محتويات
فينسنت فان خوخ
يعدُّ الفنان والرسام الهولندي فينسنت فان خوخ من أشهر الفنانين والرسامين على مستوى العالم، ويشتهر باسم فان خوخ، تحتوي أعماله المختلفة على أكثر الأعمال شعبية وشهرة في عالم الفنون، كما تعدُّ من أفضل الأعمال وأكثرها غلاءً، وإنَّ أكثر من يميِّز حياته رغمَ قصرها هي الاضطرابات النفسية والعقلية التي كان يعاني منها خلال حياته، فقد كانت تأتيه نوبات لأحد الأمراض العقلية وفي واحدة من تلك النوبات قام يقطع جزءٍ من أذنه اليسرى، وما تزال تلك الحادثة من أشهر الأحداث في حياته كلها، وظهرت لتلك الاضطرابات نظريات عديدة متنافسة، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول حياة فينسنت فان خوخ ومسيرته الفنية وأعماله والوقوف على حادثة وفاته.[١]
حياة فينسنت فان خوخ
ولدَ الفنان فينسنت فان خوخ في الثلاثين من شهر مارس عام 1853م في إحدى قرى هولندا، كان والده ثيودوروس فان غوخ يعمل قسًّا لإحدى الكنائس المنصلحة في هولندا، أمَّا والدته فاسمها آنا كورنيليا كاربنتوس، ورغم شهرته إلا أنَّه لا توجد معلومات كافية حول حياته الأولى خلال طفولته ونشأته، ومن المعروف أنّه دخل إلى إحدى المدارس الداخلية في زيفينبيرجين لمدة سنتين، ثمَّ انتقل إلى مدرسة الملك وليم الثاني في تيلبيرغ وحضر فيها لمدة سنتين أيضًا، وفي تلك الفترة من عام 1868م خرجَ فان خوخ من المدرسة وترك الدراسة ولم يرجع إليها أبدًا، وفي عام 1869م بدأ بالعمل في شركة غووبيل وسي وهي إحدى الشركات التي تعمل لصالح تجار الفن في لاهاي، وقد أظهر فينسنت في هذا العمل كتاجر فني نجاحًا نسبيًا وبقي يعمل مع الشركة لسبع سنوات تقريبًا، وفي عام 1873م انتقل إلى العمل في فرع الشركة في مدينة لندن، فأعجبه كثيرًا المناخ الثقافي الإنجليزي هناك، وزار المتاحف والمعارض الفنية وأعجب بالكتاب الإنجليز مثل تشارلز ديكنز وجورج إليوت وغيرهم، وكان لهذا أثر كبير في حياته الفنية لاحقًا.[٢]
ثمَّ انتقل للعيش في طريق هاكفورد وسكن مع أرسولا وابنتها يوجيني التي أعجب بها واهتم بها عاطفيًّا، وبعد سنتين في لندن ساءت العلاقة بينه وبين شركة غووبيل كثيرًا، فانتقل إلى فرع الشركة في باريس عام 1875م، ولكنَّه لم يلبث أن ترك العمل فيها عام 1876م وعاد إلى لندن لأنه قضى فيها سنتين هما من أسعد أيام حياته، وفي نفس العام بدأ بالعمل في التعليم في مدرسة القس وليام ستوكس، وكان هناك مسؤولًا عن 24 تلميذًا تتفاوت أعمارهم بين 10 و14 عامًا، وفي أوقات فراغه كان يزور المتاحف والمعارض ويتأمل القطع الثمينة والعظيمة، وبدأ بدراسة التوراة وصار يكرر قراءة الإنجيل، وكان يريد أن يكرس حياته من أجل الكنيسة في تلك الفترة، فكانت تلك الفترة فترة دينية من حياته.[٢]
ومن أجل أن يصبح رجل دينٍ صار يطلب من القس جونز أن يمنجه مزيدًا من المسؤوليات، فوافق القس وبدأ فان خوخ يتحدث في اجتماعات الصلاة في الأبرشية، وكانت تلك المهمة السبيل الذي يمهّد للمهمة الأصعب وهي الخطبة الأولى يوم الأحد، ولكنَّه رغم حماسه الكبير لم يوفَّق فيها وجاءت خطبه باهتة، وبعد عودته لزيارة أهله في عيد الميلاد اختار البقاء في هولندا، وبعد أن عمل في مكتبة في أول عام 1877م توجَّه إلى أمستردام لإجراء فحوصات دخول الجامعة ودراسة علم اللاهوت، وبدأ بدراسة اللغة اللاتينية واليونانية والرياضيات، ولكن بسبب فشله وقلة براعته ترك الدراسة بعد 15 شهرًا من الدراسة فقط، وقد كانت تلك الفترة أسوأ أيام حياته حسب وصفه.[٢]
