إبراهيم ناجي
من بين قائمة الشعراء العرب، ومن بين المصريين منهم على وجه الخصوص، برز اسم شاعرٍ مصريٍّ اشتُهِر بشعره الرقيق ولا سيما قصيدة الأطلال التي غنّتها أمُّ كلثوم، يُدعى إبراهيم ناجي، وهو شاعرٌ مصريٌّ وُلد عام 1898م وتوفيَ عام 1953م، وُلد في حي شبرا في القاهرة، وتوفي فيها عن عمر 55 عامًا، كان ناجي شاعرًا رومنسيًّا؛ حيث كثُرَت الرومانسيّة والغزل في أشعاره ولكنّه لم يقتصر على ذلك النّوع من الشعر، بل كان يكتب شعرًا وطنيًّا أيضًا، ومن الأشياء التي ساعدته على الخوض في مجال الشّعر ثقافةُ والده التي انعكست عليه، وكان ناجي رئيسًا لمدرسة أبّولو، ثمّ أصبح رئيسًا لرابطة الأدباء، درس الطّبَ وكان من الأطباء الذين يداوون الفقراء مجّانًا، فكان بالإضافة إلى كونه شاعرًا عظيمًا كان إنسانًا عظيمًا، وكان الحبُّ لديه أمرًا سهل الحدوث، وسرعان ما يقع بحبِّ من يرى من النساء، وقد وصفه كاملُ الشنّاوي بأنّ الحبّ عنده مثل قزقزة اللب، وفيما يأتي سيعرض المقال نبذة عن حياته.[١]
حياة إبراهيم ناجي
إبراهيم ناجي هو أحد أفراد عائلة القصبجيّ المصريّة المعروفة بتجارة الخيوط المُذهّبة، ابن أحمد ناجي، وقد أتقن ناجي العربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة وذلك ممّا أخذه عن والده؛ فقد عمل والدُه بشركة البرق وهي شركةٌ إنكليزيّة، فتعلّم الإنكليزيّة والإيطاليّة والفِرنسيّة، حاز إبراهيم ناجي على شهادة التعليم الثّانويّ عام 1917م، وقد اختار الطبَّ فرعًا جامعيًّا ليبدأ رحلته الجامعيّة في دراسته، وحاز على شهادته الجامعيّة عام 1923م وعمل بشهادته؛ حيث افتتح عيادةً له في ميدان العتبة بالقاهرة، وكان بالإضافة إلى ما ذُكرَ سابقًا من أنّه كان يداوي الفقراء بالمجان، كان يدفع لهم ثمن الأدوية في بعض الأحيان، شغل مناصب عدّةً في وزاراتٍ مختلفة، وكان آخرهم رئيسَ المركز الصحيّ في وزارة الأوقاف، واستقرّ نهايةً في القاهرة عام 1931م بعد تنقّله بين العديد من المدن؛ حيث انتقل بين سوهاج والمِنيا والمنصورة.[٢]
عاش ناجي حياةً صعبة؛ عانى الكثير من الخيبات وأصبح شخصًا بائسًا، ولكن من أكثر ما يُبرز نظرته البائسة للحياة هو خسارته للفتاة التي أحبّها في الثانويّة، وعدمُ قدرته على الزواج منها؛ فبعد زواجه بغيرها كتب قصيدته الشهيرة الأطلال، والتي تعبّر عن أنّ ما بقي من إبراهيم ناجي هو مجردُّ أطلال روحِه فقط،[٢] ونتيجةً لضعف صِحّته استقال من منصبه في وزارة الأوقاف، وتفرّغ للعمل في عيادته الخاصّة، ونتيجةً لذلك سافر إلى لندن لتلقّي العلاج، ولكن لسوء حظّه صدَمَته سيارة، ونُقِل إلى المشفى إثر ذلك، وبقي كذلك إلى أن وافتهُ المنيّةُ عام 1953م، وقد عبّر عمّا أصابه ببيتٍ شعريٍّ فقال:[٣]
خرجتُ من الديارِ أجرُّ همّي
- وعدتُ إلى الديار أجرُّ ساقي
تجربة إبراهيم ناجي الأدبية
اطّلع إبراهيم في طفولته على الكثير من كتب والده؛ فبدأ بكتابة الشعر في عمر الثانية عشرة، واطّلع على دواوين الشعراء؛ فبدأ بأحمد شوقي ثمّ الشريف الرضيّ وديوانِ حافظ، وكانت أوّل قصيدةٍ له بعنوان: على البحر، وكانت ثقافته الشعرية مزيجًا من الثقافة العربيّة والغربيّة؛ فقد قرأ لكبار الشعراء كأبي نواسٍ والمتنبي، ودرس علم العَروض والقوافي، واهتمّ بالشعر الغربيّ؛ حيث قرأ قصائد شيلي وبيرون، وكان من أشهر ما ترجمه قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسيّ لامارتين، فكانت خطوته الأولى في الشعر عن طريق ترجمته للشعر الغربيّ عام 1926م؛ حيث ترجم بعض أشعار ألفريد دي موسييه وتوماس مور.[٢]
