محتويات
ابن الفارض
هو أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي،[١] يعدّ واحدًا من أشهر شعراء التصوُّف، لذلك كرّس جُلَّ شعره في العشق الإلهي، ولهذا السبب لُقّب بسلطان العاشقين، ينتمي والده إلى مدينة حماة في سوريا الذي هاجر لاحقًا منها إلى مصر، وفيها ولد ابن الفارض وكانت ولادته سنة 576هـ، ووفاته سنة 632هـ، وعندما شبّ بدأ بالعمل بفقه الشافعية، وأخْذ الحديث عن ابن عساكر ، ثمّ ما لبث وأن سلك طريق الصوفية واتّجه نحو الزهد، فهمّ بالرحيل إلى مكة من غير أشهر الحج، حيث قام بالاعتزال في وادٍ بعيد عن مكة، ومن خلال عزلته هذه، نظم العديد من قصائده في الحبّ الإلهي، ثُم استقر به المطاف إلى مصر بعد غياب عنها دام نحو خمسة عشر عامًا،[٢] وممّا تجدر الإشارة له أنّه يُكنّى أيضًا بابن الفارض، لأنّ أباه كان يعمل فارضًا، والفارض هو من يثب الفروض للنساء على الرجال، ومن خلال هذا المقال سيتمّ التعرُّف أكثر على ابن الفارض.[٣]
نشأة ابن الفارض
لقد كانت ولادة عمر بن الفارض في الرابع من شهر ذي القعدة لسنة 576 هـ في القاهرة التي توفّي بها أيضًا في اليوم الثاني من جمادى الأولى من سنة 632 هـ، وينتمي في أصله إلى أُسرةٍ حمويّة، لذلك كان لأصله هذا أهميّة كبيرة في طبعه، فأهل الشام معروف عنهم رقة الطبع في الأدب القديم، والشغف بصور الجمال، بالإضافة إلى نزعتهم الغزليّة الليّنة ويندر مثلها في مصر والعراق، وهذا كلّه كان استيحاءً للشعر الذي نتج من شعراء الشام، حيث كان يتميّز بالمعاني الحسيّة والوجدانيّة، والحقّ يُقال بأنّ شخصيّة ابن الفارض انفردت بين شعراء مصر؛ فاشترك في تكوينها بقاع ثلاث؛ أولها الشام في أصله، وثانيها الحجاز وحنينه إليه وثالثها مصر التي فيها مقامه، فهو شاعر الشام والحجاز ومصر.[٤]
وعندما ولد ابن الفارض في القاهرة في مصر، نشأ تحت كنف والده العالم بالفرائض ونائب الحكم في القاهرة في عبادةٍ وزهدٍ وورع، ولما كبرَ وشبّ دفعه والده إلى مجالس العلم والعلماء والتصوُّف، فقام بدراسة علوم الدين واللغة وتعرّف على أهم عقائد التصوف وطرقه، واشتغل كذلك بالفقه ورواية الأحاديث النبوية الشريفة؛ فحبب ذلك إليه العزلة والخلوة والذهاب إلى جبل المقطم في القاهرة والمساجد الخالية المهجورة والمقابر التالفة الخربة، إلّا أنّ ذلك كلّه لم يقض في نفسه ما أحب أن يمارسه من رياضة روحية وكثرة العبادة والصوم، فسافر إلى الحجاز، وانقطع عن الناس في وادٍ بالقرب من مكة المكرمة وبقي فيه مدّة خمس عشرة سنة يُكثر من العبادة ومجاهدة نفسه بالصوم والتسبيح والذكر والتردُّد إلى المسجد الحرام.[٥]
عزلة ابن الفارض وتصوفه
اختلى ابن الفارض بنفسه إلى الحجاز، ليمارس فيها عزلته وطقوسه التصوفية في الواد القريب من مكة المكرمة، فظلّ يتعبّد ويتردّد إلى المسجد الحرام إلى أن حصل ما أتى لأجله، فأشرق نور الله سبحانه وتعالى في نفسه، واتّضح له جماله، ووصل إلى منزلة مقام الشهود للذات الإلهية، وهذا المقام هو الأعلى عند الصوفيّة، وغايتهم المُثلى نتيجة طريقتهم في العبادة ومجاهدة نفوسهم، وبعد أن بلغ غايته قرّر أن يعود إلى القاهرة مسقط رأسه، فأقام بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر يؤدي عبادته ويتنسك فيه حتى توفي، ومجمل القول أنّ ابن الفارض بلغ مراتب عُليا في التصوُّف لإمضائه مُعظم أوقاته منقطع الحواس عن