محتويات
متى ألف سيبويه كتابه؟
سيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، ولقبه هو أبو بشر عاش ما بين (765م - 796م) أي في أواخر العصر الأموي وبداية العصر العباسي، يُعدّ سيبويه واحدًا من أئمة أهل النحو وأعلامه، وقد كان لسيبويه يد بيضاء في علوم النَّحو وألّف كتابًا هو أشبه بالموسوعة التي يعود إليها العلماء فيستقون منها وقد عُرف ذلك الكتاب باسم كتاب سيبويه، ومن اللافت للذهن أن لماذا سمي كتاب سيبويه بهذا الاسم؟ ولماذا لم يحمل عنوانًا كغيره من كتب النحو التي سطّرها العلماء؟[١]
للجواب عن ذلك لا بدَّ من الرجوع إلى وقت تأليف سيبويه للكتاب، إذ لم يقف العلماء على تاريخٍ لتأليف كتاب سيبويه، والرّاجح أنَّه قد عكف على تأليف كتابه زمنًا طويلًا ووافته المنيّة قبل أن يُلبس الكتاب حُلّته الأخيرة، فقد عكف طيلة أيّام حياته يُنقّح ذلك الكتاب ويزيد عليه بعضًا من المسائل ويُنقص أخرى، ويُذكر أنَّ سيبويه لم يقرأ كتابه في حياته على أحد ولم يقرأ أحدٌ عليه كتابه، ولكن لمَّا وافته المنيَّة خاف المزني والجرمي أن ينسب الأخفش لنفسه الكتاب -وهو أبعد ما يكون عن ذلك ولكن هو وهمٌ سرى إلى نفوسهم- فقرؤوا الكتاب على الأخفش وأشاعوا بين النَّاس أنَّ هذا الكتاب هو لسيبويه، ولهذا لم يكن لكتاب سيبويه أي اسم؛ لأنّ مؤلفه مات قبل تمامه، فسُمي فقط كتاب سيبويه نسبةً إليه.[٢]
فهرس كتاب سيبويه
علامَ اشتملت أجزاء كتاب سيبويه الأربعة؟
لقد طبع كتاب سيبويه في طبعات كثيرة، ولكن من أفضل الطبعات هي الطبعة التي بتحقيق العالم الأستاذ عبد السلام هارون، وقد جاءت هذه الطبعة في أربعة مجلّدات، وقد قسّم سيبويه كتابه إلى أبواب، وضمّ في كل باب ما شاكله وما شابهه من أبواب النحو، وفيما يأتي أهمّ الأبواب من الفهرس الخاص بكل مجلد من هذه المجلدات الأربعة:[٣]
فهرس الجزء الأول
أتى سيبويه في حديثه في الجزء الأوّل على الكلمة في اللغة العربية وما ينضوي تحتها من تفصيلات الفاعل والمفعول به والاستفهام والحروف التي تجري مجرى الاستفهام والمصادر والنكرات، وما اختلف به النحويون عن العرب فاستكرهوه وقد قبّحه العرب دون استكراه، والتوكيد والنعت والمنعوت والبدل وغيرهم.[٣]
فهرس الجزء الثاني
عطف سيبويه في الجزء الثاني في كتابه للحديث عن بدل المعرفة من النكرة وكذلك النكرة من المعرفة، والمنصوبات على أنواعها سواء كان ذلك حالًا أم ما نُصب على سبيل المدح أم ما يجري من الشتم على سبيل التعظيم، وحكى كذلك عن مسألة الابتداء والنداء وكذلك الندبة والترخيم، والنفي والاستثناء وما يلحق الزيادة في الاستفهام وغير ذلك من الأمور.[٤]
فهرس الجزء الثالث
أمَّا في الجزء الثالث فقد حكى سيبويه عن الأفعال المضارعة وعن كلّ ما يعمل في الأفعال فيجزمها، وكذلك الأسماء التي يجازى بها وتكون بمنزلة الذي، والقسم وكذلك ما يُضاف إلى الأفعال من الأسماء، وما ينصرف في اللغة العربية وما يُمنع صرفه، ثم أتى في كلامه على باب الحكاية التي لا تُغيّر فيها الأسماء عن حالها في الكلام، وأطال في باب الإضافة والتثنية والجمع والتصغير والتحقير وحكى عن الهمز والمقصور والمدود والتكسير.[٥]
