الطب في الحضارة الاسلاميّة
حثّ الإسلام من خلال ما ورد بالقرآن الكريم والسنّة الشريفة على الاهتمام بالمرضى وعلاجهم وزيارتهم، كما حثّ على المبادرة بالتداوي وعدم التواكل في الشفاء، واستخدام العقل والتفكّر في خلق اللّه، وأنّ الله لم يخلق الدّاء إلّا وقد خلق له الدواء، وبينما كانت أوروبا في العصور الوسطى غارقة في الجهل والظلام والخرافات، قدّمت الحضارة الإسلاميّة والعربيّة للبشريّة إرثًا مهمًّا من البحوث والانجازات الطبيّة التي تعد أساسًا في الطب إلى يومنا هذا، كان الطب الذي يمارس في البلاد الإسلاميّة شبيهًا لما نراه اليوم[١]، وبرز الكثير من الأطبّاء العرب والمسلمين، ولأبي القاسم الزهراوي وأبي بكر الرّازي وابن سينا وابن النفيس - أعظم أربعة أطباء في تلك الفترة - بصمات خالدة في هذا المجال.[٢]
أبو القاسم الزهراوي
أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي الأنصاري الأندلسي من مواليد مدينة الزهراء بالقرب من قرطبة عام 936، و توفي فيها عام 1013، كان أعظم الأطباء الجرّاحين في عصره وحتّى عصر النّهضة في أوروبّا، وامتلكت إنجازاته ومؤلّفاته شهرة إلى يومنا هذا، وكانت للزهراوي جهود كبيرة لرفع مستوى الطب والجراحة في مدينته الزهراء العاصمة الأندلسيّة الجديدة، وفي قرطبة التي كانت مركز مهم للتجارة والثقافة في عصر الخليفة عبد الرحمن الثالث الناصر لدين الله[٣]، وعمل طبيبًا للبلاط في عهد الخليفة الناصر ومن ثمّ في عهد ابنه الحكم الثاني المستنصر[٤].
للزهراوي مكانة كبيرة بين العلماء المسلمين وغيرهم، فهو يُعَد موسوعة طبيّة ومرجعيّة للكثير من العلوم الطبيّة وخاصّة الجراحة، وذكره الكثير من العلماء وبيّنوا فضله ومكانته العالية، ومن هؤلاء العلماء الزركلي والذهبي والحميدي وابن أبي أصيبعة وابن حزم الذي صنّفه كأحد عظماء الطب في الأندلس، كما ذكره ابن سينا في كتابه القانون في الطب، وللزهراوي ذكر عند علماء الغرب والمستشرقين، حيث يقول دونالد كامبل مؤرّخ الطب العربي " ألغت طرق الزهراوي طرق جالينوس، وحافظت على مركز متميّز في أوروبا لخمسمائة عام "، واستشهد الجرّاح الفرنسي شولياك بكتاب التصريف لمن عجز عن التأليف أكثر من 200 مرّة، ويلخّص المؤرخ جورج سارتون انجازات ومكانة الزهراوي بقوله "الزهراوي أكبر جرّاحي الإسلام"، فهو بلا شك رئيس كل الجرّاحين[٤]، جزاه اللّه عنّا وعن البشريّة جمعاء خير الجزاء.
إنجازات أبي القاسم الزهراوي
تُرجمت كتب الزهراوي إلى لغات عديدة، وتمّ تدريس كتبه في جامعات طبيّة أوروبيّة، وكان أساسًا ومرجعًا للكثير من الجراحين الأوروبيين، واقتبسوا الكثير من مؤلفاته وأعماله، ونسبوا إليهم بعض اكتشافاته من دون أن يرجعوها إليه كمصدر أساسي، وكان مؤلّفه الكبير التصريف لمن عجز عن التأليف المرجع الأهم لأطبّاء أوروبا خلال الفترة ما بين القرن الخامس عشر وأواخر الثامن عشر، ومن أهم الإنجازات لأبي القاسم الزهراوي ما يأتي[٤]:
- تخصّص الزهراوي في العلاج بالكي.
- اخترع العديد من أدوات الجراحة والأدوات التي تساعد في الفحص الطبّي.
- له الأسبقيّة في العديد من طرق العلاج للأمراض المختلفة، مثل علاج الثآليل.
- أوّل من توصّل لطريقة إيقاف النزيف عن طريق ربط الشرايين الكبيرة.
- أوّل من وصف عمليّة القسطرة وابتكر أدواتها.
- أوّل من قام بعمليّات صعبة أحجم من كان قبله عن اجرائها لخطورتها، مثل شق القصبة الهوائية.
- أوّل من صنع الخيوط الجراحيّة، وقد استخدم أمعاء القطط في صناعتها.
- ساهم في اكتشاف مرض السرطان وحدّد بعض الأنواع مثل سرطانات العين والرحم والكلى.
- للزهراوي مساهمات وإضافات مهمّة في طب الأسنان والفكين، وله فصل خاص في كتابه الشهير.
- للزهراوي اسهامات في التوليد والجراحة النسائية.
- الزهراوي رائد في علم الصيدلة وصناعة العقاقير، وله كتاب بهذا الخصوص ترجم إلى اللاتينيّة.
للزهراوي العديد من الكتب في مجالات طبيّة مختلفة وأهمّها وأعظمها كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، الذي نشره عام 1000 للميلاد، جمع فيه كل ما وصلت إليه المعرفة في زمانه في مجالات الطب وطب الأسنان والصيدلة، وأفرد في جزئه الثلاثين كل ما توصّل إليه في حياته في علم الجراحة وكيفيّة إجراء العديد من العمليّات الجراحيّة ونصائح هامّة للجرّاحين، ولم يذكر مراجع لهذا الجزء لأنّ كل ما ذكره فيه كان نتاج علمه وابداعاته[٤]، حيث اشتمل على 200 أداة جراحيّة عالية الدّقّة لم يحدث عليها إلى وقتنا الحاضر سوى تغييرات طفيفة جدّا، فهو أوّل كتاب علمي مصوّر في تاريخ الطب، وتُرجم هذا الجزء إلى اللّغة اللاتينيّة لأهميّته البالغة، وكان سببًا في النقلة النوعيّة في علم الجراحة[١].
المراجع
- ^ أ ب "إبداع الطب في الحضارة الإسلامية"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "أربعة أطباء عظماء كانوا حجر أساس النهضة الطبية في العصور الوسطى"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "بمناسبة ذكرى ألفية وفاته. . الزهراوي (حياته - مؤلفاته )"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-05-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "وقفات مع أبي القاسم الزهراوي وجهوده الطبية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-02-2020. بتصرّف.