نبذة عن قيس بن ذريح

كتابة:
نبذة عن قيس بن ذريح

نسب قيس بن ذريح

هو قيس بن ذريح الليثي الكناني المولودُ سنةَ 625م من أهل الحجاز، ذو نسبٍ أصيل يرجعُ إلى نزار بن معد بن عدنان، وهو شاعر من أشهر شعراء الغزل العذري، عاش في فترة الخلفاء الراشدين والفترة التي تليها؛ أي فترة حكم معاوية بن أبي سفيان، وكان شاعرًا من شعراء العرب المشهورين، اكتسب شهرته هذه من قصَّة الحب التي عاشها مع معشوقته لبنى بنت الحُباب الكعبية الملَّقبة بأمِّ معمر والتي كانت سببًا في تسميته بـِ مجنون لبنى، وهو اللقب الذي اشتهر به بين العرب. توفِّي قيس متأثرًا بوفاة لبنى سنة 680م.[١]

حياة قيس بن ذريح

كانت حياة قيس بن ذريح متقلَّبة بين الصفو والكدر، وجديرٌ بالقول أنَّه لم يردْ عن حياة قيس الكثير قبل معرفته بلبنى في المصادر والمراجع، وسيرة حياته المعروفة هي حياته ما بعد حبِّه للبنى، أمَّا ما عُرف عنه بدايةً هو أنَّه أخو الإمام الحسين بالرضاع، فقد أرضعتْ أمُّه الحسين بن علي رضي الله عنه، ويُذكر أنَّ خاله كان شاعرًا معروفًا اسمه عمرو بن سنة، كذلك لم تُعرف شهرته الشعرية قبل حبِّه للبنى كما اشتهر بعده، فأشعاره التي أطلقها عصافيرَ تغرِّد بحب لبنى كانتْ سببًا كافيًا لشهرته بين قبائل العرب.

وكلُّ ما يمكن قوله عن حياة مجنون ليلى قيس بن ذريح هو أنه عاش حياته تائهًا ما بين حبه للبنى وبين إرضاء والده ووالدته اللذَين لم يكونا على رضا تامّ بهذا الزواج -كما ذكرت بعض المصادر- وبعدها أكمل باقي حياتهِ وحيدًا مُبعَدًا عن لبنى، ينظم شعر الشوق والهُيام والأسى على فراق الأحبة، لتبقى سيرته تدور على ألسنة الناس، وفي صفحات الكتب إلى يوم الناس هذا، حتَّى صار مضربَ مثَل في الحبِّ والعشق في كثير من القصص والأعمال الأدبية.

مسيرة قيس بن ذريح الأدبية

مسيرة قيس مسيرة أدبية مرتبطة أشد الارتباط بواقعه، وما شهده من تغيرات خلال مسيرة عشقه وحبه للبنى، فقد كان من أعراب الحجاز، وكان في شعره تشبيب بلبنى، ومما يجدر ذكره أنه كان شاعرًا محسنًا، عُرف بقوَّة الشعر وجزالته وحسن صياغتهِ، فلم يكنْ لآلام الفراق ولوعته أثر سلبي على أشعاره، بل على العكس كان في قصائده يفرغ همومه وأحزانه، ويعبر عن أشواقه لمحبوبته.

وبالنظر إلى قصائده بالترتيب من أول قصيدةٍ نظمها إلى آخر قصيدة، يظهرُ جليًّا كيف كانت قصائدهُ الغزلية عذريَّة تفيض بالحب والهُيام، وبعد أن افترق عن محبوبته بدأت تتلون قصائده بين الغزل واللوعة والحرمان وتذكُّرِ الأطلال.[٢]

وفي آخر قصائده يظهرُ الحزن والأسى واللوعة على موت المحبوبة، فيمكن القول إن القصائد التي تركها قيس بن ذريح تكفي وحدها لتشرح تفاصيل حبه وعشقه للبنى، حتَّى أنَّ خلافه مع أهله بسبب لبنى وهجره لهم، كان قد وثَّقهُ في بعض أبيات قصائده، وكأنَّه من شدة حبه لها أراد لها أن تبقى خالدة في ذكراها في حياته وبعد مماته.[٢]

قصة حب قيس ولبنى

بدأت قصة حب قيس للبنى عندما كان قيس بن ذريح مشغولًا ببعض الأعمال في يوم شديد الحر، ومر ببني كعب -وهم قوم لبنى- فطلب منهم شربة ماء، وكان أن ظهرتْ له لبنى -الفتاة الجميلة ذات القامة الممشوقة والوجه الحسن، والكلام العذب- وأعطته الماء ودعته ليكون ضيفهم، فوافق وقد انتاب خاطره شيء من الإعجاب تجاهها.[١]