العالم لا يُحرّك ساكنًا ولا يتكلّم، حتى أنّه قد يبقى على حاله هذا أيّامًا عديدة، فإذا أفاق من عزلته هذه يشرعُ ويُملي شعره، كأنّه يقوم بنظمه في غياب وعيه عن العالم وفي شهود الحضرة الإلهية، وممّا يُذكر أنّه نُقلت عنه كرامات عجيبة، فاعتقد الناس بولايته وأصبح مقصد زيارة العام والخاص من الناس، فإذا خرج من مضجعه تكأكأ الناس حوله طلبًا للدعاء والبركة منه، وعندما كان يحضر مجالس الذكر ينفعل معها انفعالًا شديدًا حتى يتدفّق العرق من جسده، ومن أبرز ما عُرف من صفاته، أنّه كان جميل الوجه وضّاء، وحسن الهيئة والملبس، وكان رقيقًا بطبعه وجوادًا فصيحًا، يُحبّ الناس صحبته والتعامل معه ويحمدونه.[٥]
ذهب ابن الفارض في تصوّفه إلى مقولة الاتّحاد، مُعتقدًا بذلك أنّ مظاهر الوجود جميعها متساوية في شرفها وقيمتها، لأنّها تُمثّل جوانبًا من الألوهية التي تنبثق من جميع الكون وتنبثق منها جميع الأشياء، كما تتحد فيها المخلوقات ويتجلى نور الألوهية في جميع المشاهد، ولذلك اختلف العقائديون في أمر ابن الفارض، فمنهم من رفعه لمرحلة القطبية العالية ومنهم من نزل فيه إلى الإلحاد والكفر والزندقة.[٥]
ويقول مؤرخ أهل السنة الحافظ الذهبي عن ابن الفارض:"صاحب الاتحاد الذي ملأ به التائية، فإن لم يكن في تلك العقيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى وأعذنا من الهوى، فيا أئمة الدين ألا تغضبون لله؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله"، ووصفه في الميزان فقال: "ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية، وما ثم إلا زي الصوفية وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفة وأفاعي، فقد نصحتك والله الموعد".ونص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن ابن الفارض من أهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود".[٦]
منزلة ابن الفارض الأدبية والروحية
تميّز شعر ابن الفارض بنزعته الصوفيّة، ولولا هذا التصوُّف الذي غلب شعره لانطمس ذكره منذ زمنٍ طويل، وما يكاد الشعر الذي أنتجه ابن الفارض يخرج عن العديد من الأغراض الشعرية كالصبابة والحنين والخمريّات، والسرّ الذي جعل الناس يقبلون على شعره هو المعاني الرمزية عنده ووزنها، ولولا ذلك لانصرف الناس عن شعره، فقد رأوا عناية ابن الفارض بوزن المعاني له فاتحة جديدة في الشعر، بعد أن ظلّ الشعراء أزمانًا طويلةً يحرصون كلّ الحرص على وزن الألفاظ قبل كل شيء، وممّا لا شكّ فيه أنّ ابن الفارض من ناحية عنايته بالمعاني كان فحلًا من فحول الشعر، لأنه جمع أيضًا بين الحقيقة والخيال، فكانت الحقيقة عنده هي الصورة الروحية، أمّا خياله فكان الصورة الحسيّة التي رمز من خلالها إلى المعنويّات.[٤]
وقد تراوح شعر ابن الفارض بين الفطرة والتكلّف، حيث غلب التكلف على معظم الشعراء في عصره، فجميع شعره الذي وُسم بذاك الطابع لا يمكن الشكّ فيه كلّه، وإنّما يغلب الشكّ على شعره الذي يطغى عليه الضعف، كما كان ابن الفارض مفتونًا بشكلٍ لافت بالفنون والمحسّنات البديعية من توريةٍ وجناسٍ وطباقٍ وغيرها، واستخدم الغريب في شعره، كأن جعل قافية إحدى قصائده تنتهي بالذال فكان ذلك تكلّفًا واضحًا لأن القافية الذالية صعبة للغاية ولا يُقبل عليها الشعراء إلا المُتكلّفين منهم، فالذي يقوم بمراجعة القوافي في الشعر العربي يجد الشعراء لا يتّخذون