نبذة عن الصحابي عبد الله بن مسعود

كتابة:
نبذة عن الصحابي عبد الله بن مسعود

من هو الصحابي عبد الله بن مسعود؟

الصَّحابي عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن فار بن مخزوم بن صاهلة وينتهي نسبه بمضر بن نزار،[١] وهو حليفٌ لبني زهرة بن كلاب، واسمه عبد الله بن مسعود الهذلي، وكان من الذين شهدوا غزوة بدر، وقد أرسله الصَّحابي عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- إلى الكوفة وزيرًا ومعلمًا لأهلها، فأقام فيها وبنى بيتًا إلى جانب مسجدها، وعاد بعد ذلك إلى المدينة في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وقد توفي سنة اثنين وثلاثين، وقد دُفن بالبقيع رضي الله عنه.[٢]


كثيرًا ما كان يُعرف باسم أمِّه، وهي أمُّ عبد بنت عبد ودٍّ بن سوي وهي من بني زهرة، ولقد كان عبد الله بن مسعود لا يخضِّب الشَّيب، وكان نحيفًا ذو بشرة سمراء اللون، وقد اتَّصف بعظم بطنه، وقد كنَّاه الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بأبي عبد الرَّحمن.[٣]


حياة الصحابي عبد الله بن مسعود

انحدر الصحابي عبد الله بن مسعود من الأسر البسيطة والفقيرة في مكة، فقد كان يعمل في رعاية أغنام عقبة بن أبي معيط، ولم يكن له عائلة تحميه فتدفع عنه الأذى أو تسانده، فقد كان مولىً لبني هذيل، ولم يرد ذكرٌ عن أبيه إنَّما قيل عنه صحابيٌّ وأمُّه صحابيَّة وهي أمُّ عبد، ولقد تعارف عنه أنَّه أول من جهر بقراءة القرآن الكريم، وقد خاف عليه أصحابه من أذى كفار قريش الذين آذوه وضربوه، وقد شهد بدرًا وقطع فيها رأس أبي جهل.[٤]


لقد عُرف بتشبهه بالنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وكان يكثر من الدُّخول على النَّبي في بيته حتَّى ظُنَّ أنَّه من أهل بيت النَّبي، وقد اشتُهر بلقب الخادم الأمين فقد قال عنه أبو الدَّرداء لرجلٍ جاء من الكوفة: "أوليسَ عندَكُمُ ابنُ أمِّ عبدٍ صاحِبُ النَّعلينِ والوسادةِ والمِطهَرةِ"،[٥] ولقد هاجر عبد الله بن مسعود إلى الحبشة، ومما اشتهر به أنَّه كان يقلل من صيام النافلة حتَّى يقوى جسده في سبيل خدمة الدِّين، وقد ضحك بعض الصَّحابة من نحافة قدميه،[٤] فشهد له النَّبي أنَّهما عند الله أثقل من جبل أحد.[٦]


إسلام عبد الله بن مسعود

لقد وردت قصة إسلام عبد الله بن مسعود عن عبد الله نفسه فقد كان راعيًا للغنم في صحراء مكة، فمرَّ به النَّبي - عليه الصَّلاة والسَّلام- ومعه صاحبه أبو بكر، فطلبا منه شربة حليب، فأجابهم بأن الغنم ليست غنمه وإنما اؤتمن عليها، فلا يستطيع التَّصرف بها، فطلب منه عليه السَّلام أن يحضر له شاةً عزباء ففعل، فمسح النَّبي على ضرعها فامتلأ بالحليب وشرب أبو بكر والنَّبي وعبد الله بن مسعود، وعندها أُعجب عبد الله بن مسعود بالنَّبي وأسلم.[٧]


ولقد كان عبد الله يحبُّ أن يُقال عنه أنَّه سادس ستة، أي أنَّه الشَّخص السَّادس الذي دخل في الإسلام، فهو إذًا من الأوائل في الإسلام، ولقد كان إسلام عبد الله قبل أن يجتمع النَّبي -عليه السَّلام- بصحابته في دار الأرقم، وحتَّى قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.[٤]