فِهرِس الجزء الرابع
أتى سيبويه في الجزء الرابع من كتابه على الحديث عن مسائل متفرقة في النحو، وكذلك ما يُكسر من أوائل الأحرف في الفعل المضارع وما يُحذف من الأحرف في الكلمات وما تُمال فيه الألفات، والوقوف في أواخر الكلمات المتحركة عند الوصل، والإشباع في الرفع والجر وغير الإشباع، ثم حكى في كتابه عن الأسماء والصفات والأفعال وهو ما أطلق عليه النحويون التصريف، وحكى عن التضعيف والإدغام وعدد الحروف العربية ومخارجها.[٦]
منهج سيبويه في تأليف الكتاب
بماذا اختلف كتاب سيبويه عن غيره من الكتب؟
كانت خطة سيبويه في تأليف كتابه مختلفة عمَّا اعتاده المتأخرون في كتب النحو، وقد سار في كتابه على نهجٍ خاصٍّ فيه، ومن ذلك:
ترتيب الأبواب
لم يأت سيبويه على ترتيب كتابه كما كتب النحو في هذا العصر، بحيث تُجمع المتشابهات إلى بعضها فتكون المرفوعات معًا وكذلك المنصوبات والمجرورات، بل كان يذكر الفاعل ثم يأتي بعده على ذكر المفعول به ويمزج ما بين المجرورات والمنصوبات معًا، ثمّ بعد ذكر أبوابٍ كثيرةٍ يأتي على ذكر المبتدأ والخبر.[٧]
تقديم ما حقه التأخير والعكس
لم يسر سيبويه في كتابه سيرًا دقيقًا ولم يضع كثيرًا من الأمور في موضعها الصحيح، فقد قدّم كثيرًا من الأبواب التي كان حقها التّاخير، فمثلًا بدأ في جزئه الأوّل بالحديث عن المسند والمسند إليه، وبعد ذلك تحدّث عن أبواب المسند إليه مثل الفاعل والمبتدأ وغيرهم، فهو لمّا أنهى حديثه عن المسند والممسند إليه عاد إلى ما كان حقه التّقدم.[٧]
ذكر العام ثمّ الخاص
انتهج سيبويه في كتابه طريقة خاصة، بحيث يذكر المسألة العامة ثم يأتي على تفصيلاتها في أبوابٍ خاصة، ثمّ يعقد للمسائل الصغيرة الجزئية بابًا خاصًّا لها، فمثلًا يذكر باب التصغير ويتحدث فيه عن مسألة التصغير، وإذا ما أشكلت مسائل مثل تصغير المضاعف وتصغير ما كان على خمسة أحرف أفرد لذلك أبوابًا منفردة.[٧]
عدم جمع المسائل المتصلة في باب واحد
الأصل أن تذكر جميع المسائل المتصلة مع بعضها في بابٍ واحد، ولكنّ سيبويه لم يفعل ذلك -لأنَّ ذلك لم يكن دارجًا في عصره- فكان يذكر المسألة في هذا الباب مثلًا ثم يأتي على مسألةٍ شبيهةٍ لها في بابٍ آخر، وقد يفصل ما بين البابين أبواب كثيرة، ومن الجدير بالذّكر أنَّ تلك المسائل كانت تُذكر في أبواب متباعدة؛ تبعًا للمناسبات التي تستدعيها.[٧]
مصادر كتاب سيبويه
من أين استقى سيبويه أسس كتابه؟
إنّ كتاب سيبويه موسوعة في النحو والصرف استفاد منها العلماء فكانت مرجعًا لهم، ولا ريب أنّ سيبويه قد استقى كتابه من عدة ينابيع نهل منها، ومن تلك الينابيع:
الاستفادة من الكتب السابقة
إنّ سيبويه هو واحدٌ من مؤلفي النحو وقد أتى على كثيرٍ من كتب النحو السّابقة له فتفحّصها وقرأها وفهم معانيها واستفاد منها، ولا سيما كتابي الجامع والإكمال لعيسى بن عمر الثقفي، وأمَّا من اتّهمه بأنّه استقى المادة العلمية من كتاب الجامع فذلك كلامٌ لا دليل عليه، إذ يتبيّن للقارئ أن كتاب سيبويه قد وضع وضعًا أوليًّا من شخصٍ واحد ولم يأخذ المتن من الجامع وشرح فوقه كما ذكر ابن خلكان.[٨]
