محتويات
تعريف برواية أولاد حارتنا
لماذا لم يتمّ نشر رواية أولاد حارتنا في مصر كاملة؟
تعدُّ رواية أولاد حارتنا واحدة من أهم مؤلفات الكاتب والروائي المصري الشهير نجيب محفوظ والحائز على جائزة نوبل في الآداب عام 1988م، نشرت الرواية لأول مرة في عام 1950م على شكل سلسلة من الحلقات في جريدة الأهرام المصرية ولكنَّ حلقاتها تلك لم تكتمل، إذ لاقت ردود فعل قوية وعنيفة ومُنِعت من إكمال حلقاتها في الجريدة، كما منِعت من النشر في جمهورية مصر بشكل كامل، وبقيت كذلك حتى نشرت كاملة في عام 1967م في بيروت، وقد تمَّ التنويه بها عندما منِح نجيب محفوظ جائزة نوبل إذ كانت من أربع روايات استحقَّت الجائزة.[١]
لقراءة المزيد عن نجيب محفوظ، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: بحث عن نجيب محفوظ.
أشارت اللجنة إلى أنَّ الرواية تُعالج بحث الإنسان الأزلي عن القيم الروحية إذ قالت عنها: "وموضوع الرواية غير العادية "أولاد حارتنا" 1959م هو البحث الأزلي للإنسان عن القِيَم الروحية، فآدم وحواء وموسى وعيسى ومحمد، بالإضافة إلى العالم المحدث يظهرون في تخفٍّ طفيف"[٢]، وفيما بعد رفض نجيب محفوظ نشرها في مصر لأنَّه قطع وعدًا لمندوب الرئيس جمال عبد الناصر السيد كمال أبو المجد بعدم نشرها في مصر، وأصر على أن يفي بذلك الوعد[١]، وقد ترجمت الرواية إلى العديد من اللغات العالمية منها الإنجليزية والفرنسية[٣]، وهي من الروايات الضخمة إذ إنّها تبلغ 600 صفحة.[٤]
موضوع رواية أولاد حارتنا
كيف كانت نهاية الجبلاوي الذي اتَّصف بالقدسية والأزلية والعظمة؟
تدور قصة رواية أولاد حارتنا حول حارة صغيرة من حارات القاهرة في صحراء المقطم يمتلكها شخص ذو هيبة وعظمة ويتصِّف بصفات القداسة والأزلية يدعى الجبلاوي، يمتلك الجبلاوي بيتًا كبيرًا ومنه ينطلق أبناؤه إلى تلك الحارة حتى يحكموها وينظموها، فعندما شعر أنَّه يجب عليه الخلود إلى الراحة قرّر أن يكلِّف أحد أبنائه بتولِّي أمور الوقف في الحارة، وكان أحد أبنائه أدهم من الصغار والمدللين، فقد ولدَ من امرأة سمراء وفضّله على بقية أبنائه، ما تسبَّب في تمرُّد إبنه إدريس لرفضه ذلك التفضيل عليه فطَرده من البيت الكبير، ولكنَّ إدريس بقيَ يحاول الإيقاع بأدهم حتى تسبب بطرده من البيت بعد أن يخالف أوامر الجبلاوي بتحريض من أخيه إدريس.[٢].
لتبدأ عند ذلك رحلة الخروج من البيت الكبير إلى الحارة، وفقدان النعيم الذي كان أدهم يعيش فيه في بيت والده، ويبدأ الصراع بين الخير والشر أو بين الإنسان والشيطان، فيقتل أحد أبناء أدهم أخاه، ومع مرور الأيام وبعد أن يموت أدهم يخالف أبناؤه الوصايا التي كتبها لهم الجبلاوي على اعتباره مالك الحارة والجد الأكبر لهم، ويتيه أبناؤهم في الحارة ويشكلون ثلاثة أحياء كبيرة ويخرج من كل حيِّ وعلى سنوات متباعدة بطل بأمر من الجبلاوي نفسه رغبةً منه في إعادة الأمور إلى نصابها وحتى يحارب الفتوات أو العصابات التي تعيث فسادًا وظلمًا في الحارة.[٢]
تظلُّ الأمور على حالها حتى يظهر البطل الأول جبل من قوم آل حمدان، الذين كانوا مضطهدين من الناظر، فيقوم بقتل أبنائهم، لكنَّ أمَّ جبل تخفيه في حفرة مياه فتجد زوجة الناظر وتعجب به وتربيه في بيتها إلى أن يكتشف الناظر أمره، ثمَّ يبدأ بالدعوة ضد الناظر مؤكدًا أنَّ الجبلاوي كلَّفه بتولي أمور الحارة بعد أن خاطبه من وراء سور البيت الكبير بينما كان يسير إلى جانب السور، فيقوم بالقضاء على الناظر وعصابته وتخليص قومه آل حمدان من ظلمهم، ويعيد العدل إلى الحارة، لكن لا يلبث أن يموت فيرجع الناس إلى سالف عهدهم من صراع وفقر وفساد وظلم وتخبُّط، وينقطع الجبلاوي عن أبنائه في الحارة، ما يثير حنق البعض عليه.[٢]
