محتويات
علي بن الجهم
من هم قريش العازبة؟
هو أحد شعراء العصر العباسي، اسمه علي بن الجهم بن بدر بن الجهم بن أسيد بن أذينة القرشي السّاميّ؛[١] نسبة لسامة أحد أولاد لؤي بن غالب، وبنو سامة بطن من بطون قريش يقال لهم قريش العازبة؛ لأنّ سامة -جدّهم- خرج مع زوجته ناجية من مكة المكرّمة إلى البحرين وهناك كان أبناء سامة، ثمّ رحل قوم من بني سامة من البحرين إلى خراسان بعد أن فتحها المسلمون؛ أي: بعد عام 31هـ، ولا يُعرف من أوّل من سافر منهم إلى هناك، وتشير المصادر التاريخيّة إلى أنّ الجهم -والد الشاعر علي- قد انتقل من خراسان إلى بغداد، وغير معلوم إن كان ابنه علي قد ولد في خراسان أم في بغداد، ولم يُعيّن أحدٌ من المؤرّخين تاريخ ميلاده، ولكن الأكثر على أنّه ولد سنة 188هـ، ومات سنة 249هـ مقتولًا، وذلك حين خرج مع جند من المسلمين قاصدين ثغرًا من ثغور الخلافة العباسية، فلقيه قوم من الأعراب وقاتلهم وحيدًا حتى قُتِلَ.[٢]
حياة علي بن الجهم
ما قصّة أوّل بيتين قالهما علي بن الجهم؟
إنّ الأدب العربيّ يزخر بشعراء قد تركوا وراءهم بصمة في ميدان الشعر، ومن أولئك الشاعر علي بن الجهم، فلقد بدأ علي بن الجهم حياته كباقي أبناء عصره حين أرسله أهله إلى الكُتّاب ليتعلّم هناك، ولكن الفرق بينه وبين أبناء جيله أنّ علامات النجابة ظهرت عليه منذ الصّغر؛ إذ يذكر المؤرّخون أنّه منذ صغره كان يملأ البيت ضجيجًا ولعبًا، حتى أرسل والده يومًا لمؤدّبه في الكُتّاب أن احبِسْه، فحبسه مؤدّبه بناء على رغبة والده "الجهم"، فعندما رأى عليّ أنّ رفاقه قد غادروا المسجد إلى بيوتهم وبقي وحيدًا محبوسًا في المسجد أخذ لوحًا وكتب عليه بيتَين من الشّعر فيهما بلاغة عالية وأرسله إلى أمّه مع أحد رفاقه، وقال في ذلك:[٣]
يا أُمّتا أفديكِ من أمِّ
- أشكو إليكِ فظاظة "الجهمِ"
قد سُرِّحَ الصّبيانُ كلُّهُمُ
- وبقيتُ محبوسًا بلا جُرْمِ
فكان هذان البيتان أوّل ما قال ابن الجهم من الشعر، فأرسلت أمّه إلى أبيه مهددة أنّه إن لم يُطلق الفتى لتخرجنَّ حاسرة الرأس، فأطلقه والده، وكذلك من أوائل شعره بيتٌ قاله في فتاة وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره؛ إذ أرسل لفتاة كانت معه بيتًا يقول فيه على البحر البسيط:[٢]
ماذا تقولين فيمَن شَفَّهُ سهَرٌ
- مِن جَهْدِ حبِّكِ حتّى صارَ حيرانا
وقد نشأ في أسرة تجمع بين الثراء والوجاهة والعلم والثقافة والأدب والشرف، وكان عنده شقيق اسمه محمّد يروي عنه المؤرّخون والجاحظ كثيرًا في كتبه، وكان شقيقه محمد هذا معدودًا بين كبار المتكلّمين، وقد جمع بين ثقافة العرب واليونان، وكان ممّن يجادل الزنادقة في مجلس الخليفة العباسي المأمون، ولكن شقيقه الصغير علي بن الجهم لم يسِر في الطريق الذي سار فيه أخوه محمد؛ فعليّ شاعر يحب ثقافته العربيّة المشرقيّة، فانصرف إلى الثقافة العربية ينهل منها، وتوجّه في اتّجاه أهل الحديث في المعتقد الديني، وصار يتردّد على الإمام أحمد بن حنبل فيسأله في مسائل القدر والصفات وغيرها من المعتقدات الإسلاميّة.[٢]