مناقب عبد الله بن مسعود

لقد اشتُهر عبد الله بن مسعود بالأمانة منذ أيام الجاهليَّة وحتَّى قبل إسلامه، وذلك حينما رفض أن يعطي النَّبي -صلى الله عليه وسلم- حليبًا ليس ملكه، ومن المناقب التي اشتهر بها أنَّه أول من جهر بقراءة القرآن الكريم عند الكعبة الشَّريفة، وكان قد صدح بسورة الرَّحمن وناله من الضَّرب والآذى الكثير، وذلك لأنَّه كان وحيدًا بلا عشيرة أو سندٍ يدافعون عنه، ولكنَّه أيقن بأنَّ الله معه.[٨]


وقد قطع الصَّحابي عبد الله بن مسعود رأس أبي جهل بعد أن ضربه ابنا عفراء، وقد كبَّر رسول الله لموته ونعته بفرعون قريش، كما أنه شهد الغزوات كلّها مع النبيّ -عليه السلام- ولقد بعثه عمر بن الخطاب وزيرًا ومعلمًا لأهل الكوفة حتَّى قيل أنَّه علَّم أكثر من أربعة آلاف طالبٍ للعلم فكان أمينًا في الجاهليَّة أمينًا في الإسلام.[٨]


عبد الله بن مسعود راويًا للحديث

كيف يُحكم على صحَّة أحاديث عبد الله بن مسعود؟


لقد عُرف الصًّحابي عبد الله بن مسعود بفقيه الأمَّة والإمام الحبر، ولقد روى عنه عددًا من الصَّحابة منهم ابن العباس وأبو هريرة وعمران بن حصين وأبو موسى، وجابر وأنس وأبو أمامة وابن عمر وغيرهم كثير من الصَّحابة، وقد اتُّفق على أربع وستين حديثًا من أحاديث عمر بن مسعود في الصَّحيحين، في حين انفرد مسلم بصحيحة بخمسٍ وثلاثين حديثًا والبخاري بأحدٍ وعشرين.[٣]


وعندما يُطلق على أحاديث عبد الله بن مسعود أحكام الصَِّحة أو الضَّعف،فهذا لا يرجع إلى التَّشكيك بعبد الله وإنَّما هو حكمٌ على الرِّجال الذين رووا عن عبد الله بن مسعود، وقد قال محمد حسين الذَّهبي أنَّ الطُّرق الصَّحيحة والسَّليمة التي وصلت منها أحاديث عبد الله هي أربع طرق، وقد كان سبب كثرة أحاديثه وعلمه بما أنزل على النَّبي ما ورد فيه: "فإنَّهُ كانَ يَسمعُ حينَ لا نَسمعُ ، ويدخلُ حينَ لا نَدخُلُ".[٩][١٠]


عبد الله بن مسعود فقيهًا ومفتيًا

من شهد لعبد الله بن مسعود بالفقه؟

لقد شهد له الصَّحابة بعلمه وفقهه، فقد بعثه عمر بن الخطاب معلمًا وفقيهًا إلى أهل الكوفة وأخبرهم أنَّه قد أراد بهم الخير وآثرهم على نفسه بإرسال عبد الله بن مسعود إليهم، وقد قال عنه صلى الله عليه وسلم: "رَضِيتُ لأُمتِي ما رضيَ لها ابنُ أُمِّ عَبدٍ"،[١١] ولقد سُئل الصَّحابي علي بن أبي طالب عن أصحاب رسول الله وعن عبد الله بن مسعود، فشهد له بأنَّه صحابيٌّ قد علم كتاب الله وسنَّة حبيبه.[١٢]


ولقد كان عبد الله بن مسعود أحد الصَّحابة الأربعة الذين أوصى بهم معاذ بن جبل وهو على فراش الموت، بأن يؤخذ العلم من عندهم، وقد قال عنه أبو موسى أنَّه حبرٌ في العلم والإفتاء بعد أن قضى في مسألةٍ بالوراثة، ولقد قال عنه الشّعبي أنَّه ما رأى أحدًا أفقه منه، ولقد أخذ عنه الكثير منهم عبيدة السلماني وشريح وعلقمة وغيرهم.[١٢]


