أمل دنقل
هو محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل، المولود سنة 1940م، شاعر معاصر ومفكر ومثقف وقومي عروبي من جمهورية مصر العربية، وُلدَ أمل دنقل في الصعيد المصري من أسرة صعيدية في قرية القلعة مركز قفط في محافظة قنا في الصعيد، وكان والده من علماءالأزهر الشريف، وقد أثَّرتْ هذه المكانة التي كان لوالده في شخصيته بشكل واضح، كما ظهرَ هذا التأثير في قصائده، وقد سُمِّي أمل دنقل بهذا الاسم لأنَّه جاء في السنة التي حصل فيها والده على إجازة عالمية، فسمَّاه باسم أمل لنجاحه في ذلك العام، وقد ورث أمل دنقل عن والده كتابة الشعر، كما ورث عنه مكتبة ضخمة فيها الكثير من كتب الفقه والشريعة والتفسير، وفي سن العاشرة فقد أمل والده فكان لهذا الفقد المبكر أثر كبير على حياته، ولم يعش أمل دنقل طويلًا، فقد توفي وهو في الثالثة والأربعين من عُمُره بعد صراع مع مرض السرطان في عام 1983م.[١]
حياة أمل دنقل
ولد أمل دنقل في الصعيد المصري عام 1940م، ودرس في الصعيد إلى أنَّ أنهى مرحلة الثانوية العامة، ثمَّ ارتحل إلى القاهرة وفيها التحق بكلية الآداب، ولكنَّه انقطع عن الجامعة في العام الأول من أجل العمل، وقد تنقَّل أمل دنقل في عدَّة وظائف، حيث عمل موظفًا في محكمة قنا وفي جمارك السويس والإسكندرية ثمَّ عمل موظفًا في منظمة التضامن الأفروآسيوي، ولأنَّه من الصعيد شعر أمل دنقل بالصدمة عندما ارتحل إلى القاهرة، شأنَّه في هذا شأن جميع أهل الصعيد، وقد ظهرت هذه الصدمة واضحة في بداياته الشعرية، كان والد أمل دنقل كثير التنقل بين قرية القلعة وبين مدينة من مدن القنا، هذا التنقل أثر بشكل واضح في طبيعة أمل دنقل، ولمَّا بلغ العاشرة من العمر تعرَّض لأول مأساة في حياته بعد وفاة والده، فما كان من والدته إلَّا أنْ حرصت على لمِّ شمل العائلة والعناية بأولادها وتوفير كلِّ سبل العيش، وسعت إلى تربيتهم وتعليمهم وتحسين علاقاتهم مع الناس.[٢]
وقد أنهى أمل دنقل دراسته في المدرسة الابتدائية في عام 1952م،[٣] وكانت علامات النباهة والذكاء واضحة عليه، كما عُرف بالتزامه بتماسك أسرته واحترامه الشديد لقيم الأسرة ومبادئها، وكان قويَّ الشخصية منظمًا، وجدير بالذكر إنَّ الشاعر أمل دنقل أصيب بمرض السرطان وعانى منه معاناة شديدة طيلة ثلاث سنوات، سكب هذه المعاناة على ورق في مجموعته الأخيرة "أوراق الغرفة 8"، والغرفة 8 هي غرفته التي حارب السرطان فيها في المعهد القومي للأورام، وعلى الرغم من مرضه الشديد إلَّا أنه لم يتوقف عن كتابة الشعر، حتَى قال عنه أحمد عبد المعطي حجازي: "إنه صراع بين متكافئين، الموت والشعر"، وقد رحل الشاعر أمل دنقل عن هذا العالم في يوم السبت، اليوم الواحد والعشرون من مايو من عام 1983م وهو في الثلاثة والأربعين من العُمُر، وكانت أواخر لحظات حياته مع صديقه الدكتور جابر عصفور والشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ليرحل أمل دنقل تاركًا وراءه نتاجًا شعريًا عظيمًا.[٢]
مسيرة أمل دنقل الأدبية
بخلاف ما كان سائدًا في الشعر في أواسط القرن العشرين من تأثُّرٍ بالميثولوجيا الغربية بشكل عام واليونانية بشكل خاص، عاش أمل دنقل أحلام العروبة والثورة المصرية وناضل وكتب من أجل هذه الأهداف، ثمّ في عام 1967م تعرَّض أمل دنقل ككل العرب والمصريين إلى صدمة كبيرة بعد حرب النكسة ضد الصهيونية، فكتب مجموعته الرائعة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، كما أصدر مجموعته الشعرية الموسومة "تعليق على ما حدث"، وبعد أن شاهد أمل دنقل النصر في حرب النكسة ثمَّ الهزيمة القاسية، وقف في وجه معاهدة السلام وكتب وقتها قصيدته الشهيرة "لا تصالح"، هذه القصيدة التي عبر فيها عن كلُّ ما يكون يدور في باله وبال جميع المصريين، وقد ظهر تأثير هذه المعاهدات على شعر أمل دنقل، وخاصَّة في مجموعته الشعرية "العهد الآتي" الصادرة عام 1977م،[٣]
وجدير بالقول إنَّ موقف أمل دنقل من معاهدات السلام جعله يصطدم بالسلطات المصرية أكثر من مرَّة، وذلك لأنَّ أشعاره كانت وقود المظاهرات في مصر، فقد صرخ المتظاهرون بها بأعلى أصواتهم، ورددها آلاف الناس في المظاهرات الشعبية التي كانت تخرج تنديدًا بمعاهدات السلام، فكان أمل دنقل صوت الناس الذي يُعبر عن كل ما يدور في خواطرهم، كلُّ هذا ظهر جليًّا في كلِّ مجموعات أمل دنقل الشعرية، وتحديدًا في قصيدته "الجنوبي" وفي مجموعته الشعرية الأخيرة "أوراق الغرفة 8"، وغيرها من المجموعات الشعرية التي عبر بها أمل دنقل عن كلِّ ما دار في خاطر المصريين بعد نكسة حزيران ومعاهدات السلام التي حدثت في تلك الفترة.[٤]
