محتويات
جيل دولوز
الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز يعدُّ واحدًا من أشهر الفلاسفة في القرن العشرين، وهو ناقد أدبي وسينمائيّ وفيلسوف فرنسي، ولد عام 1926م في باريس وفيها قضى معظم أيّام حياته، كان يهتم بشكل خاص بدراسة تاريخ الفلسفة ودراسة تأويلات نماذج فلسفية عديدة كان يعدُّها آنذاك ذات أهمية بالغة مثل فلسفة فريدريك نيتشه وإيمانويل كانت وباروخ سبينوزا وهنري برجسون، وقد شكَّلت فلسفته بالإضافة إلى فلسفة ميشال فوكو وجاك دريدا نسقًا مستقلًّا في مناهج التفكير المعاصر كان يتقاطع مع كل من الفلسفة الماركسية والبنيوية والهيجيلية، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول حياة جيل دولوز ومسيرته المهنية وفلسفته ونظرية الإبداع عنده بالإضافة إلى مؤلفاته.[١]
حياة جيل دولوز
ولدَ الفيلسوف جيل دولوز لأسرة من طبقة متوسطة الحال في العاصمة الفرنسية باريس، وخلال الحرب العالمية الثانية كان قد حصل على تعليمه الأولي، والتحقَ في هذه الفترة بالمدرسة الثانوية، وفي عام 1944م انتقل إلى جامعة السوربون، وكان عدد من مدرسيه في الجامعة من الأشخاص البارزين في الفلسفة مثل موبريس دي غانديلاك وجان هيبوليت، ويرجع لهم الفضل في اهتمام دولوز بشخصيات كنسيّة في الفلسفة المعاصرة، في عام 1956م تزوج من دينيس بول غراند جوان، وفي أحد المرات طلبَ منه أن يتحدَّث عن حياته فأجاب قائلًا: "إنَّ حياة الأكاديميين نادرًا ما تكون مثيرة للاهتمام"، واشتُهر جيل دولوز بأنَّه كان ملحدًا خلال حياته، ومنذ عمر مبكر عانى دولوز من بعض الأمراض التنفسية، ففي عام 1968م أصيب بالتدرُّن الرئوي أو السل وتعرض لعمل جراحي وإزالة الرئة، وفي الرابع من تشرين الثاني في عام 1995م ألقى دولوز بنفسه من نافذة منزله ليموت منتحرًا عن عمر يناهز السبعين عامًا، وقد دُفن في مقبرة في قرية سانت ليونار دي نوبلات.[٢]
مسيرة جيل دولوز المهنية
في عام 1948م تجاوز جيل دولوز مرحلة جمع البيانات في الفلسفة، وبدأ بالتدريس في الثانويات واستمرَّ بذلك حتى حصلَ على منصبٍ في جامعة السوربون في عام 1957م، وكان قد نشر في عام 1953م أوَّ دراسة له، بعنوان النزعة التجريبية والذاتية حول ديفيد هيوم، وفي عام 1960م شغلَ منصبًا في مركز فرنسا الوطني للبحوث العلمية وبقيَ فيه حتى عام 1964م، وفي تلك الفترة صار صديقًا لميشيل فوكو ونشر كتاب نيتشه والفلسفة، وبين عامي 1964م و1969م عمل أستاذًا في جامعة ليون، ونشر أيضًا بعض أعماله، ثمَّ انتقل إلى جامعة باريس الثامنة وعيِّن فيها عام 1969م، وكانت عبارة عن مدرسة تجريبية تمَّ تنظيمها من أجل تنفيذ الإصلاحات التعليمية، وبقيَ يدرِّس فيها حتى تقاعد في عام 1987م.[٣]
فلسفة جيل دولوز
في سياق الحديث عن حياة جيل دولوز لا بدَّ من ذكر فلسفته التي انتهجها بشكل عام، فقد كان دولوز مختلفًا في فلسفته عن كثير من الفلاسفة الذين عاصروه، حيثُ اعتبرَ دولوز أنَّ تاريخ الفلسفة لا يعدُّ قطاعًا تأمليًّا وليس نظرًا أيضًا بشكل خاص، وإنَّما هو عبارة عن فنِّ رسم الشخصيات إذا صحَّ التعبير، ولكنَّ الرسم عنده مجرد صور مفهومية عقلية، مثله مثله الرسام عندما يقوم بفعل المشابهة في فن الرسم ولكن بأدوات وأسلوب مختلفين، فإنَّ مَهمة الفيلسوف وشغله الشاغل هو العمل على إيجاد وإنشاء المفاهيم، ولكنَّه بصورة عامة لا يعلن عن المشاكل أو عن المسائل التي وضعَ تلك المفاهيم من أجلها من أجل الإجابة عنها، وفي هذا السياق يكون دور تاريخ الفلسفة في أن يقول ما لم يقله الفلاسفة من قبل وليس أن يعيد ما قيلَ سابقًا، بل يجب أن يقول ما غفل عنه الفيلسوف ولم يستطع أن يعبِّر عنه أو ما سكت عنه لكثير من الأسباب وقد يكون ذاك الشيء متخفيًّا في كلماته دون أن يفصح عنه بشكل واضح.[٤]
نظرية الإبداع عند دولوز
في نظرية الإبداع عند الفيلسوف جيل دولوز لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّه كان يعتقد أنَّ الكاتب يبحث في مَهمّات الفلسفة بالإضافة إلى مهمات الإبداع الفلسفي والأسلوب واللغة الفلسفيين، ولم يعتبر دولوز الآداب أو الفنون والجماليات علوم منفصلة أو أبحاث بعيدة عن مدارات اهتمامه، فالفلسفة الإبداعية والفنية عنده كانت تمنحُ الآداب والفنون مكانةً رفيعةَ المستوى ومقامًا عليًا مركزيًّا، وذلك لأنَّ الفلسفة بحدِّ ذاتها -وهي التي تقدم نفسها على أنها إبداع للمفاهيم- يجبُ أن تكون في موقع المراقب والناظر للعمليات الفنية المتفردة، ومن هذا الباب جاء اهتمام دولوز بكافة المجالات الإبداعية من أدب وموسيقى وسينما ورسم وغيرها، ولكنَّه أعطى الأولوية للأدب على جميع الأحوال موليًا إياه اهتمامًا بالغًا، وعلى ذلك لم تكن اللغة عنده مجرَّد أداة يستخدمها الفكر فقط، وإنَّما هي ذلك القالب الذي يقوم بتشكيل صور الفكر، لأنَ كل مجموعة أو جماعة من البشر تقوم بعملية التفكير من داخل اللغة وبواسطة اللغة وتتواصل فيما بينها باللغة، فاللغة هي التي تنظِّم تجربتها وتصنع عوالمها الخاصة وواقعها العلمي والثقافي والسياسي والاجتماعي، ولذلك كان دولوز دائمًا يدعو إلى تحرير اللغة من اللغة الكبرى، وهي اللغة الثابتة المقررة، كما رفضَ وجود سلطات على اللغة تجعلها نظامًا منغلقًا ولسانًا واحدًا لا تغير ولا تعدد فيه؛ لأنَّ اللغة المتجانسة والثابتة في تراكيبها هي لغة توثيقية بصورة نهائية لا يوجد فيها مساحات للإبداع ولا تسمح بالاختلاف، فأصلُ اللغة هو التنوع والتغير والاختلاف، ويجب ألا يكون هناك تجانس داخلها، وإنَّ جميع الأعمال التي تقوم بدراسة لسانيات اللغة لمحاولة تقنينها ومن خلال تجريد المتغيرات غير المتجانسة فيها وجعلها قليلة الحصر ضمن إطار متغير واحد ونمط ثابت، وجعلها في النهاية جملة ثوابت، عبارة عن أعمال تسعى لترويض اللغة وجعلها تدخل في مجال العلوم البحتة وهذا ما ينافي طبيعتها الإبداعية.[٥]
مؤلفات جيل دولوز
لقد تركَ الفيلسوف الفرنسي الشهير جيل دولوز عددًا من المؤلفات القيِّمة التي غدت من أهم الكتب في تاريخ الفلسفة، بالإضافة إلى الكتب والمؤلفات الكبيرة فقد ترك أيضًا عددًا من الدراسات حول السينما والأدب والفن والتحليل النفسي وغيرها، وسيتمُّ إدراج أهم مؤلفات جيل دولوز مع ذكر لمحة عن كلٍّ منها فيما يأتي:
