محتويات
أبو إسحاق الألبيري
إبراهيم بن مسعود بن سعد التجيبي، كنيته أبو إسحاق، ولقبه الألبيري، شاعر من شعراء العصرالأندلسي، قضى شطرًا من حياته في غرناطة، ونظم الكثير من الأشعار في الزهد والحكمة، وكان ينتمي للدولة المرابطية، كانت وفاته وفاة طبيعية بعد سنة 459 للهجرة الموافق 1067 للميلاد، ولعل الشاعر أبو إسحاق الألبيري من الشعراء الذين كثر ذكرهم بسبب ما مر به من حوادث وقصص سواء مع الحكام في عصره، أو القصائد التي نظمها، فكان له شهرة بسبب قصة حصلت بينه وبين باديس حاكم غرناطة، وكان بسببها أن نُفي إلى إلبيرة، وله قصيدة تروي تفاصيل هذه القصة، ومما يشتهر به أيضًا تائية نظمها ونالت شهرة كبيرة في عصره، ومما ورد عنه أنه مال في أغلب شعره إلى الزهد والحكمة، وكان لشعره التأثير الكبير على أهل غرناطة واستثارة مشاعرهم وتفكيرهم، وفي ما يأتي من المقال تفاصيل تتعلق بحياة أبي إسحاق الألبيري، وبالقصص والأشعار التي اشتُهر بها وخلدت اسمه إلى يوم الناس هذا.[١]
مولد ونشأة أبي إسحاق الألبيري
يعود الشاعر أبي إسحاق الألبيري في أصله إلى مدينة إلبيرة، إلّا أنّ نشأته وجل حياته كانت في مدينة غرناطة، وكان شاعرًا معروفًا في تلك المدينة الكبيرة والعظيمة، إضافة إلى كونه أديبًا من أدباء ذلك الزمن، وهذا يعني أنه شخصية ذات أثر ومكانة في تلك البلاد، ومما يُروى أنه ثمة خلاف حصل بين الشاعر أبي إسحاق الألبيري وبين حاكم غرناطة الملك باديس بن حبوس، وسبب الخلاف هو رفض أبي إسحاق الألبيري لقرار اتخذه باديس بن حبوس، وهذا القرار كان يقضي بتعيين صمويل بن النغريلة وزيرًا في غرناطة، ومن ثم تعيين ابنه يوسف بن النغريلة وزيرًا أيضًا، وسبب رفض أبي إسحق الألبيري لهذا القرار هو أن الوزيرين اللذين تم تعيينهما من أصل يهودي، وكانت نهاية الخلاف بين أبي إسحاق وبين باديس أن نفاه باديس إلى منطقة حصن عقاب الواقعة في جبال الإلبيرة.[٢]
وفي منفاه ألف قصيدة يستثير فيها أهل صنهاجة لكي يقوموا على الملك ضد هذا القرار، وكانت هذه القصيدة ذات وقع على نفوس أهل صنهاجة، فثاروا ضد الوزيرين وتمكنوا من قتلهما، ولعل ما عاشه الشاعر أبي إسحق الألبيري من النفي والإبعاد عن غرناطة هو ما جعل الأغراض الشعرية في أغلب قصائده تميل إلى الزهد والحكمة والحث على العلم وطلبه، وذلك لما في العلم من أهمية وقيمة ومكانة حسب رأي أبي إسحق وخبرته وتجاربه التي عاشها، وقليلًا ما ذكرت المصادر أصول أبي إسحاق أو تفاصيل حياته الاجتماعية، بل كان التركيز الأكبر على نتاجه الشعري، وقصص قصائده التي نظمها، والظروف التي نظم فيها أبي إسحق هذه القصائد.[٢]
قصائد أبي إسحاق الألبيري
إن ما تركه أبي إسحاق الألبيري من مؤلفات وقصائد وأشعار لم يكن قليلًا، ومما ورد أن له ديوان شعري، وله مخطوطة ما زالت إلى الآن محفوظة في مكتبة الأسكوريال في إسبانيا، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أهمية ما تركه من أشعار وما فيها من معانٍ وقيم عظيمة، ولقد قضى أبو إسحق الألبيري معظم حياته في جو من الوحدة والعزلة، ومع ذلك لم يكن مكروهًا أو منبوذًا ممن حوله إنما الظروف السياسية وقوله لكلمة الحق هو ما فرض عليه النفي والابتعاد عن أهل مدينته، إلا ن هذا لم يبعده عن قول الشعر ونظمه، بل ازداد تقى وحكمة وعبر عن ذلك في مختلف قصائده وأشعاره، وإن المطلع على عناوين قصائده سيتبين له كمية الحكم والمواعظ الموجودة في ثناياها وبين أبياتها، ومن أبرز ما تركه من قصائد:[٣]
- تفتّ فؤادك الأيام فتا.
