الأدب في مصر
عند الحديث عن الأدب العربي في مصر فإنّ الأذهان تنطلق إلى الأدب الحديث، فالأدب المصري الحديث بدأ مع مطلع القرن التاسع عشر ونهايات القرن الثامن عشر، وقد جاء هذا الأدب بعد احتلال مصر من دولتين كانتا قطبي العالم آنذاك: فرنسا وبريطانيا، إلّا أنّ الفرنسيين لم يطيلوا المكوث فأعْقَبَهم احتلالٌ إنجليزيٌّ طويلُ الأمد، فمع دخول دولة أوربييّة مثل بريطانيا إلى مصر فإنّها -لا بدّ- ستحضر معها شيئًا من ثقافتها التي قد يغترّ بها من لا يمتلك سعة في آفاق تفكيره، وكذلك فقد خرج كثير من المصريين إلى أوروبا للدراسة بما سُمّي البعثات العلميّة، فنقل القادمون من هناك شيئًا من ثقافة تلك البلاد، وهذا كلّه انعكس على الأدب والحياة الأدبيّة بين فريق يريدون أخذها إلى أقصى الغرب وآخرون نهضوا يريدون إعادتها إلى الذوق التراثي القديم، ومنهم من استفاد من آداب الغرب وبقي محافظًا على روح الشرق في أدبه كالأديب صادق الرافعي صاحب كتاب المساكين الذي سيتحدث عنه هذا المقال.[١]
كتاب المساكين
كتاب المساكين للأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي هو كتابٌ قد كتبه صاحبه للحديث عن الفقر، لا من أجل معالجته ولكن من أجل العزاء عنه والصبر عليه، وكذلك للحديث عن الغنى من أجل إصلاح ما قد يفهمه منه من غير أهله الأغنياء، وأساس الرافعي الذي ينطلق منه في هذا الكتاب هو تفسير حكمة الله -سبحانه- في الفقر، فيحضّ فيه على عزّة النفس، والثقة بالله تعالى، والصبر على الفضيلة وغير ذلك، والرافعي في هذا الكتاب قد جعل الكلام لرجل اسمه الشيخ علي الذي يرى فيه الرافعي "الجبل المتمرّد الباذخ الأشم في هذه الإنسانيّة المسكينة"، وهو رجل حقيقيّ من المجاذيب عاش في مصر قديمًا وتوفّي عام 1919م، كان إذا جاع دخل أول بيت يلقاه فيأكل ما يسد رمقه، وإذا نعس توسد يده ونام في المكان الذي يجد نفسه فيه سواء في الشارع أم البيت، فأراد الرافعي لكتابه هذا أن يكون صدًى لأفكار هذا الشيخ الفيلسوف ولكن بلسان الرافعي، وقد أراد الرافعي أن يصوّر من خلاله الإنسان الفيلسوف السعيد الكامل، ولكنّه في الحقيقة لم يكن الشيخ علي بل كان الرافعي في هيئة المتسول المجذوب؛ إذ الحوارات الموضوعة على لسان الشيخ علي هي ممّا لا يمكن، بل لا يجوز أن توضع على لسان رجل مشرّد؛ لما فيها من تحليل وفلسفة وجدل عقليّ لا يخلو من العمق، ورجل كالشيخ علي لا يُستساغ أن يصدر منه كلام كالمكتوب في كتاب المساكين.[٢]
ويمكن القول عن الكتاب إنّه مجموعة مقالات لا رابط بينها سوى فكرة الألم الإنساني الذي ينتج عن العشق والمرض والجوع، فهذه المقالات إذًا مُجمّعة وليست تأليفًا؛ فالرافعي كتب عددًا من المقالات في بعض المجلّات والصحف آنذاك ثمّ وزّعها على عدد من كتبه كالمساكين وتحت راية القرآن وأوراق الورد، وفصول كتاب المساكين تضمّ عددًا من الفنون التي برع فيها الرافعي وهي:
- حوارات فلسفيّة: وهي حوارات فلسفيّة بحتة تجري بين الرافعي والشيخ علي، ومن الفصول التي تكمن فيها هذه الحوارات فصل الفقر والفقير، ولؤم المال ووهم التعاسة، والحرب، والجمال والحب، ووهم الحياة والسعادة.