الذال قافية لهم إلا في بعض الأبيات والمقطوعات من الشعر، وفي النادر القليل منه، وابن الفارض أراد بذلك أن يُعرّف معاصريه أنّه يمتلك ناصية هذه القافية الشّموس، مع أنّ تخيّره لهذه القافية الوعرة صرفت روحه عن الأجواء الشعريّة وشغلته عن اختيار المعاني والاتّجاه للبحث عن الألفاظ المناسبة التي تتفق مع القافية، ولقد سعى ابن الفارض إلى تفريغ قلبه عن الوجود الذاتي، وقصَر خطراته النفسية على شغله بمحبوبه عساه يظفر بذلك بخلوة روحيّة، فكلّ شيء في وجوده يمثّل لروحه صورة الحبيب الذي يراه في ملامة العذال وفي لمع البرق وفي كل شيْ، ويظهر من خلال العديد من قصائده استحضاره لصورة المحبوب والصبابة القوية في شعره في كثير من الأحيان.[٤]
شعر ابن الفارض
لم يُعرف لابن الفارض أيّ آثار أدبيّة أو صوفيّة سوى ديوانه الوحيد صغير الحجم الذي لم يتجاوز عدد أبياته على ألف وثمانمئةٍ وخمسين بيتًا، ويعدّ هذا الديوان تحفةً أدبيّة كبيرة وتُراثًا روحيًّا خصبًا وخالدًا على الرغم من صغر حجمه كما ويعدّ أفضل الدواوين العربيّة من ناحية موضوعه وأسلوبه الذي يدور الشاعر فيه حول موضوعٍ واحد وهو الشعر الصوفي في الحبّ والخمر، ليكون شعره بذلك مرآةً صادقة انعكست على صفحتها أسلوبه وأذواقه التي خضعت لها نفسه وروحه في سبيل حبّه الإلهي، فمن الطبيعي أن يكون كذلك كونه عاش في زمنٍ امتاز بكثرة التصنع والتكلف، كما بلغت في عصره هذا الأناقة البديعية بأعلى درجاتها سواء في النثر أو النظم، فعصره أيضًا هو عصر القاضي الفاضل وابن سناء الملك والعماد الأصبهاني، الذين عُرفوا جميعهم بولعهم الشديد بصناعة اللفظ والتكلّف لأنواعٍ من البديع، وقد امتاز شعره بالألفاظ الرقيقة مع الجزالة والمتانة والمعنى الدقيق وعمق الأفكار والوضوح والسلاسة وصدق الإحساس وسلامة الأسلوب والبعد عن الخيال.[٧]
أمّا من ناحية التصوف الذي يعني الزهد في الدنيا، والانقطاع لعبادة الله،[٨] فقد كان ديوانه ذي نزعة صوفية واضحة فيه، وسيطرت عليه سيطرة قوية دقّة إحساسه وسموّ عاطفته، فلما كرّس حياته مُقبلًا على محبوبه مشتاقًا إليه مفنيًا نفسه فيه ظفر بهذا كلّه بما قرّت به عينه وبما اطمأنّ له قلبه من الاتصال بالذات الإلهية العليا وكشف حقيقة الوجود المطلقة، ومن هذا المنطلق كان ديوان ابن الفارض يمثّل أنشودةً جميلةً من أناشيد الحبّ.[٧]
لقد حظي شعر ابن الفارض بقبول واهتمام كبيرين في العصور كافّة، حيث تأثر بأسلوبه في الشعر شعراء كثر، فضمنوا قصائدهم بالكثير من أبياته، كما تناول شعره عدد لا بأس به من الأدباء والعلماء في شرحه وتحليله وفي مقدمتهم محيي الدين بن عربي، فكثرت شروح ديوانه بعدّة لغات كاللغة العربية والفارسية والتركية والهندية، بالإضافة إلى ازدياد اهتمام العلماء والأدباء في العصر الحديث بديوانه، فتناولوا دراسته مرّاتٍ عديدةٍ وترجموه إلى اللغات الأجنبية المعاصرة، كما قاموا بطباعته طبعاتٍ كثيرةٍ ومن هذه الطبعات ما كان مُفردًا ومنها ما احتوى على بعض الشروح.[٥]
قصائد ابن الفارض
لقد شهد ابن الفارض لنفسه بطغيان السلطنة الوجدانية في العديد من المواضع من شعره، فاتّخذ نفسه إمامًا للعاشقين، واتّخذ محبوبه إمام الملاح، وعاش حياته متغنيّا بالحب الإلهي حتى لُقّب بسلطان العاشقين،[٩] وفيما يأتي ذكرٌ لأبرز القصائد التي ألفها ابن الفارض:[١٠]
- زدني بفرط الحب فيك تحيرًا.