- تغازلني المنية من قريب.
- أحمامة البيدا أطلت بكاك.
- من ليس بالباكي ولا المتباكي.
- لو كنت في ديني من الأبطال.
- ألا خبر بمنتزح النواحي.
- الشيب نبه ذا النهى فتنبها.
- قد بلغت الستين ويحك فاعلم.
- كأني بنفسي وهي في السكرات.
- ما أميل النفس إلى الباطل.
- أنت المخاطب أيها الإنسان.
- قالوا ألا تستجد بيتا.
- ألفت العقاب حذار العقاب.
- يا أيها المغتر بالله.
- ما عيدك الفخم إلا يوم يُغفر لك.
- أي خطيئاتي أبكي دما.
- ألا حي العقاب وقاطنيه.
- يضيع مفروض ويغفل واجب.
- عج بالمطي على اليباب الغامر.
- والويل كل الويل لي إن لم يكن.
- ما عناء الكبير بالحسناء.
- ويل لأهل النار في النار.
- بصرت بشيبة وخطت نصلي.
- ألا قل لصنهاجة أجمعين.
- إن أولي العلم بما في الفتن.
- تمر لداتي واحدًا بعد واحد.
- ما توج الملك إلا بابن سلمان.
- رفعتم على قاضيكم فخفضتم.
- السواط أبلغ من قال وقيل.
- أيا وزيرًا لم يزل آخذا.
- أين الملوك وما جمعوا وما.
- لا قوة لي ياربي فأنتصر.
- وذي غنى أوهمته همته.
- أتيتك راجيًا ذا ذا الجلال.
- كل امرئ فيما يدين يُدان.
- كم آمن للمنون لاه.
ديوان أبي إسحاق الألبيري
إن كل العناوين السابقة التي ذُكرت ضمن مؤلفات الشاعر أبي إسحاق الألبيري تم جمعها في ديوان شعري، وكان عنوان هذا الديوان هو "ديوان أبي إسحاق الألبيري الأندلسي" وقد تمت طباعة هذا الديوان في دار نشر باسم دار الفكر الموجودة في دمشق في سورية، وهذا الديوان مكون من جزء واحد اشتمل على كل قصائد أبي إسحق الألبيري، وتبعه فهرس للأعلام ذُكرت فيه كل أسماء الأعلام والشخصيات البارزة التي وردت في الديوان، وبعده فهرس القوافي الذي يسهل للقارئ الوصول إلى قصيدته التي يريد قراءتها أو الاقتباس منها، ومما يجدر ذكره أن من قام بتحقيق ديوان أبي إسحق الألبيري هو المحقق والدكتور محمد رضوان الداية، وهو من الشخصيات المعروفة في المملكة الأردنية الهاشمية وما له من اهتمام في مراجعة الكتب التراثية العربية وجمعها.[٤]
وقد صدر لديوان أبي إسحاق الألبيري طبعة ثانية، في دمشق أيضًا، ولكن لدار نشر أخرى اسما دار قتيبة، وهي موجودة في دمشق، وذلك في عام 1401 للهجرة، والموافق 1981 للميلاد، وثمة جدل حول السبب في كون الطبعة الثانية من الديوان تاريخها قبل الطبعة الأولى، إلا أن ما ورد في المصادر ذكر هذه التواريخ، وهذا ليس الأمر الوحيد الغائم والضبابي عن أبي إسحاق إذ إن الكثير من تفاصيل حياته لم تُذكر في المصادر والمراجع بشكل واضح كما هو حال الكثير من الشعراء المعروفين الذين تُذكر أدق التفاصيل عن حياتهم، فلم يُعرف ما لديه من أولاد إلا ابنه أبو بكر والذي اشتهر بسبب قصيدة أبي إسحق الألبيري المعروفة بالتائية،[٥] والتي نظمها مخاطبًا فيها ابنه، مع ذلك نال من الشهرة الكثير بين القراء والمهتمين بشعر الحكمة والزهد.[٦]
تائية أبي إسحاق الألبيري