وفي نفس العام فشل في الدخول إلى المدرسة التبشيرية، وأوصت الكنيسة به بأن يذهب إلى مناطق التنقيب عن الفحم في بلجيكا، وفي عام 1879م بدأ فان خوخ بتوصية عمال المناجم وأهلهم وصار يعظهم ويخفف عنهم أعباء الحياة، ولكنه شعر بارتباط عاطفي تجاههم وصار يقدم لهم كل ما يستطيع من مساعدة، فعزلته الكنيسة من مهمته، ورفض أن يغادر المنطقة فسكن في قرية قريبة، يعاني الفقر ويكافح من أجل العيش، وقرر أن يزور الرسام الفرنسي الشهير جولز بريتون، وكان عليه أن يمشي أكثر من 70 كيلو مترًا، ولكنَّه بعد أن قطعها ووصل أمام الباب منعه الخجل من الدخول فعاد إلى قريته وقد فقد ثقته بنفسه بشكل كبير، وفي تلك الفترة قرر أن يختار مهنته المستقبلية كفنان.[٢]
مسيرة فينسنت فان خوخ الفنية
في عام 1880م كان فان خوخ قد قضى أكثر من عام يعاني الفقر وصعوبة الحياة في القرية التي يعيش فيها، فقرر الرحيل إلى بروكسل ليبدأ بدراسة الفن هناك، وبمساعدة أخيه ثيو المادية والمعنوية تشجَّع فان خوخ أكثر على الدراسة،[٣] فقد كانا قريبين من بعضهما دائمًا منذ طفولتهما، وبقيت المراسلات بينهما حتى وفاة فان خوخ، وقد وصل عدد الرسائل بينهما إلى أكثر من 700 رسالة، وهذه الرسائل هي التي نقلت للعالم تصورات فان خوخ عن حياته وأعماله،[٤]
وفي بروكسل تقدم فان خوخ بطلب للدراسة في مدرسة الفنون الجميلة وبقي فيها لفترة قصيرة، ثمَّ صار يأخذ دروس الرسم وحده من الكتب مثل كتب فرانسوا ميلي وتشارلز بارغ، وفي صيف العام نفسه رجع فان خوخ للعودة مع أبويه، وفي تلك الفترة قابل كورنيليا ابنة عمه ووقع في حبها ولكنها رفضته، فأصيب بصدمة وكانت تلك الحادثة من أبرز الحوادث المؤثرة في حياته، ورغم حالته النفسية السيئة شجعه ابن عمه أنتون موف على الرسم، وقد كان فنانًا ناجحًا آنذاك، وفي بيته في لاهاي زوَّد فان خوخ بمجموعة من الألوان المائية، ليبدأ العمل بنفسه في تلك الفترة، وقد كان معجبًا بأعمال موف كثيرًا، وكانت تجمع بينهما علاقة جيدة إلى أن صار فان خوخ يعيش مع مومس، التقى في عام 1882م كلاسينا ماريا هورنيك حيث كانت حاملًا بطفلها الثاني عندما قابلها، وعاشت معه لمدة سنة ونصف، ونمَت مواهبه في تلك الفترة كثيرًا بمساعدة كلاسينا وأطفالها.[٣]
كانت رسومه المبكرة عن عمال المناجم قد منحته مجالًا وفضاءً لأعمال أفضل من السابقة، فكانت محملة بالعواطف الكثيرة، وكان عام 1883م فترة مفصلية في حياته الشخصية والفنية، حيثُ بدأ بالرسم بالألوان الزيتية في عام 1882م وصارت مهاراته تتقدم أكثر، وتدهورت علاقته مع كلاسينا في نهاية العام، فترك لاهاي في منتصف شهر سبتمبر وعاد إلى درينتي في هولندا، وعاش هناك حياة بداوة متنقلًا في أنحاء المناطق ورسمَ المناظر الطبيعية البعيدة مع السكان، ثمَّ عاد إلى بيت والديه مرة أخرى وبقي هناك حتى آخر عام 1883م، وواصل حرفته فأنتج الكثير من اللوحات منها: لوحة الحياك، وصار الفلاحون موضوع اهتمامه لأنه كان يشعر بصلات قوية نحوهم، ولذلك أعجِبَ بالرسام ميليه الذي رسم عن عمال الحقول، وفي أول عام 1885م تابع سلسلة لوحاته عن الفلاحين، وكانت بالنسبة إليه تمثِّل دراسة لتطوير مهنته والبدء بأعماله الناجحة.[٣]