وكان علي بن الجهم قد انعقدت بينه وبين الشاعر أبي تمّام صداقة كانت قد نشأت في المسجد الجامع في بغداد؛ وذلك أنّ الشعراء كانوا يجتمعون في المسجد كلّ جمعة ينشدون الأشعار، فظهر لهم رجل ملثّم وقال بيتًا، فأعجبهم وقالوا له لمن هذا البيت، فقال لي، قالوا له من أنت، فقال أنا أبو تمّام الطائي، ومنذ ذلك اليوم صار ابن الجهم وأبو تمام صديقَين لم يفرّق بينهما سوى الموت؛ إذ قد مات أبو تمّام قبل ابن الجهم، وقد رثى أبا تمّام بقصيدة رائعة.[٢]
وقد بدأ اسم ابن الجهم يعلو ويرتفع ويُشتَهَر في عهد المأمون ابن هارون الرشيد، ولكنّه لم يصل لأن يمدحه، وكذلك في خلافة الواثق لم يُسمع له شعرًا في مديحه سوى نتفًا هنا وهناك، ولكن حين استلم المتوكّل مدحه وقال فيه شعرًا كثيرًا، وكذلك أكثر شعره قاله في زمن خلافة المتوكّل، وقد كان المتوكّل يمثّل الأمل لابن الجهم بعد خليفتين قبله يقولان بأقوال المعتزلة، بينما المتوكّل يقول بقول أهل السنة ويقول بأقوال أهل الحديث، وعندما استلم الخلافة قال فيه ابن الجهم:[٢]
قالوا أتاكَ الأملُ الأكبرُ
- وفازَ بالمُلكِ الفتى الأزهرُ
واكتستِ الدنيا جمالًا به
- فقلتُ: قد قامَ إذًا جعفرُ
وجعفر هو اسم الخليفة المتوكّل على الله، وبعد أن انعقدت البيعة للمتوكل مدحه بقصيدة طويلة جاء فيها على ذكر المعتزلة وأهل الأهواء وغمزهم كثيرًا ما دفع ابن أبي دؤاد وهو قاضي المعتزلة أن يُبدي على وجهه ملامح الاستنكار والبغض، فأحبّه المتوكّل وقرّبه منه وصار نديمه المقرّب ومستودع السرّ لما يربو على سبع سنين، وكان يحضر مجلس المتوكّل شعراء كُثر منهم البحتري والحسين بن الضحّاك وغيرهم، فكان ابن الجهم يغترّ بمنزلته عند المتوكّل ويتعالى عليهم، حتى وقع في نفسهم منه شيء بسبب غروره وتعاليه، فأوغروا صدر الخليفة عليه، فتغيّر الخليفة عليه وأمره أن يلزم داره، فجلس في داره لم يخرج منها.
ولكن لم تنتهِ القصّة على هذا الأمر، بل إنّهم قد زعموا أنّه قد هجا الخليفة، فأمر الخليفة أن يُسجن، فكتب للخليفة من محبسه يستعطفه ويهجو خصومه، فرقّ له وأراد أن يطلق سراحه ولكنّ خصومه ردّوا على قصيدته وأقنعوا الخليفة أن يبقيه في سجنه، فبقي في سجنه، ثمّ عاد خصومه وقالوا للخليفة إنّه قد هجاه، فأمر أن يُنقل إلى خراسان وكتب إلى والي خراسان أن يجلده ويعلقه على الصليب من الصباح إلى الليل، وبعد مدة أمر المتوكّل بإطلاقه فأطلقه وخرج.[٤]
ولكنّه خرج من السجن من دون صديق أو خليل، فمن يثق بهم قد صاروا تحت التراب، فصار يتردّد على المقابر يجلس بين الأموات الذين فَقَدَهم، ولم يبقَ طويلًا بخراسان فعاد إلى بغداد إلى بيت أهله، وبقي فيه وحيدًا بعد أن تنكّر له الناس، وصار ينادم بعض الفتيان من أهل الأهواء من الذين يتردّدون على الحانات ويعاقرون القيان ويشربون النبيذ، وبقي معهم على هذه الحال نحوًا من سبع سنين حتى جاءه نبأ جعله يصحو من غفلته وهو مقتل المتوكل بتدبير ابنه المنتصر، فحزن عليه وفُجع به وبكاه بكاءً مريرًا ناسيًا ما فعله المتوكّل معه، ورثاه بقصيدة ربّما لم يُرثَ المتوكّل بمثلها من أيّ شاعر آخر، فيها من البيان والبلاغة والفصاحة والألم شيئًا كثيرًا، يقول في مطلعها على البحر الطويل:[٥]