قصائد أمل دنقل
إنَّ الحديث عن شخصية شاعر بحجم أمل دنقل لا يكتمل إلَّا بالمرور على أشهر قصائده التي تمثل مرآة تعكس شخصية الشاعر وأفكاره ومعتقداته التي ناضل من أجلها، فالقصيدة هوية الشاعر، يحملها أنَّى ارتحل ويدخل بها قلوب عشاقه من أوسع الأبواب، وفيما يأتي أبرز قصائد الشاعر الجنوبي المصري أمل دنقل:
- قال أمل دنقل:[٥]
أريج من الخلد عذب عطرْ
وصوت من القلب فيه الظفرْ
وعيد لـه يهتف الشـاطئان
وإكليله من عيون الزهرْ
ومصر العلا .. أم كل طموح
إلى المجد شدت رحال السفرْ
وأمي فلسطين بنت الجـراح
ونبت دماء الشهيد الخضـرْ
يؤجـج تحنانهـا في القلوب
ضرامًا على ثأرِها المستمرْ
وأمي كل بـلاد تثـور
أضالعـها باللظى المستطـرْ
- وقال أمل دنقل أيضًا في قصيدته البكاء بين يدي زرقاء اليمامة:[٦]
أيتها العرافة المقدَّسةْ
جئتُ إليك مثخنًا بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ
أسأل يا زرقاءْ
عن فمكِ الياقوتِ عن نبوءة العذراءْ
عن ساعدي المقطوع وهو ما يزال ممسكًا بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء فيثقب الرصاصُ رأسَه
في لحظة الملامسة!
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء!
أسأل يا زرقاءْ
عن وقفتي العزلاء بين السيف والجدارْ
عن صرخة المرأة بين السَّبي والفرارْ؟
كيف حملتُ العار
ثم مشيتُ دون أن أقتل نفسي؟
دون أن أنهار؟
ودون أن يسقط لحمي من غبار التربة المدنسة؟
تكلَّمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي باللهِ، باللعنةِ، بالشيطانْ
لا تغمضي عينيكِ فالجرذان
تلعق من دمي حساءَها ولا أردُّها
تكلمي لشدّ ما أنا مُهان
لا اللَّيل يُخفي عورتي كلا ولا الجدران
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها
ولا احتمائي في سحائب الدخان
تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين
عذبةُ المشاكسة
كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي ونحن في الخنادِقْ
فنفتح الأزرار في ستراتنا ونسند البنادقْ
وحين مات عَطَشًا في الصحَراء المشمسة
رطَّب باسمك الشفاه اليابسة
وارتخت العينان!
فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان والضحكةَ الطروب: ضحكتهُ.. والوجهُ.. والغمازتانْ؟
- يقول أمل دنقل أيضًا:[٧]
لم يعد يذكرنا حتّى المكان!
كيف هنا عنده؟
والأمس هات؟
قد دخلنا لم تنشر مائدة نحونا!
لم يستضفنا المقعدان!
الجليسان غريبان فما بيننا إلاّ ظلال الشمعدان!
أنظري؛ قهوتنا باردة
ويدانا حولها ترتعشانْ
- ويقول أيضًا:[٥]
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى!
لا تصالح على الدم حتى بدم
لا تصالح!
ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تتساوى يدٌ سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
اقتباسات أمل دنقل
في ختام الحديث عن الشاعر الكبير أمل دنقل، وبعد تسليط الضوء على أبرز قصائده، لا بدَّ من المرور على أهم الاقتباسات التي أصبحت أمثالًا يرددها الناس وأصبحت شعارات تنادي بها الجماهير وتصرخ بها الأفواه عاليًا في المظاهرات التي نددت بسياسة الدولة المصرية بعد نكسة حزيران، وفيما يأتي أبرز اقتباسات الشاعر أمل دنقل:[٨]
- "ربَّما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة، ليمر النور للأجيال مرة".
- "وينزل المطر ويرحل المطر وينزل المطر ويرحل المطر والقلب يا حبيبي ما زال ينتظر".
- "كأنّ الحياة أبدْ، كأنّ الشراب نفدْ، وكأنّ البنات الجميلات يمشين فوق الزبدْ".
- "معلق أنا علي مشانق الصباح وجبهتي بالموت محنية لأني لم أحنها حية!".
- "ارفع سيفك في وجه المحتل، لا تُرغم شعبك أن يدفع ثمن الذل".
- "كانت الخيلُ -فى البدءِ- كالناس برِّيَّةً تتراكضُ عبر السهول".
- "قلت لكم في السنة البعيدة، عن خطر الجندي، عن قلبه الأعمى، وعن همته القعيدة".
- "لكن تلك الملامح ذات العذوبة، لا تنتمي الآن لي، والعيون التي تترقرق بالطيبة الآن لا تنتمي لي، صرت عني غريبا".
المراجع
- ↑ "أمل دنقل"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ^ أ ب "أمل دنقل"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ^ أ ب "أمل دنقل"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ " أمل دنقل"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ^ أ ب "أمل دنقل"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "الملهى الصغير"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "أمل دنقل"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.