محتويات
محمد بن عمر الواقدي
هو أبو عبد الله محمّد بن عمر بن واقد السهميّ، وُلِد الواقديّ في المدينة في عام 130 للهجرة، وهو ما يوافق عام 747 ميلادية، وهو عالم من علماء المسلمين، سكن بغداد، وكان من علماء السير والمغازي والفقه وأيام الناس، ويُذكر عن الواقدي أنَّه كان في الحديث متروكًا، فقد اتُّهم بتعمُّد الكذب في الحديث النبوي،[١] وقد اهتمَّ الواقدي بدارسة التاريخ الإسلامي منذ نشأته، فدرس السيرة النبوية وفصَّل في أخبار غزوات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن أبرز شيوخ الواقدي الإمام مالك الذي أخذ عنه الحديث النبوي، كما أخذ السير عن أبي معشر السندي، وقد تتلمذ أيضًا على يد سفيان الثوري وابن جريج ومعمر بن راشد، وقد توفّي سنة 204 للهجرة، أي ما يصادف عام 823 ميلادية، وفيما يأتي نبذة عن كتاب المغازي للواقدي.[٢]
كتاب المغازي
كتاب المغازي هو كتاب ألَّفه أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي المعروف بالواقدي، جمَعَ فيه الواقدي قصص غزوات رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وسراياه، والسرية هي المعركة التي عقدها رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- للصحابة الكرام ولم يشارك بها بنفسه، ويبلغ عدد السرايا 47 سرية، وعدد الغزوات 49 غزوة، ويتألف كتاب المغازي للواقدي من ثلاثة أجزاء، قدَّم الواقدي في هذه الأجزاء الثلاثة حديثًا طويلًا عن المراحل التي مرَّت بها السيرة النبوية، ويمتاز هذا الكتاب بأنَّه كان متكاملًا في التواريخ الموضوعة فيه، حيث أرَّخ الواقدي في هذا الكتاب كثيرًا من الأحداث التاريخية الإسلامية المبكرة التي لم تؤرَّخ عن غيره من المؤرخين كابن إسحاق، ومن أهم الأحداث الذي أرَّخها الواقدي في كتابه المغازي ولم يؤرِّخها ابن إسحاق: غزوة الخرار، قتل أسماء بنت مروان، قتل أبي عفك، غزوة بني قنيقاع، قتل كعب بن الأشرف، سرية قطن، غزوة دومة الجندل، قتل سفيان بن خالد بن نبيح، غزوة القرطاء، سرية الغمر، سرية ذي القصة، غزوة بني سليم، سرية الطرف، غزوة ذات السلاسل، سرية الخيط، سرية خضرة، سرية علقمة بن مجزز، سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن، كما أنَّ من أهم مميزات هذا الكتاب هو التفصيل والدِّقة في سرد الأحداث التاريخية الواردة فيه، ومن أبرز الغزوات التي فصَّل فيها الواقدي تفصيلًا دقيقًا هي غزوة أحد والطائف، حيث إنَّ التفصيل المذكور في كتاب المغازي لم يَرِد في غيره من المراجع التاريخية على الإطلاق.[٣]
منهج الواقدي في كتاب المغازي
يُعدُّ كتاب المغازي من أهم الكتب التي تتحدَّث عن السيرة النبوية وعن مراحل تطور سيرة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في القرن الهجري الأول والقرن الهجري الثاني، ولم يأخذِ الواقدي في هذا الكتاب عن الزهري مباشرة بل أخذ عن الرواة الذين رووا الأخبار عن الزهري، وقد سلك الواقدي منهجًا خاصًا في كلِّ قسم من أقسام كتابه المغازي، وفيما يأتي تفصيل في منهج الواقدي في كتاب المغازي:[٤]
منهج الواقدي في ذكر الأسانيد
في كلِّ غزوة من الغزوات التي ذكرها الواقدي، كان يبدأ بذكر قائمة مطولة للرجال الذين أخذ عنهم هذه الأخبار، وفي بعض الأحيان كان الواقدي يجمع الأسانيد في متن واحد، وقد جاء عنه أنَّه أخذ عن خمسة وعشرين شيخًا، منهم ما عُرف في العلم والسيرة النبوية ومنهم ما لم يعرف أبدًا، وجدير بالذكر إنَّ الواقدي في كتابه المغازي كان يكرّر ذكر الشيوخ الذين أخذ عنهم في كثير من الغزوات، وقد اتصفت أخبار الواقدي بالاستقصاء لأنَّه كان ينقل الأسانيد التي أخذ منها، جيِّدها وضعيفها، إضافة إلى أنَّه جمع من المصنفين الذين كتبوا وصنَّفوا قبله، مثل: الزهري، معمر، موسى بن عقبة، عاصم بن عمر بن قتادة، عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وغيرهم.
منهج الواقدي في المغازي والسرايا
لم يمهّد الواقدي كثيرًا للمغازي والسرايا في كتابهِ، بل عرضها بشكل مباشر وحدَّد لها تاريخًا مختصرًا، فكان كتابه هذا فهرسًا للغزوات النبوية، حدَّد فيه تاريخ كلَّ غزوة، كما قدَّم بعض المعلومات عن كلِّ غزوة من هذه الغزوات، وختم الواقدي قائلًا: "فكانت مغازي النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بنفسه سبعا وعشرين غزوة"، وقال أيضًا: "وكانت السرايا سبعا وأربعين سرية، واعتمر ثلاث عمر"، وجدير بالقول أيضًا إنَّ الواقدي ذكر الصحابة الكرام الذين استخلفهم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على المدينة المنورة عند خروجه للغزو، كما ذكر شعار المسلمين في كلِّ غزوة من الغزوات بالتفصيل.