- ما بين معترك الأحداق والمهج.
- أدر ذكر من أهوى ولو بملام.
- قلبي يحدثني بأنك متلفي.
- أرج النسيم سرى من الزوراء.
- شربنا على ذكر الحبيب مدامة.
- هل نار ليلى بدت ليلًا بذي سلم.
- ما أطيب ما بتنا معا في برد.
- أنتم فروضي ونفلي.
- أوميض برق بالأبيرق لاحا.
- روحي للقاك يا مناها اشتاقت.
- هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل.
- يا راحلًا وجميل الصبر يتبعه.
- يا سيدًا لم يزل في كل العلوم يجول.
- ما اسم طير إذا نطقت بحرف.
- ما اسم شيء من الحيا.
- سيدي ما قبيلة في زمان.
- ما اسم لما ترتضيه.
- خبروني عن اسم شيء شهي.
- ما اسم قوت يعزى لأول حرف.
اقتباسات من شعر ابن الفارض
لقد كان ابن الفارض شاعرًا رقيقًا في نفسه ودقيقًا في حسّه، مُرهف الشعور، يُحبّ بكامل العواطف الموجودة في قلبه، ولعلّ هذه العاطفة الكبيرة سيطرت على جميع حياته ممّا جعلها تبرز في جميع أشعاره الفلسفية المُتّصلة بما يُسمّى بوحدة الوجود.[١١]
- يقول ابن الفارض في قصيدته "أوَميضُ بَرْقٍ بالأُبَيْرِقِ لاَحا":[١٢]
أوَميضُ بَرْقٍ بالأُبَيْرِقِ لاَحا
أم في رُبَى نجد أرى مِصباحا
أم تلكَ ليلى العامريّةُ أَسْفَرَتْ
ليْلاً فصيّرَتِ المساءَ صباحا
يا راكِبَ الوجْناء وُقّيتَ الرّدى
إن جُبتَ حَزْنًا أو طوَيتَ بِطاحا
وسَلَكْتَ نُعمانَ الأراكِ فعُجْ إلى
وادٍ هُناكَ عَهدْتهُ فَيّاحا
فبأيْمَنِ العلمَيْنِ مِن شرقيّه
عَرّجْ وأُمَّ أرينَهُ الفوّاحا
وإذا وصلْتَ إلى ثَنِيّاتِ اللّوَى
فانْشُدْ فؤاداً بالأُبَيْطح طاحا
واقْرِ السّلامَ أُهَلْيَهُ عَنّي وقُل
غادرْتُهُ لِجَنابِكُمْ مُلْتاحا
يا ساكني نَجدٍ أما مِنْ رحمَةٍ
لأسيرِ إلْفٍ لا يُريدُ سَراحا
هَلّا بَعَثْتُمْ لِلمَشُوقِ تحيّةً
في طَيّ صافِيَةِ الرّيَاحِ رَواحا
يحْيا بها مَن كانَ يحسَب هَجرَكُمْ
مَزْحًا ويعتقِدُ المِزَاحَ مِزاحا
- ويقول ابن الفارض في قصيدته "قلبي يحدثني بأنك متلفي":[١٣]
قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي
روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ
لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي
لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي
ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ
في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف
فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني
يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي
ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ
عَطفًا على رَمقي وما أبقَيتَ لي
منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُماطلي
والصّبْرُ فانٍ واللّقاء مُسَوّفي
لم أَخلُ من حَسَدٍ عليك فلا تُضِعْ
سَهَري بتَشْنِيع الخَيالِ المُرجِفِ
واسأَلْ نجومَ اللّيلِ هل زارَ الكَرَى
جَفني وكيف يزورُ مَن لم يَعْرِفِ
لا غَرْوَ إن شَحّتْ بغُمْضِ جُفُونها
عيني وسَحّتْ بالدّموعِ الذّرّفِ
وبما جرَى في موقفِ التوديعِ مِنْ
ألمِ النّوَى شاهدتُ هَولَ الموقفِ
- ويقول ابن الفارض في قصيدته "أرَجُ النّسيمِ سَرَى مِنَ الزَّوراءِ":[١٤]
سَحَرًا فَأَحيا مَيِّتَ الأَحيَاءِ
أَهدى لَنا أَرواحَ نَجدٍ عَرفُهُ
فَالجَوُّ مِنهُ مُعَنبَرُ الأَرجاءِ