عبد الله بن مسعود مفسرًا للقرآن الكريم

لقد بلغ عبد الله بن مسعود مبلغًا واضحًا بالثِّقة بعلمه وبتفسيره من قبل من حوله من الصَّحابة، فقد قال عبد الله بن مسعود عن نفسه: "وَالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ ما مِن كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَما مِن آيَةٍ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيما أُنْزِلَتْ، ولو أَعْلَمُ أَحَدًا هو أَعْلَمُ بكِتَابِ اللهِ مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإبِلُ، لَرَكِبْتُ إلَيْهِ"،[١٣] وبعد أن سمع هذا القول أبو وائل ذهب إلى حلقات علم الصَّحابة، فما وجد أحدًا منهم ينكر على عبد الله بن مسعود هذا الخبر.[١٤]


ولقد أخبر عن علمه في التَّفسير تلميذه مسروق والذي شهد له أنَّه كان يقرأ لهم الآية ويظلُّ في تفسيرها النَّهار بأكمله، وقد علل الصَّحابة علمه ذاك بأنَّه كان لصيقًا بالنَّبي محمد عليه السَّلام، فقد قيل: "ما أرى رجلًا أعلمَ بما أنزلَ اللَّهُ على محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مِن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ ، فقالَ أبو موسَى: إن تقل ذلِكَ ، فإنَّهُ كانَ يَسمعُ حينَ لا نَسمعُ ، ويدخلُ حينَ لا نَدخُلُ".[١٥][١٤]


مكانة الصحابي عبد الله بن مسعود عند النبي

لقد بلغ عبد الله بن مسعود مكانةً عاليةً عند رسول الله وأعطاه ثقته، حتَّى أنَّ رسول الله قال: "لو كنتُ مؤمِّرًا على أمَّتي أحدًا من غيرِ مشورةٍ منهم لأمَّرتُ عليهم ابنَ أمِّ عَبدٍ"،[١٦] ومن الروايات التي وضَّحت مكانة عبد الله بن مسعود عند رسول الله، أنَّه كان يصلي في أحد المرات في المسجد فقال عنه رسول الله سل تعط وادع تجب، وقد بشَّره الصَّحابة بهذا.[١٧]


ولقد بلغت مكانته عاليًا في قلب رسول الله حتَّى أنَّه غضب من أجله عندما ضحك الصَّحابة على نحول قدميه، فقال رسول الله: "ما تضحَكون لَرِجلِ عبدِ اللهِ أثقلُ في الميزانِ يومَ القيامةِ من أُحُدٍ".[١٨][١٧]


مكانة الصحابي عبد الله بن مسعود في التاريخ الإسلامي

ما هي أقوال أهل التاريخ بعبد الله بن مسعود؟

لقد قال عنه الذَّهبي في كتابه بأنَّه العالم الرباني، وهو خادم رسول الله الصحابي البدري، ولقد عدَّه في كتابه من كبار الصحابة المقرئين والفقهاء، وشُهد له أنَّه من الذين يشددون أثناء رواية حديث رسول الله من أجل تحري الصِّدق في الألفاظ كما وردت عن النَّبي، ولقد ورد في التَّاريخ أنَّه من أقرب النَّاس إلى النَّبي صفةً وتشبُّهًا.[١٩]


مكانة عبد الله بن مسعود عند الصحابة

هل اقتصرت شهادة الصَّحابة بعبد الله بن مسعود في حياته فقط؟

لقد نال عبد الله بن مسعود مكانةً رفيعةً بين الصَّحابة، فأبو موسى حينما سئل طلب منهم ألَّا يستفتوه أو يسألوه مدام عبد الله بن مسعود بينهم، وأُثرَ عنه أنَّه كان يسعى لمجالسة عبد الله ويقول أنَّ هذا الأمر أحبُّ إليه من أي عمل آخر،[٢٠] ولم تقتصر مكانة عبد الله في قلوب الصَّحابة وهو على قيد الحياة، فحتَّى بعد وفاته عندما جاءأبو الدَّرداء خبر وفاته قال ناعيًا إياه: "ما ترك بعده مثله".[٢١]