- قصص أخلاقيّة: وهي قصص فيها وعظ واعتبار، ومن الفصول التي تقع فيها هذه القصص فصل مسكين ومسكينة، وقصة سحق اللؤلؤة التي -على الأرجح- قد أخذها من رواية اسمها "فيكتور ولويز" كما يوحي إلى ذلك الرافعي.
- خواطر وتأمّلات: وهذه في الحياة والموت والفرح والحزن والكمال والنقص والحرب والبغي والجمال والحب والفلسفة والظلم والإيمان والإلحاد والدين والعلم والفساد والإصلاح.
ويدافع الرافعي عن كتابه هذا والأسلوب الطاغي عليه الذي يراه بعض الباحثين أسلوبًا معقّدًا يُفقِدُ الفكرة بهجتها، فيقول في إحدى رسائله إلى صديقه أبي ريّة إنّ مدار عبارات هذا الأسلوب على تصوير الحقائق بألوان خياليّة كي تكون بذلك أوقع في نفس القارئ، وكذلك فإنّ هذا الأسلوب هو من فنون المجاز التي قد لا يفهمها ولا يميل إليها إلّا عارفوها، والميّالون إلى الشّعر، وفوق ذلك فالمجاز أساسًا حلية كلّ لغة، ولا سيّما العربيّة، على ما في ذلك -أي الكتابة بهذه الطريقة- من إرهاق للكاتب.[٢]
اقتباسات من كتاب المساكين
بعد أن وقف المقال مع نبذة عن كتاب المساكين للرافعي فإنّه يقف فيما يأتي مع اقتباسات من ذلك الكتاب الذي جعله صاحبه لكي يعزّي الفقراء والمساكين ويدعوهم للصبر على ما هم فيه، وكذلك ليُحيي روح الإخاء والمساعدة عند الأغنياء الذين يجب أن يساعدوا الفقراء على قسوة الحياة، وممّا جاء في كتاب المساكين:
- "ما دام فوق الإنسانية من السماء قوةٌ لا تُحدُّ، وتحت الإنسانية من القبر هُوَّةٌ لا تُسدُّ؛ فلا نظامَ إلّا على تصريف النفس أمرًا ونهيًا، وتأويلِ الحياة معنى وغايةً".
- "الحبيب هو الحبيب وكل الناس بعده أدوات، وشخص واحد هو الألف واللام والحاء والباء، والناس جميعًا نقطة صغيرة ملقاة تحت الباء فقط".
- "يكون الأسدُ حبيسًا في قفصه، ولكنّ الحبسَ لن يجعلَه عبدًا لمن يُطعِمه".
- "جعلَ اللهُ للإنسانِ آلةً واحدةً للصّدق وهي القلب، وآلتين للكذب: وجهه ولسانه".[٣]
- "أفٍّ لهذه الدنيا! يحبها من يخاف عليها.. ومتى خاف عليها خاف منها؛ فهو يشقى بها ويشقى لها.. ومثل هذا لا يكاد يُطالع وجه حادثةٍ من حوادث الدهر إلا خُيّل إليه أنّ التعاسة قد تركت الناس جميعًا وأقبلت عليه وحده".
- "وما هؤلاء الأطفال إلّا الأساتذة الذين يعلموننا وهم يتعلمون منّا، غير أنّنا لا نأخذ عنهم فلا نصلح، ويأخذون عنّا فيفسدون".
- "الفقر خلوٌّ من المال، ولكنّ أقبح الفقر الخلوّ من العافية.. والغنى أن تملك من الدنيا، ولكنّ أحسن الغنى أن تهنأ في الدنيا".[٤]
المراجع
- ↑ "في الأدب المصري الحديث"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب أ. د. مصطفى الجوزو (1985)، مصطفى صادق الرافعي رائد الرمزية العربية المطلة على السوريالية (الطبعة 1)، بيروت: دار الأندلس، صفحة 66. بتصرّف.
- ↑ "كتاب المساكين"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "المساكين "، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.