غادر المكان في اليوم التالي، وفي قلبه بدأتْ تضطرم نار الحب والعشق لهذه الفتاة، وبعد جهد جهيد من قيس في محاولة إخفاء هذا الحب، خانته أشعاره وأظهرت ما في قلبه من حب، وبعدها صرح للبنى عما في قلبه، وَوَجد عندها قَبولًا وحبًّا كثيرًا له، وبعد أن طلب من والده أن يتزوج بلبنى، رفض، وطلب منه أن يتركها ويتزوج بإحدى بنات عمه، وهنا بدأت معاناة العاشقَين، وعندما التجأ مجنون لبنى إلى والدته لتقنع والده بالزَّواج من لبنى، حيث لاقى منها من الرفض أكثر مما لاقاه من والده، فالتجأ إلى الحسين بن علي وطلب منه المساعدة، وذهب الحسين وتمكن من إقناع والد قيس بهذا الزواج.[١]


لم تلبث أن تقر عين قيس ولبنى بهذا الزواج، إلَّا أن بدأت الآلام تحوم حول حماهم، ولا سيَّما بعد أن علم والد قيس بن ذريح أن لبنى لا تنجب الأولاد، فأقسم يمينًا على ابنه قيس ألا يدخل دارهم إلا ولبنى طالق، وذلك اليمين كان بعد محاولات سابقة في إقناعه بالانفصال عن لبنى دون موافقته على ذلك؛ فهو يحبها حبًا شديدًا، ولكن خاف من غضب أبيه ففعل ما أمره به، وبعد أن طلق قيس لبنى وأنهت فترة العدة، ذهب إلى أهلها ليطمئن عنها فمنعوه، وقالوا إنها سترتحل عن مكانها[١]، ولما رحلتْ أنشدَ قائلًا:


وإنِّي لمُفنٍ دمعَ عينيَ بالبكا

حِذارَ الذي قد كانَ أو هو كائنُ

وقالوا: غدًا أو بعد ذاكَ بِليْلةٍ

فراقُ حبيبٍ لم يبِنْ وهْوَ بائِنُ[٣]


وعندها قيس أصيب بمرض شديد، وشعر والده بالنَّدم على ما فعله بابنه، فما كان منه إلَّا أن أرسله إلى أحياء العرب لعلَّه يجدُ من تنسيه حبَّ للبنى، وحصل أن التقى بفتاة جميلة في منطقة اسمها فزارة وكان من المصادفة أن اسمها لبنى، وبعد إصرار أهله أن يتزوج بها، تمَّ هذا الأمر، وما إن وصل خبر هذا الزواج إلى محبوبته لبنى حتَّى فاضت عيونها دموعًا وحرقة على ما فعله قيس، وهي التي كانت ترفض كلَّ من يطلبها أملًا بأن تعود إلى محبوبها، وعندها وافقت على الزواج بأحد أقاربها الذي كان قد تقدم لها بعد طلاقها.[١]

وبعد كل هذه الأحداث حصل لقاء بين قيس ولبنى، وتذكرا أيامهما وحبهما، وأصابت العلة والمرض منهما كلَّ مصاب، حتَّى عرض زوج لبنى عليها أن تبقى معه، أو يطلقها وتعود لقيس بن ذريح، فاختارت الطلاق، ولكنها لم تتمكن من العودة لقيس بن ذريح؛ لأنَّ المنية وافتها قبل أن تعود له وتداوي آهات الفراق التي ألمّت بها، فقصد قيس قبر لبنى فبكى عندها قبرها بكاءً شديدًا فأغمي عليه[١]، ولما عاد إليه بيته أنشد قائلًا:

عِيدَ قيسٌ من حبِّ لُبنى ولُبنى

داء قيسٍ والحبُّ صعبٌ شديدُ[٤]

وما لبث أن يقوى جسد قيس حتَّى وصله خبر وفاة لبنى، فعادت الآهات والأوجاع تفتك به وبجسده، ومات بعدها بثلاثة أيام.[١]

مطالع قصائد قيس بن ذريح

إن قصَّة حب قيس بن ذريح للبنى وما حصل بينهما من حب وهيام، والظروف التي أجبرت قيس بن ذريح على الانفصال عن لبنى، كلُّ هذا كان له أثر كبير فيما نظمه مجنون لبنى من قصائد، فقد قضى جل أوقاته هائمًا على وجهه يتغنى بحبه للبنى، وينظم الغزل العذري في حبه لها، وعناوين قصائده أكبر دليل على هذا الحب المجنون لا سيَّما أنها لم تتنوَّع فيها الأغراض الشعرية، وغلب عليها أساليب النداء تارةً والاستفهام تارةً أخرى، وهذه العناوين هي:[٥]

