محتويات
أبو بكر الصولي
هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد، ونسبته الصولي تعود إلى جدّه صول تكين،[١] يعد من الأدباء الفضلاء المشاهير، روى عن أبي العباس ثعلب النحوي شيخ الكوفة في أوانه وكذلك روى عن أبي العباس المبرّد وعن أبي داود السجستاني، وروى عنه الإمام الدارقطني، كان يلقّب بالشطرنجي؛ لأنّه كان أوحد عصره في لعب الشطرنج، وليس في عصره من ينازعه في لعب الشطرنج، له من المؤلفات في الأدب الكثير والتاريخ وأخبار الأدباء والعلماء والرواة والشعراء، وله كتاب جمع فيه أخبار الشعراء ورتّبهم على حروف المعجم، كان نديمًا لثلاثة خلفاء من الخلفاء العباسيين هم الراضي والمكتفي والمقتدر،[٢] يعود نسبه إلى التركن وكان جده من الدعاة لبني العباس، وكان أهله ملوك جرجان،[٣] وقد حكى خبرًا عن علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فطلبته الخاصة والعامة لقتله فلم يحظَ به أحد، ولذلك فقد بقي مستترًا ومات في البصرة سنة 335 أو 336هـ على اختلاف الروايات.[٤]
نشأة أبي بكر الصولي
نشأ أبو بكر الصولي في بغداد المدينة التي ولد فيها، وفيها أخذ عن ثعلب والمبرّد وأبي العيناء وأبي داود السجستاني، وعنه روى الكاتب والأديب الأخباري المرزباني أبي عبد الله، وممّا يذكر للصولي أنّه كان حاذقًا في تصنيف الكتب، وله معرفة حسنة بأخبار الملوك، وكان أيضًا على علم جمٍّ بفنون الأدب، وكان لديه مكتبة عظيمة الشأن قد صنّف فيها الكتب بترتيب فائق، وكان كلّ ما في المكتبة من كتب هو ممّا سمعه، فكان يحفظ أماكن الكتب في المكتبة، ويعلم محتوى كلّ كتاب فيها، وذلك يدل على سعة علمه واطلاعه على كثير من الآداب والفنون والعلوم،[٥] ويروى أنّه إذا أراد كتاب من المكتبة قال لبعض غلمانه أحضر لي الكتاب الفلاني، فكان عنده يومًا أبو سعيد العقيلي، وسمعه يقول لغلامه هات الكتاب الفلاني، فأنشد قائلًا:[٦]
إنما الصُّوليُّ شيخٌ
أعلمُ الناسِ خزانه
إن سـألناهُ بعِلمٍ
نبتغي عنهُ الإبانه
قال: ياغلمان هاتوا
رِزمَةَ العلمِ فُلانه
وكان الصولي من الذين جمعوا أخبار الشعراء في كتب، وقد وصفه المؤرّخ والطبيب العربي القفطي بأنّه "متفنّن" في الآداب ومعرفة أيام الخلفاء وطبقات الشعراء ومآثر الأشراف، وقد جمع دواوين بعض الشعراء وشرح أشعارهم، وذكر فيها الغريب والإعراب في مواطنها، وهذا ما جعله -في رأي بعض العلماء- من جملة أئمة اللغة والنحو والأدب، ومن الشعراء الذين جمع أشعارهم الشاعر العباس بن الأحنف والشاعر أبو نواس والشاعر أبو تمام والشاعر ابن الرومي والشاعر البحتري والشاعر علي بن الجهم والشاعر والناقد ابن طباطبا العلوي والشاعر الصنوبري والشاعر دعبل الخزاعي والشاعر ابن المعتز والشاعر مسلم بن الوليد والكاتب خالد بن يزيد وغيرهم، وكان من الذين يتمتّعون بعقلية نقدية حصينة، وكان من المناصرين للشعر الحديث في عصره؛ إذ قد عاش بين القرنين الثالث والرابع الهجري، وكان هذا الوقت وقت ظهور شعراء جاؤوا بشعر يمكن تسميته بالشعر الحديث، مثل الشاعر أبي تمام الذي دافع عنه الصولي ضد أولئك الذين وصفهم بأنّهم قد تسوّروا على ما لا يحسنون بأدنى طلب وأقل حظ من الثقافة، وللصولي شعر جيد منه قوله:[٣]
وإذا دَنَتْ سبعون من متأمِّلٍ
أغْضَى فلم يَرَ في اللَّذاذة مركضا
وجفاهُ نومٌ كان يألف جَفْنَه
قِدْمًا، وأضحى للحُتوف مُعرَّضا