وساريةٍ ترتادُ أرضًا تجودُها
- شَغَلتُ بها عينًا قليلًا هُجودها
فكانت هذه الحادثة كفيلة لأن توقظ ابن الجهم من غفلته وأن تنقله لطور جديد في حياته وهو طلب الموت، وذات يوم وصل للمسلمين نبأ ارتجّت له بغداد وهو استشهاد قائدين من قوّاد الجهاد في ثغور الخلافة الإسلاميّة، فهبّ الناس للاشتراك في الجهاد، فخرجت قوافل كثيرة كان بينها قافلة فيها ابن الجهم الذي تجاوز الستين،[٦] فخرج عليهم قوم من الأعراب الكلبيين، فهاجموا القافلة وقاتلهم ابن الجهم إلى أن قتلوه، وكان ذلك سنة 249هـ،[٧] ويرى الإمام ابن حجر العسقلاني أنّه كان كثير الطعن على علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- وذلك عندما ترجم له في كتابه لسان الميزان، والله أعلم.[٨]
مسيرة علي بن الجهم الأدبية
هل كان ابن الجهم فظًّا مع شعراء عصره؟
لقد بدأ علي بن الجهم قول الشعر صغيرًا، فقال شعرًا يترقّق فيه لأمّه وشعرًا فيه غزلُ عذريّ قاله لفتاة صغيرة معه في الكتّاب، ثمّ صار يتدرّج في الشعر شيئًا فشيئًا حتى صار اسمه يُسمع عند الخلفاء، وقد بدأ اسمه يلمع ويصل الخلفاء أوّل مرّة في عهد المأمون، ثمّ تدرّج ابن الجهم مع الخلفاء ومدَحَهم إلى أن جاءت خلافة المتوكل الذي صار ابن الجهم نديمه، وكان ابن الجهم من الشعراء المطبوعين؛ أي: من الذين تأصّلت اللغة فيهم فيقول الشعر دون تكلّف، بل يجري مع الشّعر مجرى يجعله يأتي كما يشاء من دون تكلّف ولا صنعة،[٩] فقد غذّى نفسه بثقافة العرب المشرّبة بحضارة الإسلام وتعاليمه، فلم تلفته الفلسفة اليونانيّة ولم يعجبه رأي المعتزلة، فامتلك بذلك ثقافة أدبيّة عالية جعلته عالمًا بالشّعر بصيرًا بأسبابه، ويسوق أبو بكر الصولي من الأدلة ما يثبت أنّ علم ابن الجهم بالشعر أكبر حتّى من شعره نفسه.[١٠]
ومع هذه الثقافة وهذا العلم بالشعر تدرّج ابن الجهم في قول الشعر شيئًا فشيئًا مذ كان طفلًا حين نبَغَ وبدت عليه أمارات النجابة إلى ان صار كهلًا فشيخًا، وظلّ شاعرًا إلى يوم مقتله،[١١] ولكنّه كان لا يتوانى عن الانتقاص من الشعراء مهما كانوا إلّا من كان فحلًا منهم؛ فيذكر الصولي أنّه -يعني ابن الجهم- كثير الطعن على دعبل الخزاعي، ولكنّه كان كثير الاحترام لأبي تمّام الطائي،[١٢] وأمّا ما يُحكى عن كونه كان شاعرًا بدويًّا جلفًا جاء إلى الخليفة فمدحه بأنّه كالكلب وكالتيس ثمّ بعد أن أقام في الحاضرة جاء بشعر جميل فكلّه كلام مغلوط ويتعارض مع شاعريّة ابن الجهم، وسيأتي الحديث على هذه القصة فيما يأتي من فقرات.[١٣]
دور علي بن الجهم زمن الخلافة العباسية
ما مذهب ابن الجهم السياسيّ؟
كان ابن الجهم من المتشيّعين المتعصّبين للخلافة العبّاسيّة، ويرى أنّهم أحقّ الناس بها، وكان ينتصر لهم كثيرًا في شعره، وكان يفخر كثيرًا بخرسانيّته كون خراسان هي موطن دعوة بني العبّاس، ويقول في شعره مخاطبًا الخليفة المتوكّل:[١٤]
نحن أشياعُكُم من أهل خُراسا
- نَ أولو قوّةٍ وبأسٍ شديدِ
نحن أبناءُ هذه الخِرَقِ السّو
- دِ وأهلُ التّشيّعِ المحمودِ