نال الشاعر أبو إسحق الألبيري شهرة كبيرة وواسعة لأسباب عدة، منها أغراض شعره، ومنها قصته مع الملك باديس، ومنها أيضًا قصيدته التائية الشهيرة، والتي نظمها على قافية التاء المطلقة، وفي هذه القصيدة الكثير من المعاني الجليلة والعظيمة والحث على طلب العلم والنهل منه، وقد كتب هذه التائية مخاطبًا ابنه، وحاثًا إياه على طلب العلم والمعرفة، واعتمد في بناء معاني قصيدته التائية على التحفيز وذكر ما للعلم والمعرفة من دور في رفع صاحبهما مكانًا عليًا، وإعلاء شأنه وقدره وقيمته بين الناس.[٥]
ومما يجدر ذكره أن الكثير من المصادر التي نقلت هذه التائية وصفتها بالدرة الثمينة والجوهرة الفريدة واللآلئ المكنونة، وحثت كل طالب علم على قراءتها والانتفاع منها، ومع أن الألبيري كتبها لينصح بها ابنه، إلا أنها تصلح لكل الأبناء ولكل طلبة العلم والمهتمين به، ففي كلماتها حكم غالية، ونصائح عالية ورفيعة، ومعانٍ نفيسة وفريدة، وآداب رفيعة وراقية، ومما ينبغي معرفته أن بعض المصادر تسميها منظومة أبي إسحق الألبيري، وبعض المصادر تسميها تائية أبي إسحق الألبيري وهما سيان في المضمون فقط تختلف التسمية، وفي ثنايا هذه التائية أو المنظومة معانٍ عديدة وحكم تدل على سعة اطلاع الألبيري وموسوعية ثقافته وحبه للعلم وطلبه ونشره والإفادة منه في الحياة العملية وليس حفظه في العقل فقط.[٥]
وهذه التائية أو المنظومة التي كتبها أبو إسحاق الألبيري تبتدئ بقوله "تفت فؤاذدك الأايام فتا" ويتابع بسرد ما تعود به الأيام والساعات على الإنسان من تعب ونصب وأوجاع وآلام وهموم، وكيف يكون الإنسان في غفلة عن حياته وعن مستقبله، ومن ثم يبدأ بالتحفيز على طلب العلم وما له من دور في حياة الإنسان، ويبين أنه يساوي السيف في قوته والدفاع عن صاحبه، وأنه مصدر قوة الإنسان، وأنه الغنى الحقيقي لصاحبه، فهو يعادل المال والكنوز الثمينة بل هو أغلى، ويؤكد أيضًا على أهمية نشر العلم، وأنه يزداد كلما أعطى منه الإنسان، ويكون نبعًا لا ينضب، وفي الوقت نفسه يؤكد على أن من سيتعلم دون أن يستفيد من العلم فخير له أن يبقى جاهلًا.[٧]
كما ويؤكد على كل طالب علم أنه إن أهمل كلامه ونصائحه سيندم ولو بعد حين، ولكن الندم عندها لن ينفعه لأن الأوان سيكون قد فات، وسيشعر بالخسارة الكبيرة عندما يرى أصحابه قد سبقوه وارتفعوا بعلمهم واجتهادهم وهو ما يزال في مكانه، ويستشهد بالقرآن الكريم ذاكرًا سورة طه وما فيها من تفضيل للعلم على المال والغنى المادي، ومن ثم يكمل في معاني الزهد من هذه الدنيا، والنصح بعدم الحزن على ما فات منها، والنظر إلى المستقبل وما فيه من العلم وأهميته ودوره في بناء الأجيال والمجتمعات، وكل هذا أورده ابو إسحق مستندًا إلى تجارب كثيرة مر بها وتبين له من خلالها أن العلم هو الذي يرفع صاحبه وينجيه ويغنيه، وأن القوة والجاه والمال والسلطة والغنى لا شيء أمام العلم والمعرفة، بل إن العلم هو الذي يؤدي إلى كل هذه الأمور لا العكس.[٧]
