نبذة عن حياة السهروردي

كتابة:
نبذة عن حياة السهروردي

من هو السهروردي؟

السهروردي؛ هو فيلسوف عربي صوفي وطبيب، واسمه شهاب الدين أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميَركا "الأمير الصغير" السهروردي، وُلد في عام 549هـ الموافق 1154م، وتُوفي في عام 587هـ الموافق 1191م، يَبدو أن نهايته كانت القتل بسبب ما كان يُصرح به من آراء عُدت في ذلك الوقت أنَّها جريئة مخالفة لبعض أصول الدين لذلك أصبح يُلقّب بالمقتول.[١]

يَبدو أنَّه قد شاع لقب السهروردي في عهده ولتميّز أبي الفتوح بن يحيى عن غيره ممن حملوا ذات اللّقب وهم اثنان من الشيوخ الأجلاء فيما يأتي:[١]

  • أبو النجيب السهروردي

عبد القاهر بن عبد الله البكري، الذي وُلد 490هـ وتُوفي في 563هـ، ومن مؤلفاته: أدب المريد في التصوف والأخلاق.

  • شهاب الدين عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي

تُنسب إليه منطقة الشيخ عمر في بغداد، ومن مؤلفاته: كتاب عوارف المعارف، ورشف النصائح الإيمانية وكشف الفضائح اليونانية.

تَجدر الإشارة إلى أنّ نَسب أبي الفتوح بن يحيى يَعود بالأصل إلى بلدة سهرورد، وهي من البلاد الواقعة شمال غرب إيران وإليها يَعود نَسب الشيخين السالف ذكرهما، ويَبدو أنّ أبا الفتوح بن يحيى كان قد غادر بلدته متجها إلى حلب في بلاد الشام وهناك تم قتله.[١]

حصل أبو الفتوح بن يحيى على تَعليم جيد منذ الصغر فقد درس على يد أكفأ الأساتذة في عصره، ممن لهم تاريخ طويل في الفلسفة والموضوعات العقلية، ومنهم الشيخ مجد الدين الجبلي، ويَبدو أنّه سافر إلى أصفهان وتَعمق كثيراً في دراسة الطب من ثُم غادرها إلى ديار بكرٍ ومنها إلى دمشق فحلب.[٢]

 كيف كانت حياة السهروردي؟

يبدو أنّ حياة السهروردي لم تكن حياةً مترفةً سهلةً، بل على العكس من ذلك عاش حياةً قاسيةً زَهِد فيها بالكثير من المُتع الشخصية ويَبدو أنّ أول ما كان زاهداً فيه هو الزواج والارتباط حيث عاش أعزباً ومات وهو كذلك، كما أنّه كان قليل العناية بالمأكل والملبس، ويَبدو أنّ هذا كان بسبب رغبته الجامحة في التصوف والتأمل وتَكريس جُلّ وقته في القراءة والتصنيف.[٣]

كما انشغل كثيراً عن كل ما هو مادي وشخصي في هذه الحياة، فيصفه البعض أنّه كان معتدل القامة أحمر اللون يُسافر كثيراً ماشياً على قدميه، كما أنّ البعض وصفه بأنّه كان غالباً رثَّ الثياب وسخ المنظر لا يُغسل له ثوب ولا يد ولا جسم، ولا يُقص له ظُفر ولا يُحلق له شعر، كما أنّ القمل يتناثر من على رأسه ووجهه وثيابه.[٣]

يَبدو أنّه كان يُعلل ذلك المنظر لمن كان يَنصحه بالاهتمام بنظافته بقوله: "ما حييت لغسل الثياب، لي شغل أهم من ذلك"،[٣] وقد كان السهروردي أديباً ولغوياً فقد كانت له الكثير من جوامع الكلام النثري الفلسفي الصوفي منها قوله: "لا تتكلم قبل الفكر، كرر مراراً ثم قُل فإنّ كنت بنطقك صائراً من الصالحين فيوشك أنّ تَصير بالصمت ملكاً من المقربين".[٤]

كما كان شاعراً مميزاً، شِعره واضح المعاني سهل الألفاظ وإنّ كانت جميع أشعاره تصب في بحر الروحانيات والتطلع إلى القيم والمثل العليا في حياة البشر ومنها قوله: [٥]

