محتويات
من هو الخوارزمي؟
هو محمد بن موسى بن محمد أبو بكر المعروف بالخوارزمي، يلقّب بالأستاذ، وللإجابة عن سؤال متى ولد الخوارزمي؟ فإنّه ينبغي العلم أنّ أهل العلم قد قالوا إنّه ولد سنة 164هـ أي ما يعادل سنة 781م، ووفاته كانت سنة 232هـ ما يعادل سنة 847م[١]،[٢] وهو عالمٌ فلكي ورياضي ومؤرّخ وجغرافي، أصله من خوارزم وقد وُلد في الجرجانية في بلاد التركستان، وعليه فتكون جنسية الخوارزمي بناء على العصر الحديث تعود إلى بلاد أوزبكستان، ولكنّ ثقافته عربيّة وليس لبلاده فضل عليه؛ إذ لم يكبر على أرض وطنه ولكنّه قد ترعرع وكبر في قرية بالعراق تقع بالقرب من بغداد تُدعى "قطربل".[٣]
نشأة الخوارزمي
بدأتْ حياة الخوارزمي في "قطربل" حيث كان يساعد والده في أعمال الزراعة، ثمّ ترعرع وكبر إلى أن وصل إلى شبابه، وقد كان عالمًا بلغة أهله التي نشؤوا عليها، فقد كانوا يمتلكون لغتين التركية والفارسيّة اللّتان كان قد تعلّمهما عن أمّه، وقد كان جميع أهل "خوارزم" يتقنون هاتين اللغتين، وتعلّم أيضًا اللغة العربيّة في مسجد يقع في قريته "قطربل"، وتعلّم هناك مبادئ القراءة والكتابة والحساب شأنه في ذلك شأن جميع أبناء جيله.[٤]
هكذا كانت بداية نشأة الخوارزمي، فلم يكن منشغلًا في بداية حياته سوى بالزارعة وركوب الخيل وأعمال الطبيعة، ولكنّه لم ينظر إلى الطبيعة تلك النظرة التي يراها جميع الناس، بل كان ينظر إليها بشكل هندسي يحاول أن يجد طريقةً لقياس أبعادها، فإن نظر إلى الشجرة رآها كأنها مثلث، وإذا نظر إلى الشّمس تماثلت أمام عينيه الدائرة.[٤]
أين تعلم الخوارزمي؟
عندما بلغ الخوارزمي العشرين من عمره بدأ يكتشفُ ميولًا جديدًا في شخصيّته، وهي حُبّ قياس المسافات والأبعاد، وقد كان ذلك يميّزه عن أقرانه من أهل جيله، فلم يعد يريد العمل بالزراعة كما شاء والده، بل أراد أن يصل إلى علمٍ يتمكّن به من حساب المسافات، فأخبر أهله بذلك طمعًا ببلوغ العلم الذي أراد أن يصل إليه، فقد كان جلّ ما يشغل باله هو الأشكال الهندسيّة والحسابات، ولمّا أخبر إمام المسجد بذلك تنبّأ له بأنّه سيصبح عالمًا ذا شأنٍ عظيم، وطلب منه أن يترك الزراعة وشؤون الأرض ويسافر إلى بغداد طالبًا العلم في بيت الحكمة.[٤]
قد كان الإمام قد قطع وعدًا على نفسه أن يجعل أبيه يوافق على سفره، وذلك ليلتحق في بيت الحكمة وينمّي تلك الميول التي باتت ترافقه على الدّوام، فقبل والده، وسافر بعد ذلك الخوارزمي إلى بغداد، وتعلّم في بيت الحكمة على يد ثلاثة من العلماء، وقد نال إجازةً في الرياضيات بعد عامين من دراستها، وهذه المدة لم تكن لغيره؛ فقد اجتازها بسرعة لذكائه الشديد وفطنته، وقد شهد له من درّسه بالنبوغ والامتياز والتّفرّد؛ فقد استطاع بوقتٍ قصير أن يلمَّ بكلِّ ما جاء في علم الرياضيات.[٤]