إن رضيتُم أمرًا رضينا وإن تأ
- بَوا أبَيْنَا لكم إباءَ الأُسُودِ
لا نوالي لكم عدوًّا ولا نَحـ
- ـمِلُ ضِغْنًا على الوليّ الودود
حسبنا اللهُ والخليفةُ من بَعْـ
- ـدُ ومِن بعدِهِ وُلاةُ الأمورِ
وربّما من هنا جاءَته نزعة الانحراف عن علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- وأبنائه الذين كانوا يطالبون بالخلافة، ويرَونَ أنّهم أحقّ الناس بها، حتى إنّ بعض المؤرّخين نسب عليّ بن الجهم للنّصب؛ أي: الطعن على آل البيت وعلي بن أبي طالب؛ إذ في ذلك العصر كلّ فرقة من الفرق المطالبة بالحكم تورد حججها على ألسنة شعرائها، وبقراءة شعر أولئك الشعراء قد يحار المرء فيمن تكون الخلافة من حقّهم، ومن ذلك ما قاله ابن الجهم مدافعًا عن حقّ العباسيين بالخلافة:[١٥]
أمَا ومُحرِّمِ البيتِ الحرامِ
- يمينًا بين زمزمَ والمقامِ
لأنتم يا بني العبّاسِ أولى
- بميراثِ النبيّ من الأنامِ
وفي خلافة المأمون صار اسمه يلمع وسمع به الخليفة فأرسل وراء أخيه وسأله عن أخيه -يعني علي بن الجهم- وطلب أن ينشده شيئًا من أشعاره، فلم يكن شقيق الشاعر ابن الجهم يحفظ عن أخيه إلّا أبياتًا قالها موصيًا بكلبه خيرًا، فاستحسن المأمون هذه الأبيات، وكذلك قد استحسن شعرًا قاله ابن الجهم في الشطرنج، وقد ولي في خلافة المعتصم مظالم حلوان التي في العراق.[٧]
وفي خلافة الواثق كان ابن الجهم غير مرتاح لخلافة الواثق كونه كان معتزليًّا وشديدًا على أهل الحديث الذين ينتمي لهم ابن الجهم كما يدّعي، وقد عادى ابن الجهم حينها وزير الواثق المدعو محمد بن عبد الملك الزيّات وهجاه ولم يخشاه، حتى جاءت خلافة المتوكل الذي رفع الظلم عن أهل الحديث فاستبشر به ابن الجهم خيرًا ومدحه أيّما مديح.[٧]
قصة علي بن الجهم مع المتوكل
تروي بعض الكتب قصة طريفة تدور بين علي بن الجهم الشاعر الفحل والخليفة المتوكّل من خلفاء الدولة العباسيّة في أوّل لقاء بين الشاعر والخليفة، فتقول الرواية إنّ عليّ بن الجهم كان شاعرًا بدويًّا جَلْفًا، وأنّه قد قدِمَ على الخليفة المتوكّل في قصره وأراد أن يمدحه فقال له:[١٦]
أنت كالكلب في حفاظك للودِّ
- وكالتيس في قراع الخطوبِ
أنت كالدلو، لا عدمناك دلوًا
- من كبار الدِّلا، كثيرَ الذَّنوبِ
فيندهش الحاضرون من كلام ابن الجهم في حق أمير المؤمنين، ولكنّ الخليفة المتوكّل يعلم أنّه قد جاء من الصحراء ولا يعرف من المفردات إلّا ما قال، فيرسله إلى الحاضرة ليعود له بعد مدّة ليست بالطويلة وينشده غزَلًا عذبًا في قصيدة يقول في مطلعها:[١٧]
عُيونُ المَها بَينَ الرُّصافَةِ وَالجِسرِ
- جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
وهذه القصّة لم ترد في أيّ كتاب من الكتب التي ترجمت لعلي بن الجهم من كتب التراث؛ فلم ترد في الأغاني ولا في وَفَيات الأعيان ولا في معجم الشعراء ولا في كلّ كتاب ترجم لعلي بن الجهم، هذا أوّلًا، وأمّا ثانيًا فعلي بن الجهم قد سبق له أن مدَحَ المعتصم والواثق قبل المتوكّل فكيف صار جلفًا بعد أن مدح بعض الخلفاء العباسيين، ثمّ إنّ ابن الجهم قد مدح المتوكّل يوم بايعه الناس وقال ممّا قاله في قصيدته تلك:[١٨]