وكذلك كان الصولي من الذين ينشدون الشعر في أيّ وقت دلالة على قدرته العالية في نظم الشعر، فمن ذلك أنّ رجلًا من أكابر وقته -وهو الإمام العلّامة الأديب المحدّث شيخ وقته الفضل بن حباب المكنى بأبي خليفة- قد دعاه إلى مجلسه الذي دعا إليه كذلك نفرًا من الهاشميين، فلمّا وصل الصولي لم يعرفه الحاجب فمنعه، فكتب رقعة لأبي خليفة ليقرأها، فكان فيها:
أبا خليفةَ تجفو من له أدبٌ
وتؤثِرُ الغرّ من أبناءِ عباسِ
وأنتَ رأسُ الورى في كلّ مكرُمَةٍ
وفي العُلومِ، وما الأذنابُ كالرّاسِ
ما كان قدرُ خبيصٍ لو أذِنتَ لنا
فيه، لتختلطَ الأشرافُ بالناسِ
فعندما قرأ أبو خليفة الرقعة أمر الغلام فأدخله واعتذر إليه، وهذا يدلّ على علوّ منزلة الصولي عند أهل عصره الأكابر منهم قبل الأصاغر، والله أعلم.[٧]
أبو بكر الصولي والشطرنج
لقد كان أبو بكر الصولي أوحد عصره في لعب الشطرنج، فكان لا يستطيع أحد أن ينافسه في هذه اللعبة، وكان يهزم أبرع لاعبي الشطرنج مهما كانوا ومهما أوتوا من حيلة وقوة ذكاء وبديهة حاضرة، فصار الصولي مضرب مثل في لعب الشطرنج إلى يوم الناس هذا، وله مبارزات في هذه اللعبة مع أقوى الخصوم وأمهرهم في لعب الشطرنج، ومن أولئك كان الماوردي اللاعب الذي كان مقدّمًا عند الخليفة العباسي المكتفي بالله،[٨] فقد كان الخليفة المكتفي يحب الماوردي ويتحزّب له وكان يرى أنّه لا يمكن لأحد أن يغلبه، فحَدَثَ أن حدّثه بعض من في مجلسه عن الصولي فأثار ذلك فضول الخليفة وطلب أن تحدث بين الصولي والماوردي مباراة، وعندما جاء يوم المباراة وحضر الصولي وبدأت المباراة أخذ الخليفة يشجع الماوردي على نحو فاضح ما أثار دهشة الصولي من عدم حياديّة الخليفة في هذا الموقف الذي يقتضي العدل والحياد.[٩]
ثمّ عندما اشتدّت المباراة أخذ الصولي يهدم عبقريّة الماوردي ويسحقه شيئًا فشيئًا إلى أن انتهت المباراة بفوزٍ لا يُردُّ جعل الخليفة يغتاظ من الماوردي ويقول له غاضبًا: "صار ماء وردك بولًا"، وبهذا يتّضح أنّ قدرة الصولي في الشطرنج فائقة تجعل الذي يراه وهو يلعب يقف مدهوشًا، وهذا الصيت الأسطوري في الشطرنج جعل للصولي جمهورًا من الناس يتحزّبون له ويدافعون عنه، ومن أولئك كان الخليفة العباسي الراضي بالله -وهو من أحفاد المعتصم ابن هارون الرشيد- الذي كان يومًا مع نفر من أصحابه يتنزّهون في بستان جميل فيه الأزهار والنباتات الجميلة، فسألهم هل رأوا أجمل من هذا، فقالوا بل هو بستان جميل وليس هنالك أجمل منه، فقال لهم: "لعبُ الصولي الشطرنج، والله أحسن من هذا ومن كلّ ماتصفون"، وقد وصل الحال بالصولي إلى أن يدرّس لعب الشطرنج ويصبح له تلاميذ في هذا الفن، وانتهى الأمر به بأن ألّف كتابًا في الشطرنج فيه حديث عن خطط لافتتاح اللعب ومنتصفه ونهاياته وكذلك فيه حديث على مسألة الحصان وخطط لاستغلاله على نحو أمثل، وهذا الكتاب صار فيما بعد مرجعًا للأوربيين عند حديثهم على عمل الصولي في الشطرنج.[٩]
مؤلفات أبي بكر الصولي
