محتويات
صفي الدين الحلي
هو عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم الطائي، كنيته أبو المحاسن، ولد في الكوفة عام 1277م، عمل في التجارة التي حتمت عليه الانتقال بين البلدان، فانتقل إلى الشام، ومصر، وغيرها، ولكنه كان في نهاية ارتحاله يعود إلى العراق، تقرب في شعره إلى ملوك الدولة الأرتقية، فمدحهم، وتكسب من عطاياهم، وفي رحيله إلى القاهرة امتدح في شعره السلطان الملك الناصر، أما عن ديانته فقد كان شيعيًا، وشيعيته تلك برزت في لغته الشعرية التي انعكست على أسلوبه الأدبي،[١] إلا أنه كان من الشيعة المفضلة، فرغم تشيعه كان يمتدح الصحابة ويوقرهم، له العديد من القصائد المعروفة، وجمعت قصائده في ديوان خاص، وفي قدوم أجله توفي في بغداد عام 1339م.[٢]
مولد ونشأة صفي الدين الحلي
وٌلد صفي الدين الحلي بمدينة الحلة ونشأ هناك، وهي المدينة التي أسسها المزيديون، إذ كانت ترمز إلى الحضارة الإسلامية، وهي من المدن التي نجت من غزو المغول ولم يصبها الدمار الذي أصاب مدن العراق الأخرى،ولهذا السبب بقيت مدينة الحلة ترمز إلى الثقافة والحضارة،[٣] أما عن نشأة صفي الدين الحلي فقد نشأ بين أسرة عربية مرموقة، إذ تعلم القراءة والكتابة منذ سن مبكرة، ومارس مختلف الهوايات والتي منها: الفروسية، والصيد بالبندقية، إضافة إلى الشطرنج، وفي حياته عاش خلال الفترة التي تلت غزو المغول لبغداد، أي بعد أن دمروا الخلافة العباسية وقتذاك،[٤] فأثَّرت هذه الظروف على أغراض شعر صفي الدين الحلي، ومن الأساتذة الذين نشأ بين أكناف عِلمهم هو الشيخ جعفر بن الحسن الحلي، فاكتسب من العِلم ما يعضد أدبه وبلاغته، فكان بمكانة الإمام، والناثر، والبليغ، والناظم، وهو الشاعر المشهور المعروف بالصفيّ الحليّ.[٥]
حياة صفي الدين الحلي
عاش صفي الدين الحلي حياته بالفترة التي كانت لا تخلو من النزاعات، والخصومات، والخلافات، ومن هذه النزاعات ما حدثت حول الرئاسة بين أخواله وآل أبي الفضل، فقُتل خاله عبدالله بن حمزة وهو في مسجده، حزن صفي الدين ورثًا خاله في قصيدة حث قومه من خلالها بالأخذ بالثار، فحدثت معركة زوراء العراق، شارك فيها الشاعر، فحقق النصر، ثم نظّم قصيدة حول هذا النصر، وبعد فترة وجيزة أحس صفي الدين الحلي بالخطر على حياته فغادر مدينة الحُلة ذاهبًا إلى مدينة ماردين، وعندما وصل اتصل بملكها المنصور، وامتدحه في قصيدة سماها "درر النحور في مدح الملك المنصور، فعاش وقتًا طويلًا في حماية الملك المنصور وابنه الصالح، فاستمر خلال هذه الفترة بنظم الأشعار والقصائد فيهم، وألف الدواوين، ومنها: ديوان الصالحيات، وديوان المنصوريات، نسبة للملك المنصور وابنه الصالح.[٣]
لم يستقر صفي الدين في حياته بين أكناف الملك المنصور، بل ارتحل بعد ذلك إلى القاهرة، فجالس أدبائها، وعلمائها، ومنهم: المؤرخ صلاح الدين الصفدي، والقاضي علاء الدين بن الأثير، وابن نباتة المصري، وغيرهم، فكانت له علاقته الوطيدة مع الكثير من الأدباء والملوك أيضًا، مما جعل أغلب مدائحه في شعره بالملوك الأرتقيين، وملوك حماة، إضافة إلى ذلك فقد انعكست حياته على الأغراض الشعرية في قصائده، فلكل قصيدة مناسبة، ولم يكتفي بذلك بل صبغ لهجته المحكية آنذاك على فنون شعره، كالزجل، والقومة، والموشح، فكان أول من صنّف كتابًا مختصًا حول الشعر العربي العامي، فأورد في الكتاب بعض النماذج من الشعر العامي، الذي ألّفه هو وغيره من شعراء عصره، وعُنون هذا الكتاب "بالعاطل الحالي"،[٦]
