محتويات
الطاهر بن جلون
يَعودُ الطّاهر بن جلون إلى أصلٍ مغربيّ في مولدِهِ ونسبه، أمّا من ناحية الانتساب الأدبيّ فهو فرنسي؛ إذ إنّه كان يكتب الشعر والرواية والقصّة باللغة الفرنسية، وهو من مواليد مدينة فاس عام 1944 للميلاد، ثمّ انتقلَ مع عائلته إلى طنجة، والتحق بمدرسة فرنسية، وقد تمّ اعتقالُه بسبب مشاركته في مظاهراتٍ طلابيّة، وبعدها ترك الاهتمام السياسيّ والحراك السياسي وانشغل بالكتابة والتأليف والأدب، أمّا عن حياته العملية فقد درّس الفلسفة في الرباط، وبعد أن عزمت الحكومة المغربية على تعريب الفلسلفة انتقل إلى فرنسا وحصل على شهادة عُليا في علم النفس، وبدأت رحلته الحقيقية مع الكتابة بعد انتقاله إلى باريس، وبدأ بنشر الشعر والرواية في مجلة لوموند، له مؤلفات عدّة مثل رواية موحي الأحمق، موحي العاقل عام 1981 للميلاد، ورواية صلاة الغائب عام 1981 للميلاد، ورواية ليلة القدر التي نال عليها جائزة الكونكور، وروايته تلك العتمة الباهرة عام 2001 للميلاد، ولعلّها من الروايات التي أثارت جدلًا كثيرًا حول مضمونِها السياسيّ.[١]
وصف رواية تلك العتمة الباهرة
أصدر الطاهر بن جلون روايته تلك العتمة الباهرة باللغة الفرنسية عام ألفين وواحِد للميلاد، وحصل من خلالها على جائزة إمباك للأدب، ويمكن القول إنّ هذه الرواية من أشهر روايات أدب السجون وأكثرها رواجًا وانتشارًا في الأدب العربي بعد ترجمتها، وقد استندت رواية تلك لعتمة الباهرة في سرد أحداثها على وقائع حقيقية واقعية كانت قد حصلت في سجن تزمامرت الموجود في المغرب، ولعلّ هذا السّجن من المعتقلات السريّة في المغرب، وقد اعتمدت الرواية على تصريحات من المعتقل السابق عزيز بنبين في تصويرها للأحداث والوقائع، ولم تكن الرواية عن هذا السجين فقط، بل كانت تدور أيضًا حول ثلاثٍ وعشرينَ سجينًا كانوا معه في المعتقل واتُهموا كلهم بتهمة واحدة وهي المشاركة في الانقلاب على حسن الثاني ملك المغرب في فترة السبعينات، وفي هذا الرواية أبدع الكاتب في وصف المعتقل أو السجن الذي كان فيه المعتقلون وبين للقارئ الوضع المزري والسيّئ الذي كان يعيشه السجناء، وما ساعده في ذلك الإبداع هو اعتمادُه على شهادات وتصريحات من معتقَل عاش تفاصيل السجن وما فيه من تعذيب وإهانة وأذى وضغط نفسي كبير، وما يثبت واقعية الرواية أن منظمة حقوق الإنسان كانت قد ضغطت على الحكومة المغربية لتفرج عن المعتقلين، وبعد الإنكار من الحكومة لفترة، تم الخضوع والإفراج عمّن تبقى منهم ومن بينهم عزيز بينين.[٢]
وممّا يجدر ذكره أن الاتهام الذي قد وُجه للسجناء العسكريين الثلاثة والعشرين ولعزيز بينين كان باطلًا، وذلك لأن ذهابهم إلى قصر الصخيرات الملكي كان بناء على معلومة وردت، وهي المشاركة في مناورة عسكرية ليس إلّا، إضافةً إلى أن عزيز بينين لم يطلق ولا رصاصة واحدة؛ وذلك احترامًا للعلاقة التي تربط والده بملك المغرب، ولأنّه كان مصدومًا بما يحصل ولا يستطيع استيعاب الموقف، ولا سيّما ما رآه من منظر الجثث من حوله، وكان يفكر في أنّه لو استطاع أن يقتل فمن سيقتل الملك أم أباه الذي طلق والدته وأهمله وتخلّى عنه في أحلك الظروف، ومع موقفه هذا إلا أن والده تبرأ منه ولم يسعَ لإطلاق سراحه أو إخراجه من المعتقل، وتودد إلى الملك كي لا يعاقبه بما فعل ابنه، فقد ظُلم عزيز بينين من الحياة ومن والده دون أن يرتكب أيّ ذنب، إلّا أنّه سمع الأوامر العسكرية والتزم بها.[٣]