الاستفادة من أساتذته
لقد عكف سيبويه بين حلقات أساتذته يدون ما يسمعه ويفهم ويفتح عقله ومنارات فهمه، فيستقي منهم العلوم حتّى جمع ذلك كله في صدره ودونه في كتابه، إذ تتلمذ على يد أبي عمرو بن العلاء ويونس والخليل بن أحمد الفراهيدي، وقد كان أساتذته كلهم بصريون ما عدا الرؤاسي فقد كان كوفيًّا، ولمَّا دوّن سيبويه في كتابه ما أخذه ع الخليل في حلقةٍ من دروسه نسب في آخر الباب أنّ ذلك من كلام الخليل، وكذلك فعل مع نقله من يونس وكذلك في روايته عن الأخفش الكبير.[٨]
أسلوب سيبويه في الكتاب
هل أخذ سيبويه منحًى واحدًا في تأليف كتابه؟
لم يتناول سيبويه كتابه كله على منحًى واحد، بل بالغ في الإفهام والشرح والتفصيل في بعض أبواب الكتاب، فجعل لكلّ مسألةٍ من المسائل بابًا مخصصًا لها وأطال في شرحها ووضع الفرضيات لها وأحكام النحاة على تلك الفرضيات، وفي بعض المواضع الأخرى أوجز في كلامه أشدّ الإيجاز حتّى باتت بعض الفصول غامضة مبهمة تحتاج إلى وقفةٍ طويلةٍ، ولا يُمكن قراءة كتاب سيبويه على عجل كأيّ كتابٍ آخر، بل لا بدّ من التّريث في قراءته والوقوف على مفاهيمه، وأكثر العلماء استقوا مادّتهم العلمية من كتاب سيبويه فكان مرجعًا لهم ومتنًا عظيمًا يعلقون عليه ويشرحونه.[٩]
موقف الأقدمين من كتاب سيبويه
ماذا قال مخضرمو النحو في العصر القديم على كتاب سيبويه؟
تعدّدت مواقف الأقدمين في الحديث عن كتاب سيبويه، ومن تلك المواقف التي ذخرت بها كتب الأدب:
- أبو جعفر أحمد بن محمد: ذكر أبو جعفر أنَّ أهل اللغة قد فضلوا كتاب عمرو بن عثمان بن قنبر العروف بكتاب سيبويه على جميع كتب النحو في عصورهم، وقد ذكر محمد بن يزيد أنَّ كتاب سيبويه لم يُعمل مثله في أيّ علمٍ من العلوم، إذ إنّ الكتب في العلوم الأخرى دائمًا تحتاج إلى غيرها داعمًا لها، لكن من وقف على كتاب سيبويه ففهمه لم يحتج إلى غيره.[١٠]
- أبو بكر بن شقير: وذكر أبو بكر بن شقير أنّ الجرميّ قال إنّه صار يفتي النَّاس في الفقه من كتاب سيبويه منذ أن قرأه.[١٠]
- الجاحظ: ذكر الجاحظ أنّه أراد مرة أن يخرج إلى عبد الملك بن الزيات، فأراد أن يحمل له هدية فبحث وأعمل فكره في هديةٍ له، فوجد أنّ الزيات يملك كل شيء، فاشترى كتاب سيبويه وحمله إليه وقال له: بحثت عن هديةٍ لك فوجدت كل شيء عندك، ولم أجد لك أشرف من كتاب سيبويه أحمله إليك، فال له الزيات: وقد أهديتي أحبّ الأشياء إلي.[١١]
- أهل البصرة: اصطلح أهل البصرة على قولهم "الكتاب" حين يقصدون كتاب سيبويه، فيقولون قرأ فلانٌ الكتاب كله، وقرأ الآخر نصفه، حتّى أنّ المازني كان يقول فيه: "من أراد أن يعمل كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي".[١٢]
مآخذ على كتاب سيبويه
ما المسائل التي اختلف بها العلماء مع سيبويه في كتابه؟
إنّ لكلّ كتابٍ من الكتب مآخذ تؤخذ عليه إلا القرآن الكريم، ولا يُجمع النُقّاد على حسن كتاب، ومن المآخذ على كتاب سيبويه:
مسألة حاشا