وفي حياته الاجتماعية فقد أُعجب به بعض الأدباء والعلماء، فامتدحوه، ومنهم: الصّلاح الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات، فقال في حقه: "شاعر عصرنا على الإطلاق، صفي الدين الطائي الحلي، شاعر أصبح به راجح الحلي ناقصًا، وكان ناقصًا، فأصبح على عثبه ناكصًا، أجاد القصائد المطولة والمقاطيع، وأتى بما أخجل زهر النجوم"،[٧] أما عن حياته في آواخر أيامه فقد عاد إلى بغداد، واستقر فيها حتى وفاته، فكانت حادثة وفاته إثر إصابته بمرض التهاب المفاصل، إضافة إلى انتشار مرض الطاعون في بغداد حينذاك، فأصيب به، حتى قضى عليه، بعمر يناهز 73 سنة.[٨]
أهم أعمال صفي الدين الحلي
برزت الأعمال الأدبية لصفي الدين الحلي في أغلبها، فاشتهر بالشعر أكثر من اشتهاره بالنثر، على الرغم من أنه أبدع في كلتيهما، وعدّه النقاد من أبرز الشعراء الذين أبدعوا في المعاني والألفاظ، وأصابوا في ذلك فالأعمال الأدبية لصفي الدين تشهد تفرده، ومنها تنظيمه لكل بحر من بحور الشعر بيتًا يُسهل حفظها، سميت بمفاتيح البحور،[٩] وفي باقي أعماله الشعرية التي برزت أهميتها من خلال المواضيع الشعرية، إذ كان الشاعر بمثابة مؤرخ للأحداث في قصائده، فله العديد من دواوين الشعر المعروفة، إلا أنه لم يفرق بين اللهجات في شعره، فكان ينظم الشعر باللغة العربية الفصحى والعامية، ومن أهم أعماله وأشهرها قصيدة "سلى الرماح الغوالي عن معالينا"، اكتسبت هذه القصيدة شهرتها وأهميتها من خلال المناسبة التي قيلت فيها، فهي القصيدة التي خلّدت بعضًا من انتصارات القبائل العربية على الجيوش المغولية، وكانت مناسبة القصيدة في فترة غزو إيلخان المغولي على القبائل العربية في بادية الأنبار والشام، فالتقى الجمعان في منطقة تقع على ضفاف نهر الفرات، ولكن عندما رأى إيلخان المغولي هيبة جيوش القبائل العربية، سيطر عليه الخوف واضطر إلى الهروب، فجاء خبر انكسارات جيوشه، فنظم صفي الدين قصيدته تلك.[١٠]
يُعدّ ديوان صفي الدين الحلي من أهم أعماله الأدبية، إذ احتوى على أكثر من عشرة آلاف بيت، ضمن اثني عشر بابًا، ضم كل باب فصلين أو أكثر، فكان إجمالي عدد الفصول ثلاثون، أما عن الأبواب فقد توزعت على مختلف الأغراض الشعرية، ومنها: الحماسة، والفخر، والغزل العذري، والمديح، والخمريات، والإخوانيات، والرثاء، إضافة إلى وصف العتاب، والأعذار، والزهد، والألغاز، وغيرها، مما جعل الأعمال الشعرية للصفي الحلي تتميز وتتسم بحضور ذوقه الخاص في قصائده وأعماله، وظهر ذوقه في شعر الطبيعة ووصفه لها، ولحدائقها، ومروجها، ووصف مجالس اللهو، واشتهر شعره بأنه سلم من الصنعة والتكلف، فتميز بوضوح المعاني والألفاظ، وصحتها، وعدم الإكثار من توظيف المحسنات البديعية التي تضع اللبس في وضوح الأفكار والمعاني، ذلك لما تحتاجه من تحليل وتفسير، ومن أهم أعماله الأدبية، ما يأتي:[٣]
- ديوان صفي الدين الحلي.
