محتويات
موضوعات سورة الفاتحة
لقد افتتح اللّه كل ركعة من الصلوات بسورة الفاتحة؛ لتشرق معالم الهداية في كلّ عابدٍ يهوى حب الله، وليصفو كدر القلب؛ فهي أم القرآن يستقيم فيها توحيد العابدين، وهي الشافية تطيب فيها أهواء العاثرين، وأمراض السقيمين، وهي رقية الروح تصفي الفؤاد وبها يستكين.
المقاصد العقدية في سورة الفاتحة
سورة الفاتحة بحر من العلوم حوت ثلث القرآن، وأما المقاصد العقدية فيها فهي كما يأتي:
علم أصول الدين
أشرف العلوم وأعظمها، فلا يستقيم إسلام العبد إلا بمعرفة التوحيد، ولقد افتتح الله -عز وجل- كتابه الكريم في ذكره للتوحيد؛ لأنه مفتاح لدخول الجنة، فقد ذكرت السورة الكريمة أنواع التوحيد الثلاثة،[١]وهي كما يأتي:[٢]
- توحيد الربوبية
قال -تعالى-: (رَبِّ العَالَمِين)،[٣]وهو توحيد الله -عز وجل- وأفعاله، فهو خالق كل شي، ورازق كل شيء، وهو المحي والمميت المتصرف في الكون، وغيرها من أفعال اللّه التي يختص بها، التي لا شريك فيها.
- توحيد الألوهية
قال -تعالى-: (لله)، وهو توحيد الله -عز وجل- بأفعال العباد؛ كالدعاء والتوسل والاستغاثة، والتضرع، والإنابة، والذبح والنذر له، وغيرها من العبادات التي أمر الله بها، فيجب على العباد أن يخلصوا لله بها، ولا يجعلوا له شريكاً فيها فيفسد توحيدهم.
- توحيد الأسماء والصفات
قال -تعالى-: (الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ)،[٤]وذكر صفة الحمد، وهو توحيد الله بأسمائه وصفاته العلى؛ التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجه يليق بكماله؛ من غير تعطيل ولا تشبيه، ولا تمثيل ولا تكييف.
الإيمان بالله واليوم الآخر
قال -تعالى-: (مَالِكِ يَوم الدِّين)،[٥]وقد اقترن الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر؛ لأنه لا يحصل الإيمان باليوم الآخر دون الإيمان بالله -عز وجل-، وهو الإيمان بأن هذه الدنيا ستنقضي، وأن الفرد محاسب على أعماله في الدنيا؛ فتطرقت الآيات إلى إثبات البعث والجزاء، وتفرد الله بالحكم وحكمه بالعدل بين الناس.[٦]
مقاصد العبودية في سورة الفاتحة
العبادة: هي فعل كل ما يحبه الله ويرضاه، وهي الأمور والنواهي، وقد وقعت في سورة الفاتحة بقوله -تعالى-: (إِيَّاكَ نَعبُد)،[٧]ويدخل في هذه الآية كل أنواع العبادات التي أمر الله بها؛ من الفرائض والفروع، والعبادات المالية والبدنية.[٨]
مقاصد الأخلاق في سورة الفاتحة
علم يقصد به الكمال في الأخلاق، ووقعت في قوله -تعالى-: (وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ* اهدِنَا الصراط المُستَقِيمَ)،[٩]فالسلوك القويم يوصل لطريق الاستقامة في المنازل العالية، كما وأشارت هذه السورة العظيمة إلى طريقة الدعاء الذي به تحصل الإجابة، فقد بدأت السورة الكريمة بحمد الله، والثناء عليه، والخضوع له، ثم طلب المعونة منه في طلب الهداية.[١٠]
وقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ-: قالَ اللهُ -تَعالَى-: (قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قالَ اللَّهُ -تَعالَى-: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: (مالِكِ يَومِ الدِّينِ)، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فإذا قالَ: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ).[١١]
علم القصص والأخبار السابقة
قال -تعالى-: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ علَيهم غَير المَغضُوبِ عَلَيهِم ولَا الضَّآلِّينَ)،[١٢]وفي هذا إثبات للوعد والوعيد؛ لما أعده الله من نعيم لأهل الإيمان الذين صدقوا الله ورسوله، ولما أعده من وعيد لأهل الكفر الذين كفروا بالله وبرسوله -عليه الصلاة والسلام-، ويحصل بهذا الاتعاظ والتوبة لله -عز وجل-.[١٣]
وهذه أنواع المقاصد الأصلية في القرآن الكريم كله، وغيرها تكملة لها، فالقصد هو إبلاغ الأصول التي يحصل بها صلاح الدنيا والآخرة، وهذا يحصل بفعل الواجبات من الأوامر والنواهي، التي لا تحصل إلا بمعرفة الله، ومعرفته تستوجب العلم بالصفات، حتى يقود هذا إلى كمال وتمام الامتثال لأمر الله؛ بالرجاء والخوف من العقاب؛ بتحقيق الوعد والوعيد.[١٣]
المراجع
- ↑ إبن القيم الجوزية، مدارج السالكين، صفحة 38. بتصرّف.
- ↑ [عبد المحسن العباد]، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 14. بتصرّف.
- ↑ سورة الفاتحة، آية:2
- ↑ سورة الفاتحة، آية:3
- ↑ سورة الفاتحة، آية:4
- ↑ إبن القيم الجوزية، مدارج السالكين، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ سورة الفاتحة، آية:5
- ↑ شهاب الدين الألوسي، روح المعاني، صفحة 38. بتصرّف.
- ↑ سورة الفاتحة، آية:5-6
- ↑ [محمد عقيلة]، الزيادة والإحسان في علوم القرآن، صفحة 228.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ابي هريرة، الصفحة أو الرقم:395، صحيح.
- ↑ سورة الفاتحة، آية:7
- ^ أ ب إبن عاشور ، التحرير والتنوير، صفحة 133. بتصرّف.