- سبينوزا ومشكلة التعبير: من أهم كتب جيل دولوز التي يتناول فيها فلسفة واحد من كبار الفلاسفة في القرن السابع عشر وهو باروخ سبينوزا الذي ولدَ في عام 1632م وتوفي في عام 1677م، ويعدُّ سبينوزا كما وصفه بيتراند راسل أحب وأنبل الفلاسفة الكبار، وهو أعلى الفلاسفة أخلاقيًّا حتى لو تفوَّق بعضهم عليه عقليًّا، وقد كانت فلسفته قائمة على فكرة الله، ومع ذلك اتُّهم من قبل المؤمنين بالكفر، وهو مفكر منعزل ومتوحد ومكروه، وكان يتصوَّر أنَّ الفلسفة عبارة عن عملية كشف وتحرير، وفي هذا الكتاب يقدِّم دولوز تحليلًا وسبرًا لأعماق فلسفة ذلك الفيلسوف العظيم بواسطة دراسة بحثية شاملة لمصطلح التعبير عند سبينوزا وإشكالياته من خلال العلاقة مع ديكارت وليبنتز.[٦]
- الاختلاف والتكرار: في هذا الكتاب يتحدث دولوز عن مفهومي الاختلاف والتكرار، إذ يبيِّن أنَّ الاختلاف كمفهوم هو أعمق من معناه القريب أي الاختلاف بين شيئين، وأيضًا هو ليس اختلاف مفهومي وحسب، كما أنَّ مفهوم التكرار يحمل معاني أعظم من كونه تكرر شيء واحد عدة مرات، فالعناصر والأشياء تفرض بذاتها تكرارًا عميقًا إيقاعيًّا، وفي هذا الفضاء يدور هذا الكتاب بشكل مختلف عن المعاني المألوفة للمفاهيم.[٧]
- الصورة - الزمن: لقد دخل جيل دولوز عوالم السينما من خلال بوابة الفكر وخصوصًا في كتابيه الصورة -الزمن والصورة- الحركة، وهذا الكتاب هو الكتاب الثاني من تلك السلسلة، إذ يقدِّم فيهما دولوز تجربة مختلفة في عالم الفن والسينما، وتمثِّل هذه التجرية تجربة فيلسوف تحوَّل من مشاهد للسينما فقط، ثمَّ انتقل إلى مفكر وناقد سنمائي في النهاية.[٨]
- سياسات الرغبة: انطلق دولوز في كتاب سياسة الرغبة من قاعدة أساسية تنصُّ على أنَّ النظام الرأسمالي قد أصبح حقيقة فاضحة وقاتمة، حقيقة ولَّدت الاستلاب والاغتراب في مجتمعات يتحكم بها الربح والمردودية والإنتاجية، وهي حقيقة قامت بفضل الإنتاج عن الرغبة، وقد علمت الرأسمالية أنَّ الرغبة مصدر تهديد للإنتاج، فحاصرتها ومنعت الخوض فيها إلا عند الأطباء النفسيين، أمَّا خارج ذلك فهو للعمل فقط.[٩]
- التجريبية والذاتية - بحث في الطبيعة البشرية: يعدُّ هذا الكتاب من أهم الأبحاث التي قام بها دولوز، وقد استندَ في بحثه إلى التجريبية وإلى الذاتية الإنسانية، وبناءً على ما وردَ من مفاهيم في الفلسفة حول مشاكل الأخلاق والمعرفة عند هيوم، وفي عالم القواعد العامة والثقافة، ومقدرة الخيال في المعرفة والأخلاق، وفي العالَم وفي الله، وفي الغائية ومبادئ الطبيعة البشريّة وغيرها.[١٠]
المراجع
- ↑ "جيل دلوز"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "جيل دولوز"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "جيل دولوز"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "المفهوم الفلسفي عند جيل دولوز"، www.dohainstitute.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "المفهوم الفلسفي عند جيل دولوز"، www.dohainstitute.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "سبينوزا ومشكلة التعبير"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "الاختلاف والتكرار"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "الصورة - الزمن"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "سياسات الرغبة"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "التجريبية والذاتية - بحث في الطبيعة البشرية"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.