- ديوان صفوة الشعراء وخلاصة البلغاء.
- العاطل الحالي والمرخص الغالي.
- الدر النفيس في أجناس التجنيس.
- معجم الأغلاط اللغوية.
- نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية.
- كتاب رسائل صفي الدين الحلي.
- الخدمة الجلية في وصف الصيد بالبندقية.
اقتباسات من شعر صفي الدين الحلي
نظّم صفي الدين الحلي شعره بمختلف الأغراض، تلك الأغراض الشعرية التي اعتمدت على الأحداث الواقعة وقتذاك، وعلى الظروف التي كان يمر بها صفي الدين الحلي في حياته، وفي بعض الأحيان كانت الغاية من شعره هي التكسب، وطلب الآمان، بطرف النظر عن كونها هواية، ومن الملفت في شعر صفي الدين الحلي، أن شعره اتسم بفرادة خاصة، ظهرت في أسلوبه وفي لغته، وربما عدّ ذلك من الفرادة في الشعر، والاستثناء الذي ميّز الأسلوب الأدبي بين الشعراء، ومن هذه الأشعار التي تدل على ذلك:[١١]
- كتب صفي الدين الحلي شعرًا يسمى بالشعر العاطل أو المهمل، وهو الشعر الذي يتميز بخلو كلماته من النقاط، ومن أبياته:
سَدَدَ سهمًا ما عدا روعَه
- وروَّع العُصم، وللأسد صادْ
أمالكَ الأمر أرِح هالكًا
- مدرعًا للهَمّ دِرعَ السّوادْ
أراهُ طولُ الصدّ لمّا عَدَا
- مَرامَهُ ما هدّ صُمَّ الصِّلادْ
ودّ ودادًا طاردًا همَّهُ
- وما مُرادُ الحُرّ إلا الوَدادْ
- كما له قصيدة تلاعب بمفرداتها، وألفاظها الغريبة، فجاءت كل كلمة من كلماتها مصغرة، ومن أبياتها:
نُقيط بن مُسيك في وُريد
- خُويلك أو وسيم في خُديد
وذياك اللويمع في الضحيا
- وُجيهك أم قُمير في سعيد
وُجيه شُويدن فيه شُكيل
- أدق مُعينيات من خُويد
- ولصفي الدين الحلي قصيدة معجّمة، ليس فيها أي حروف مهمل، ومن أبياتها:
فُتنت بظبي بغى خيبتي
- بجَفن تفنّن في فِتني
تجّنى فبتُّ بجفن يفيض
- فخيبتُ ظني في يقظتي
قضيبٌ يُجيءُ بِزيّ يزين
- تثنّى، فذُقتُ جنى جنةِ
نجيبٌ يجيبُ بفنٍّ يُذيب
- ببضٍّ خضيب نفى خِيفتي
- ومن قصائد صفي الدين الحلي ما كانت أوائل أبياتها بحرف القاف، وقافتيها تنتهي بحرف القاف، ومنها:
قفي ودّعينا قبل وشك التفرُّق
- فما أنا من يحيى إلى حين نلتقي
قَيتُ وما أودى الحِمامُ بمُهجتي
- وشِبتُ وما خلَّ البياض بمفرقي
قرنْتِ الرّضى بالسّخط والقُرب بالنوى
- ومزّقتِ شَملَ الوصل كلّ مُمزق
قبلتِ وصايا البحر من غير ناصح
- وأحييتِ قول الهجر من غير مُشفق
المراجع
- ↑ "صفي الدين الحلي"، al-hakawati.la.utexas.edu، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "صفي الدين الحلي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "صفي الدين الحلي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "صفي الدين الحلي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "الروض العاطر فيما تيسر من أخبار أهل القرن السابع إلى ختام القرن العاشر"، books.google.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "صفي الدين الحلي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "الروض العاطر فيما تيسر من أخبار أهل القرن السابع إلى ختام القرن العاشر"، books.google.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "صفي الدين الحلي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "صفي الدين الحلي"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "صفي الدين الحلي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.
- ↑ "صفي الدين الحلي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-14. بتصرّف.