إليك إشارتي وأنت الذي أهوى

وأنت حديثي بين أهل الهوى يروى

 ما هو المذهب الفكري للسهروردي؟

قام المذهب الفكري الفلسفي للسهروردي على مبدأ الفلسفة الإشراقية "حكمة الإشراق"، إذ كان يَرى في علم الأضواء المكون الأساس للواقع المادي وهو عبارة عن النور النقي غير المادي، والذي يَمتاز بنقاوة الوضوح بحيث يَنكشف بطريقةٍ انبعاثية تَأتي من خلال ترتيب تَنازلي لمختلف الأضواء التي تبدأ بالتضاؤل بسبب شدتها.[٦]

كما بسبب تَفاعلات معقدة تُؤدي بِدوها إلى ظهور ما يُعرف بالمصفوفات الأُفقية من الأضواء وهي التي تَحكم الواقع الدنيوي، كما طَور السهروردي فكرة العالم الوسيط (الخيالي المستقل) والذي أسماه بعالم المثل، وقد اختار أن يَصف الأضواء الأفقية بالملائكة.[٦]

يَرى السهروردي أنّ الأضواء جميعها تَرتبط مع بعضها البعض بتماسك فتُعطي تَفسيراً منطقياً لبعض ما يَشعر به الإنسان من فرح عندما يَرى نور الشمس أو بالخوف عندما يَحل الظلام، أو بالسعادة والبهجة عندما تَرى العين بعض المعادن مثل: الذهب والألماس.[٦]

عليه فإنَّ الفلسفة الإشراقية التي إعادة إحيائها السهروردي ما هي إلا طريقة للوصول إلى الحقائق بالكشف عنها وليس باستخدام العقل، ولعل خير مثال على ذلك أنّ كلمة الإشراق تأتي في المقام الأول من شُروق أنوار الحقيقة في ذهن الشخص الحكيم.[٧]

 ما هي قصة مقتل السهروردي؟

قُتل الفيلسوف شهاب الدين أبو الفتوح يحيى في مدينة حلب بعد أن صَدر أَمر الملك الظاهر بضرورة التخلص منه وقتله، حيث أفتى الفقهاء بإباحة دمه بسبب ما ظَهر منه من سُوء القول وكان حينها شهاب الدين قد بَلَغ الثامنة والثلاثين من العمر.[٨]

كما أمر القاضي عبد الرحيم بن علي السعدي بإعدامه خنقاً، في حين رأى البعض أنَّه تم تَخييره بين طُرقٍ مُعينةٍ في الموت فاختار أن يَموت بطريقة الجوع، وهو أن يُترك في مكان يُمنع عنه الطعام والشراب فيه حتى يَلقى الله تعالى، وبالفعل يَبدو أنَّ نهايته كانت بهذه الطريقة في أواخر شهر ذي الحجة عام 587هـ.[٨]

 أبرز مؤلفات السهروردي

تَرك الفيلسوف العربي شهاب الدين أبو الفتوح يحيى العديد من المؤلفات منها 50 مؤلفاً باللغة العربية و23 مصنفاً باللغة الفارسية،[٩] وهي على النحو الآتي:

المؤلفات العربية

من أهم المؤلفات العربية التي كتبها وألفها السهروردي، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • كتاب التلويحات اللوحية والعرشية.
  • كتاب الألواح العمادية.
  • كتاب اللحمة.
  • كتاب المقاومات.
  • هياكل النور.
  • كتاب المعارج.
  • كتاب المطارحات.
  • كتاب حكمة الإشراق.

المؤلفات الفارسية

أما عن أهم المؤلفات باللغة الفارسية ذكرها فيما يأتي:[٩]

  • رسالة الألواح الفارسية
  • كتاب بُستان القلوب
  • كتاب الشُعاع
  • رسالة الدرجات
  • كتاب دَعوات الكواكب وتَسبيحات الهياكل
  • كتاب جماعة من الصوفية
  • كتاب شرح الإشارات لابن سينا
  • رسالة الدرجات

 أشهر قصائد السهروردي

هنالك الكثير من القصائد التي نظمها الشيخ شهاب الدين أبو الفتوح يحيى السهروردي، ومنها القصائد الآتية:

قصيدة: أبدًا تحن إليكم الأرواح للشيخ السهروردي:

أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ

وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ

وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم

وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ

وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا

سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ

بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم

وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ

وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم

عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ

أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ

بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ

خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم

لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ

وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ

فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ

فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ

وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ

عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى

فَالهَجرُ لَيلٌ وَالوصالُ صَباحُ

صافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم

في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ

وَتَمَتّعوا فَالوَقتُ طابَ لِقُربِكُم

راقَ الشّراب وَرَقّتِ الأَقداحُ

يا صاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ

إِن لاحَ في أُفق الوِصالِ صَباحُ

لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إِن غَلَبَ الهَوى

كِتمانَهُم فَنما الغَرامُ فَباحوا

سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها

لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ

وَدعاهُمُ داعي الحَقائقِ دَعوة

فَغَدوا بِها مُستَأنسين وَراحوا

رَكِبوا عَلى سنَنِ الوَفا وَدُموعهُم

بَحرٌ وَشِدّة شَوقهم مَلّاحُ

وَاللَّهِ ما طَلَبوا الوُقوفَ بِبابِهِ

حَتّى دعوا فَأَتاهُم المفتاحُ

لا يَطربونَ بِغَيرِ ذِكر حَبيبِهم

أَبَداً فَكُلُّ زَمانِهم أَفراحُ

حَضَروا وَقَد غابَت شَواهِدُ ذاتِهم

فَتَهَتّكوا لَمّا رَأوه وَصاحوا

أَفناهُم عَنهُم وَقَد كشفَت لَهُم

حجبُ البقا فَتَلاشتِ الأَرواحُ

فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم

إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ[١١]

قصيدة: أيها السائق يبغي دار مي للشيخ السهروردي:

أَيُّها السائِقُ يَبغي دارَ مي

وَعريباً دونَ ذيّاك اللّوي

هَذِهِ الباناتُ باناتُ الحِمى

حَيّها يا مَيّت الأَشواقِ حي

وَاِطوِ ذِكرَ البانِ في ظلِّ النّقا

بَينَ سَفحِ السَّفحِ مِن سلعٍ وَطي

وَإِذا الحُسن بَدا فَاِسجُد لَهُ

فَسُجودُ الشُّكرِ فَرضٌ يا أَخي

هَذِهِ أَنوارُ لَيلى قَد بَدَت

فَلِسَلبِ العَقلِ يا صاحي نهي

فَالفَتى ما سَلبته جُملة

لا الَّذي تَسلبه شَيئاً فتي

كُلُّ حَيٍّ في هَواها مَيّت

إِنَّما ميتُ هَواها ذاكَ حي[١٢]

قصيدة قف على المنزل واسأل طلله للشيخ السهروردي:

قِف عَلى المَنزل وَاسأَل طَلَلَه

مَن بِهِ بَعدَهُم قَد نَزَله

وَلِماذا رَحَل السُكّان عَن

سَكَنٍ كانوا بِهِ عَن عَجَله

طالَ شَوقي فَابكِ إِن شِئتَ مَعي

وَاِندُبِ الرّبعَ وَكَلّم طَلله

خَلِّني يا صاحِ عَن عَذلِكَ لي

قَد عَصى قَلبي عَلى مَن عَذَلَه

لا تَزده فَوقَ ما حَلَّ بِهِ

فَبِقَلبي شاغلٌ قَد شَغَلَه

لَستُ أَنسى ساعَة البَينِ وَقَد

ثَوّر المَحبوبُ فيها جُملَه

أَودَّع القَلب وَقَد وَدَّعني

نارَ وَجدٍ لَم تَزَل مُشتَعِلَه

حَرّمَ الوَصلَ عَلى عاشِقِهِ

فَهوَ يَدري أَنَّهُ قَد قَتَلَه

أَيُّها القَلبُ المُعنّى هَكَذا

تطلب الحُبَّ وَتَهوى مَلَلَه[١٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت كامل مصطفى الشيبي، ديوان السهروردي المقتول، صفحة 4. بتصرّف.
  2. كامل مصطفى الشيبي، ديوان السهروردي المقتول، صفحة 5. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت كامل مصطفى الشيبي، ديوان السهروردي المقتول، صفحة 8. بتصرّف.
  4. كامل مصطفى الشيبي، ديوان السهروردي المقتول، صفحة 11. بتصرّف.
  5. كامل مصطفى الشيبي، ديوان السهروردي المقتول، صفحة 12_13. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت "al-Suhrawardi, Shihab al-Din Yahya (1154-91)", muslimphilosophy, Retrieved 24/11/2021. Edited.
  7. "صفحات من تاريخ التنوير(5)"، الحوار المتمدن، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب كامل مصطفى الشيبي، ديوان السهروردي المقتول، صفحة 7. بتصرّف.
  9. ^ أ ب كامل مصطفى الشيبي، ديوان السهروردي المقتول، صفحة 43-52. بتصرّف.
  10. " شهاب الدين السهروردي"، الحكواتي، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
  11. " أبدا تحن إليكم الأرواح"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
  12. "أيها السائق يبغي دار مي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
  13. "قف على المنزل واسأل طلله"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
4962 مشاهدة
للأعلى للسفل
×