وعمل خلال شهري مارس وإبريل على تطوير دراساته تلك وعمله الشاق رغم وفاة والده، وبعد جهد كبير أنتج واحدة من أعماله العظيمة وهي آكلو البطاطا، وبدأت ردود الأفعال الإيجابية حول أعماله بالظهور ما شجَّعه على مواصلة العمل، لكنَّه عاد إلى قلقه وتوتره مرة ثانية، فانضمَّ إلى أكاديمية أنتويرب في أول عام 1886م ثمَّ تركها بعد شهر، فقد كان دائمًا يشعر أنَّ الدراسة هي بدل سيء عن العمل، وانتقل إلى باريس في مارس 1886م، وبسبب وضع أخيه ثيو كتاجر فني وعلاقاته صار فان خوخ معروفًا بين الفنانيين الرائدين في باريس، وصار يزور معارض الانطباعيين وتأثر بالانطباعية كثيرًا، وتابع الرسم في ضواحي باريس، وفي عام 1887م كانت مرحلة تطورية له، وخلال سنتين قضاهما في باريس كان لهما تأثير كبير عليه وعلى تطوره كفنان، وفي 1888م انتقل إلى جنوب فرنسا وفي هذه الفترة رسم أعظم أعماله الخالدة.[٣]
أعمال فينسنت فان خوخ
لقد تركَ فينسنت فان خوخ وراءه أعمالًا كثيرة تعدُّ اليوم من أعظم الأعمال الفنية وأكثرها غلاءً في تاريخ الفن، ولا بدَّ بالمرور على حياته ومسيرته الفنية من الإشارة إلى بعض أهم أعماله الخالدة، وفيما يأتي بيان هذه الأعمال:
- آكلو البطاطا: تعدُّ لوحة آكلي البطاطا من أهمِّ لوحات فان خوخ وأكثرها شهرةً، فهي أوَّل لوحة له تأخذ شهرة كبيرة وتتوِّجُه إلى جانب عظماء الفنانين، حيثُ نشرها في عام 1885م،[٥] وحصد كثيرًا من الردود الإيجابية والتشجيعية عليها، فقد رسمَ منها مسودات كثيرة على الجنفاص في التحضير للنسخة الزيتية، وقد كان مسرورًا بها وبالنتيجة التي وصل إليها كثيرًا ودخل بسببها مرحلة أفضل في حياته.[٣]
- لوحة غرفة النوم: وهي لوحة غرفة نوم فان خوخ في آرل جنوب فرنسا حيثُ انتقل للعيش هناك في آخر حياته، أنجزها عام 1888م، وهي من أهم اللوحات التي رسمها في تلك الفترة في مدينة آرل، وهي حجرته التي أقام فيها، تعبر اللوحة عن حركة الفن التشكيلية التي ظهرت في آخر القرن 19 وأطلق عليها ما بعد الانطباعية.[٦]
- عباد الشمس: من أهم وأشهر لوحات فان خوخ التي استخدم فيها الألوان المشرقة في تلك المرحلة، وقد رسمها في عام 1888م ودخل عليه وهو يرسمها الفنان غوغان، وأقام عنده وهو يرسم تلك اللوحة.[٧]
- لوحة ليلة النجوم: من أشهر لوحات فان خوخ على الإطلاق صوَّر فيها الإطلالة من نافذة غرفته في المشفى التي أقام بها في عام 1889م، وكانت اللوحة تصور ليل مدينة سان ريمي دو بروفنس، ورغم أنه رسمها نهارًا ولكنه رسم كل ما كان عالقًا في ذاكرته من تلك الإطلالة، وما تزال هذه اللوحة موجودة في متحف الفن الحديث في نيويورك منذ عام 1941م، ومن الأسباب الذي يجعلها الأكثر شهرةً هو استخدام حرية الخيال بشكل كبير فيها.[٨]
أقوال فينسنت فان خوخ
في نهاية المطاف لا بدَّ من إدراج بعض أهم أقوال فان خوخ، إذ يمكن للقارئ أن يتعرف على تصوُّرات هذا الفنان وأفكاره عن الفنِّ والحياة عمومًا، وقد غدت العديد من أقواله حكمًا تتناقلها الألسن، وفيما يأتي أهم أقوال فينسنت فان خوخ:[٩]
- "أحلم بالرسم، وبعد ذلك أرسم حلمي".