أحسن خلق الله وجهًا إذا
- بدا عليه حُلّة تَزْهَرُ
وأخطب الناس على مِنبر
- يختال في وطأته المنبرُ
فلا يُعقل أن يقول ابن الجهم هذا الكلام يوم بيعة المتوكّل، ثمّ فجأة يصيرُ جلفًا ويشبّه الممدوح بالكلب، والتشبيه بالكلب في شعر العرب يكون للهجاء لا الوفاء، ومن ذلك قول ابن الرومي هاجيًا رجلًا:[١٣]
وجهُكَ يا عمرو فيه طولٌ
- وفي وجوهِ الكلابِ طولُ
وقد ورد التشبيه بالكلب للهجاء في شعر قاله حمّاد بن عجرد هاجيًا بشار بن برد:[١٣]
بل أنت كالكلب ذلًّا أو أذلّ
- وفي نذالة النفس كالخنزير واليَعرِ
وبذلك يتّضح جليًّا أنّ الرواية السابقة موضوعة على علي بن الجهم، أو أن يكون قالها مازحًا -إن كان قالها حقًّا- كما يرى خليل مردم بيك محقق الديوان، والله أعلم.[١٣]
موضوعات شعر علي بن الجهم
لقد تعددت موضوعات شعر علي بن الجهم بين موضوعات في السياسة والهجاء والفخر والغزل والمديح والرثاء والحكمة، وهو من الشعراء المطبوعين ويُعدُّ أقلّ شعراء عصره اعتناءً بالصّنعة، وإذا كان هنالك صنعة في شعره فهي تأتي من دون تكلّف، وكذلك يمكن القول إنّ ممّا تطرّق له في شعره هو شعر السجون؛ إذ كتب وهو في السجن قصائد من عيون أشعار العرب ستأتي الفقرة القادمة على ذكرها، وأيضًا يرى الشاعر والأديب والباحث خليل مردم بك أنّ علي بن الجهم تطرّق إلى موضوع لم يُسبَق إليه في الشعر العربي، وهو نظم حوادث التاريخ الإسلامي في شعر أقرب ما يكون إلى الشعر الملحمي، أو هو "نظمُ إلياذة عربيّة تشتمل على سيرة الخلفاء وفتوحهم" كما يقول مردم بك، وشعره في الرثاء لم يصل منه سوى أبيات قالها في رثاء أبي تمّام.[١٩]
أمّا الفخر فهو كثير فكان يفخر بنسبه إلى قريش وبأنّه من خراسان مهد دعوة بني العباس ويفخر بدينه وبمعتقده كونه من أهل الحديث، وفي فخره شيء من التيه والتعاظم، وأمّا شعره في الوصف ففيه دقّة وبراعة يصوّر الأمر لمن يقرأ شعره ببراعة فائقة وهذا يدلّ على دقّة ملاحظة ورقّة الشعور، وأمّا الهجاء فهو كثير في شعره، فهو أحد أهجى شعراء العرب، ويُلاحظ في شعره شيء من الأدب والحكمة والأخلاق المقتبسة من هدي الإسلام، والله أعلم.[١٩]
اقتباسات من شعر علي بن الجهم
ماذا نظم بن الجهم عندما كان سجينًا؟
ختامًا تقف الفقرة هذه مع أبيات مقتبسة من أشعار علي بن الجهم في موضوعات مختلفة لتكون شاهدًا حقيقيًّا على شاعريّته وقد تحدّث المقال كثيرًا عن شاعريّته ولكنّه لم يقف على أبيات تثبت صحّة تلك الأقوال، وفيما يأتي قطع متفرّقة من أشعار عليّ بن الجهم في موضوعات مختلفة منتقاة من ديوانه، وهي بحقّ من روائع الأدب العربي:
- قال في قصيدة يمدح المتوكّل في قصيدته المشهورة التي يفتتحها بالنسيب، فيقول:[٢٠]
عُيونُ الْمَهَا بَيْنَ الرُّصَافَةَ وَالْجِسْرِ
- جَلَيْنَ الهَوَى مِنْ حَيْثُ أَدْرِي وَلاَ أَدْري
أَعَدْنَ لِيَ الشَّوْقَ القِدِيم وَلَمْ أَكُنْ
- سَلَوْتُ وَلكنْ زِدْتُ جَمْرًا إِلَى جَمْرِ
سَلِمنْ وَأَسْلَمْنَ العُيُونَ كَأَنَّما
- تُشَكُّ بأَطْرَافِ الرُّدَيْنِيَّة السُّمْرِ