لمّا سمع به الخليفة هارون الرشيد أرسل في طلبه فكان عالمًا متميزًا في الرياضيات، فجعله في بيت الحكمة مع علماء الرياضيات، وقد سُرّ الخوارزمي لذلك القرار؛ لأنّ ذلك سيمكّنه من مزاولة العلم والحصول على المزيد من المعلومات، فيمكنه بذلك الاطلاع المستمر على الكتب الموجودة في "بيت الحكمة"، وقد كان يعرف الخوارزمي حبّ الخليفة هارون الرشيد للعلم، وممّا جاء في حبّه للعلم أنّه في حروبه مع الدولة الرومانية البيزنطية كان قد أسر مجموعة من الأسرى، فعندما انتهت الحرب لم يرضَ أن يبادلهم بالأموال، بل اشترط في مبادلتهم أن يبادلهم بالكتب الموجودة في خزانة الدولة.[٤]
بعد ذلك قضى الخليفة هارون الرشيد نحبه، فولي بعده ابنه المأمون، وقد كان محبًّا للعلم أيضًا كأبيه، فطلب من الخوارزمي أن يتولّى أمانة المكتبة، وأن يشارك علماء الفلك في أعمال الرصد الفلكي، وقد بلغت شدّة اهتمام المأمون بذلك أن جعل مرصدًا فلكيًّا خاصًّا في بغداد، وكان ذلك المرصد لأنّه أراد أن يعرف بعض التّفاصيل الجغرافيّة بشكل أوضح ممّا جاءت عن بطليموس، وهكذا بدأت عمليّة التّأليف لدى الخوارزمي، فبدأ بتأليف الكتب ووضع كتابه "الربع المعمور" أو "صورة الأرض وما بها من المدن والجبال والأنهار والبحار" فتناول في كتبه ما جاء به بطليموس من أفكار ثمّ أضاف إليها.[٤]
استغلّ الخوارزمي ذلك المنصب لينمّي ما بدأ به من علمٍ ليصلَ أخيرًا إلى ما وصله من ابتكارٍ واختراع، ولم يكن الخوارزمي بارعًا في علم الرياضيات فحسب، بل كان له فضلٌ كبيرٌ على الثّقافة العربيّة من حيث كونه ترجمان العرب؛ فقد كان له دورٌ بارزٌ ومهمٌّ في ترجمة كثير من الكتب في مختلف المجالات المأخوذة من اليونان والهند والفرس إلى اللغة العربية، وكان له فضلٌ في تصحيح المفاهيم التي تدور حول تلك الأمم، فترجم الخوارزمي تلك الكتب وشرحها وبسّطها؛ وذلك ليتمكّن الجميع من المطالعة بها وفهمها فهمًا دقيقًا.[٤]
من أعظم الكتب التي ترجمها عن الهندية كتاب "السند الهندي"، وهو كتابٌ يبحث في الفلك والرياضيات، وقد كان هذا الكتاب موجودًا في مكتبة الخليفة المنصور ولا يستطيع أحدٌ الاستفادة منه، فعندما لخّصه الخوارزمي وبسّطه أصبح مرجعًا للناس في دراساتهم.[٤]
من صفات الخوارزمي أنّه كان دائم البحث والدّراسة، فكان يطالع ويبحث في كتب المكتبة في النهار ويقوم بعمله الذي كلّفه به الخليفة في الليل، وقد عُرف العصر الذي عاش فيه باسمه "عصر الخوارزمي"، ومما كان بارزًا في مؤلّفاته من صفاتٍ اختصّ بها الدّقة في عرض الفكرة بالإضافة للأمانة.[٥]
عقيدة الخوارزمي
لم تذكر كتب التراجم كثيرًا عن عقيدة الخوارزمي العالم، ولكن قد ذكر الطبري أنّه لمّا حضرت الخليفة الواثق الوفاة استدعى بعض العالمين بالفلك والنجوم وذكر من بينهم "ومحمد بن موسى الخوارزمي المجوسي القطربلي"، فالإمام الطبري يسمّي الخوارزمي بالمجوسي،[٦] وكذا ابن كثير ذكر هذا الكلام في كتابه البداية والنهاية،[٧] غير أنّ بعض الباحثين يشيرون إلى أنّ هذه التسمية ربّما كانت بسبب ما كان عليه أجداده لا ما كان عليه هو؛ إذ إنّه يفتتح كتابه في الجبر بلفظ: بسم الله الرحمن الرحيم، والمجوس لا يعبدون الله كما هو معلوم.[٨]
اختراعات الخوارزمي
ماذا قدم الخوارزمي للبشرية؟
للخوارزمي كثير من الاختراعات التي قد سجلتها كتب التاريخ والتراجم، ومنها:[٩]
- يُعدّ الخوارزمي أوّل من وضع كتابًا في علم الجبر.
