الدولة العباسية
يرجع العبّاسيّون في نسبِهم إلى العبّاس بن عبد المطّلب -رضي الله عنه- عمّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقد توصّلوا إلى الحكم من خلال انقضاضهم الدّمويّ على الأمويين بقيادة أبي العبّاس السّفّاح وأخيه أبي جعفر المنصور، وبمساعدة أنصار العلويين 749-754م، فقضوا على الأمويّين ومظاهر سلطتهم، وأقاموا دولتهم، وحوّلوا عاصمتها ومركز الخلافة فيما بعد من دمشق عاصمة الدّولة الأمويّة إلى بغداد، وقد وصلت الدّولة العبّاسيّة أوج ازدهارها قوّةً وعلمًا واتّساعًا، واشتهر عدد من خلفائها كأبي جعفر المنصور وهارون الرّشيد والمأمون والمعتصم وغيرهم. في هذا المقال حديث حول الخليفة المتوكل على الله.[١]
نبذة عن الخليفة المتوكل على الله
هو جعفر بن محمّد المعتصم أخو الواثق، وأمّه من إماء التّرك واسمها شجاع، بويع بالخلافة سنة 232هـ-847م، بعد موت الواثق، وكان عمره ستًّ وعشرين سنة، لكن تلك المبايعة لم تكن بعهد مسبق من أيّ خليفة، لأنّ الواثق مات دون أن يعهد بالخلافة لأحد بعده لصغر أبنائه، وكان المتوكّل جامعًا لجميع الأخلاق الحسنة، وخالف أهل بيته في القول بخلق القرآن، وردّ النّاس إلى السّنّة، ونصر أهلها، ورفع المحنة، وكتب بذلك إلى الآفاق، واستقدم المحدّثين إلى سامرّاء، وأجزل لهم العطايا.[٢]
وتوفّر دعاء الخلق للمتوكّل، وقد بالغوا في الثّناء عليه وتعظيمه، حتّى قال أحدهم: "الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصّديق -رضي الله عنه- في قتل أهل الرّدّة، وعمر بن عبد العزيز في ردّ المظالم، والمتوكّل في إحياء السّنّة وإماتة الاعتزال"، ومن عجائب فترة خلافة المتوكّل أنّه جاءت بالعراق ريح شديدة السّموم وتوسّعت إلى شرقيّها فأحرقت الغلال وقتلت العباد ومنعت النّاس من الأسواق والطّرقات، وزلزلة مهوّلة في دمشق ووصلت إلى أنطاكية والجزيرة، وقتل فيها خلق كثير، وهدم قبر الحسين والدّور من حوله ومنع زيارته، وتعقّب القضاة المفسدين وعمل على تغييرهم، وقد بايع المتوكل بولاية العهد لابنه المنتصر، ثمّ المعتزّ، ثمّ المؤيّد.[٢]
ولمّا أراد تقديم المعتزّ لمحبّته لأمّه، طلب من المنتصر أنْ يتخلّى عن العهد، فرفض المنتصر، فكان المتوكّل يحضره مجلس العامة، ويحطّ من قدره ويتهدّده ويوبّخه، وصادف أنّ الأتراك انحرفوا عن المتوكّل لأسباب، فاتفقوا مع المنتصر على قتل أبيه، فدخل عليه خمسة رهط، وهو في مجلس لهوه سنة 247هـ-861م، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان، وممّا تقدّم هو نبذة عن الخليفة المتوكل على الله.[٢]
المتوكل وإحياء السنة
بعد ذكر نبذة عن الخليفة المتوكل على الله، يحسن الحديث بذكر أهمّ ما قدّمه في خلافته لنصرة دين الله، منذ أن تولّى المتوكّل الخلافة، أظهر ميله لأهل السّنّة، فأعلى شأنهم، وانتصر لهم، وأمر برفع محنة القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الآفاق، وكان ذلك سنة أربع وثلاثين للهجرة، ولم يكتفِ بذلك، بل دعا العلماء والمحدّثين إلى سامرّاء مقرّ الخلافة وأكثر عطاياهم وأكرمهم، وطلب منهم بأن يحدّثوا النّاس بأحاديث الصّفات والرّؤية.[٣]
جلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرّصافة، فاجتمع عنده نحو ثلاثين ألف نفس، ولم يحدث مثل ذلك قبل تولّي المتوكّل الخلافة. وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع إليه أيضًا نحو ثلاثين ألف نفس، ويقال بأنّه هو أوّل خليفة يتمذهب بمذهب الإمام الشّافعي -رحمه الله تعالى- لرؤيا مناميّة رأى فيها النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يثني فيها على الشّافعيّ.[٣]