وَقُلْنَ لَنَا نَحْنُ الأَهِلَّةُ إِنَّمَا
- تُضِيء لِمَنْ يَسْرِي بِلَيْلٍ وَلاَ تَقْرِي
وبعد أبيات ينتقل لمديح المتوكّل فيقول:
وما الشِّعرُ ممّا أستظلُّ بظلِّهِ
- ولا زادني قدرًا ولا حطّ من قدري
ولكنَّ إحسانَ الخليفةِ جعفرٍ
- دعاني إلى ما قلتُ فيه من الشِّعرِ
- وفي سجنه قال قصائد من عيون الشعر العربي ومنها قصيدته التي تعدّ من أبرع ما قال ومن قلائد شعره، فيقول فيها على البحر الكامل:[٢١]
قالت حُبِستَ فقلتُ ليس بضائرٍ
- حبسي وأيّ مهنّدٍ لا يُغمدُ
أوَ ما رأيتِ الليثَ يألَفُ غِيلَهُ
- كِبْرًا وأوباشُ السِّباعُ تَرَدَّدُ
- وأخيرًا قال مخاطبًا قاضي المعتزلة ابن دؤاد يوم أصابه الفالج:[٢٢]
لم يبقَ منكَ سوى خيالَكَ لامعًا
- فوقَ الفِراشِ مُمَهَّدًا بوسادِ
فرحَتْ بمصرعِكَ البريّةُ كلُّها
- مَن كان منهم موقِنًا بمَعَادِ
كم مَجلِسٍ للهِ قد عطَّلتَهُ
- كي لا يُحَدَّثَ فيهِ بالإسنادِ
فذُقِ الهوانَ مُعجّلًا ومؤجّلا
- واللهُ ربُّ العرشِ بالمرصادِ
لا زالَ فالجُكَ الذي بك دائمًا
- وفُجِعتَ قبلَ الموتِ بالأولادِ
المراجع
- ↑ الدكتور حسن محمد نور الدين، علي بن الجهم حياته وأغراضه الشعرية، صفحة 13. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ "علي بن الجهم"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-13. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، دبوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "علي بن الجهم"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-13. بتصرّف.
- ↑ "لسان الميزان (نسخة منقحة)"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-13. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان ابن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 8. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان ابن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 21. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "مع علي بن الجَهْم والحكاية الطريفة"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-13. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 28. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 29. بتصرّف.
- ↑ "قصة علي بن الجهم مع المتوكل"، www.qssas.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-13. بتصرّف.
- ↑ "علي بن الجهم الشاعر البدوي.. بين الرصافة والجسر"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-13. بتصرّف.
- ↑ "مع علي بن الجَهْم والحكاية الطريفة"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-13. بتصرّف.
- ^ أ ب علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم - مقدمة المحقق (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 141. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 41. بتصرّف.
- ↑ علي بن الجهم (1980)، ديوان علي بن الجهم (الطبعة 2)، بيروت:دار الآفاق الجديدة، صفحة 128. بتصرّف.