كان أبو بكر الصولي من المكثرين في التصنيف والتأليف، وقد كان له من التصانيف كثيرًا في غير ما فنّ وعلم؛ إذ قد ألّف في الأدب والتاريخ وأخبار الشعراء ودواوينهم، وكذلك كتب في أيّام الخلفاء وطبقات الشعراء ومآثر الأشراف وغير ذلك،[٣] قد جمع الصولي شعرَ شعراء كثر ورتّبه في دواوين، فيجد المرء -مثلًا- ديوان أبي نواس ولكن برواية الصولي، هذه العبارة -برواية الصولي- تعني أنّ هذا الديوان هو الديوان الذي جمعه أبو بكر الصولي،[١٠] فلقد ترك الصولي خلفه إرثًا عظيمًا من المؤلّفات يُذكر منها كتاب أدب الكتّاب وكتاب أخبار القرامطة وكتاب الغرر وكتاب وقعة الجمل وكتاب أخبار أبي عمرو بن العلاء وكتاب الأوراق الذي يضمّ بداخله كتبًا كثيرة، وكذلك كتاب أخبار الحلّاج الشاعر الصوفي المشهور،[١١] جمع الصولي -إلى جانب شعر الشعراء- أخبار شعراء كثر، كلّ شاعر منهم في كتاب مستقلّ بعنوان أخبار فلان، كأخبار الشاعر إبراهيم بن هرمة، وأخبار الشاعر أبي تمّام، وأخبار الشاعر السيّد الحميري، وغيرهم، وأهمّ كتبه:[٣]
كتاب أخبار أبي تمّام
ألّف الصولي هذا الكتاب ردًّا على النقّاد الذين أرادوا هضم حقّ أبي تمّام في الشعر، صدّر الكتاب برسالة يشكو فيها تسلّق دعاة الثقافة في عصره على ما لا يحسنون من الأمور وهم على هذا المستوى من الثقافة، ولفت إلى أنّ النقد لا يعني إبراز العيوب والتغاضي عن الحسنات، ونبّه في كتابه هذا على ضرورة الفصل بين الدين والأخلاق والشعر.[٣]
كتاب أخبار البحتري
وهذا الكتاب في الحقيقة متمّم لكتاب أخبار أبي تمّام، حيث جعله الصولي مقدمةً لكتابه الذي جمع فيه أشعار البحتري، وفي هذا الكتاب يقدم الصولي أبا تمّام على البحتري؛ لأنّ البحتري تلميذ أبي تمّام، ويبرز الصولي -وهو المتعصّب لأبي تمّام- بعض الأخطاء والمساوئ للبحتري، وفي هذا الكتاب كذلك يضيء الصولي قليلًا على حياة البحتري وعصره وعلاقته بالخلفاء، ويذكر بعضًا من أعلام عصره وعلمائه.[٥]
كتاب الأوراق
وهو كتاب ضخم قد طُبِعَ منه بعض الأقسام، وهو كتاب وضعه الصولي في أخبار بني العباس وأشعارهم، وقد طبع من هذا الكتاب عدة أقسام منها القسم الذي يضم أشعار أولاد الخلفاء،[٣] ومنها القسم الذي يضم أخبار الراضي والمتقي، ومنه القسم الذي يضم أخبار الشعراء المحدثين، والله أعلم.[١١]
المراجع
- ↑ "أبو بكر الصولي"، al-hakawati.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ↑ ابن خلكان (1978)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (الطبعة 1)، بيروت:دار صادر، صفحة 356، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "محمد بن يحيى الصولي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
- ↑ ابن خلكان (1978)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (الطبعة 1)، بيروت:دار صادر، صفحة 360، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب "محمد بن يحيى الصولي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ↑ ياقوت الحموي (1993)، إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب أو معجم الأدباء (الطبعة 1)، بيروت:دار الغرب الإسلامي، صفحة 2677، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (1982)، إنباه الرواة على أنباه النحاة (الطبعة 1)، بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، صفحة 234، جزء 3.
- ↑ "أبو بكر الصولي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ^ أ ب "أبو بكر الصولي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ↑ "كتاب ديوان أبي نواس برواية الصولي"، www.noor-book.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ^ أ ب "الصولي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.