بعد ذلك يظهر رفاعة الذي يكلفه الجبلاوي مرة أخرى بإصلاح الحارة وتولي أمورها، وهو من حي آخر، ولكن عندما يرى المفسدون والفتوات اجتماع الناس حوله يقررون قتله، وبعد أن يقتلوه يرفعه الجبلاوي إليه ويعيده إلى البيت الكبير ويدفنه في حديقة البيت ما يضفي عليه نوعًا من القداسة، عاش آل جبل وآل رفاعة بسلام وظهر بينهم حي الجرابيع وهو حي مهمَّش بتعرَّض للظلم من الفتوات، ويظهر فيه شخص اسمه قاسم يتيم الأبوين ويعمل في رعي الأغنام عند امرأة من الحارة، يميل إلى العزلة وحب الخلاء ويكلفه الجبلاوي مرة أخرى بالقضاء على الفتوات.[٢]
يستطيع قاسم أن يوحد أبناء الحي ثمَّ يسيطر على الحارة، ويرسي مفاهيم الخير والحق، وبعد أن يموت يخلفه صادق لكنَّ جماعة يميلون لأن يكون حسن هو خليفة قاسم، فتبدأ الخلافات وصراع مرة أخرى، وأخيرًا يظهر عرفة غريبًا عن الحارة وهو عالم يجري التجارب والاختبارات العجيبة، لم يكن يؤمن بالجبلاوي ولا يصدق قصصه وقصص أبنائه وهذه الشخصية تمثِّل العلم في العصر الحديث، ولكنَّه كان يحنق على الجبلاوي فتسلل إليه وقتله في بيته، وتنتهي الرواية بموت الجبلاوي وسيادة عرفة على الحارة من بعده، وانتهاء أسطورة الجبلاوي في نفوس أهل الحارة وتعظيمهم لعرفة رغم معرفتهم أنَّه قتل الجبلاوي، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ العلم قادر على انتزاع مفهوم الدين من قلوب البشر.[٢]
بماذا تأثر محفوظ في كتابة رواية أولاد حارتنا؟
يبدو واضحًا جليًّا أنَّ نجيب محفوظ قد كتب رواية أولاد حارتنا اعتمادًا على قصة الخلق حسب ما وردت في الكتب السماوية وما تبعها من أحداث، وكان متأثرًا بشكل كبير بقصص الأنبياء عليهم السلام، فقد أشار كثيرون إلى أنَّ البيت الكبير هو السماء والحارة هي الأرض، والجبلاوي يمثِّل في صفاته شخصية الإله العظيم، وأدهم يرمز للنبيِّ آدم -عليه السلام- والذي خلقه الله تعالى من طين وفضله على الملائكة، وإدريس الذي هو إبليس في قصة الخلق يرفض تفضيل أخيه عليه فيُطرد من البيت في تطابق كبير يين القصتين، وكذلك خروج أدهم من البيت الكبير يعبِّر عن خروج آدم من الجنة بعد أن وسوس له إبليس كما فعل إدريس وحرض أدهم على مخالفة أوامر الجبلاوي.[٥]
أمَّا الأحياء الثلاثة التي نشأت في الحارة فهي أصحاب الديانات السماوية الثلاث، وجبل هو موسى -عليه السلام- الذي خاطبه الله عند جبل الطور، ورفاعة هو عيسى -عليه السلام- والذي رفعه الله إليه كما فعل الجبلاوي وأعاد رفاعة إليه في البيت الكبير، وأمَّا قاسم فهو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- حيثُ يتشابه معه في صفات كثيرة، منها أنَّه يعمل في رعي الأغنام عند امرأة من الحارة وتزوج نساء كثيرات، وأمَّا عرفة فهو العلم الذي استطاع في النهاية أن يشغل الناس ويقنعهم بانتهاء دور الأسطورة التي كان أهل الحارة يؤمنون بها، وقد فسر البعض أنَّ ذلك في إشارة إلى انتصار العلم أخيرًا.[٢]
الجدل حول رواية أولاد حارتنا
ما هو السبب وراء تعرُّض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال؟
منذ بداية نشر رواية أولاد حارتنا على شكل حلقات لاقت ردود فعل عنيفة وقوية، فقد أدَّى تناول محفوظ للمواضيع الوجودية الكبيرة إلى توظيف قصة الخلق وقصص الأنبياء للتعبير عن الظلم الذي يلحق بالبشر على مرِّ العصور، فقد كتبها بأسلوب رمزي يختلف عن أسلوبه الواقعي الذي كان يعتمد سابقًا، حتَّى أنَّه وصف الرواية بقوله: "فهي لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت في أعمالي قبلها، بل هي أقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة"[٦]، غير أنَّ كثيرين اعتبروا ذلك تناول للذات الإلهية إذ يشير فيه إلى ظلم إلهي يلحق بالضعفاء والتعساء من البشر، وفيه استهزاء بالأنبياء والملائكة وبقصصهم التي وردت في القرآن الكريم، لذلك تمَّ تكفيره محفوظ واتُّهم بالإلحاد والزندقة بسببها.[٧]