ذهب ثعلب إلى أنَّ سيبويه جعل "حاشا" حرفًا يخفضُ ما بعده، وقد عامله في ذلك معاملة حتّى وفيها معنى الاستثناء، وقال الزّجاج إنّ تلك المسألة في كتاب سيبويه ولم يُخطئ فيها، إذ جعل التذكير في الحرف والتأنيث في الكلمة، وحجة ثعلب في مأخذه ذاك أن يُحمل الكلام كله على وجهٍ واحد، فقال له الزجاج: بل كل ذلك جيد.[١٣]
باب التعجب
ذكر الفرّاء أنّ سيبويه قد مات وهو لا يدري ما هو حدّ التعجب، والمقصود من كلام الفرّاء أنّ سيبويه لم يُفرد للتعجب بابًا فصّل فيه المسألة -على أهميتها- كما فعل في أبواب النحو الأخرى، ويذكر الأستاذ أحمد أحمد بدوي في كتابه "سيبويه حياته وكتابه" أنّه رجع إلى كتاب سيبويه فوجد أنّه لم يتوسع فعلًا في باب التعجب كما فعل في غيره.[١٣]
مسألة البناء
لم يوافق أبو بكر الزبيدي سيبويه في مسألة البناء وخاصّة لما ذكر سيبويه في كتابه أنّ النون تزاد في عشرة أبنية فقط، فقال الزبيدي إنّه عثر على أبنية أخرى تُزاد النون فيها فيرتفع بذلك العدد من عشرةٍ إلى اثني عشر، وقد أعرب الزبيدي عن ذلك في كتابٍ له سمّاه الاستدراك على أبنية سيبويه.[١٤]
قيمة كتاب سيبويه
لماذا عُدّ كتاب سيبويه مرجعًا في النحو على مرّ العصور؟
لقد اشتمل كتاب سيبويه على شواهد من كلام العرب، فكان موسوعة أدبية إلى جانب كونه موسوعة نحوية وصرفية، ويعدّ كتاب سيبويه أوّل كتابٍ جمع مسائل النحو على اختلافها، فلذلك كان لا غنى لطالب العربيّة عنه، وقد استنسخ علماء النحو من كتاب سيبويه نسخًا لأنفسهم، فصاروا يضعون عليها الشروحات والتّعليقات فيستفيد منها من جاء بعدهم، وقد اعتنى كثير من العلماء بشرح كتاب سيبويه، وكانوا يتسابقون في ذلك، ولعلّ أحسنها وأتقنها -كما يرى بعض الباحثين- هو شرح ابن خروف الذي قد سمّاه "تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب".[١٥]
المراجع
- ↑ أحمد أحمد بدوي، سيبويه حياته وكتابه، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ أحمد أحمد بدوي، سيبويه حياتُه وكتابه، صفحة 26. بتصرّف.
- ^ أ ب مرو بن عثمان بن قنبر، سيبويه، صفحة 446. بتصرّف.
- ↑ عمرو بن عثمان بن قنبر، سيبويه، صفحة 425، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عمرو بن عثمان، سيبويه، صفحة 653. بتصرّف.
- ↑ عمرو بن عثمان، سيبويه، صفحة 487، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث أحمد أحمد بدوي، سيبويه حياته وكتابه، صفحة 28. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد أحمد بدوي، سيبويه حياته وكتابه، صفحة 32. بتصرّف.
- ↑ أحمد أحمد بدوي، سيبويه حياته وكتابه، صفحة 32. بتصرّف.
- ^ أ ب سيبويه، الكتاب لسيبويه، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ جمال الدين القفطي، كتاب إنباه الرواة على أنباه النحاة، صفحة 351. بتصرّف.
- ↑ أبو سعيد السيرافي، كتاب أخبار النحويين البصريين للسيرافي، صفحة 40. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد أحمد بدوي، سيبويه حياته وكتابه، صفحة 40. بتصرّف.
- ↑ عبد الله درويش، كتاب المعاجم العربية مع اعتناء خاص بمعجم العين للخليل بن أحمد، صفحة 36. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح. بتصرّف.