مصطفى صادق الرافعي
هو مصطفى بن الشّيخ عبد الرزاق الرافعي، ويعودُ نسب هذه الأسرة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وأسرة الرافعي شاميّة من طرابلس، هاجر رجل منها إلى مصر واستقرّ بها، ولد الرافعي سنة 1880م في بهتيم في القليوبية، بدأ حياته شاعرًا، ولكنّه أنهاها ناثرًا لم تعرف العربيّة ناثرًا كتبَ مثله قطّ، اشتُهر بدفاعه المستميت عن القرآن وبلاغته، وحارب كلّ من سوّل له قلمه أن يكتب ولو حرفًا ينال من لغة العرب أو من كتاب المسلمين القرآن، له مؤلّفات نثريّة كثيرة منها: كتاب وحي القلم، وأوراق الورد، والسحاب الأحمر، والمساكين، وتحت راية القرآن الذي هاجم فيه المجددين وعلى رأسهم طه حسين عندما رأى من أخطائهم ما لا يُغتفر.[١]
كتاب وحي القلم
كتاب وحي القلم، أعظم كتب الرافعي كما يرى كثيرٌ من الأدباء؛ وذلك لأنّه آخر كتاب كتبه الأديب الرفعي قبل وفاته؛ فكان فيه خلاصة لغة الرافعي وفكره وآرائه ومعتقداته، فالرافعي -كما يراه كُثُر- أديب الأمّة الإسلاميّة والمُنافِح عنها في وقت كان أدباء لهم وزنهم يتّجهون باتّجاه الغرب ويُقرّونهم على ما يقولون،[٢] كطه حسين مثلًا حين أخذ برأي مرجليوث المستشرق الإنكليزي ونسف الشعر الجاهلي، والقصد من وراء هذا العمل الطعن في بلاغة القرآن الكريم الذي جاء مُعجِزًا لأهل البلاغة والفصاحة،[٣] وكتاب وحي القلم له عدّة طبعات، صدر في مجلّد واحد ضخم، وفي ثلاثة مجلّدات، وهو الغالب عليه، وصدر كذلك في عشرة مجلّدات، والكتاب هو عبارة عن مقالات كان ينشرها الرافعي في عدد من الصحف والمجلات المصرية آنذاك، كالرسالة والهلال والبلاغ والمُقتطف وغيرها، ويضخّ الرافعي في هذا الكتاب كلّ ما فيه من عاطفة ورقّة وعذوبة وغضب وسخط، وفيه مقالات في الوصف والحب وأخرى في حقائق الإسلام وما التبس على المسلمين منها؛ فكان ينتزع الحقائق من الدنيا انتزاعًا ويبعثها في نصوصه التي ضمّها في هذا الكتاب، وكذلك كان إذا ما أراد مناقشة قصّة في عصره، فإنّه لم يكن يباشرها مباشرةً بل كان يعود إلى الماضي فيأتي بقصص منه ويوظّفها بما يريد ويرويها بلغته الفريدة.[٤]
ينقسم كتاب وحي القلم إلى ثلاثة أجزاء، وفيه من المقالات من كلّ شيء، ولكنّ الذي يغلبُ على القسم الثالث أنّه -تقريبًا- موقوف على مقالات في الأدب والأدباء، وهو -لمن له هوس بالأدب- القسم الأمتع لما فيه من آراء جريئة وردودٍ بالغة على المخطئين، ولا سيّما ردّه على من قال إنّ قول العرب: "القتل أنفى للقتل" أبلغ من قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،[٥] ويردّ على القائل بأسلوب علميّ رصين يدفع به الحجّة بحجج كثيرة، وهذا جزء ممّا يسع المقام لذكره عن كتاب وحي القلم لأديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي رحمه الله تعالى.[٦]
اقتباسات من كتاب وحي القلم
إنّ كتاب وحي القلم كتاب عظيم الفائدة، فيه من كلّ شيء ولون؛ ففيه الأدب والأخلاق والعادات والتقاليد والحبّ والوصف والفلسفة والحكمة والعمق، العمق الذي يتّصف فيه الرافعي كثيرًا، فعمق الفكرة عنده تقود إلى عمق العبارة، وممّا قاله في كتاب وحي القلم من العبارات التي تستحقّ أن تكون اقتباسًا ما يأتي:[٧]
- هؤلاء المسلمين هم العقلُ الجديدُ الذي سيضع في العالم تمييزه بين الحق والباطل، وإنّ نبيهم أطهر من السحابة في سمائها، وإنّهم جميعًا ينبعثون من حدود دينهم وفضائله، لا من حدود أنفسهم وشهواتها؛ وإذا سلّوا السيف سلُّوه بقانون، وإذا أغمدوه أغمدوه بقانون.
- أكان ذنب المرأة أنّها صادقةٌ فصدقَت، وأنّها مخلصةٌ فأخلصَت، وأنّها رقيقةٌ فلانت، وأنّها محسنةٌ فرحمَت، وأنّها رقيقةُ القلبِ فانخدعَت.
- لقد أيقنت أنّ الغرام إنّما هو جنون شخصيّة المحبّ بشخصيّة محبوبه، فيسقط العالم وأحكامه ومذاهبه ممّا بين الشخصيّتين.
- إنّ دقّة الفَهم للحياة تفسدها على صاحبها كدقة الفهم للحبّ، وإنَّ العقل الصغير في فهمه للحب والحياة هو العقل الكامل في التذاذه بهما.
- المسجد يجمع الناس بقلوبهم ليخرج كلّ إنسان من دنيا ذاته؛ فلا يفكّر أحد أنّه أسمى من أحد.
- والعجز وضَعف الهمّة واضطراب الرأي في لغة العقل معانٍ ثلاثةٌ لكلمة واحدة هي الخيبة، وما أسرار النجاح إلّا الثلاثة التي تُقابلها، وهي القوة والعزيمة والثبات.
- إنّ الأديب هو مَن كان لأمّته وللغتها في مواهب قلمه لقبٌ من ألقاب التاريخ.
- وما يزال البُلهاء يُصدقون الكلام المنشور في الصحف، لا بأنّه صدق، ولكن بأنّه "مكتوبٌ في الجريدة"!
- وما ذلّت لغة شعبٍ إلا ذلَّ، ولا انحطّت إلّا كان أمره في ذهابٍ وإدبار؛ ومن هذا يفرض الأجنبي المُستعمِر لغته فرضًا على الأمة المُستعمَرة.
المراجع
- ↑ "مصطفى صادق الرافعي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "وحي القلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "ماهي أبرز المؤاخذات على طه حسين"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-01-2020. بتصرّف
- ↑ "وحي القلم"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-01-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 179.
- ↑ مصطفى صادق الرافعي (2002)، وحي القلم (الطبعة الأولى)، صيدا: المكتبة العصرية، صفحة 377، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ "وحي القلم"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-01-2020. بتصرّف.