لا يرون هذه الحياة إلَّا أكسجينٍ استلَّ سجانها منهم أبسط حقوقهم في الحياة، والتي قد يربي هذا الفقر في داخلهم الحقد والكره اتِّجاه كلِّ من يعيش برغد عيشٍ في هذه الدُّنيا.
أخوف ما يجب الانتباه إليه من أجل هذه الفئة المسحوقة أن يتسلل الجهل لبين صفوفهم، وهم الذين سيشكلون نسبةً كبيرةً جاهلةً في هذا المجتمع بسبب أعدادهم الكبيرة، وإن كان هذا الأمر قد حدث فسيكون بسبب عوز ذاك الأب المسكين لمساعدٍ أو معينٍ يمدُّ له يد العون من أجل تأمين لقمة العيش، وهذا سيدفعه لإخراج ابنه الكبير من صفوف الدِّراسة.
وقد يحاول بعض هؤلاء الفقراء والمساكين أن يرسم طريقًا مختلفًا لابنه فيبقيه في الدراسة، علَّه ينشأ فردًا متعلمًا مثقفًا ويجد لنفسه فرصةً تخرجه من بؤرة الفقر هذه، ولكن ينشأ هذا الشَّاب أو الفتاة ليصتدم بمجتمعٍ قد أمَّن فرص العمل فقط لمن كان والده يحتلُّ منصبًا اجتماعيًا، أو أمّه عندها من الثَّراء ما يكفيها لتشتري لابنها وظيفة مرموقة تفاخر بها أمام صديقاتها، فما يزيد ذاك الشَّاب المسكين أهله إلا فقرًا وبؤسًا، وذلك لأنَّه أصبح عاطلًا عن العمل، وقد قال أحد الشُّعراء واصفًا حال الفقراء:[١]
يمشي الفقير وكل شيء ضده
- والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه مبغوضاً وليس بمذنب
- ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة
- خضعت لديه وحركت أنيابها
وإذا رأت يومًا فقيرًا عابرًا
- نبحت عليه وكشرت أنيابها
مساعدة الفقراء والمساكين
يجب على المجتمع أن يهبَّ هبة رجلٍ واحدٍ من أجل إنقاذ الفقراء والمساكين من هذا الواقع الأليم الذي يعيشونه، وما يكون هذا إلَّا برجوع المجتمع إلى التَّعاليم الدِّينيَّة والإنسانيَّة على حدِّ السَّواء، فما نشأ هذا الفقير إلا بعد أن أمسك الغني حقه من الزَّكاة ولم يدفعها له، فيجب على الأغنياء أن يدفعوا بزكاة أموالهم إلى هؤلاء الفقراء، وعلى الجميع أن يقدِّموا يد المساعدة لهؤلاء المساكين والفقراء وذلك بتوفير فرص العمل لهم، وألَا يبقوا متهافتين على أصحاب السُّلطة بتوظيف أبنائهم.
إن لم يكن المجتمع جسدًا وروحًا واحدًا فلن يمكن إنقاذ هذه الطَّبقة المهمشة، فمن لم يستطع أن يمد لهم يد المعونة بشكل ماديٍّ محسوس، يمكنه إيصال أخبارهم عن طريق الصَّحافة أو البرامج التِّلفزيونيَّة أو حتَّى عن طريق مواقع التَّواصل الاجتماعي، بحيث يصل صوت هذا الفقير لمن يستطيع أن يغير من حاله كالمؤسسات الخيريَّة أو رجال الأعمال الصَّالحين.
ومن المهم بل من الضَّروري أن يُقرَع ناقوس الخطر في حال لم تتم مساعدة هؤلاء الأناس بأنَّ المجتمع سيكون في خطرٍ، وذلك لأن الأنسان عندما يحتاج ويرى فلذات أكباده تتضوَّر جوعًا أو أنَّ الأمراض تهدد حياتهم، فسيستيقظ في داخله روح الجريمة والعنف والتي قد تدفعه إلى السَّرقة من أجل تأمين لقمةٍ تدفع شبح الموت عن أبنائه.
من الجميل اغتنام الأوقات المباركة من أجل تأمين بعض مستلزمات الفقير والمسكين من ملبس ومسكن ومأكل، فيرمي بتلك الخرق الباليَّة التي يُطلق عليها اسم الثِّياب وهي لا تردُّ بردًا ولا تلطِّف جسمًا من حرارة الصَّيف، ويقع على عاتق المجتمع البحث عن هؤلاء المساكين وتقديم يد العون لهم، فالفقير إنسان لا تسمح له كرامته أن يتسوَّل طالبًا المعونة، فيمكن وصف هذا الفقير وأهله بأنَّهم كمن يجلس بين مطرقتي حداد، فإن هم باحوا بألمهم وفقرهم كان ذلّ السؤال يلحق بهم، وإن هم كتموا آلامهم وأوجاعهم ذاقوا مرارة الفقر، وقال الشَّاعر واصفًا حالهم:[١]
لعمري لقد قاسيتُ بالفقر شدةً
- وقَعتُ بها في حيْرةٍ وشتات
فإن بُحت بالشكوى هتكتُ مروءتي
- وإن لم أبحْ بالصبر خِفتُ مماتي
فأعْظِم به من نازل من مُلِمةٍ
- يُزيلُ حيائي أو يزيلُ حياتي
آداب التعامل مع الفقراء والمساكين
يجب على الجميع الانتباه أثناء التَّعامل مع هذه الفئة المظلومة من قبل المجتمع وأهله، فهم لم يُخلقوا فقراء بإرادتهم، كما أنَّه من الممكن ألَّا يكونوا فقراء بل أصابتهم إحدى البلايا في هذا الزَّمن ففقدوا أموالهم وتحوَّل حالهم فأصبحوا فقراء، فهؤلاء على النَّاس أن يجلسوا معهم ويتسامروا معهم، فهم بشرٌ يملكون من العواطف والحواس ما يملك غيرهم من البشر، ويجب ألَّا يعدوا عالة على المجتمع فيبدأ القاصي والدَّاني التَّهرب منهم.
