موضوع عن طرفة بن العبد
إنّ من أكثر المواضيع تشويقًا وإمتاعًا، هو موضوع عن طرفة بن العبد والحديث عنه، فهو شاعرٌ جاهليٌّ من الطبقة الأولى، فطرفة بن العبد هو عمرو بن العبد بن سفيان، وطرفة هو لقبه، وخالُه هو الشاعر المتلمس، وقد نشأ طرفة يتيمًا، وزاد بؤسه ويُتمه ظلمُ أعمامِه له الذين حرموه من الميراث ليكابد حياة الشقاء والبؤس مع أمّه، إذ إنّه شابٌ شاعرٌ عانى من ظلم قومِه، ولم يَسلَمْ من الأذى الذي طالَه من اليد التي ظنّ أنّها ستكون سَنده يومًا.
أظهرَ طرفة بن العبد الاعتراض على هذا الظلم الذي حِيقَ به بانغماسه بحياة اللهو والمجون، ممّا أغضب أمه عليه؛ لأنّه بدَد ما بقي معهم من مال، وأضاع بقية أخوته الذي كان عليه أن يعولهم بعد والده، فضاقت القبيلة بتصرّفاته الطائشة، فأبعدوه عنها، وحَكَموا عليه بأنّه منبوذ، فألف قصيدته المشهورة التي وصف نفسه فيها كبعيرٍ أجرَبَ مُبْعَد، وبدأ يطوف الصحاري والقفار محتميًا بهجائه المهذّب، وأثناء ذاك التطواف وبين تضاعيف تشرّده نظم تلك المعلقة التي ارتفعت به إلى الصف الأول من شعراء العربية على حداثة سِنّه، وإن شعره بما فيه المعلقة تَميّز بذلك الحسّ الإنساني الفريد من نوعه في جاهليّة القصيدة العربية، وأضفت نظراته العميقة للموت والحياة وتصاريفهما فلسفة شعرية قلّما انتبه إليها المتقدّمون من الشعراء.
وفي نهاية هذا التطواف والترحال، وصَلَ إلى قصر الحيرة، فنادَمَ مَلِكها عمرو بن هند، ولكنّ المثلث الذي كان طرفة قد حصر نفسه فيه -الخمر والنساء والفروسية- قد أوقعه في الكثير من المشاكل، إذ كانت لذة الحياة عنده وفلسفتها مختصرة بهذا المثلث الذي أوغر صدر عمرو بن هند، فقد قيل إنّ الشاعر طرفة قد هجا الملك أو تَباهى عليه بفروسيّته -وكان من المعروف أن عمرو بن هند فارس- أو شَبَّب بشقيقتِه، فنتيجة هذا الأمر غَضِبَ الملك من الشاعر وحَكَم عليه بالموت، إذ إنّ الملك كان يخاف من هجاء طرفة ومن لسانه السليط، لِذا، أوكَلَ مَهَمّة قتله لعامله في البحرين.
وفي الحديث عن وفاة طرفة بن العبد، لا بُدّ من الإشارة إلى أن طرفة كان شابًا مُعجَبًا بنفسه، وقد مشى مرةً باختيالٍ أمام الملك عمرو بن هند وقد رمقه الأخير بنظرة قاسية أخافت المتلمس، فقال المتلمس لطرفة: إنّي أخاف عليك من عمرو فغادِرْ أرضَه، لكن طرفة كان يأمن جانبه ولم يغادر بلاط الملك، فبعث عمرو بن هند برسالةٍ مع طرفة لعامله في البحرين يأمره بقتل طرفة ما إن يراه، ولكن والي البحرين سجن طرفة، ورفض قتلَه؛ لصلة القُربى التي تربطه به.
بعثَ عمرو بن هند رجلًا من تغلب ليحضر له طرفة بن العبد، وما أنْ مَثلَ بين يديْه حتى قال له إني قاتلك لا محالة فاختر لنفسك مِيتة، فقال له طرفة: إن كان ولا بُدّ فاسقِني خمرًا ثم اقتلني، وقتله وكان في عمر الـ 26 سنة، وشعر طرفة قليل، ولكنّه يعكس فلسفته بالحياة أن على المرء قطف ثمار لذّات الحياة قبل فوات الأوان، وهذا المقال قد وُضِع ليبحث في موضوع عن طرفة بن العبد والسبب في إقلالِه في الشعر الذي يعود لموته شابًا.
شعرُ طرفة قليل؛ لأنه لم يعش طويلًا، ولكنّ شعره حافلٌ بالأحداث، فهو يعكس فلسفته بالحياة والموت، ومن شعرِه المعلقة وعدد أبياتها 104 ومن مواضيع معلّقته وصف الناقة والغزل والعتب على ابن عمه وما لاقاه منه، وفي النهاية ذكر وصيته في هذي الحياة وذكر ابنة أخيه أن تندبه حال سماعها خبر موته، ومن الشعر الذي كان يبدع فيه طرفة بن العبد أحد رؤس مثلث حياته التي عاش من أجلها، وهو الشعر الخاصّ بالفروسية، فقد قال:[١]
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ ما القَلبُ سالِمٌ
- وَإِن ظَهَرَت مِنّي شَمائِلُ صاحِ
وَإِلّا فَما بالي وَلَم أَشهَدِ الوَغى
- أَبيتُ كَأَنّي مُثقَلٌ بِجِراحِ
المراجع
- ↑ " الديوان » العصر الجاهلي » طرفة بن العبد » خليلي لا والله ما القلب سالم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-07-31.