وفي عام 1932م انضمّ إلى جماعة أبولو، وهي جماعةٌ تدعو إلى الذاتيّة في الشعر، والبعد عن الأغراض التقليديّة والتكلّف فيه، فكان عضوًا مؤسسًا فيها، واشتُهِر بشعره الوجدانيّ الرومنسيّ، وبعد صدور ديوانه الأول "وراء الغمام" سافر إلى لندن، وهناك قرأ نقد العقّاد الذي اتّهمه بالسرقة الشعريّة. كما وقرأ نقد طه حسين في كتابه "حديث الأربعاء" حيث وصف شعر إبراهيم ناجي بأنّه ضعيفُ الجناح لا يقوى على الطيران، فشعر بخيبة أمل، وكان ذلك سببًا رئيسًا في قلّة شعره، ونشر ديوانًا آخر له عام 1943م اسمه: ليالي القاهرة، وبعد وفاته نُشِر له ديوان: الطائر الجريح، وذلك عام 1957م، وأصدرت وزارةُ الثقافة المصريّة عام 1960م ديواًنا يشمل دواوين إبراهيم ناجي الثلاثة، بالإضافة إلى بعض أشعاره المتفرّقة، وسميّ: ديوان ناجي.[٢]
وقد اغترف من الثقافة الرومانسيّة الغربيّة؛ فقد كان متفرّدًا يصوّر ما في نفسه من مكنوناتٍ ومشاعرَ ويعبّر عن حبّه دون أن يحسب حسابًا لمجتمعه،[٤] وقد غلب على شعره الألمُ والشكوى و الحديث عن الحبيب المهاجر،[٥] وكان من زعماء التجديد في مصر؛ فقد جدّد في الموسيقى والخيال واللفظ،[٦] وقد ابتدع في شعره أفكارًا جديدةً تحمل معانيًا وأهدافًا سامية، فقد كان غزله بعيدًا عن أيّ انحرافٍ،[٧] وبالإضافة إلى الشعر فإنّ لإبراهيم أعماًلا أدبيّةً كترجمته لرواية: الجريمة والعقاب لدوستويفسكي، كما ألّف بعض الكتب ككتاب مدينة الأحلام وعالم الأسرة وغيرها.[٢]
شواهد شعرية لإبراهيم ناجي
على الرغم من قلّة أشعار إبراهيم ناجي مقارنةً بمُعاصريه، إلّا أنّ دواوينه تذخر بأجمل الأشعار وأكثرها رقّةً وإنسانيّة، وتحمل في طيّاتها الكثير من الحبّ، كما تظهر روحُ التجديد في شعره، ومن أشعاره:
- يقول الشاعر إبراهيم ناجي في قصيدته "يا فؤادي رحمَ اللهُ الهوى":[٨]
يا فؤادي رحمَ اللهُ الهوى
- كان صرحًا من خيالٍ فهوى
اسقني واشرب على أطلاله
- واروِ عني طالما الدمعُ روى
كيف ذاك الحبُ أمسى خبرًا
- وحديثًا من أحاديثِ الجوى
وبساطًا من ندامى حلمهم
- تواروا أبدًا وهو انطوى
- ومن شعره أيضًا:[٩]
وانتحينا معًا مكاناً قصيًّا
- نتهادى الحديثَ أخذًا وردّا
سألتْني مللتنا أم تبدلتَ سوا
- نا هوىً عنيفًا ووجدا
قلتُ: هيهات كم لعينيك عندي
- من جميلٍ كم بات يُهدى ويسدى
أنا ما عشتُ أدفع الدين شوقًا
- وحنيناً إلى حماك وسهدا
وقصيداً مجلجلًا كل بيتٍ
- خلفه ألف عاصفٍ ليس يهدا
- ويقول الشاعر إبراهيم ناجي في قصيدة له أيضًا:
أيكون ذنبي أَن رفع
- تُك وارتفعتُ إلى السماء
وعلى جناحك أو جنا
- حي قد رقيتُ إلى الصفاء
إن كان حقاً أو خيا
- لاً فهو وَثبٌ للضياء
المراجع
- ↑ "إبراهيم ناجي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج "إبراهيم ناجي"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
- ↑ "1953 وفاة إبراهيم ناجي"، www.maspero.eg، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
- ↑ الشيخ كامل محمد محمد عويضة، إبراهيم ناجي شاعر الأطلال، بيروت-لبنان:دار الكتب العلمية، صفحة 138، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الشيخ كامل محمد محمد عويضة، إبراهيم ناجي شاعر الأطلال، بيروت-لبنان:دار الكتب العلمية، صفحة 139، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الشيخ كامل محمد محمد عويضة، إبراهيم ناجي شاعر الأطلال، بيروت-لبنان:دار الكتب العلمية، صفحة 145، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الشيخ كامل محمد محمد عويضة، إبراهيم ناجي شاعر الأطلال، بيروت-لبنان:دار الكتب العلمية، صفحة 165، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "الديوان مصر ابراهيم ناجي يا فؤادي رحم الله الهوى"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.
- ↑ "الديوان مصر ابراهيم ناجي وانتحينا معا مكانا قصيا"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-15. بتصرّف.