منهج الواقدي في ذكر التفاصيل الجغرافية
لقد بذل الواقدي جهدًا كبيرًا في ذكر التفاصيل الجغرافية للغزوات، وإنَّما ذكر هذه التفاصيل دليل على المعرفة العظيمة التي يمتلكها الواقدي والتى جاهدًا للحصول عليها، فقد روى عن ابن عساكر والخطيب البغدادي وابن سيد الناس، قال الواقدي: "ما أدركت رجلًا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء، ولا مولى لهم إلا سألته: هل سمعت أحدًا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل؟ فإذا أعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه".
منهج الواقدي في ذكر الغزوات المهمة
سلك الواقدي نهجًا عظيمًا في ذكر الغزوات المُهمِّة، فالغزوة التي نزلتْ في حقِّها آيات كثيرة في القرآن الكريم، كان الواقدي يفصِّل فيها ويذكرها وحدها مفسَّرة تفسيرًا دقيقًا، كما أنَّ الواقدي كان يذكر في الغزوات المُهمِّة أسماء الصحابة الذين استُشهدوا في كلِّ غزوة، وكلُّ هذا التفصيل يدلُّ على فطنة الواقدي وحنكته في كتابة هذا الكتاب.
منهج الواقدي في التواريخ
لقد اتبع الواقدي منهجًا دقيقًا جدًّا في التواريخ، فقد أرَّخ كلَّ المغازي التي أوردها في كتابه، حتَّى أنَّ بعض هذه الغزوات لم يؤرخْها ابن إسحاق، ومنها: "غزوة الخرار، وقتل أسماء بنت مروان، وقتل أبى عفك وغيرها"، فجميع ما لم يُرَّخ عن غيره له عنده تاريخ دقيق ثابت، ولهذا كانت التواريخ التي يذكرها الواقدي أدقَّ من غيرها من التواريخ الواردة في كتب السيرة النبوية الأخرى، إضافة إلى ذكر كلِّ التواريخ، كان الواقدي دقيقًا في ترتيب التواريخ عند سرده للحوادث المشهورة، مثل: غزوة أحد والطائف ووغيرها من الأحداث التاريخية المهمة في السيرة النبوية.
حضور شخصية الواقدي في المغازي
إنَّ من أهم ما يرفع قيمة كتاب المغازي للواقدي هو أنَّ الواقدي كان واضحًا في منهجه، حيث اتبع منهجًا نقديًا واعيًا في اختيار المعلومات والأخبار التي أوردها في هذا الكتاب، كما أنَّها كان يبدي أراءه ويطرح أفكاره في هذه الأخبار التي ينقلها ويوردها في كتابه، ومن أهم العبارات التي كان يوردها مبيِّنًا فيها رأيه بالأخبار المذكورة: "وهو المثبت"، "والثابت عندنا"، "والمجتمع عليه عندنا"، "ولا اختلاف عندنا"، "والقول الأول أثبت عندنا"، "وهو أثبت"، "وهذا الثبت عندنا"، "ومجمع عليه لا شك فيه"، وهذه الصياغة كانت شائعة جدًا في أسلوبه في الطرح، وهو أسلوب قلَّتْ رؤيته عند غير الواقدي، وهذا المنهج جعل من التصنيف عند الواقدي يصل إلى القمة والذروة، وهذا ما جعل المصنفين يضطرون للرجوع إلى الواقدي في أمور السيرة النبوية، فيأخذون من أخباره ومصنفاته، لأنَّه كان دقيقًا يستقصي الأخبار بعناية، يقول ابن سيد الناس: "وكثيرًا ما أنقل عن الواقدي من طريق محمد بن سعد وغيره أخبارًا، ولعل كثيرًا منها لا يوجد عند غيره، فإلى ابن عمر انتهى علم ذلك أيضا في زمانه".[٤]
آراء العلماء حول الواقدي
إنَّ من أكثر المسائل الشائكة في حياة الواقدي، هي أنَّ العلماء ضعَّفوا روايته للحديث وأخذوا عنه السيرة النبوية، تطَّرق إلى هذه التضعيف في رواية الحديث عدد كبير من أهل العلم، فتعدّدت الآراء واختلف النظرات نحو الواقدي، وفيما يأتي آراء العلماء حول الواقدي بشكل عام:
- قال ابن الجوزي: "قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ كَذَّاب كَانَ يقلب الْأَحَادِيث يلقِي حَدِيث ابْن أخي الزُّهْرِيّ على معمر وَنَحْو ذَا".[٥]
- قال ابن كثير: "الواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبًا،فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار ، وهو صدوق في نفسه مكثار".[٥]
- قال ابن حبان: "كان ممن يحفظ أيام الناس وسيرهم، وكان يروي عن الثقات المقلوبات، وعن الأثبات المعضلات، حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد؛ لذلك كان أحمد بن حنبل يكذبه".[٦]
- قال الخطيب: "هو ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها، وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه، وكان جوادًا كريمًا مشهورًا بالسخاء".[٧]
- قال النسائي: "المعروفون بوضع الحديث على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن سعيد بالشام".[٧]
المراجع
- ↑ "محمد بن عمر الواقدي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "الواقدي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ↑ "كتاب المغازي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
- ^ أ ب "الواقدي ومنهجه في كتاب المغازي"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
- ^ أ ب "الواقدي والنبوغ في المغازي والسير والتاريخ"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
- ↑ "كيف يضعف الواقدي في الحديث دون السيرة؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.
- ^ أ ب "سير أعلام النبلاء"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-06. بتصرّف.