وَرَوَى أحاديثَ الأَحبَّةِ مُسنِدًا
عن إِذخِرٍ بأذاخِرٍ وَسِخاءِ
فسَكِرتُ مِن رَيّا حَواشي بُردِهِ
وسَرَت حُمَيّا البُرءِ في أَدوائي
يا رَاكبَ الوَجناءِ بُلِّغتَ المُنى
عُج بالحِمَى إن جُزتَ بالجَرعَاءِ
مُتَيَمِّما تَلَعاتِ وادي ضارِجٍ
مُتَيَامِنًا عَن قاعَةِ الوَعسَاءِ
- ويقول ابن الفارض في قصيدته "نَعَمْ بالصَّبا قلبي صبا لأحِبّتِي":[١٥]
نَعَمْ بالصَّبا قلبي صبا لأحِبّتِي
فيا حبّذا ذاك الشَّذى حينَ هَبَّتِ
سَرَتْ فأَسرَّتْ للفؤادِ غُدَيَّةً
أحاديثَ جيرانِ العُذيبِ فَسَرَّتِ
مُهَيْمِنَةٌ بالرَّوضِ لَدْنٌ رِداؤُها
بها مرضٌ من شأنِهِ بُرْء عِلَّتي
لها بأُعَيْشَابِ الحِجَازِ تَحَرّشٌ
به لا بخَمْرٍ دونَ صَحبيَ سَكْرَتي
تُذَكِّرُني العَهْدَ القَديمَ لأنَّها
حديثَةُ عَهْدٍ من أُهَيْلِ مَوَدَّتي
أيا زاجرًا حُمْر الأَوارِكِ تارِكَ ال
مَوارِكِ من أكوارها كَالأريكَةِ
- ويقول ابن الفارض في قصيدته "ما بَيْنَ مُعْتَركِ الأحداقِ والمُهَجِ":[١٦]
ما بَيْنَ مُعْتَركِ الأحداقِ والمُهَجِ
أنا القَتِيلُ بلا إثمٍ ولا حَرَجِ
ودّعتُ قبل الهوى روحي لما نَظَرْتَ
عينايَ مِنْ حُسْنِ ذاك المنظرِ البَهجِ
للَّهِ أجفانُ عَينٍ فيكَ ساهِرةٍ
شوقًا إليكَ وقلبٌ بالغَرامِ شَجِ
وأضلُعٌ نَحِلَتْ كادتْ تُقَوِّمُها
من الجوى كبِدي الحرّا من العِوَجِو
أدمُعٌ هَمَلَتْ لولا التنفّس مِن
نارِ الهَوى لم أكدْ أنجو من اللُّجَجِ
وحَبّذَا فيكَ أسْقامٌ خَفيتَ بها
عنّي تقومُ بها عند الهوى حُجَج
المراجع
- ↑ "ابن الفارض"، ar.wikiquote.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11.
- ↑ "ابن الفارض"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-10. بتصرّف.
- ↑ "ابن الفارض"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-10. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "التَّصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-10. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "ابن الفارض"، www.arab-ency.com.sy، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-10. بتصرّف.
- ↑ "ابن الفارض"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11.
- ^ أ ب "ابن الفارض الشاعر الصوفي المصري"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
- ↑ "الصوفية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.
- ↑ "في حضرة سلطان العاشقين ابن الفارض"، langue-arabe.fr، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
- ↑ "ابن الفارض"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.
- ↑ الدكتور محمد مصطفى حلمي، ابن الفارض والحب الإلهي، صفحة 332. بتصرّف.
- ↑ "أوَميضُ بَرْقٍ بالأُبَيْرِقِ لاَحا"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.
- ↑ "قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.
- ↑ "أرَجُ النّسيمِ سَرَى مِنَ الزَّوراءِ"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.
- ↑ "نَعَمْ بالصَّبا قلبي صبا لأحِبّتِي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.
- ↑ "ما بَيْنَ مُعْتَركِ الأحداقِ والمُهَجِ"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14.