نبذة عن ظاهر العمر الزيداني

كتابة:
نبذة عن ظاهر العمر الزيداني

تاريخ ورجال

يطوي التاريخ الرجال والدول ثمّ يمضي غير عابئٍ بأحدٍ، لكنْ ثمة رجالٌ لا يرضيهم أن يكونوا عابرين، فيضعون بصمتهم واضحةً على جبهة التاريخ، ثم ينقل التاريخ أحوالهم ويدوّن إنجازاتهم وأفعالهم راغمًا، القصة اليوم عن رجلٍ لم يرض أن يمر على الحياة مرور الكرام، فها هو يسحب الأذهان متى جاء ذكره في رحلةٍ عبر التاريخ والزمن، ففي هذه العجالة يقدم المقال نبذةً عن ظاهر العمر الزيداني، ذلك الذي كان نابغة عصره وفريد زمانه؛ ثمّة تاريخٌ عظيمٌ سيروى، وإمارةٌ ذات قوةٍ وبأسٍ سيحكي المقال عنها وصاحبها ما اتسعت السطور له.[١]


نبذة عن ظاهر العمر الزيداني

هو ظاهرُ بنُ عمرٍ بنُ عليٍّ الزيدانيّ، حاكم فلسطين وصاحب إمارتها، لقبه الأشهر اسمه "ظاهر العمر" وهو من بني زيدان ويقال الزيادنة، والحقيقة أن هنالك اختلافًا حول مولده؛ وذلك لعدم توفّر مصادرٍ تاريخيةٍ كافيةٍ في فترة صباه، على الرغم من ذلك فإن ما تجود به كتب التاريخ ويتلاقى غير واحد منها على أن ظاهر العمر ولد في الفترة ما بين عامَيْ 1689 و 1694 للميلاد.[٢]


ولِفضّ هذا الخلاف هنا سيقول هذا المقال إن ظافر العمر الزيداني ولد في الشام، وفي هذه النبذة عن ظاهر العمر الزيداني ومن خلال تتبع سيرته، يتبين أن ظاهر العمر تتلمذ على يد الشيخ العالم عبد القادر الحفناوي، متعلمًا منه القرآن الكريم والكتابة والأدب، وهنا سيكون من المهم الرجوع إلى الوراء قليلًا لتتوضح بعض التفاصيل الضرورية.[٣]


ظروف القيام

"لا خير في قومٍ يكون المرء منهم محسودًا، ومن أجلافهم محتقرًا مخذولًا ..." كانت كلمات عمر الزيداني قبل أن يشير على أهله بالرحيل من جوار بني أسد، وكانوا حينها يسكنون البراري حول معرة النعمان الواقعة بين الشام وحلب، ثم بعد الموافقة رحل "الزيادنة" وهم على ما يرد من التاريخ، أشرافٌ من بني زيدٍ بن الحسن بن علي -كرم الله وجهه- فكانت الخليل مقصدهم ونزلوا في "قيسارية" من نواحيها، ثم منها وبعد يسير من الوقت والمكث، نزلوا طبرية عام 1701م، فاستقروا بها؛ كانت هذه الفترة من التاريخ ضمن عمر الدولة العثمانية، وهي -أي الدولة- لها بالغ الأثر في القصة،ومن هذا الطريق سيسير المقال مقدمًا نبذةً عن الشيخ ظاهر العمر الزيداني.[٤]


شهامة ظاهر وفطرته

نشأ ظاهر بتربيةٍ أصيلةٍ فكان شهمًا شجاعًا، ومن المهمّ الإشارة إلى قصته التي كانت سبب رحيل الزيادة عن طبرية، إذ يروي "ميخائيل الصباغ" في كتابه "تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني" قصةً عن شجاعة ظاهر ومروءته فيقول: "في عمر الثماني عشرة سنة خرج ظاهر وحيدًا للصيد، فسمع بين الأشجار صوت عويل امرأة، فلما أتى أصل الصوت وجد واحدًا من طبرية قد اغتصبها، فراعه ما كان ثم ما لبث أن استل سيفه فقتل الفاعل من فوره"، كان لهذه الحادثة أن تحمل "الزيادنة" إلى الرحيل، فتركوا طبرية علم 1730م، ونزلوا قريةً تسمّى "عرابة البطوف" من أعمال صفد، وكان رحيلهم إلى تلك البلاد بدعوةٍ من مشايخ بني الصقر.[٣]