تلخيص رواية تلك العتمة الباهرة
اعتمد الطاهر بن جلون في روايته تلك العتمة الباهرة على رواية تفاصيل الأحداث التي جَرَت مع المعتقلين في السّجن، ولذلك سردت الرواية الأحداث بالتسلسل من لحظة الدخول إلى السجن وحتى لحظة الخروج منه، وملخص هذه الأحداث هو: [٤]
دخول السجن
أُلقِي القبض على المتّهمين بتنفيذ الانقلاب ضدّ ملك المغرب وأُخذوا إلى إحدى السجون، وبعدها تم نقلهم إلى معتقل تازمامارت، وهو حسب الوصف سجن مدفون تحت الرّمال في الصحراء الشرقية للمغرب، وفي إحدى أجنحته وضع المعتقلون كل واحد في زنزانة مساحتها متر ونصف في العرض وثلاثة أمتار في الارتفاع، وفي هذه الزنزانة يعيش السجين كل تفاصيل حياته من أكل وقضاء حاجة ولا يرى النور ولا الضوء إلا عندما يخرجونه ليدفنوا من مات من المعتقلين، ولا يُسمع إلا صوت الحشرات والعقارب التي تتسلق الجدران العفنة الرطبة المظلمة.[٣]
العقارب والبرد
إنّ موقع المعتقل الموجود على منحدر جبل الأطلس المرتفع، هو ما يسبّب نزول البرد القارس بالمعتقلين، والذي يدفعهم لعدم النوم وممارسة حركات تساعدهم في تسخين جسدهم حتى لا يموتوا من التجمّد في المعتقل، أمّا عن العقارب فقد كانت تلسعُهم وتدخل جوفهم، وذلك بسبب مكيدة السجانين لهم، ولكن عزيز بينين وجد الحل ليتخلّص من هذه المكيدة، وكان في كلّ مرة يشعر فيها بوجود العقارب ودخولها في جوفه يضع إصبعه في جوفه كي يتقيّأ ويتخلص من هذه العقارب السامّة.[٣]
المرض
أصيب الراوي بإبهامِهِ الأيسر وتسبّبت الإصابة بخُروج القيح الكثير من إصبعه، إلّا أنّه حاول أن يصرف اهتمامه عن الألم بأمور أخرى مستعملًا لذلك اليوغا، وهي معلومة كان قد اطّلع عليها في الكتب التي كان يقرأها عنما كان خارج السجن، وبعدها حاول أن يُعالج إصبعه بمسحِهِ بالماء وتنظيفه، ولكنّه كان يبلغ به أحيانًا من الحمى ما يسبّب له الهذيان والإغماء والتعرّق الكثير، ولكنّ مقاومتَه للألم وقوته في مواجهته مكنت الإصبع من العودة إلى طبيعته بعد أن كابد فيه آلامًا لا تُنسى.[٣]
موت السجناء
يسردُ الراوي في هذا الفصل من الرواية الطّرقَ التي لاقى فيها السّجناء حَتفَهم، فمنهم من مات بسبب الطعام غير الصالح للأكل، ومنهم من مات بسبب إضرابه عن الطعام لمدّة شهر، وآخر مات تحت التعذيب بعد أن ضربوا رأسه مرات متكررة، ومن الحالات الغريبة موت إحدهم بسبب إمساك أصاب معدته إلى أن تحول البراز في أمعائه إلى ما يشبه الإسمنت من صلابته، ولم يستجب السجانون لمناداته واستغاثته فشق شرجه بقطعة خشب وهو يحاول أن يخرج ما في أمعائه واستمر بالنّزيف حتى مات، وهكذا مات السجناء واحدًا تلوَ الآخر ولم يبق منهم قبل الإفراج عنهم إلا أربعة.[٣]