- أسسَ علم "اللوغوريتمات".
- وضعَ الأساس لحل المسائل الجبريّة ومازالتْ إلى يوم الناس هذا تُحلّ المسائل على تلك الأسس التي وضعها، ولذلك لقّب بِـ "أبي الجبر".
- أثبت صحّة نظريّة فيثاغورث -أو فيثاغورس- التي أنشأها عن المثلث القائم.
- ابتكر طرائق خاصّة لحساب مساحة الأشكال الهندسية كالدائرة والمستطيل وغير ذلك.
- وضعَ التّطبيق العلمي لتوزيع المواريث وفقًا لما يقتضيه الدّين الإسلامي.
- اخترع الخوارزميّ الصّفر.
مؤلفات الخوارزمي
ما الفنون والعلوم التي ألّف فيها الخوارزمي؟
لقد كان الخوارزمي عالمًا فلكيًّا ورياضيًا ومؤرخًا، ولكنّ شهرته الأكبر جاءته من كونه عالمًا رياضيًّا، ومن أهمّ مؤلّفاته:
- كتاب الحساب: وهو غير متوفّر إلّا باللغة اللّاتينية إذ إنّه قد فقد من المكتبة العربيّة.[١٠]
- كتاب الجبر والمقابلة: وقد جمع في هذا الكتاب المسائل المتفرقة في التراث العلمي الهندي والمصري واليوناني في مجال الرياضيات، ورتّب تلك المسائل وشرحها وبسّطها لتكون في متناول جميع الدارسين في عصره.[١١]
- كتاب تقويم البلدان: وهذا الكتاب كان قد شرح به ما جاء عن "بطليموس" وأضاف على ما جاء من معلوماتٍ عن بطليموس بعض الأسس والخرائط.[١٠]
- كتاب الجمع بين الموسيقا والهندسة والفلك: وهذا الكتاب كان يحتوي عن جملة الدّراسات التي خرج بها ووصل إليها نتيجةً لأبحاثه.[١٠]
- صورة الأرض من المدن والجبال والبحار والمحيطات: وفي هذا الكتاب يضع الخوارزمي الأساس لعلم الجغرافيا، وقد أشاد بهذا الكتاب المستشرق الإيطالي نللينو وقال إنّه ليس بمقدور أيّ أمّة من الأمم الأوروبية أن تضع هذا الكتاب في فجر نشأتها العلمية.[١٢]
- العمل بالأسطرلاب: وهو كتاب وضعه العالم الخوارزمي لبيان آلية عمل الأسطرلاب؛ إذ إنّ الأسطرلاب كان آلة ذات عمل معقّد يحتاج إلى تمرّس فيه لإتقانه، ولذلك فقد وضع الخوارزمي وغيره من العلماء كتبًا عن آليّة عمل هذه الآلة.[١٣]
كتب عن الخوارزمي
مَن أبرز مَن ألّف عن الخوارزمي؟
لقد ألّف الباحثين عن العالم الخوارزمي كثيرًا من الكتب، منها ما كان قديمًا في ثنايا كتب التراجم ومنها ما كان حديثًا يتخصّص بالحديث على الخوارزمي على سبيل الحصر فقط، ويُذكر من تلك الكتب الحديثة على سبيل المثال لا الحصر:
- كتاب أشهر العلماء في التّاريخ -عبقري علم الرياضيات الخوارزمي: ألّفه عاطف محمد، وقد صدرت منه الطبعة الأولى عام 2003م في القاهرة، يتحدّث الكتاب عن حياة الخوارزمي ونشأته ومسيرته العلمية في الحياة، ويتحدّث عن أشهر مؤلّفاته وآثاره، وهو كتيّب صغير بحدود 24 صفحة يصلح كتابًا للجيب.[١٤]