حكم ظاهر العمر الزيداني في فلسطين

القرن الثامن عشر كان مسرح الأحداث لهذه الشخصية البارزة، والتي لعبت دورًا مهمًا في تاريخ فلسطين، حيث شكّل ظاهر العمر الزيداني ولما يزيد عن ربع القرن، إمارةً قويةً امتدت من حيفا غربًا إلى عجلون شرقًا ومن جنوب لبنان إلى وسط فلسطين، مقارعًا بإمارته هذه ولاية دمشق العثمانية القوية؛ أصبح ظاهر العمر واليًا على طبريا يؤدي الضريبة لوالي صيدا العثماني، فزاد ظاهر من تحصين طبريا، ولم يزل يقوّي تحالفه مع بنو الصقر -وهم من القبائل العربية شديدة البأس- ثم وبرضا والي صيدا ظل ظاهر يضم البلاد حول طبريا، فضمّ عكا وكانت بعد أن حصنها وأعاد بناء سورها قاعدته ومركزه، ثم ضم حيفا ونابلس وصفد.[٥]


عرف ظاهر أو لقب بِـ "شيخ مشايخ صفد"، فازدهرت في إمارته الزراعة واشتدت التجارة، ورفض دفع الضريبة لوالي صيدا العثماني، وظل يظهر استقلاله، فلما أحست الدولة العثمانية خطره جعلت تسلك عليه ولاتها في عموم سورية، ذلك ما دفعه للتحالف ضد الدولة العثمانية مع "علي بك الكبير" كما عقد تحالفًا مع القائد الروسي في الأبيض المتوسط، حيث كانت روسيا في حريٍ مع الدولة العثمانية، لكن ذلك لم يك ليغير شيئًا، وبعد حصار عكا ودخولها من قبل العثمانيين، قُتل الشيخ ظاهر العمر الزيداني في العام 1775م وعلى يد واحدٍ من أتباعه.[٥]


وتختم هذه النبذة عن ظاهر العمر الزيداني سطورها بهذا الاقتباس من رواية "قناديل ملك الجليل" والتي تروي قصة الشيخ ظاهر العمر الزيداني وعلى لسانه يقول: "هذه البلاد بلادك وبلادي يا سعد مثل ما هي بلادهم، هذه بلاد كل من يجرؤ على الدفاع عنها، أما الحبناء، فلا بلاد لهم، لأن جبنهم هو بلادهم الوحيدة التي باستطاعتهم أن يرحلوا إليها".[٥]

المراجع

  1. ميخائيل الصباغ (2010)، تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا وبلاد صفد (الطبعة 1)، القاهرة- مصر: نوابغ الفكر، صفحة 3. بتصرّف.
  2. أحمد المرعشلي، عبدالهادي هاشم، أنيس صايغ (1984)، الموسوعة الفلسطينية (الطبعة 1)، دمشق- سوريا: هيئة الموسوعة الفلسطينية، صفحة 137،138، جزء 3. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ميخائيل العكاوي (2010)، تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا وبلاد صفد (الطبعة 1)، القاهرة- مصر: نوابغ الفكر، صفحة 18 ،22 ،23. بتصرّف.
  4. ميخائيل الصباغ (2010)، تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا وبلاد صفد (الطبعة 1)، القاهرة- مصر: نوابغ الفكر، صفحة 17، 18. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت أحمد الحلاق، محمد القاسمي، أحمد عزت (1959)، حوادث دمشق اليومية (الطبعة 1)، القاهرة- مصر: الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، صفحة 21 ،22 ،23. بتصرّف.
4343 مشاهدة
للأعلى للسفل
×