اقتباسات من شعر أبي إسحاق الألبيري
إن ما ورد عن أبي إسحق الألبيري وما في شعره من زهد وحكمة ومعانٍ جليلة وعظيمة، يجعل القارئ في تشوق وتلهف للاطلاع على نماذج من هذا الشعر، ولا سيما بعد الاطلاع على عناوين معظم قصائده، وما فيها من حكمة وورع وتقى، وبعد التعرف على بعض الظروف التي مر بها أبي إسحاق الألبيري في حياته، إضافة إلى ما في سيرة حياته من غموض وعدم وضوح في أغلب المصادر والمراجع فيكون القارئ متأملًا أن يعرف المزيد عن هذا الشاعر العظيم من خلال قصائده وأبياته الشعرية التي نظمها، وفي ما يأتي بعض النماذج من شعر أبي إسحاق الألبيري:- يقول الألبيري في قصيدته "أتيتك راجيـًا يا ذا الجلال":[٨]
أتيتك راجيًـا يا ذا الجلال
- ففرج ما ترى من سـوء حالي
عصيتك سيـــدي ويلي بجهلي
- وعيب الذنب لم يخطر بباليإِلى مَن يَشتَكي المَملوكُ إِلّا
- إِلى مَولاهُ يا مَولى المَوالي
- ويقول الألبيري في قصيدته "تفت فؤادك الأيام فتا":[٩]
تفت فؤادك الأيام فتا
- وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق
- ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عرسا ذات خدر
- أبتَّ طلاقها الأكياس بتا
- ويقول الألبيري في قصيدته "ألا قل لصنهاجة أجمعين":[١٠]
ألا قل لصنهاجة أجمعين
- بدور الندي وأسد العرين
لقد زل سيدكم زلة
- تقر بها أعين الشامتين
تخير كاتبه كافرا
- ولو شاء كان من المسلمين
فعز اليهود به وانتخوا
- وتاهوا وكانوا من الأرذلين
- ويقول الألبيري أيضًا:[٣]
كُلُّ اِمرِئٍ فَكَما يَدينُ يُدانُ
- سُبحانَ مَن لَم يَخلُ مِنهُ مَكانُ
يا عامر الدنيا ليسكنها وما
- هي التي يبقى بها سكان
تفنى وتبقى الأرض بعدك مثلما
- يبقى المناخ وترحل الركبان
المراجع
- ↑ "أبو إسحاق الإلبيري"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-25. بتصرّف.
- ^ أ ب "أبو اسحق الألبيري"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-25. بتصرّف.
- ^ أ ب "أبو إسحق الألبيري"، al-hakawati.la.utexas.edu، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-25.
- ↑ "ديوان أبو إسحاق الألبيري"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "منظومة الالبيري"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
- ↑ "الإِلبِيري، أبو إسحاق"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو إسحق الألبيري، منظومة أبي إسحق الألبيري، صفحة 4.
- ↑ "ديوان أبي إسحاق الإلبيري الأندلسي"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-28. بتصرّف.
- ↑ أبو إسحاق الألبيري، ديوان أبي إسحاق الألبيري، صفحة 24. بتصرّف.
- ↑ "أبو إسحاق الإلبيري"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-28. بتصرّف.