- إحياء الجبر درس لكتاب الخوارزمي في الجبر والمقابلة: ألّفه عادل أنبوبا 1968م وهو من أساتذة الرياضيات في الجامعة اللبنانية، وفي هذا الكتاب دراسة لما جاء في كتاب الخوارزمي "الجبر والمقابلة"، وقد شرع الباحث بتأليف هذا الكتاب بناء على طلب من رئيس الجامعة اللبنانية لتعريف الجيل بأمجاد العلماء العرب والمسلمين.[١٥]
- علماء العرب ثابت بن قرة -الخوارزمي- ابن الهيثم- البيروني: ألّفه ميخائيل خوري عام 1970م، وفيه ترجمات لأشهر علماء العرب ومنهم الخوارزمي، ففي هذا الكتاب لمحة عن سيرة حياته ويمرّ على مؤلفاته واهتماماته وكذلك فيه ذكر لصفاته ومميزاته وشهرته وشخصيته وفيه عرض لأبرز مؤلفاته مع لمحة بسيطة عنها تعرّف القارئ بمحتواها.[١٦]
المراجع
- ↑ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، صفحة 405. بتصرّف.
- ↑ عمر رضا كحالة، كتاب معجم المؤلّفين، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 62، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ ميخائيل خوري، علماء العرب، بيروت:بيت الحكمة، صفحة 29. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د عاطف محمد، أشهر العلماء في التاريخ الخوارزمي، القاهرة:دار اللطائف، صفحة 3 - 7. بتصرّف.
- ↑ ميخائيل خوري، علماء العرب، بيروت:دار بيت الحكمة، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ أبو جعفر الطبري، تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، صفحة 151. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 326. بتصرّف.
- ↑ "محمد بن موسى الخوارزمي"، جود ريدز، اطّلع عليه بتاريخ 19/02/2021م. بتصرّف.
- ↑ عاطف محمد، أشهر العلماء في التاريخ، القاهرة:دار اللطائف، صفحة 23. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ميخائيل خوري، علماء العرب، بيروت:بيت الحكمة، صفحة 30. بتصرّف.
- ↑ عاطف محمد، أشهر العلماء في التاريخ عبقري علم الرياضيات الخوارزمي، القاهرة:دار اللطائف، صفحة 18. بتصرّف.
- ↑ عاطف محمد، أشهر العلماء في التاريخ، القاهرة:دار اللطائف، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ "علم الأسطرلاب وأشهر ما صنف فيه"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 19/02/2021م. بتصرّف.
- ↑ عاطف محمد، أشهر العلماء في التاريخ عبقري علم الرياضيات الخوارزمي، القاهرة:دار اللطائف، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ عادل أنبوبا، إحياء الجبر درس لكتاب الخوارزمي في الجبر والمقابلة، بيروت:منشورات الجامعة اللبنانية، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ ميخائيل خوري، علماء العرب، بيروت:بيت الحكمة، صفحة 29. بتصرّف.