رغم أنَّ محفوظ استوحى قصص الأنبياء، لكنَّه أشار إلى أنَّه لم يكن الهدف عرض حياة الأنبياء في رواية، وإنما الغاية توظيف تلك القصص في تصوير تطلُّع البشر والإنسانية إلى القيم العليا من سعادة وعدل وحق وهي القيم التي كان يسعى إليها الأنبياء جميعهم[٨]، لكن ذلك لم يمنع من أن يتلقَّى تهديدات كثيرة بالقتل ومن مهاجمة شيوخ الأزهر له وتكفيره[٩]، لكن الأزمة انتهت في تلك الفترة واشتعلت بعد حصول الكاتب على جائزة نوبل،[١٠]، إلى أن تعرَّض بسبب ذلك لمحاولة اغتيال عندما طعن في عنقه من قبل شابين عام 1994م، لاعتقادهما بأنّه كافر يجب قتله، لكنَّه نجا من تلك المحاولة، وبقي الجدل دائرًا حول الرواية.[٨]
هل وظفت الرواية في عمل درامي؟
لم يتم توظيف رواية أولاد حارتنا في الدراما بشكل كبير، ربَّما بسبب حساسية الموضوع الذي تتناوله ولأنَّ أحداثها مستوحاة من قصص الأنبياء[١]، إلا أنَّه تمَّ تحويل الرواية إلى مسلسل إذاعي على شكل حلقات، أخرجه حسين أبو المكارم وكتبه للإذاعة عبد الرحمن شوقي، وشارك فيه نحبة من الممثلين المصريين أهمهم: على غندور ومحمد رضا وتوفيق الدقن وغيرهم.[١١]
اقتباسات من رواية أولاد حارتنا
تناول نجيب محفوظ في روايته قضايا كونية كبرى بجرأة كبيرة، ولا بدَّ للاقتراب من أسلوبه أكثر أن يتمَّ المرور على ما وردَ في هذه الرواية المثيرة للجدل من كلمات وعبارات معبرة، وفيما يأتي بعض مما جاء في نص الرواية:[١٢]
- لم أعد إنسانًا، فالحيوان وحده هو الذي لا يهمه إلا الغذاء.
- غموس اللقمة في حارتنا الهوان، لا يدري أحد متى يجيء دوره ليهوي النبوت على هامته.
- وعاد إلى حارته مجبور الخاطر، وما أحلى العودة بعد الاغتراب.
- الموت الذي يقتل الحياة بالخوف حتى قبل أن يجيء، لو رُدَّ إلى الحياة لصاح بكل رجل: لا تخف! الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة، ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة ما دمتم تخافون الموت.
- ودخلت تمر حنة بأقداح الشاي فحيَّت جبل تحية حارة، وأثنت على زوجه، وتنبأت له بأنه سينجب ذكرًا، ولكنها قالت مستدركة: لم يعد من فارق بين رجالنا ونسائنا.
- وحوَّل رأسه إلى النافذة فخيِّل إليه أن سكان ذلك النجم اللامع سعداء لبعدهم عن هذا البيت.
- ليس أخطر من امرأة وحيدة.
- القوة عند الضرورة والحب في جميع الأحوال.
المراجع
- ^ أ ب ت "كتاب أولاد حارتنا"، مكتبة نور، اطّلع عليه بتاريخ 12/02/2021م. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ "رواية أولاد حارتنا في ميزان التصور الإسلامي"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 12/02/2021م. بتصرّف.
- ↑ رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، صفحة 154. بتصرّف.
- ↑ "أولاد حارتنا"، غود ريدز، اطّلع عليه بتاريخ 12/02/2021م. بتصرّف.
- ↑ جورج طرابيشي، الله في رحلة نجيب محفوظ، صفحة 8-10. بتصرّف.
- ↑ رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، صفحة 152. بتصرّف.
- ↑ محمد إسماعيل المقدم، كتاب عودة الحجاب، صفحة 144. بتصرّف.
- ^ أ ب رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، صفحة 156. بتصرّف.
- ↑ رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، صفحة 153-154. بتصرّف.
- ↑ رجاء النقاش ، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، صفحة 154. بتصرّف.
- ↑ "مسلسل إذاعي أولاد حارتنا"، السينما، اطّلع عليه بتاريخ 12/02/2021م. بتصرّف.
- ↑ "أولاد حارتنا"، أبجد، اطّلع عليه بتاريخ 09-12-2019م.