- "الحب أبدي، وقد يتغير مظهره، لكن جوهره لا يتغير".
- "أحس أنه ليس من شيء فَنِّيٍّ بطبيعته أكثر من حب الناس".
- "كيف تكون الحياة إذا لم نكن نملك الجرأة على المحاولة؟".
- "أنا أضع قلبي وروحي في عملي، وقد فقدت عقلي بسبب ذلك".
- "أتمنى لو يقبلوني كما أنا".
- "صحيح أن الحب دائما ما يجلب الصعوبات، لكن جانبه الإيجابي أنه يعطي الطاقة".
- "كثيرًا ما أظن أن الليل أكثر حياة وذخرًا بالألوان من النهار".
- "قد نوجد نار عظيمة في أرواحنا، لكن لا يأتي أحد ليستدفئ بها، ومن يمرون بنا لا يرون إلا خيطًا رفيعًا من الدخان".
وفاة فينسنت فان خوخ
عانى فان خوخ في باريس من الضغوط النفسية بسبب البرد وليالي الشتاء الطويلة وضجة المدن الكبيرة، فانتقل إلى آرل في الجنوب، وصار يرسم أعماله إلى أخيه ثيو، وكان صديقه بول غوغان يشجعه وشعر بأنَّه سيكون معه سعيدًا لكن ما لبثت علاقتهما أن تدهورت بسبب بقائهما معًا في البيت أثناء البرد الشديد، وفي أحد الأيام أصيب بنوبة عصبية بعد خلاف مع غوغان فقطع جزء من أذنه وهرب صديقه إلى باريس، وكانت تلك إشارة قوية للمرض العقلي الذي أصيب به والذي ما زال يتزايد بشكل مستمر،[١٠] وخلال الفترة اللاحقة عانى فان خوخ لمدة 18 شهرًا من اضطرابات عقلية ونفسية شديدة، حيثُ تمَّ تشخيصه بعد حادثة قطع الأذن بحالة اكتئاب وفصام مع هوس حاد وهذيان، كما تمَّ تشخيصه بالصرع فوضع في مشفى للرعاية النفسية في آرل، وأمضى فيها عدة أشهر من حياته ثمَّ خرج منها طوعًا إلى مصحة سانت ريمي التي رسم فيها أعظم لوحاته،[١١]
تركَ المصح بعد ذلك ورحل إلى باريس وكانت رحلته هادئة واستقبله أخوه ثيو، لكنه بعد ثلاثة أيام شعر بالتعب فانتقل إلى أوفير سور أوايز، وسكن في غرفة وبدأ بالرسم مباشرةً، وكان مسرورًا هناك، فانقضت الأسابيع الأولى بشكل هادئ، وأنتج العديد من لوحاته الشهيرة مثل: صورة الدكتور غاشي، الكنيسة في أوفيرس، وفي مساء الأحد 27 يوليو عام 1890م حمل فان خوخ مسدسًا وأطلق النار على صدره، فعاد إلى شقته وهو يتمايل وانهار على سريره، وجاء الأطباء لكنَّهم قرروا عدم محاولة إزالة الرصاصة، وفي اليوم التالي وصل ثيو، وبقيا معًا وأخبره فان خوخ مقولته الشهيرة: إن الحزن يدوم إلى الأبد، وفي صباح يوم 29 من يوليو عام 1890م توفي فان خوخ عن 37 عامًا.[٢]
المراجع
- ↑ "ڤينسنت ڤان گوخ"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج "فينسنت فان خوخ"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج "فينسنت فان خوخ "، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "رسائل فان غوخ"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "من هو فان غوخ ؟"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "غرفة نوم في آرل"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "نهاية فان جوخ حادثة انتحار أم قتل بالخطأ"، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "ليلة النجوم (لوحة) "، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "فينسنت فان غوخ"، ar.wikiquote.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "قصة فينسنت فان جوخ"، www.qssas.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "الكآبة ما هي سوى بداية.. كيف روى فان جوخ سيرته الذاتية عبر لوحاته وخطاباته؟"، www.sasapost.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.