ولقد رسم سيد المرسلين محمد -عليه الصَّلاة والسَّلام- منهجًا في هذه الأمر، بحيث تتَّبعه الأمَّة من بعده وتكن سندًا لبعضها البعض شاعرةً بمآسي وآلام بعضها، وليس هذا فحسب بل عليهم أن يكنوا مشاعر الحبِّ والودِّ لهذا الفقير أو المسكين، فقد قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: "أحبُّوا الفقراءَ، وجالِسُوهم".[٢]
من الأمور المُحزنة التي نراها قد سادت بين أبناء هذا المجتمه هي عدم الإحساس بمشاعر من يسألهم مالًا أو عطيَّةً، فيبدؤون بالسُّخرية منه والاستهزواء به، أو طلب بعض الأعمال التي تريق ماء الوجه وتذبح الكرامة مقابل هذا المال الذي سيعطونه إياه، فعلى من يقوم بهذا العمل أن يعلم بأنَّ الحياة ربما تدور عليه ليعيش ذات الموقف، فالغنى والفقر عطيَّةٌ من ربِّ العالمين، وقد لا يدوم حال الغنى الذي يتباهون به، وفي مثل قال الإمام الشَّافعي واصفًا دوام الحال من المحال:[٣]
الدَهرُ يَومانِ ذا أَمنٌ وَذا خَطَرُ
- وَالعَيشُ عَيشانِ ذا صَفوٌ وذا كَدَرُ
أَما تَرى البَحرَ تَعلو فَوقَهُ جِيَفٌ
- وَتَستَقِرُّ بِأَقصى قاعِهِ الدُرَرُ
وَفي السَماءِ نُجومٌ لا عِدادَ لَها
- وَلَيسَ يُكسَفُ إِلّا الشَمسُ وَالقَمَرُ
من الأمور التي يجب على هذه الأمَّة الإنسانيَّة مراعاتها في الفقراء المساكين هي محاباتهم ودعوتهم إلى الولائم من أجل تناول الطَّعام، فكم هي عظيمةٌ بسمة ذاك الفقير الذي دُعي إلى طعامٍ قد لا يوقد عليه النَّار في بيته أبدًا، وحتَّى قد لا يستطيع تأمين مثل هذا الطَّعام له ولأبنائه، وكم سيكون من دعاه إلى الطَّعام زكيَّ النَّفس نبيل الخلق لو أنَّه حمَّله بعضًا من هذا الطَّعام لأهل بيته والذين قد يكونون لا يعرفون هذا الطَّعام، وكثيرًا ما كان يذمُ سيد المرسلين ذاك الطَّعام الذي يجتمع عليه الأغنياء ويقصون الفقراء عن تلك الموائد، فيقول -عليه الصَّلاة والسَّلام-: "شرُّ الطَّعامِ طعامُ الوليمةِ، يُدعَى إليْها الأغنياءُ، ويُترَك الفقراءُ".[٤]
رغم كل هذا العطاء الذي يُدعى إليه الغني بأن يبذله ويعطيه للفقير والمساكين فعليه أن يبذله بكل مودة ومحبَّة، لا أن يعامله بأسلوب المنِّ والتَّذكير بفضله ما بين الفينة والأخرى، فمن أعطى يجب أن يعطي بحب ومن أعطى يجب أن ينسى أنَّه أعطى في يومٍ من الأيام، لا أن يسير بين الخلق وهو متبجِّحٌ بعطائه ومتنمِّرٌ على ذاك المسكين بما أعطاه، وإلَّا فلو أنَّه منع ذاك الفقير من العطاء كان خيرًا له من هذه المذمَّة التي ألحقها به بين الخلق.
فالفقيرهو ذاك الذي أضعفه الفقر والحاجة، هو ذاك الإنسان الذي ألبسه العوز لباس الضَّعف، فهل يليق بالأغنياء أن يعاملوه إلى جانب هذا بكل تكبُّرٍ وإجحاف، أم عليهم من باب أولى ألَّا يجمعوا عليه رداء الذُّل إلى جانب رداء الضَّعف، فيجب على النَّاس أن يعاملوه بكل لطفٍ ورقَّةٍ ولين، فقد كان النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- يأمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يتلطَّف في معاملة الضُّعفاء وما الفقير إلَّا ضعيفًا بعوزه.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن الفقر.
المراجع
- ^ أ ب ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث، صفحة 99.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:226، صحيح.
- ↑ "الدهر يومان ذا أمن وذا خطر"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/03/2021م. بتصرّف.
- ↑ رواه الزرقاتي، في مختصر المقاصد، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 556، صحيح.