  • خليلي مالي قد بليت ولا أرى.
  • ألا حيّ لبنى اليوم إن كنتُ غاديا.
  • وخبرتماني أن تيماء منزل.
  • بكيت نعم بكيت وكل إلف.
  • بانت لبينى فهاج القلب من بانا.
  • أقول لخلتي في غير جرم.
  • ولقد أردت الصبر عنك فعاقني.
  • إلى الله أشكو فقد لبنى كما شكا.
  • وللحب آيات تبين للفتى.
  • وما أنس من الأشياء لا أنس قولها.
  • ويوم منى أعرضت عني فلم أقل.
  • إن تك لبنى قد أتى دون قربها.
  • ألا يا ربع لبنى ما تقول.
  • بانت لبينى فأنت اليوم متبول.
  • أنبئت أن لخالي هجمة حبسا.
  • إذا ذُكرِتْ لبنى تأوه واشتكى.
  • جزى الرحمن أفضل ما يجازى.
  • يقولون لبنى فتنة كنت قبلها.
  • كيف السلو ولا أزال أرى لها.
  • إذا ذكرت لبنى تجلتك زفرة.
  • تكاد بلاد الله يا أم معمر.
  • قد قلت للقلب لا لبناك فاعترف.
  • لعمرك لولا البين لانقطع الهوى.
  • أحبك أصنافا من الحب لم أجد.
  • بليغ إذا يشكو إلى غيرها الهوى.
  • لقد خفت أن لا تقنع النفس بعدها.
  • حننت إلى ريا ونفسك باعدت.
  • بت والهم يا لبينى ضجيعي.
  • لعمرك أنني لأحب سلعا.
  • ألا يا شبه لبنى لا تراعي.
  • إذا طلعت شمس النهار فسلمي.
  • لعمرك إني اليوم جرعاء مالك.
  • سأصرم لبنى هبل وصلك مجملا.
  • ألبنى لقد جلت عليك مصيبتي.
  • وما كل ما منتك نفسك خاليا.
  • فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى.
  • عفا سرف من أهله فسراوع.
  • ألا يا لقومي كل ما حم واقع.
  • ألا ليت لبنى في خلاء تزورني.
  • ويلي وعولي وما لي حين تفلتني.
  • ألا يا غراب البين لونك شاحب.
  • صدعت القلب ثم ذررت فيه.
  • أرى بيت لبنى أصبح اليوم يهجر.
  • خذوا بدمي إن مت كل خريدة.
  • بنفسي من قلبي له الدهر ذاكر.
  • لو أنني أسطيع صبرًا وسلوة.
  • تعلق روحي روحها قبل خلقنا.
  • فما وجدت وجدي بها أم واحد.
  • لعمري لقد صاح الغراب ببينهم.
  • عيد قيس من حب لبنى ولبنى.
  • وفى عروة العذري إن مت أسوة.
  • نباكر أم تروح غدا رواحا.
  • هبيني امرأ إن تحسني فهو شاكر.
  • كأن القلب ليلة قيل يغدى.
  • ماتت لبينى فموتها موتي.
  • لقد عذبتني يا حب لبنى.
  • إذا خدرت رجلي تذكرت من لها.
  • وما أحببت أرضكم ولكن.
  • أمس تراب أرضك يا لبينى.
  • نباح كلب بأعلى الواد من سرف.
  • أيا كبدا طارت صدوعا نوافذا.
  • لقد نادى الغراب ببين لبنى.
  • يقر بعيني قربها ويزيدني.
  • حلفت لها بالمشعرين وزمزم.
  • وما هو إلا أن أراها فجاءة.
  • وما سجعت ورقاء تهتف بالضحى.

نماذج من شعر قيس بن ذريح

  • شعره في شوقه لمحبوبته:

وما أحببتُ أرضكم ولكنْ

أقبّل أثرَ من وطِئ التُّرابا

لقد لاقيتُ من كلفٍ بلُبنَى

بلاءً ما أسيغُ له الشَّرَابا

إذا نادَى المُنادي باسمِ لُبْنَى

عَييْتُ فلا أُطِيقُ له جَوابَا[٦]


  • شعره في الغزل بلبنى:

تتوقُ إليكِ النَّفْس ثمَّ أردُّها

حياءً ومثلي بالحياءِ حَقِيقُ

أَذودُ سَوامَ النَّفسِ عَنكِ وَمالَهُ

عَلى أَحَدٍ إِلّا عَلَيكِ طَريْقُ

ولمْ أرَ أيامًا كأيَّامِنا الَّتِي

مرَرْنَ علينا والزَّمانُ أنِيقُ[٧]


  • شعره في الرثاء وهو يرثي لبنى:

إلى اللهِ أشكو فقدَ لُبنى كما شَكَا

إلى اللهِ فقدَ الوالدين يتيْمُ

يتيمٌ جفاهُ الأقربونَ فجسْمُهُ

نحيلٌ وعهدُ الوالدينَ قديمُ

بَكَت دارُهُم مِن نَأيِهِم فَتَهَلَّلَتْ

دُموعي، فَأَيُّ الجازِعينَ أَلُومُ[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ عبد الرحمن المصطاوي، ديوان قيس بن ذريح، صفحة 5 - 6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "كتاب سير أعلام النبلاء"، المكتبة الشاملة الحديثة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22. بتصرّف.
  3. "وإني لمفن دمع عيني بالبكا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2022.
  4. "عيد قيس من حب لبنى ولبنى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2022.
  5. "قيس بن ذريح"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-09-22.
  6. "وما أحببت أرضكم ولكن"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2022.
  7. "تتوق إليك النفس ثم أردها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2022.
  8. "إلى الله أشكو فقد لبنى كما شكا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/5/2022.
6760 مشاهدة
للأعلى للسفل
×