الخروج من السجن
بعد أن تم الإفراج عن المعتقلين يذكُرُ الراوي أنّهم حوّلوهُ إلى مصحّة لقضاء فترة نقاهة ولتذهب من جسده آثار الجروح والتعذيب التي لاقاها خلال فترة اعتقاله، وكانت صدمة عزيز كبيرة جدًا عندما رأى وجهه في المرآة بعد مرور ثماني عشرة سنة من الاعتقال، فلم يستطع أن يدرك كل هذا التغيير الحاصل في وجهه من جحوظ العينين وتجاعيد تملأ الوجه.[٣]
اقتباسات من رواية تلك العتمة الباهرة
ختامًا، لا بد من عرض بعض الاقتباسات من رواية تلك العتمة الباهرة وما فيها من الوصف الدقيق لكل لحظة عاشها السجناء في هذا المعتقل، وكم هو التعذيب والأذى الذي لحق بهم، خلال هذه الفترة المُظلِمة من حياتهم، مع أنّ ما بقي من السّجناء لم يَكونوا موافقين على نشر الرواية، إلّا أن هذا لا يلغي أهميتها في نقل الواقع وما عانوه من ألمٍ كبيرٍ ستبقى آثارُه معهم وقي عقولهم إلى نهاية حياتهم، ومن الاقتباسات الآتي:[٥]
- طبعاً كان مقدرًا لنا أن نموت، ولكن ليس على الفور. إذ ينبغي أن نعاني، أن نحيا على مرِّ الثواني.[٦]
- إن أكثر الأمور الاعتيادية تفاهة، تصبح في المحن العصيبة غير اعتيادية، لا بل أكثر ما يُرغَب فيه من أمور الدنيا.[٦]
- فاصمت وحاول أن تفكر تبعًا لوتائر تنفسك، تعلم أن تستسيغ الصمت. ردد في سرك أن الصمت مريح لك و للآخرين. إنه أمر حيوي لنا أن ننعم بالصمت، فقد يكون الصمت عوضًا عن النور الذي نفتقده.[٦]
- التذكّر هو الموت. لقد استغرقني بعض الوقت كيما أدرك أن التذكّر هو العدو. فمن يستدع ذكرياته يمت توًّا ، بعدها كأنه يبتلع قرص السم.[٦]
- الخوف من المجهول، كان الموت محومًا في الأرجاء كان هناك ولكن ينبغي ألا نعرف لا من أين سيضرب ضربته و لا كيف و لا بأيّ سلاح. ينبغي أن نبقى تحت رحمة ما لا نراه. ذاك هو العذاب وفذلكة الانتقام، أنت الآن على هامش الموت لا على هامش الحياة. لا تدري أصلًا هل أنت حي أم شطبوك من سجلات الأحياء، وهل أنت ميّت أم ما زلت تتنفس هنا في هذا القبو المسمّى سِجنًا.[٧]
- أدركت أن تبديد وجع لا يتم إلا بتخيل وجع أشد ضرواة منه وأشد هَوْلًا.[٨]
المراجع
- ↑ "الطاهر بن جلون"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
- ↑ "رواية “تلك العتمة الباهرة” للكاتب الطاهر بن جلون"، www.kataranovels.com، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "تلك العتمة الباهرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
- ↑ "تلك العتمة الباهرة"، www.noor-book.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
- ↑ "أدب السجون"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "تلك العتمة الباهرة"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10.
- ↑ "تلك العتمة الباهرة"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10. بتصرّف.
- ↑ "تحميل كتاب تلك العتمة الباهرة "، foulabook.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-10.