وصية عبد الله بن مسعود

قيل أنَّ عبد الله بن مسعود في مرضه جاء إليه عثمان يعوده، وسأله عن حاجته فقال لا حاجة لي وعندما أراد أن يطلب له الطَّبيب أجابه أنَّ الطَّبيب هو سبب علته ولا يشتهي من هذه الحياة إلا غفران ذنوبه التي يشتكيها.[٢٢]


وجاء رجل إلى عبد الله يقصُّ عليه رؤيا راودته بأنَّ النَّبي يقف على منبر وينادي لعبد الله بن مسعود، فعندما استوثق عبد الله من الرؤيا أخبره ألَّا يغادر المدينة إلَّا مصليًّا عليه، وتوفي عبد الله بن مسعود بعد بضعة أيام في المدينة عن عمرٍ يناهز السّتين، وكان ذلك سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، ودفن في البقيع رضي الله عنه.[٢٣]


واختُلف فيمن صلَّى عليه فهناك من قال أنَّ عمار بن ياسر من صلى عليه، وهناك من قال بل الزُّبير، وقد أوصى عبد الله بن مسعود إلى الزُّبير بن العوام أن يدفن ليلًا، ومما وصَّى به ألَّا تزوج بناته إلا بإذن الزبير وابنه، وهما المتصرفان بتركته، وبعد وفاته بأيام دخل الزبير بن العوام على الصَّحابي عثمان، وطلب منه عطاء عبد الله بن مسعود مخبرًا إيَّاه أنَّ أهل بيته أحقُّ بهذا العطاء.[٢٤]

المراجع

  1. الذهبي شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، صفحة 461. بتصرّف.
  2. ابن سعد، الطبقات الكبرى ط دار صادر، صفحة 13. بتصرّف.
  3. ^ أ ب الذهبي شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، صفحة 462. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، موجز دائرة المعارف الإسلامية، صفحة 269. بتصرّف.
  5. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن علقمة، الصفحة أو الرقم:4/376، صحيح على شرط الشيخين.
  6. عبد الله بن محمد الغنيمان، شرح العقيدة الواسطية للغنيمان، صفحة 14. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الألوكة 3، صفحة -. بتصرّف.
  8. ^ أ ب محمد حسان، مصابيح الهدى، صفحة 10-15. بتصرّف.
  9. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أبو مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:4/375، إسناده صحيح.
  10. عبد الجواد خلف، مدخل إلى التفسير وعلوم القرآن، صفحة 90 91. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3509، صحيح.
  12. ^ أ ب الشيرازي أبو إسحاق، طبقات الفقهاء، صفحة 43-44. بتصرّف.
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2463، صحيح.
  14. ^ أ ب عبد الجواد خلف، مدخل إلى التفسر وعلوم القرآن، صفحة 89. بتصرّف.
  15. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أبو مسعود عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم:4/375، صحيح.
  16. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:7466، صحيح.
  17. ^ أ ب ابن عساكر أبو القاسم، تاريخ دمشق لابن عساكر، صفحة 104-107. بتصرّف.
  18. رواه ابن جرير الطبري، في مسند علي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:162، إسناده صحيح.
  19. الذهبي شمس الدين، تذكرة الحفاظ طبقات الحفاظ للذهبي، صفحة 16. بتصرّف.
  20. الذهبي شمس الدين، تاريخ الإسلام ت بشار، صفحة 205. بتصرّف.
  21. محمود محمد خليل، موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله، صفحة 131. بتصرّف.
  22. أحمد الطيار، حياة السلف بين القول والعمل، صفحة 919. بتصرّف.
  23. مجموعة من المؤلفين، منتدى الألوكة 3، صفحة -. بتصرّف.
  24. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى ألوكة 3، صفحة -. بتصرّف.
5870 مشاهدة
للأعلى للسفل
×